السبت، 10 مارس 2012

موسشوعة الفقه - باب الزواج أو النكاح : المهر أو الصداق


المهر أو الصداق

من حسن رعاية الإسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها في التملك، إذ كانت في الجاهلية مهضومة الحق مهيضة الجناح، حتى أن وليها كان يتصرف في خالص مالها، لا يدع لها فرصة التملك، ولا يمكنها من التصرف.
فكان أن رفع الإسلام عنها هذا الاصر، وفرض لها المهر، وجعله حقا على الرجل لها، وليس لابيها، ولا لاقرب الناس إليها أن يأخذ شيئا منها إلا في حال الرضا والاختيار قال الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}.
: وآتوا النساء مهورهن عطاء مفروضا لا يقابله عوض، فإن أعطين شيئا من المهر بعد ما ملكن من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة، فخذوه سائغا، لا غصة فيه، ولا إثم معه.
فإذا أعطت الزوجة شيئا من مالها حياء، أو خوفا، أو خديعة، فلا يحل أخذه.
قال تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}.
وهذا المهر المفروض للمرأة، كما أنه يحقق هذا المعنى.
فهو يطيب نفس المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها.
قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} مع ما يضاف إلى ذلك من توثيق الصلات، وإيجاد أسباب المودة والرحمة.

.قدر المهر:
لم تجعل الشريعة حدا لقلته، ولا لكثرته، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فتركت التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته، وعادات عشيرته، وكل النصوص جاءت تشير إلى أن المهر لا يشترط فيه إلا أن يكون شيئا له قيمة، بقطع النظر عن القلة والكثرة، فيجوز أن يكون خاتما من حديد، أو قدحا من تمر أو تعليما لكتاب الله، وما شابه ذلك، إذا تراضى عليه المتعاقدان.
1- فعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت: نعم. فأجازه» رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وصححه.
2- وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يارسول الله إني وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل، فقال: يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا، فقال: ما أجد شيئا، فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن رواه البخاري ومسلم.
وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة: «علمها من القرآن».
وفي رواية أبي هريرة: أنه قدر ذلك بعشرين آية.
3- وعن أنس: أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت: «والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره فكان ذلك مهرها».
فدلت هذه الأحاديث على جواز جعل المهر شيئا قليلا، وعلى جواز جعل المنفعة مهرا وأن تعلم القرآن من المنفعة.
وقد قدر الأحناف أقل المهر بعشرة دراهم، كما قدره المالكية بثلاثة.
وهذا التقدير لا يستند إلى دليل يعول عليه، ولا حجة يعتد بها.
قال الحافظ: وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شئ، وقال ابن القيم - تعليقا على ما تقدم من الأحاديث - وهذا هو الذي اختارته أم سليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة وبذل نفسها له إن أسلم.
وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج، فإن الصداق شرع في الاصل حقا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدين، وإسلام الزوج، وقراءته القرآن - كان هذا من أفضل المهور، وأنفعها، وأجلها.
فما خلا العقد عن مهر وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم، أو عشرة من النص، والقياس، إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصا وقياسا.
وليس هذا مستويا بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالصة له من دون المؤمنين، فإن تلك وهبت نفسها هبة مجردة من ولي وصداق، بخلاف ما نحن فيه فإنه نكاح بولي وصداق، وإن كان غير مالي.
فإن المرأة جعلته عوضا عن المال، لما يرجع إليها من منفعة.
ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة، كهبة شيء من مالها بخلاف الموهوبة التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا مقتضى هذه الأحاديث.
وقد خالف في بعضه من قال: لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخر، ولا علمه ولا تعليمه صداقا كقول أبي حنيفة، وأحمد رحمهما الله في رواية عنه.
ومن قال: لا يكون أقل من ثلاثة دراهم كمالك رحمه الله وعشرة دراهم كأبي حنيفة رحمه الله.
وفيه أقوال أخرى شاذة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا قول صاحب.
ومن ادعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها، اختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنها منسوخة، أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل. والاصل بردها.
وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين - سعيد بن المسيب - ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد، بل عد ذلك من مناقبه وفضائله.
وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع.
أما من حيث الكثرة، فإنه لا حد لاكثر المهر.
فعن عمر رضي الله عنه: أنه نهى وهو على المنبر، أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم.
ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: أما سمعت الله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا}!.
فقال: اللهم عفوا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع، فركب المنبر، فقال: «إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب» رواه سعيد بن منصور، وأبو يعلى بسند جيد.
وعن عبد الله بن مصعب أن عمر قال: «لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة، فمن زاد أوقية جعلت الزيادة في بيت المال» فقالت امرأة: ما ذاك لك.
قال: ولم؟.
فقالت: لأن الله تعالى يقول: و{آتيتم إحداهن قنطارا}.
فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.
كراهة المغالاة في المهور:
ومهما يكن من شيء فإن الإسلام يحرص على إتاحة فرص الزواج لاكثر عدد ممكن من الرجال والنساء، ليستمتع كل بالحلال الطيب. ولا يتم ذلك إلا إذا كانت وسيلته مذللة، وطريقته ميسرة.
بحيث يقدر عليه الفقراء الذين يجهدهم بذل المال الكثير، ولا سيما أنهم الاكثرية، فكره الإسلام التغالي في المهور، وأخبر أن المهر كلما كان قليلا كان الزواج مباركا، وأن قلة المهر من يمن المرأة.
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة».
وقال: «يمن المرأة خفة مهرها، ويسر نكاحها، وحسن خلقها وشؤمها غلاء مهرها، وعسر نكاحها، وسوء خلقها».
وكثير من الناس جهل هذه التعاليم، وحاد عنها وتعلق بعادات الجاهلية من التغالي في المهور، ورفض التزويج إلا إذا دفع الزوج قدرا كبيرا من المال يرهقه، ويضايقه، كأن المرأة سلعة يساوم عليها، ويتجر بها.
وقد أدى ذلك إلى كثرة الشكوى، وعانى الناس من أزمة الزواج التي أضرت بالرجال والنساء على السواء، ونتج عنها كثير من الشرور والمفاسد، وكسدت سوق الزواج، وأصبح الحلال أصعب منالا من الحرام.

.تعجيل المهر وتأجيله:
يجوز تعجيل المهر وتأجيله، أو تعجيل البعض، وتأجيل البعض الاخر، حسب عادات النساء، وعرفهم.
ويستحب تعجيل جزء منه، لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع عليا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئا.
فقال: ما عندي شئ.
فقال: فأين درعك الحطمية؟ فأعطاه إياها رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه.
وروى أبو داود، وابن ماجه عن عائشة قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا».
فهذا الحديث يدل على أنه يجوز دخول المرأة قبل أن يقدم لها شيئا من المهر.
وحديث ابن عباس يدل على أن المنع كان على سبيل الندب.
قال الاوزاعي: «كانوا يستحسنون ألا يدخل عليها حتى يقدم لها شيئا» وقال الزهري: «بلغنا في السنة ألا يدخل بامرأة حتى يقدم يكسو كسوة. ذلك مما عمل به المسلمون».
وللزوج أن يدخل على زوجته وعليها أن تسلم نفسها إليه، ولا تمتنع عليه ولو لم يعطها ما اشترط تعجيله لها من المهر - وإن كان يحكم لها به.
قال ابن حزم: ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم فله الدخول بها أحبت أم كرهت مقضي لها بما سمى لها، أحب أم كره، ولا يمنع من أجل ذلك من الدخول بها، لكن يقضى له عاجلا بالدخول ويقضى لها عليه حسب ما يوجد عنده من الصداق.
فإن كان لم يسم لها شيئا قضي عليه بمهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر.
وقال أبو حنيفة: إن له أن يدخل بها أحبت أم كرهت، إن كان مهرها مؤجلا لأنها هي التي رضيت بالتأجيل وهذا لا يسقط حقه.
وإن كان معجلا كله أو بعضه لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤذي إليها ما اشترط لها تعجيله، ولها أن تمنع نفسها منه حتى يوفيها ما اتفقوا على تعجيله.
قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها وقد ناقش صاحب المحلى هذا الرأي.
فقال: لا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد عليها الزوج فإنها زوجة له.
فهو حلال لها، وهي حلال له.
فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره، فقد حال بينه وبين امرأته، بلا نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم.
لكن الحق ما قلنا: ألا يمنع حقه منها ولا تمنع هي حقها من صداقها، لكن له الدخول عليها - أحبت أم كرهت - ويؤخذ مما يوجد له صداقها، أحب أم كره..وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تصويب قول القائل: «أعط كل ذي حق حقه».

.متى يجب المهر المسمى كله:
يجب المهر المسمى كله في إحدى الحالات الاتية:
1- إذا حصل الدخول الحقيقي لقول الله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}.
2- إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول. وهو مجمع عليه.
3- ويرى أبو حنيفة: أنه إذا اختلى بها خلوة صحيحة، استحقت الصداق المسمى.
وذلك بأن ينفرد الزوجان في مكان يأمنان فيه اطلاع أحد عليهما، ولم يكن بأحد منهما مانع شرعي، مثل أن يكون أحدهما صائما صيام فرض عليه، أو تكون حائضا.
أو مانع حسي، مثل مرض أحدهما مرضا لا يستطيع معه الدخول الحقيقي، أو مانع طبيعي بأن يكون معهما ثالث.
واستدل أبو حنيفة بما رواه أبو عبيدة عن زائدة بن أبي أوفى، قال: «قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أغلق الباب، وأرخى الستر، فقد وجب الصداق».
وروى وكيع عن نافع بن جبير قال: «كان أصحاب رسول الله يقولون: إذا أرخى الستر وأغلق الباب، فقد وجب الصداق».
ولان التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل.
وخالف في ذلك الشافعي، ومالك وداود فقالوا: لا يستقر المهر كله إلا بالوطء، ولا يجب بالخلوة الصحيحة إلا نصف المهر، لقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}.
أي أن نصف ما فرض من المهر يجب إذا وقع الطلاق قبل المسيس الذي هو الدخول الحقيقي.
وفي حالة الخلوة لم يقع مسيس، فلا يجب المهر كله.
قال شريح: لم أسمع الله ذكر في كتابه بابا، ولا سترا.
إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق.
وروى سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته، ثم طلقها، فزعم أنه لم يمسها: «عليه نصف الصداق».
وروى عبد الرزاق عنه قال: لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها.

.وجوب المهر المسمى بالدخول في الزواج الفاسد:
إذا عقد الرجل على المرأة، ودخل بها، ثم تبين فساد الزواج لسبب من الاسباب، وجب المهر المسمى كله، لما رواه أبو داود: أن بصرة بن أكثم تزوج امرأة بكرا في كسرها فدخل عليها، فإذا هي حبلى فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لها الصداق بما استحللت من فرجها» وفرق بينهما.
ففي هذا الحديث وجوب المهر المسمى في النكاح الفاسد كما أنه تضمن فساد النكاح وبطلانه إذا تزوجها فوجدها حبلى من الزنا.
الزواج بغير ذكر المهر: الزواج بغير ذكر المهر، ويسمى زواج التفويض يصح في قول عامة أهل العلم، لقول الله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}.
ومعنى الآية: أنه لا إثم على من طلق زوجته قبل المسيس، وقبل أن يفرض لها مهرا.
فإذا تزوج بغير ذكر المهر، واشترط أن لا مهر عليه فقيل: إن الزواج غير صحيح، وإلى هذا ذهبت المالكية وابن حزم.
قال: وأما لو اشترط فيه أن لا صداق، فهو مفسوخ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل».
وهذا شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، بل في كتاب الله عز وجل إبطاله.
قال الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.
فإذن هو باطل، فالنكاح المذكور لم تنعقد صحته إلا على تصحيح ما لا يصح، فهو نكاح لا صحة له.
وذهبت الأحناف إلى القول بالجواز، إذ المهر ليس ركنا ولا شرطا في عقد الزواج.

.وجوب مهر المثل بالدخول أو بالموت قبله:
وإذا دخل بها الزوج، أو مات قبل الدخول بها، في هذه الحال، فللزوجة مهر المثل والميراث، لما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود أنه قال في مثل هذه المسألة: أقول فيها برأيي - فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني -: أرى لها صداق امرأة من نسائها: لاوكس، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن يسار، فقال، أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع واشق.
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد، وداود، وأصح قولي الشافعي.

.مهر المثل:
مهر المثل هو المهر الذي تستحقه المرأة، مثل مهر من يماثلها وقت العقد في السن، والجمال، والمال، والعقل، والدين، والبكارة، والثيوبة، والبلد، وكل ما يختلف لاجله الصداق، كوجود الولد أو عدم وجوده، إذ أن قيمة المهر للمرأة تختلف عادة باختلاف هذه الصفات.
والمعتبر في المماثلة من جهة عصبتها كأختها وعمتها وبنات أعمامها.
وقال أحمد: هو معتبر بقراباتها من العصبات وغيرهم من ذوي أرحامها.
وإذا لم توجد امرأة من أقرباتها من جهة الاب متصفة بأوصاف الزوجة التي نريد تقدير مهر المثل لها، كان المعتبر مهر امرأة أجنبية من أسرة تماثل أسرة أبيها.

.زواج الصغيرة بأقل من مهر المثل:
ذهب الشافعي، وداود، وابن حزم، والصاحبان، من الأحناف، إلى أنه لا يجوز للاب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمها حكم أبيها في ذلك، وتبلغ إلى مهر مثلها ولا بد، إذ أن المهر حق لها، ولا حكم لابيها في مالها..وقال أبو حنيفة: إذا زوج الاب ابنته الصغيرة، ونقص من مهرها، جاز ذلك عليها، ولا يجوز ذلك لغير الاب والجد.

.تشطير المهر:
يجب على الزوج نصف المهر إذا طلق زوجته قبل الدخول بها، وكان قد فرض لها قدر الصداق، لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير}.

.وجوب المتعة:
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول، ولم يفرض لها صداقا، وجب عليه المتعة تعويضا لها عما فاتها.
وهذا نوع من التسريح الجميل، والتسريح بإحسان، قال الله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وقد أجمع العلماء على أن التي لم يفرض لها، ولم يدخل بها، لا شيء لها غير المتعة.
والمتعة تختلف باختلاف ثروة الرجل. وليس لها حد معين، قال الله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}.
.سقوط المهر:
ويسقط المهر كله عن الزوج، فلا يجب عليه شيء للزوجة في كل فرقة كانت قبل الدخول من قبل المرأة، كأن ارتدت عن الإسلام.
أو فسخت العقد لاعساره، أو عيبه، أو فسخه هو بسبب عيبها، أو بسبب خيار البلوغ.
ولا يجب لها متعة، لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه، فسقط البلد كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه.
ويسقط المهر كذلك، إذا أبرأته قبل الدخول بها أو وهبته له، فإنه في هذه الحال يسقط بإسقاطها له.
وهو حق خالص لها.
الزيادة على الصداق بعد العقد: قال أبو حنيفة: إن الزيادة على الصداق بعد العقد ثابتة إن دخل بالزوجة، أو مات عنها، فأما إن طلقها قبل الدخول، فإنها لا تثبت، وكان لها نصف المسمى فقط.
وقال مالك: الزيادة ثابتة إن دخل بها، فإن طلقها قبل الدخول فلها نصفها مع نصف المسمى.
وإن مات قبل الدخول وقبل القبض بطلت، وكان لها المسمى بالعقد.
وقال الشافعي: هي هبة مستأنفة.
إن قبضها جازت وإن لم يقبضها بطلت.
وقال أحمد: حكمها حكم الاصل.

.مهر السر ومهر العلانية:
إذا اتفق العاقدان في السر على مهر، ثم تعاقدا في العلانية بأكثر منه.
ثم اختلفا إلى القضاء فبم يحكم القاضي.
؟ قال أبو يوسف: يحكم بما اتفقا عليه سرا، لأنه يمثل الارادة الحقيقية وهو مقصد العاقدين.
وقيل: يحكم بمهر العلانية، لأنه هو المذكور في العقد، وما كان سرا فعلمه إلى الله، والحكم يتبع الظاهر.
وهو مذهب أبي حنيفة، ومحمد، وظاهر قول أحمد في رواية الاثرم، وقول الشعبي وابن أبي ليلى، وأبي عبيد.

.قبض المهر:
إذا كانت الزوجة صغيرة، فللاب قبض صداقها، لأنه يلي مالها، فكان له قبضه كثمن مبيعها.
وإن لم يكن لها أب ولا جد، فلوليها المالي قبض صداقها، ويودعه في المحاكم الحسبية، ولا يتصرف فيه إلا بإذن من المحكمة المختصة.
أما صداق الثيب الكبيرة فلا يقبضه إلا بإذنها، إذا كانت رشيدة، لأنها المتصرفة في مالها.
والاب إذا قبض المهر بحضرتها، اعتبر ذلك إجازة منها بالقبض إذا سكتت، وتبرأ ذمة الزوج، لأن إذنها في قبض صداقها كثمن مبيعها.
وفي البكر البالغة العاقلة: أن الاب لا يقبض صداقها إلا بإذنها إذا كانت رشيدة، كالثيب.
وقيل: له قبضه بغير إذنها، لأنها العادة، ولأنها تشبه الصغيرة.