من الذي يقوم بتوزيع الزكاة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث نوابه، ليجمعوا الصدقات، ويوزعها على المستحقين، وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة فلما جاء عثمان، سار على النهج زمنا، إلا أنه لما رأى كثرة الأموال الباطنة، ووجد أن في تتبعها حرجا على الأمة وفي تفتيشها ضررا بأربابها، فوض أداء زكاتها إلى أصحاب الأموال.
وقد اتفق الفقهاء على أن الملاك هم الذين يتولون تفريق الزكاة بأنفسهم، إذا كانت الزكاة زكاة الأموال الباطنة.
لقول السائب بن يزيد: سمعت عثمان بن عفان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه، حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وقال النووي: ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين.
وإذا كان للملاك أن يفرقوا زكاة أموالهم الباطنة فهل هذا هو الافضل؟ أم الافضل أن يؤدوها للامام ليقوم بتوزيعها؟.
المختار عند الشافعية: أن الدفع إلى الإمام، إذا كان عادلا أفضل.
وعند الحنابلة: الافضل أن يوزعها بنفسه، فإن أعطاها للسلطان فجائز.
أما إذا كانت الأموال ظاهرة، فإمام المسلمين ونوابه هم الذين لهم ولاية الطلب، والاخذ، عند مالك، والأحناف.
ورأي الشافعية والحنابلة في الأموال الظاهرة كرأيهم في الأموال الباطنة.
براءة رب المال بالدفع إلى الإمام مع العدل والجور:
إذا كان للمسلمين إمام يدين بالإسلام دفع الزكاة إليه عادلا كان أم جائرا، وتبرأ ذمة رب المال بالدفع إليه.
إلا انه إذا كان لا يضع الزكاة موضعها، فالافضل له أن يفرقها بنفسه على متسحقيها إلا إذا طلبها الإمام أو عامله عليها.
1- فعن أنس قال: أتى رجل من بني تميم، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها».رواه أحمد.
2- وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا، قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم». رواه البخاري، ومسلم.
3- وعن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله - فقال: أرأيت أن كان علينا أمراء يمنعوننا حقهم؟ فقال: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم» رواه مسلم.
قال الشوكاني: والأحاديث المذكورة في الباب، استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور، وإجزائها هذا بالنسبة لامام المسلمين في دار الإسلام.
وأما:
.إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة:
فقال الشيخ رشيد رضا:
ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية، تقيم الإسلام بالدعوة إليه، والدفاع عنه والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا، أو كفائيا، وتقيم حدوده، وتأخذ الصدقات المفروضة، كما فرضها الله، وتضعها في مصارفها التي حددها - بل سقط اكثرهم تحت سلطة دول الافرنج، وبعضهم تحت سلطة حكومات مرتدة عنه، أو ملحدة فيه. ولبعض الخاضعين لدون الافرنج رؤساء من المسلمين الجغرافيين، اتخذهم الافرنج آلات لاخضاع الشعوب لهم، باسم الإسلام حتى فيما يهدمون به الإسلام، ويتصرفون بنفوذهم وأموالهم الخاصة بهم، فيما له صفة دينية، من صدقات الزكاة، والاوقاف وغيرهما. فأمثال هذه الحكومات، لا يجوز دفع شيء من الزكاة لها، مهما يكن لقب رئيسها، ودينه الرسمي. وأما بقايا الحكومات الإسلامية، التي يدين أئمتها ورؤساؤها بالإسلام، ولا سلطان عليهم للاجانب في بيت مال المسلمين، فهي التي يجب أداء الزكاة الظاهرة لائمتها. وكذا الباطنة، كالنقدين إذا طلبوها، وإن كانوا جائرين في بعض أحكامهم، كما قال الفقهاء. انتهى.