الجمعة، 16 مارس 2012

موسوعة الفقه : باب الحجر

الحجر

.تعريفه:
الحجر في اللغة: التضييق والمنع ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن قال: «اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا: لقد حجرت واسعا يا أعرابي».
ومعناه في الشرع: منع الإنسان من التصرف في ماله.

.أقسامه:
والحجر ينقسم قسمين:
.الأول: الحجر لحق الغير:
مثل: الحجر على المفلس فإنه يمنع من التصرف في ماله محافظة على حقوق الغرماء.
فقد حجر الرسول صلى الله عليه وسلم على معاذ وباع ماله في دينه رواه سعيد بن منصور.
.والثاني: الحجر لحفظ النفس:
مثل: الحجر على الصغير والسفيه والمجنون فإن في الحجر على هؤلاء مصلحة تعود عليهم بخلاف المفلس.

.الحجر على المفلس:
المفلس هو الذي لا يملك مالا ولا يملك ما يدفع به حاجته وبلغ به الفقر إلى الحالة التي يقال عنه فيها ليس معه فلس.
وسمي مفلسا وإن كان ذا مال لأن ماله مستحق للغرماء، فكأنه معدوم لا وجود له ويعرف الفقهاء: بأنه الشخص الذي كثر دينه ولم يجد وفاء له فحكم الحاكم بإفلاسه.

.مماطلة القادر على الوفاء:
القادر على الوفاء إن ماطل ولم يف بالدين الذي حل أجله يعتبر ظالما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم» وبهذا الحديث استدل جمهور العلماء على أن المطل مع الغنى كبيرة، ويجب على الحاكم أن يأمره بالوفاء، فإن أبى حبسه متى طلب الدائن ذلك: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته».
قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين. وكان عمر بن عبد العزيز يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس. وبه قال الليث: فإن أصر على عدم قضاء الدين ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضى رب المال دفعا للضرر عنه.

.الحجر على المفلس وبيع ماله:
ومن له مال ولكنه لا يفي بديونه فإنه يجب على الحاكم أن يحجر عليه متى طلب الغرماء أو بعضهم ذلك منه حتى لا يضر بهم.
وله أن يبيع ماله إذا امتنع عن بيعه ويقع بيعه صحيحا لأنه يقوم مقامه.
وأصل هذا ما رواه سعيد بن منصور وأبو داود وعبد الرزاق من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك، مرسلا، قال: «كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا. فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه. فلو تركوا لاحد لتركوا لمعاذ لاجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شئ».
وفي نيل الاوطار: استدل بالحجر على معاذ على أنه يجوز الحجر على كل مدين.
وعلى أنه يجوز للحاكم بيع مال المدين لقضاء دينه من غير فرق بين من كان ماله مستغرقا بالدين ومن لم يكن ماله كذلك. ا.هـ.
ومتى تم الحجر عليه فإن تصرفه لا ينفذ في أعيان ماله لأن هذا هو مقتضى الحجر، وهو قول مالك وأظهر قولي الشافعي.
ويقسم المال بالحصص على الغرماء الحاضرين الطالبين الذين حلت آجال حقوقهم فقط لا يدخل فيهم حاضر لا يطلب ولا غائب لم يوكل.
ولا حاضر أو غائب لم يحل أجل حقه طلب أو لم يطلب.
وهذا ما ذهب إليه أحمد وهو أصح قولي الشافعي.
وعند مالك يحل الدين بالحجر إذا كان مؤجلا.
أما الميت المفلس فإنه يقضي لكل من حضر أو غاب، طلب أو لم يطلب، ولكل ذي دين سواء أكان الدين حالا أم مؤجلا.
ويقدم حق الله كالزكاة والكفارات على حق العباد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن دين الله أحق بالقضاء».
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز الحجر على المدين ولا بيع ماله بل يحبسه الحاكم حتى يقضي.
والرأي الأول أرجح لموافقته للحديث.

.الرجل يجد ماله عند المفلس:
إذا وجد الرجل ماله عند المفلس فله عدة صور نذكرها فيما يلي:
1- من وجد ماله بعينه عند المفلس فانه أحق به من سائر الغرماء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره» رواه البخاري ومسلم.
2- إذا تغير المال بالزيادة أو النقص فإنه ليس صاحبه أولى به بل يكون أسوة الغرماء أي مثل الغرماء.
3- إذا باع المال وقبض بعض الثمن فإنه يكون أسوة الغرماء وليس له حق في استرجاع المبيع عند الجمهور. والراجح من قولي الشافعي أن البائع أولى به.
4- إذا مات المشتري ولم يكن البائع قبض الثمن ثم وجد البائع ما باعه فهو أولى به للحديث المتقدم. ولأنه لا فرق بين الموت والافلاس. هذا عند الشافعي.
وقال أبو هريرة «لاقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به» وهذا الحديث صححه الحاكم.

.لا حجر على معسر:
وإنما يكون الحجر على المفلس في حالة ما إذا لم يتبين إعساره.
فإن تبين إعساره لا يحبس ولا يحجر عليه ولا يلازمه الغرماء بل ينظر إلى ميسرة لقول الله سبحانه: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}.
وروى مسلم أن رجلا مدينا أصيب في ثمار ابتاعها فتصدقوا عليه.
فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للغرماء: «خذوا ما وجدتم وليس لكم لا ذلك».
وإنظار المعسر ثوابه مضاعف، فعن بريدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة».

.ترك ما يقوم به معاشه:
وإذا باع الحاكم مال المفلس من أجل الغرماء فيجب أن يترك له ما يقوم به معاشه من مسكن فلا تباع داره التي لا غنى له عنها.
ويترك له من المال ما يستأجر به خادما يصلح لخدمة مثله.
وإن كان تاجرا يترك له ما يتجر به.
وإن كان محترفا يترك له آلة الحرفة.
ويجب له ولمن تلزمه نفقتهم أدنى نفقة مثلهم من الطعام والكسوة.
قال الشوكاني: يجوز لاهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه إلا ما كان لا يستغنى عنه وهو المنزل وستر العورة وما يقيه البرد وسد رمقه ومن يعول.
وفي شرحه لهذا الكلام ذكر حديث معاذ ثم قال: لكنه لم يثبت أنهم أخذوا ثيابه التي عليه أو أخرجوه من منزله أو تركه هو ومن يعول لا يجدون ما لا بد لهم منه، ولهذا ذكرنا أنه يستثنى له ذلك.ا.هـ.

.الحجر على السفيه:
ويحجر على السفيه البالغ لسفهه وسوء تصرفه.
قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}.
دلت الآية على جواز الحجر على السفيه.
قال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أم كبيرا.
وفي نيل الاوطار: قال في البحر: والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته هو صرف المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي كشراء ما يساوي درهما، بمائة لا صرفه في أكل؟ يب ولبس نفيس وفاخر المشموم لقول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون}.
وكذا لو أنفقه في القرب ا.هـ.

.تصرفات السفيه:
أفعال السفيه قيل الحجر عليه جائزة حتى يصدر الحكم عليه بالحجر.
فإذا صدر الحكم عليه بالحجر فإن تصرفه لا يصح لأن هذا هو مقتضى الحجر.
فلا ينعقد له بيع ولا شراء ولا وقف، ولا يصح له إقرار.

.إقرار السفيه على نفسه:
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان بزنى أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل. وأن الحدود تقام عليه وإن طلق نفذ في قول الاكثر. وإن أقر بمال صح إلا أنه لا يؤخذ به إلا بعد فك الحجر عنه.

إظهار الحجر على السفيه والمفلس:
من المستحب إظهار الحجر على السفيه والمفلس ليعلمهما الناس فلا يخدعوا بهما ويتعاملوا معهما على بصيرة.

.الحجر على الصغير:
وكما يحجر على السفيه لسفهه فإنه يحجر على الصغير ويمنع من تصرفه في ماله صيانة له من الضياع، ولا يمكن منه إلا بشرطين: الأول: أن يبلغ الحلم.
الثاني: أن يؤنس منه الرشد.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}.
نزلت هذه الآية في ثابت بن رفاعة وفي عمه.
وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه وهو صغير فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه إالآية.

.علامات البلوغ:
والبلوغ يثبت بظهور علامة من العلامات الاتية:
1- الإمناء سواء أكان ذلك يقظة أم مناما، لقول الله سبحانه: {وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} روى أبو داود عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم. وعن النائم حتى يستيقظ. وعن المجنون حتى يفيق».
وروى الإمام علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتم بعد احتلام» رواه أبو داود رواه البخاري.
2- إتمام خمس عشرة سنة لقول ابن عمر رضي الله عنهما: «عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني».
فلما سمع عمر بن عبد العزيز ذلك كتب إلى عماله أن لا يتعرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة سنة.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يحكم لمن لا يحتلم بالبلوغ حتى يبلغ سبع عشرة سنة وفي رواية عند أبي حنيفة وهي الأشهر: تسع عشرة سنة.
وقال في الجارية: بلوغها لسبع عشرة سنة.
وقال داود: لا يبلغ بالسن ما لم يحتلم ولو بلغ أربعين سنة.
3- نبات الشعر حول القبل. والمقصود بالشعر الشعر الاسود المتجعد لا مطلق شعر فإنه موجود في الاطفال. ففي غزوة بني قريظة كان يعرف المرء بأنه من المقاتلة بإنبات الشعر حول قبله. وقال أبو حنيفة: لا يثبت بالانبات حكم وليس هو ببلوغ ولا دلالة عليه.
4- الحيض والحمل: ويثبت البلوغ بهذه الاشياء المتقدمة.
بالنسبة للذكر والأنثى وتزيد الأنثى بالحيض والحمل لما رواه البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»، وأما الرشد فهو القدرة على إصلاح المال وحفظه من الضياع فلا يغبن غبنا فاحشا غاليا ولا يصرفه في حرام.
وإذا بلغ الشخص غير رشيد استمرت الولاية المالية عليه حتى يؤنس منه الرشد دون تحديد سن معينة للانتظار وفقا لظاهر النص القرآني خلافا لابي حنيفة ويعاد الحجر عليه إذا ظهر منه سفه بعد الرشد لأن ضرر السفيه كما قال الجصاص يسري إلى الكافة.
فإنه إذا أفنى ماله بالتبذير كان وبالا وعيالا على الناس وبيت المال. هذا من جهة الولاية على المال. أما الولاية على النفس فإنها تنقطع عن الشخص بمجرد بلوغه عاقلا وصيرورته مكلفا.
قال ابن عباس وقد سئل: متى ينقضي يتم اليتيم؟ قال: لعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الاخذ لنفسه ضعيف العطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم.
وروى سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: - {فإن آنستم منهم رشدا}.
قال: العقل لا يدفع إلى اليتيم ماله وإن شمط حتى يؤنس منه رشد.

.رفع الأمر إلى الحاكم عند رفع المال إلى المحجور عليه:
من العلماء من رأى شرط رفع الأمر إلى الحاكم واثبات رشده عنده ثم يدفع إليه ماله. ومنهم من رأى أن ذلك متروك إلى اجتهاد الوصي. والرأي الأول أولى في زماننا هذا.

.الولاية على الصغير والسفيه والمجنون:
لمن تكون الولاية؟ والولاية على الصغير والسفيه والمجنون تكون للاب.
فإن لم يكن الاب موجودا انتقلت الولاية إلى الوصي لأنه نائبه. فإن لم يكن وصي انتقلت إلى الحاكم والجد والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم إلا بالوصية.

.الوصي وشروطه:
الوصي هو الذي وكل إليه أمر المحجور عليه سواء أكان التوكيل من الاقارب أو من الحاكم، ويجب أن يكون مشهورا بالدين والعدالة والرشد سواء أكان رجلا أم امرأة، فقد أوصى عمر إلى حفصة رضي الله عنهما.

.والواجب على الوصي:
أن يعمل في مال اليتيم والمحجور عليه ما ينميه ويزيد فيه.
ويجوز عند الإمام مالك للوصي وللاب أن يشتريا من مال اليتيم لانفسهما وأن يبيعا مال أنفسهما بمال اليتيم إذا لم يحابيا أنفسهما.

.التنزه عن الولاية عند الضعف:
عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر، إنى أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم.

.الولي يأكل من مال اليتيم:
يقول الله سبحانه: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}.
أفادت هذه الآية أن الولي الغني لا حق له في مال اليتيم وأن أجر ولايته مثوبة له من الله. فإن فرض له الحاكم شيئا حل له أكله. أما إذا كان فقيرا فله أن يأخذ من ماله بالمعروف، أي المعروف في أجرة مثله لمثل العمل الذي يقوم به.
قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في هذه الآية: نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل بالمعروف.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل» والمراد النهي عن أخذ أكثر من أجرة مثله.

.النفقة على الصغير:
قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا} قال القرطبي: الوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله وحاله. فإن كان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا وحواضن ووسع عليه في النفقة. وإن كان كبيرا قدر له ناعم اللباس وشهي الطعام والخدم. وإن كان دون ذلك فبحسبه. وإن كان دون ذلك فخشن الطعام واللباس قدر الحاجة. فإن كان اليتيم فقيرا لا مال له وجب على الإمام القيام به من بيت المال. فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين الاخص به فالاخص.وأمه أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به ولا ترجع عليه ولا على أحد ا.هـ.

.هل للوصي والزوجة والخازن أن يتصدقوا بدون إذن:
وليس للوصي ولا للزوجة ولا للخازن أن يتصدقوا من المال إلا بإذن صاحب المال إلا أن يكون شيئا لا يضر المال.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجر ما كسب. وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا».