الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الولي

الولي

 مع الاسم السادس والثلاثين من أسماء الله الحسنى ألا وهو اسم الولي، الله سبحانه وتعالى ولي الذين آمنوا، وهو من أقرب الأسماء إلى المؤمن، والحياة كما ترون محفوفة بالمخاطر، يمكن أن تنقلب حياة الإنسان إلى كتلة من الشقاء لأتفه الأسباب فمن هي الجهة التي تحمي المؤمن وتحفظه وتربيه وترشده وترعاه وتؤيده وتنصره وتدافع عنه وتوقظه وتلفت نظره؟ الله هو الولي،هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في آيات كثيرة جداً، أول هذه الآيات وأوضحها:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
[البقرة: الآية 257]
 يعني فصاحب الأسماء الحسنى خالق الكون الرب المسير العليم الحكيم الرحيم الغني القوي، هذه الذات الكاملة هذه الذات التي لا حدود لقدرتها ولا لرحمتها ولا لقوتها ولا لغناها الله هو ذاته على علوِّه وعظمته وجلاله، الله ولي الذين آمنوا، مثلا يمكن أن يكون بقصر العدل آلاف المحامين إلا أربعة أو خمسة في قمة هؤلاء، إذا سألت واحداً له قضية مَن محاميك؟ يقول لك فلان يذكر اسمه بملء فمه ويفتخر، المحامي الفلاني اللامع القدير المتمرس الخبير القوي صاحب الحجة صاحب الإطلاع هو وكيلي، ألا تكفينا آية؟ ألا تكفينا هذه الآية أنك إذا آمنت وإذا استقمت يصبح خالق الكون وليك، خالق السماوات والأرض هل لك خصوم ؟ كلهم بيده، حركتهم وأفكارهم وخططهم وقوتهم وأسلحتهم، كلها بيد الله عز وجل، فإذا كنت مع الله عز وجل من يستطيع أن يقف في وجهك؟ من يستطيع أن يكيد لك ؟ من يستطيع أن ينال منك؟ من يستطيع أن يقهرك ؟ من يستطيع أن يحيف عليك ؟ ألا تكفينا هذه الآية ؟
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
[البقرة: الآية 257]
 ما عليك إلا أن تؤمن، دعونا نقترب من طبيعة الحياة،هذا الذي له صلة بشخص قوي يعتز به، ويثني عليه، ويحتمي به، ويهدد به، ويستعلي به ويتطاول به، يقول لك، معي رقم هاتفه وهو الذي قال لي خبِّرني عند كل بادرة، و الله عز وجل الذي رفع السماوات بغير عمدٍ يقول: لك إذا آمنت بي فأنا وليك، وأنا أُدافع عنك وأنا أنصرك، وأنا أحفظك وأُؤيِّدك وأنا أحميك وأنت بِعيني.
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾
[الطور: الآية 48]
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
 الكفر ظلمات بعضها فوق بعض، متاهات تُرّهات أضاليل أكاذيب حقائق مُزوَّرة، أفكار هدامة تناقضات تمزقات، أفكار مهترئة لا تقف على قدميها، هذا هو الكفر أباطيل وظلمات، المعاصي ظلمة، الكفر ظلمة، الشرك ظلمة، فهذا مشرك على عاصٍ على ملحد على فاسق على منافق على منحرف على دجال على أناني على صاحب حظ، الله قال ظلمات بعضها فوق بعض، أما المؤمن يخرجه من الظلمات إلى النور، نور الحق، نور الهدى نور المنهج نور معرفة حقيقة الحياة وحقيقة الكون وحقيقة الإنسان وماذا قبل الدنيا ؟ وماذا في الدنيا ؟ وماذا بعد الدنيا ؟ هذه هي الآية:
﴿ اللَّهُ ولي الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
[ سورة البقرة ]
 سيدنا يوسف ماذا فعل به إخوته ؟ ألقَوْه في غيابة الجب، تآمروا على قتله، حسدوه ضاقت نفوسهم به، ومع أن الله عز وجل مكنهم أن يضعوه في غيابة الجب، ومع أن الله عز وجل أقدرهم على أن يضعوه في قعر بئر، لكن انظروا إذا كان الله ولي المؤمن كيف يكون المصير؟ صار عزيز مصر هذا الذي أُلقي في البئر لِيَموت يقيناً، كيف أن الله ألْهَم قافلة وأحوجها إلى الماء وأرسلت واردها فأدلى دلوه.
﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)﴾
[يوسف: الآية 19]
 قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة وباعوه في مصر واشتراه العزيز وقال لامرأته أكرمي مثواه، إذا الله عز وجل تولى أمرك، واللهِ الذي لا إله إلا هو لا تستطيع قوى الأرض مجتمعةً أن ينالوا منك، وإذا تخلى الله عنك تنقضي الحياة على أتفه سبب، يموت حَتْفَ أنْفِه، ماذا قال سيدنا يوسف حينما توجَّه إلى الله جل وَعَلاَ ؟، قال:
﴿رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾
[يوسف: الآية 101]
﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾
 فيا أخي المؤمن ناج ربك، قل له: يا رب ليس لي رب إلا أنت أنت وليي، حسبي الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله،رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً، أليس لك مع الله ساعة مناجاة وابتهال وتضرع وخشوع وإقبال ودعاء ؟ هكذا ناجِهِ وتوسل إليه، لا تعتمد على زوجتك ولا على ولدك ولا على أخيك ولا على صديقك ولا على صحتك ولا على مالك.
 أحد أطباء أمريكا الذين يُشار إليهم بالبنان، ومن اختصاص القلب، بعد دراسة طويلة وخبرات واسعة وتدريب، وجد أن الجري خير وقاية للقلب، فنشر المقالات وألقى المحاضرات وألف الكتب ومارس الجري، واعتمد على الجري دون الله فمات وهو يجري أجل، الجري مفيد، وموته وهو يجري لا يُلغي قيمة الجريٍ، لكنك إذا اعتمدت على شيء أوتيت منه، يُؤتى الحذِر من مأمنه، تجد طبيبا ذا اختصاص بجهاز الهضم من الطراز الأول مُصابٌ بِقَرْحَة لأنه يتوهم أنه طبيب يعلم ما ينبغي وما لا ينبغي اعتمد على علمه ولم يعتمد على الله عز وجل فأُصيب في اختصاصه وهذا من حكمة الله عز وجل.
 أيها القراء الأكارم، أكاد أقول هناك حالتان لا ثالثة لهما: -وأنا واللهِ أعني ما أقول- أنت بين حالتين: إما أن يتولى الله أمرك، وإما أن يكلك إلى نفسك: يتولى الله أمرك إذا كنت عبداً له وافتقرت إليه وتوكلت عليه وأقبلت عليه، ويتخلى عنك أو يكلك إلى نفسك إذا قلت: أنا. ولا أدل على ذلك من قصتين شهيرتين عظيمتين قرآنيتين لمعركتين من معارك رسول الله صلى الله عليه و سلم:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
[آل عمران: الآية123]
 وقوله تعالى:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
[التوبة: الآية 25]
 أنت في عملك وفي بيتك وفي اختصاصك ومع زوجتك وجيرانك ومع دراستك وكسبك للمال، حينما تعتمد على الله يتولى الله أمرك وحينما تعتمد على نفسك يكلك الله إليها، قال سيدنا يوسف: أنت ولي في الدنيا والآخرة دعاء لطيف، والمؤمنون ماذا يقولون ؟
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾
[البقرة: من الآية 52]
 الإيمان ليس كلاما تسمعه ولا أفكاراً تعتقدها ولا طقوسا تؤديها، الإيمان اتصال بالله، وأن تكون حسن العلاقة مع الله عز وجل، تسأله وتناجيه تدعوه وتتوكل عليه ترجوه تستغفره
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)﴾
[الأنعام: الآية 62]
 ما معنى كلمة الحق؟ أي لا مولى بحق إلا الله، فالناس لضعف إيمانهم ولشركهم الخفي يعتقدون أن زيداً أو عُبيداً قوي ويَدْعَمُهم ويأخذ بِيَدهم ويحفظهم،هذا ولي باطل، الولي الحق هو الله جلَّ في علاه. أيُّ جهة دون الله إذا اتخذتها ولياً فأنت مبطل لأن الذي اتخذته ولياً باطل والباطل لا يقوم على قدميه، زائل.
﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾
 اسمعوا قوله تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
[محمد: الآية 11]
 مثلهما مثل طفلين أحدهما بلا أب ولا أم ولا مال ولا بيت، ينام بالطرقات و بالحدائق قلبه ممتلىء خوفاً، وآخر له أب مقتدر وعالم وديِّن وغني وللطفل غرفة خاصة به، إذا مرض يؤخذ فوراً إلى الطبيب، ويقدم له أحسن دواء وأرقى مستشفى، إذا لم يحرز قصب السبق بالرياضيات يوفر له أساتذة يأتونه إلى البيت هذا الطفل له أب ولي يقوم عليه والآخر دون أب ولا أم ولا جهة تحميه، حالته تعيسة جداً هذا معنى قوله تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
[محمد: الآية 11]
 ولله المثل الأعلى، فالكافر لا ولي له لأنه رفض أن يكون الله وليه وأدار ظهره للدينِ والقرآن، والحياة كلها مفاجآت ؛ تجد إنساناً بأعلى مكان وأعلى مرتبة وفجأةً يصبح أشلاء قال تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
[محمد: الآية 11]
 وقال تعالى:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾
[يونس: الآية62]
 والمعنى الأول للولي هو المُتَولي، والمتولي هو الذي يقوم بالأمر كولي اليتيم يرعاه بدراسته وصحته وجسمه وغدائه وطعامه وأخلاقه وعلمه، أيُّ خلل يسارع إلى معالجته يعطيه ويحفظه ويُوليه، الولي مِن الفعل تولى، وتولى الأمر: دَبَّرَهُ وأقام عليه، إذْ يستحيل أن يكون الابن بدمشق والأب بلندن ويربي الأب ابْنَهُ تربيةً جيِّدة فالقرب من لوازم الولي ؟ أجل، القرب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( أيَّةُ امرأة قَعَدَت على بيْت أوْلادِها فهي معي في الجنة ))
 ولا تستطيع المرأة أن تربي أولادها وهي غائبة عنهم لا طعام ولا عناية ولا غسيل ولا نظافة ولا تربية ولا دراسة، فالولي هو المُرَبِي الذي يتولى شؤون عبده كلها، حاله كحال الصحة، فإذا الإنسان خالف منهج صحته هناك أجهزة الإنذار لا يموت مباشرة، فأجهزة الإنذار تنبهه، هذا أهمل أسنانه تأتيه آلام فالآلام جرس إنذار مبكِر، فربنا عز وجل تولى تربية أجسامنا ؛ فهذا النسيج اللحمي يلتئم حسب الظاهر من تلقاء نفسه، لكن لولا أن الله سبحانه وتعالى صممه بطريقة يلتئم بها لما التأم، هل سمعت مرةً أن شخصاً انكسرت سيارته والتأم الانكسار وحده؟! هل يتم هذا بعالم السيارات؟ أما بعالم البشر فممكن، إذْ وظيفة الطبيب العظمي أن يضع العظمة بجانب العظمة وانتهى دوره ويتولى الله جل في علاه اِلتئامَ العَظْمَتَين إذْ الخلايا العظمية بعد اكتمال نُمُوِّ الإنسان تنام وتدخل في سُبات: ثلاثين سنة، خمسين سنة، فإذا حصل كسر تستيقظ ويَلْتئِم الكسر، فالله هو الولي، يتولى أمورك يعتني بك ويربيك ويلاحظ أحوالك إقبالك وإدبارك وانحرافك واستقامتك وإخلاصك ورياءك ؛ بل إن الإنسان يُعالج في كل ثانية، لا يحدث شيء على وجه الأرض إلا بحكمة مطلقة وخير مطلق ومعالجة مطلقة، وهذا هو معنى:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
 وهو ولي كل خلقه حتى الكافر، فالكافر يُتَولى ولكن بطريقة أخرى.
 المعنى الثاني لكلمة ولي: الناصر، قوله تعالى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)﴾
[التوبة: الآية 71]
 ينصر بعضهم بعضاً، وقوله تعالى:
﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)﴾
[فصلت: الآية 31]
 أيْ ننصركم على عدوكم في الدنيا والآخرة، وأولياء السلطان أنصاره، فالمعنى الأول: الولي هو المربي الذي يتولى أمر عباده جميعاً، والمعنى الثاني الولي: الناصر.
 والمعنى الثالث: المُحِبُّ، والدليل قوله تعالى:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
[البقرة: الآية 257]
 أيْ يحبهم، إذاً هو يرعاكم وينصركم ويحبكم، لكن لو فتحنا كتب اللغة على معنى الولي لَوَجدنا أن الولي يُطلق على المُعْتِق و المُعْتَقِ أيْ على السيِّد والعَبْد في وقت واحدٍ وعلى الناصِر وعلى الجار وعلى ابن العم وعلى الحليف وعلى القّيِّم بالأمر، فهذه المعاني المتباعدة المختلفة أليس لها خيط يضمها جميعاً ؟ قالوا المعنى الذي يجمعها جميعاً ؛ الولي: القريب والدليل حينما قال الله عز وجل:
﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)﴾
[القيامة: الآية34]
 و معنى أولى لك فأولى أيْ اقترب منك ما أنذرك الله به، ويكاد أن يتحقق، أيضاً قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)﴾
[التوبة: الآية 123]
 فكل معاني الولاية تصل فيما بينها أواصر معنى واحد يجمعها، وهو أن الله جل في عُلاه مع عباده والدليل قوله تعالى
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾
[الحديد: الآية 4]
 هذه المعية العامة وقوله تعالى:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾
[التوبة: الآية36]
 هذه المعية الخاصة، موضوع القرب يحتاج إلى تفصيل.
 إذا أمسك أحدهم مذياعاً موصولاً بمأخذ كهربائي وضمه إلى صدره وجعله بين جوانحه واشتد عليه أيهما أقرب إلى المذياع الذي ضمه بين جوانحه أم الكهرباء التي يعمل بها ؟ الكهرباء الذي تغذيه ولذلك
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾
[ق: الآية16]
﴿ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾
 فمهما شعرت أنَّ زوجتك أو ابنك أو جارك أو شريكك قريب، فالله عز وجل أقرب إليك من نفسك.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
[الأنفال: الآية24]
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾
 فالمراقبة أساسها الشعور أن الله معك أحياناً بالصيف يرتدي الإنسان قميصاً داخلياً فإذا طُرق بابه، فأول شيء يفعله أن يرتدي عباءته ويستحي أن يظهر أمام الضيف بقميص داخلي، من أرقى أحوال المؤمن حال المراقبة، فيوقن أن الله معه في خلوته وجلوته وفي سفره وحضره، والإيمان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا هو حال المؤمن مع الله، هو حال الإحساس أن الله معه يستحي من الله عز وجل، لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى مستأجراً استأجر أجيراً فأراد أن يغتسل فاغتسل أمام الناس عُرياناً فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:
((خذْ أَجاَرَتَكَ لا حاجة لنا بك إني أراك لا تستحي من الله))
 بلغني أنه في بعض الدول التي تؤمن أنه (لا إله) والتي أزالها الله، أن طالبًا جامعيًا ذهب ليدرس في جامعتها فوجد مراحيضها بلا حواجز فمئة طالب يدخلون إلى هذا البهو الكبير، يقضون حوائجهم أمام بعضهم بعضاً، والحمامات كذلك كلهم لا يستحيون من الله، فالإنسان يظهر حياؤه في ستر عورته ويحرص على أن يظهر أمام الناس بأجمل مظهر، أما هذا الذي لا يبالي ولا يرعوي فهو إنسان لا يستحي من الله، قال له خذ أجارتك لا حاجة لنا بك، فإنني أراك لا تستحي من الله،فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق ما رُئِيَ مادًّا رجليه قط في كل حياته، فالله قريب قريب وهو الولي الحميد، تُوكل تربية ابنك إلى معلم يكون قاسياً يضربه ضرباً مبَرِّحاً أو بالعكس يهمله، قد يكون هناك معلم يدخل إلى الصف يُلقي درسا ولا يعطي وظيفة، فالطالب طيلة السنة مستمع، و المعلم ألقى الدروس والطلاب في واد وهو في واد، ما أمسك بيده قلماً ولا شرح بيتاً شعرياً مثلا فهذا الطفل لا تنمو قدراته العلمية إذْ نمو العلم بالممارسة، فهذا ولي غير حميد.
 و حظ المؤمن من هذا الاسم أن يكون ولياً لله عز وجل، والتعريف الدقيق هو:
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾
[يونس: الآية 63]
 فإذا كنت تحب أن يكون الله وليك ؟ فكن وليه بالإيمان به والاستقامة على أمره، وعندها يصبح خالق الكون وليك.
 تشعر أن الله هو الذي ساق لك هذا وصرف عنك هذا، وفرّج عنك وضيَّق عليك..فأنت مؤمن لشعورك أن الله هو مربيك، لا لأنَّ الإيمان منطقي كما يحلو لبعضهم أن يدَّعي، حدثني أخ أنه ذهب نزهةً يومَ جمعةٍ من وعادته حضور درس علم في هذا اليوم ففقد في رحلته هذه وثائق سيارته ومبلغاً من المال، لقد ربّاه الله و لقّنه درسا والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ ))
 أفضل خروج تخرجه من بيتك هو أن تتجه إلى مجلس علمٍ لا إلى صفقة، ولا جلسة، ولا مصلحة، ولا ضِيافة، فهناك أهداف الدنيا ممتنعة لأنه بيت الله عز وجل، إذا خرجت من بيتك متجهاً لمجلس علم، أَتُحِبّ أن يكون الله وليك ؟إن كان كذلك وضعت الملائكة لك أجنحتها رضىً بما تصنع، وهذا ملخَّص مفيد إن شاء الله تعالى.
 الحياة ممتلئة بالمخاطر ومخيفة، وفيها منزلَقات ؛ زرتُ صديقاً لي ببيته وهو في أوج صحته وفي أعلى درجات الترف بعد يومين شعر بضيق التنفس فإذا به يعاني من مرض خطير، فالإنسان بلحظة تصبح حياته جحيماً، إذا كنت صالحاً وألمَّ بك مرض فقل الحمد لله، لكن المصيبة أن تكون غارقاً في المعاصي والشهوات، وحقوق العباد متعلقة برقبتك ويداهمك المرض العضال، فسيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبة قال الحمد لله ثلاثاً: الحمد لله إذ لم تكن في ديني ؛ فإذا كان دخلك حلالاً وصلتك بالله قريبة فكل شيء من مصائب الدنيا هيِّن، فهذه الصحابية الجليلة مات أبوها و وزوجها وأخوها وابنها بمعركة أُحد،وهي تقول ما فُعل برسول الله حتى رأته بأم عينيها فقالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جَلَلٌ، فإذا كنت مستقيماً على شرع الله، دخلك حلال وتغض بصرك وتخشع في صلاتك وتتلو كتاب ربك ولك مجلس علم فكل مصيبة بعد هذا تهون، لي قاعدة ألتزمها في حياتي خلاصتها أنني ألا أيأس: فإذا وقعت دوني مشكلة أقول هذه لاتتعدى اليومين إن شاء الله وهذه لا تتعدى ساعة فكل حال يزول مع الزمن، فكل مصائب الناس تجد أولها صعباً و آخرها سهلاً، مات شخص تحزن عليه وبعد شهرين تنساه، أذكر القارئ الكريم: إذا كنت مع الله كان الله معك.
 و إذا أردت أن يكون الله وليك ينبغي أن تكون وليه، وكي تكون ولياً لله فالقضية سهلة جداً إذْ يكفي أن تكون مؤمناً به ومستقيماً على صراطه "
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾
[يونس: الآية62]
 تواجه الشاب عدةُ عقبات فيما يخص مستقبله، هل هو مشرق أم عابس مكفهر ؟ هل زواجه ناجح ؟ هل ذريته صالحة ؟ إذا كان هذا الشاب مؤمناً بالله فإنه يقول:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾
[التوبة: الآية51]
 كلمة هو مولانا لها معنى دقيق، أيْ: لن يصيبنا إلا الخير، فمادام الله هو مولانا فلن يصيبنا إلا الخير.
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)﴾
[التغابن: الآية13]
 بعضهم قال: الولي من نصر أولياءه وقهر أعداءه، والولي بحُسن رعايته منصور، والعدو بحكم شقاقه مقهور، والأمور تدور، وحياتنا لا تستقر إلا بنصر المؤمن وقهر الكافر، فالعبرة بالاستقرار، المؤمن يُبتلى لكن لا تستقر حياته إلا بإكرام الله له، والكافر تجده مشتتا وهناك ولا تستقر حياته إلا على الهلاك، إذا أردت الجواب الدقيق فراقب شيخوخة مؤمن وشيخوخة كافر، المؤمن كلما تقدمت سنه كلما ازداد عقلا وعلما ونوراً ومكانة بين أولاده وإخوانه وجيرانه ومجتمعه، اُنظر إلى وجهه، والله إن النظر إلى وجه العلماء عبادة ! اُنظر طِيبَ سريرته، وانظر إلى علاقاته الطيّبة، تراه عفُوًّا سميحاً كريماً متواضعاً ثم انظر إلى إنسان أمضى عمره في الشهوات، انظر إلى شيخوخة عمره.
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)﴾
[النحل: الآية70]
 لذلك لا يُعتَمد على فترة الشباب لأن المعوّل عليه خريف العمر، هناك رجل صالح ذهب إلى المدينة المنوَّرة لِيُجاور النبي عليه الصلاة والسلام، قيل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له: عملك في بلدك خير من مجاورتي إذا جاورتني تسعدُ ولا ترقى وتوقف عملك ( في الحج نسعد جدًّا عند رسول الله، أما في بلدنا نعمل الصالحات فنرْقى، هناك نأكل وننام ونزور ونبكي، ونعود إلى بلدنا، لكن في بلدنا نعين على الإنفاق، فهناك أماكن يسعد بها الإنسان ولا يرقى، وأماكن يرقى ويسعد) فعاد إلى الشام وأسَّس مدرسة دينيَّة وهي موجودة حتى الآن، وعلَّم فيها ثمانين عامًا حتى كان يقول لبعض تلاميذه: يا ابني كان أبوك تلميذي، وكان جدّك تلميذي !، وعاش ستَّة وتسعين عامًا بِقامة منتَصِبة، وَبَصرٍ حادّ، وسمع مرهف، وأسنان منتظمة، ونشاط في الجسد، وقوَّة في الروح، وكل من سأله: ما هذه الصحَّة يا شيخ ؟ يقول: يا بني حفظناها في الصِّغر، فَحَفظها الله علينا في الكبر!

 لا أظن أن إنساناً غض بصره عن محارم الله إلا حفظ الله له عينيه، وما أصغى بأذنيهِ لكلام الله ولكلام النبي العدنان إلا حفظ الله له سمعه، وآخَرُ سار إلى المساجد يحفظ الله له رجليه، وذاك أنفق بيده اليمنى صان الله يديه، واعلم أنَّهُ ما من عثرة ولا اختلاج عِرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله عنه أكثر، فالولي بحُسن رعايته منصور والعدو بحكم شقاقه مقهور، يقول الناس: ذاك إنسان إنسان فطس، تعبيراً عن موته فهو غارق بالشهوات والزنا والانحراف، فإذا أمضى حياته بالمعاصي يكون هيِّناً على الناس،
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾
[الدخان: الآية29]
 أما المؤمن فهو غالٍ على الله عز وجل وعلى الناس، لذلك صنائع المعروف تقي مصارع السوء، مرةً كنت متجها لسوق الحميدية وجدت شخصاً ميتاً، غِبْتُ ستة ساعات ورجعت ولم يأتِ قاضي التحقيق بعد، ومرة كنت بتعزية وجلس أمامي عالم جليل سألته عن صحته وحاله ثم قام من التعزية وخرج فشاهده شخص لا يعرفه- واحتراما لهذا العالم - أوصله بالسيارة إلى بيته، وبيته بالطابق الرابع وبعدها صعد ودخل بيته وغيَّر ثوبه أسل روحه إلى ربه، فلو أراد أن يستأجر مركبة لما وصل، فسبحان الله ذاك مات بالطريق وهذا مات بفراشه، وتجد من يموت بالمرحاض، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، ألا تريد شَيْخوخة منوَّرة ؟ وشَيخوخة فيها وقار، خالية من خرف فكن ولي الله، أسمعُ قِصصًا عن المتقدِّمين في السنّ زوجته تعيِّره وأولاده يقولون له إذا تكلم: اصمت ! لقد سمعنا هذه القصة منك آلاف المرات، ويصبح عبئًا عليهم، فهذا لم يحفظ نفسه و جوارحه في الصِّغَر، لذا فاحْفظها في الصِّغَر يحفظها الله عليك في الكِبَر، فمن عاش تقياً عاش قوياً زرت عالماً عمره خمس و ثمانون سنة لا يزال قوياً، يذهب إلى عمله كل يوم، وله عمل رسمي فهنأته على نشاطه وسلامة جسمه، وهناك بعض العلماء في مصر عاش مئة وثلاثين سنة ويتمتَّع بأعلى درجات الصحَّة، فالقاعدة: الأتقى هو الأقوى والعاقبة للمتقين، والقضيّة واضحة تمامًا، من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، حدثني طبيب أن مريضاً أُصيب بضيق في الشرايين والحل هو أن يُكثر الناس الكلام معه كي يفكر فإذا فكر توسعت الشرايين وتغذى الدِّماغ أما قارىء القرآن والمصلي يحدث معهما نشاط ذهني من هذه الصلاة فقلما تجد إنساناً مصلياً ومن المكثرين لقراءة القرآن يصل إلى درجة الخرف.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾
[فصلت: الآية30]
 أكثر شيء بحثنا هذا أن تكون ولياً لله، حتى تستحق أن يكون الله وليك والحياة مزرعة الآخرة، بها ترقى، وليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، فهذا الذي ينسحب من الحياة دراسة و عملًا وهو عبء على الآخرين فهو ليس كاملا في إيمانه، ولا من ترك آخرته لدنياه،أهمل الآخرة وغاص في الدنيا ثم فوجىء بالموت ولكن من أخذ من كليهما فإن الأولى مطية للثانية.
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[البقرة: الآية 257]
 وقوله تعالى:
﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾
[يوسف: الآية101]
 الله ولي الخلق جميعاً صالحهم وطالحهم، مؤمنهم وكافرهم، ولايته للصالحين إكرامهم، وولايته للكافر تربيته وتأديبه والدليل:
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
[الأنعام:الآية147]
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
[الأنعام:الآية147]
 الآية الأولى:
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)﴾
[الشورى:الآية9]
 فالله هو الولي و هذه تعني شيئاً بالبلاغة هذه تعني القصر أيْ لا ولي إلا الله، فمن اتخذ غير الله وليا بقي بلا ولي لأن ما سوى الله لا يُسمى ولياً.
 الآية الثانية:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)﴾
[الشورى: الآية28]
 تحوي هذه الآية معنىً إضافياً، فأول آية:
﴿ هُوَ الْوَلِيُّ ﴾
 أيْ لا ولي إلا الله، بينما الآية الثانية:
﴿ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) ﴾
 تشير هذه الآية إلى أن ولاية الله مطلقة في كمالها، مثلاً قد تجد أماً مهملة وأباً مهملاً ومقصراً، أما الله عز وجل إذا تولى مؤمناً فولايته مطلقة في كمالها وصوابها.
 الآية الثاثة:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
[البقرة: الآية257]
 تشير هذه الآية إلى أنه لا بد لك من ولي فإما أن يكون الله وليك وإما أن يكون الشيطان وليك، إما أن تتحرك بإلهام الملائكة من الله، وإما أن تتحرك بوساوس الشياطين، فلا بد من أن تكون عبداً، عبداً لله أو عبداً لعبدٍ لئيم، تجد الذين استنكفوا عن عبادة الله أذلهم الله أمام من هم أصغر منهم وحقرهم أمام الآخرين، فإما أن يكون الله وليك أو لا بد من أن يكون الشيطان وليك، فالشيطان يأمركم بالسوء والفحشاء وأن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
 الآية الرابعة:
﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)﴾
[الجاثية:الآية19]
 الولاية هنا مجازية لا بمعناها الحقيقي وإنما بمعناها المعاكس، أيْ الظالمون يُورِّط بعضهم بعضاً في التهلكة والهلاك قال الله عز وجل:
﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) ﴾
 و المتقون هم الطائعون، فالله يتولى المتقي والظالم يتولى الظالم.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾
 آية أخرى:
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)﴾
[الأعراف:الآية196]
 إذا جاء التولي مع الصالحين كان ذلك تولياً بالإكرام، أما إذا لم يكن الإنسان صالحاً يتولاه الله بالمعالجة.
 آية أخرى:
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)﴾
[المائدة:الآية56]
 إذا نظرت في التاريخ طالعك: أبو جهل وأبو لهب وأمية ابن خلف ؛ هؤلاء ما مصيرهم؟ قُتِلوا في بدر ثم قذفوا في البئر، وخاطبهم النبي أمواتا فقال: لقد كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس، أَوَجَدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً، والنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام رفعهم الله مكاناً عليًّا، اُنظر عبْر التاريخ فكل الذين والوا الله ورسوله أكرمهم الله عز وجل ورفع قدرهم وحفظهم والذين وَالوا الشيطان أُهلكوا ودُمِّروا وأصبحوا في مزبلة التاريخ ؛ إذا هي إحدى المنزلتين، إما في سجل الخالدين وإما في مزبلة التاريخ، الذي وقف مع الحق ونصر دين الله عز وجل نصره الله عز وجل:
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾
[يونس:الآية62-63]
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
 فالله يعطيك في هذه الدنيا بعض النفحات وبعض التجليات وبعض المؤانسات والرصيد يوم القيامة:
﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
[آل عمران:الآية185]
 لكن لهم البشرى في الحياة الدنيا، حتى إن بعض العلماء قال: حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أبو بكر في الجنة ))
 أيْ الآن في الجنة ؛ جنة القرب لأن المبشر بالجنة له جنة في الدنيا والدليل:
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾
[الرحمن:الآية46]
 فالأولى في الدنيا، إذاً:
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
 الآية الأخيرة:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾
[آل عمران:الآية103]
 فبِفضْل تولية الله للمؤمنين صاروا أولياء متحابين بعدما كانوا أعداء متباغضين.
 وكذلك قوله:
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً (45)﴾
[النساء:الآية45]
 فالله عز وجل إذا تولى أمر قوم كفاهم، ولقد تقوم ذات يوم بزيارة طبيب ثم تقول والله ما استفدت شيئًا، أريد طبيبًا آخر، أو توكّل محاميًا فلا يعجبك فتريد آخر، لكن إذا تولاك الله تعالى فهو الذي يُطمئنُك قال تعالى:
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً (45)﴾
[النساء:الآية45]