الوكالة في الزواج
الوكالة، من العقود الجائزة في الجملة، لحاجة الناس إليها في كثير من معاملاتهم.
وقد اتفق الفقهاء على أن كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه، جاز أن يوكل به غيره، كالبيع، والشراء، والاجارة، واقتضاء الحقوق، والخصومة في المطالبة بها، والتزويج، والطلاق، وغير ذلك من العقود التي تقبل النيابة.
وقد كان النبي، صلوات الله وسلامه عليه، يقوم بدور الوكيل في عقد الزواج بالنسبة لبعض أصحابه.
روى أبو داود، عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم.
وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت: نعم.
فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها، ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا - وكان ممن شهد الحديبية - وكان من شهد الحديبية لهم سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف.
وفي هذا الحديث دليل على أنه يصح أن يكون الوكيل وكيلا عن الطرفين.
وعن أم حبيبة: «أنها كانت فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عنده» رواه أبو داود.
وكان الذي تولى العقد عمرو بن أمية الضمري وكيلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكله بذلك.
وأما النجاشي، فهو الذي كان قد أعطى لها المهر فأسند التزويج إليه.
من يصح توكيله ومن لا يصح:
يصح التوكيل من الرجل العاقل البالغ الحر، لأنه كامل الأهلية.
وكل من كان كامل الأهلية، فإنه يملك تزويج نفسه بنفسه.
وكل من كان كذلك فإنه يصح أن يوكل عنه غيره.
أما إذا كان الشخص فاقد الأهلية، أو ناقصها، فإنه ليس له الحق في توكيل غيره، كالمجنون، والصبي، والعبد، والمعتوه، فإنه ليس لواحد منهم الاستقلال في تزويج نفسه بنفسه.
وقد اختلف الفقهاء في صحة توكيل المرأة البالغة العاقلة في تزويج نفسها، حسب اختلافهم في انعقاد الزواج بعبارتها.
فقال أبو حنيفة: يصح منها التوكيل كما يصح من الرجل، إذ من حقها أن تنشئ العقد.
وما دام ذلك حقا من حقوقها، فمن حقها أن توكل عنها من يقوم بإنشائه.
أما جمهور العلماء فإنهم قالوا: إن لوليها الحق في أن يعقد عليها من غير توكيل منها له.
وإن كان لابد من اعتبار رضاها كما تقدم.
وفرق بعض علماء الشافعية بين الاب والجد، وبين غيرهما من الأولياء.
فقالوا: إنه لا حاجة إلى توكيل الاب والجد، أو غيرهما فلابد من التوكيل منها له.
.التوكيل المطلق والمقيد:
والتوكيل يجوز مطلقا ومقيدا: فالمطلق: أن يوكل شخص آخر في تزويجه دون أن يقيده بامرأة معينة، أو بمهر، أو بمقدار معين من المهر.
والمقيد: أن يوكله في التزويج، ويقيده بامرأة معينة.
أو امرأة من أسرة معيبة، أو بقدر معين من المهر.
.وحكم التوكيل المطلق:
أن الوكيل لا يتقيد بأي قيد عند أبي حنيفة.
فلو زوج الوكيل موكله بامرأة معيبة أو غير كف ء، أو بمهر زائد عن مهر المثل جاز ذلك، وكان العقد صحيحا نافذا، لأن ذلك مقتضى الاطلاق.
وقال أبو يوسف ومحمد: لابد أن يتقيد بالسلامة والكفاءة ومهر المثل.
ويتجاوز عن الزيادة اليسيرة التي يتغابن الناس فيها عادة.
وحجتهما: أن الذي يوكل غيره إنما يوكله ليكون عونا له على اختيار الاصلح بالنسبة إليه.
وترك التقييد لا يقتضي أن يأتي بأي امرأة، لأن المفهوم أن يختار له امرأة مماثلة بمهر مماثل، ولابد من ملاحظة هذا المفهوم واعتباره، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وهذا هو الرأي الذي لا ينبغي التعويل إلا عليه.
.وحكم التوكيل المقيد:
أنه لا تجوز فيه المخالفة إلا إذا كانت المخالفة إنى ما هو أحسن.
بأن تكون الزوجة التي اختارها الوكيل أجمل وأفضل من الزوجة التي عينها له، أو يكون المهر أقل من المهر الذي عينه.
فإذا كانت المخالفة إلى غير ذلك، كان العقد صحيحا غير لازم على الموكل.
فإن شاء أجازه، وإن شاء رده.
وقالت الأحناف: إن المرأة إذا كانت هي الموكلة، فإما أن توكله بمعين، أو غير معين.
فإن كان الأول، فلا ينفذ العقد عليها إلا إذا وافقها في كل ما أمرته به، سواء كان من جهة الزوج أو المهر.
وإن كان الثاني - وهو ما إذا أمرته بتزويجها بغير معين، كما إذا قالت له: وكلتك في أن تزوجني رجلا، فزوجها من نفسه، أو لابيه، أو لابنه - لا يلزم العقد، للتهمة.
فإن حصل ذلك توقف نفاذ العقد على إجازتها.
فإن زوجها بغير من ذكر: أي بأجنبي.
فإن كان الزوج كفئا، والمهر مهر المثل، لزم النكاح وليس لهاولا لوليها رده.
وإن كان الزوج كفثا، والمهر أقل من مهر المثل - وكان الغبن فاحشا - فلا ينفذ العقد، بل يكون موقوفا على إجازتها وإجازة وليها، لأن كلامنهما له حق في ذلك.
وإن كان الزوج غير كفء وقع العقد فاسدا.
سواء كان المهر أقل من مهر المثل، أو مساويا له، أو أكثر، ولا تلحقه الاجازة، لأن الاجازة لا تلحق الفاسد وإنما تلحق الزواج الموقوف.
.الوكيل في الزواج سفير ومعبر:
تختلف الوكالة في الزواج عن الوكالة في العقود الاخرى، فالوكيل في الزواج ما هو إلا سفير ومعبر لاغير، فلا ترجع إليه حقوق العقد، فلا يطالب بالمهر ولا بإدخال الزوجة في طاعة زوجها إذا كان وكيل الزوجة، ولا يقبض المهر عن الزوجة إذا كان وكيلا عنها إلا إذا أذنت له، فيكون إذنها توكيلا له بالقبض.
وهو غير توكيل الزواج الذي ينتهي بمجرد إتمام العقد.