المضاربة
تعريفها:
المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر للتجارة، يقول الله سبحانه: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}.
وتسمى قراضا، وهو مشتق من القرض، وهو القطع، لأن المالك قطع قطعة من ماله ليتجر فيها وقطعة من ربحه.
وتسمى أيضا: معاملة.
والمقصود بها هنا: عقد بين طرفين على أن يدفع أحدهما نقدا إلى الآخر ليتجر فيه، على أن يكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه.
.حكمها:
وهي جائزة بالاجماع وقد ضارب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لخديجة - رضي الله عنها - بمالها، وسافر به إلى الشام قبل أن يبعث، وقد كان معمولا بها في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أقرها.
قال الحافظ بن حجر: والذي نقطع به أنها كانت ثابتة في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلم بها وأقرها، ولو لا ذلك لما جازت ألبتة...وروى أن عبد الله وعبيدالله أبي عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر: وهو أبو موسى الاشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه في المدينة وتوفران رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما ربحه، فقالا: وددنا، ففعل.
فكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما وباعا وربحا قال عمر: أكل الجيش قد أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا.
فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه.
فأما عبد الله فسكت، وأما عبيدالله فقال: يا أمير المؤمنين لو هلك المال ضمناه، فقال: أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيدالله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، فرضي عمر وأخذ رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيدالله نصف ربح المال.
.حكمتها:
وقد شرعها الإسلام وأباحها تيسيرا على الناس.
فقد يكون بعض منهم مالكا للمال، ولكنه غير قادر على استثماره.
وقد يكون هناك من لا يملك المال، لكنه يملك القدرة على استثماره.
فأجاز الشارع هذه المعاملة لينتفع كل واحد منهما، فرب المال ينتفع بخبرة المضارب، والمضارب ينتفع بالمال.
ويتحقق بهذا تعاول المال والعمل.
والله ما شرع العقود إلا لتحقيق المصالح ودفع الجوائح.
.ركنها:
وركنها الايجاب والقبول الصادران ممن لهما أهلية التعاقد.
ولا يشترط لفظ معين، بل يتم العقد بكل ما يؤدي إلى معنى المضاربة، لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للالفاظ والمباني.
.شروطها:
ويشترط في المضاربة الشروط الآتية:
1- أن يكون رأس المال نقدا. فإن كان تبرا أو حليا أو عروضا فإنها لا تصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة انتهى.
2- أن يكون معلوما، كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق.
3- أن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوما بالنسبة، كالنصف والثلث والربع، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة انتهى.
وعلة ذلك أنه لو اشترط قدر معين لاحدهما فقد لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيأخذه من اشترط له ولا يأخذ الآخر شيئا.
وهذا مخالف المقصود من عقد المضاربة الذي راد به نفع كل من المتعاقدين.
4- أن تكون المضاربة مطلقة، فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار في بلد معين أوفي سلعة معينة، أو يتجر في وقت دون وقت، أو لا يتعامل إلا مع شخص بعينه، ونحو ذلك من الشروط، لأن اشتراط التقييد كثيرا ما يفوت المقصود من العقد، وهو الربح.
فلابد من عدم اشتراطه، وإلا فسدت المضاربة.
وهذا مذهب مالك والشافعي.
وأما أبو حنيفة وأحمد فلم يشترطا هذا الشرط وقالا: إن المضاربة كما تصح مطلقة فإنها تجوز كذلك مقيدة.
وفي حالة التقييد لا يجوز للعامل أن يتجاوز الشروط التي شرطها، فإن تعداها ضمن.
روي عن حكيم بن حزام: أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة يضرب له به: أن لا يجعل مالي في كبد رطبة، ولا يحمله في بحر، ولا ينزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي.
وليس من شروط المضاربة بيان مدتها، فإنها عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت.
وليس من شروطها أن تكون بين مسلم ومسلم، بل يصح أن تكون بين مسلم وذمي.
.العامل أمين:
ومتى تم عقد المضاربة وقبض العامل المال كانت يد العامل في المال يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتعدي فإذا تلف المال بدون تعد منه فلاشئ عليه، والقول قوله مع يمينه إذا ادعى ضياع المال أو هلاكه، لأن الاصل عدم الخيانة.
.العامل يضارب بمال المضاربة:
وليس للعامل أن يضارب بمال المضاربة ويعتبر ذلك تعديا منه.
قال في بداية المجتهد: ولم يختلف هؤلاء المشاهير من فقهاء الأمصار أنه إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر فإنه ضامن إن كان خسران، وإن كان ربح فذلك على شرطه، ثم يكون للذي عمر شرطه على الذي دفع إليه فيوفيه حظه مما بقي من المال.
.نفقة العامل:
نفقة العامل في مال المضاربة من ماله مادام مقيما، وكذلك إذا سافر للمضاربة.
لان النفقة قد تكون قدر الربح فيأخذه كله دون رب المال ولان له نصيبا من الربح مشروطا له فلا يستحق معه شيئا آخر.
لكن إذا أذن رب المال للعامل بأن ينفق على نفسه من مال المضاربة أثناء سفره أو كان ذلك مما جرى به العرف فإنه يجوز له حينئذ أن ينفق من مال المضاربة.
ويرى الإمام مالك أن للعامل أن ينفق من مال المضاربة متى كان المال كثيرا يتسع للانفاق منه.
.فسخ المضاربة:
وتنفسخ المضاربة بما يأتي:
1- أن تفقد شرطا من شروط الصحة.
فإذا فقدت شرطا من شروط الصحة وكان العامل قد قبض المال واتجر فيه فإنه يكون له في هذه الحال أجرة مثله، لأن تصرفه كان بإذن من رب المال وقام بعمل يستحق عليه الاجرة.
وما كان من ربح فهو للمالك وما كان من خسارة فهي عليه، لأن العامل لا يكون إلا أجيرا، والاجير لا يضمن إلا بالتعدي.
2- أن يتعدى العامل أو يقصر في حفظ المال، أو يفعل شيئا يتنافى مع مقصود العقد، فإن المضاربة في هذه الحال تبطل، ويضمن المال إذا تلف، لأنه هو المتسبب في التلف.
3- أن يموت العامل أو رب المال فإذا مات أحدهما انفسخت المضاربة.
.تصرف العامل بعد موت رب المال:
إذا مات رب المال انفسخت المضاربة بموته، ومتى انفسخت المضاربة فإن العامل لا حق له في التصرف في المال، فإذا تصرف بعد علمه بالموت وبغير إذن الورثة فهو غاصب، وعليه ضمان.
ثم إذا ربح المال فالربح بينهما، قال ابن تيمية:
وبه حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فيما أخذ ابناه من بيت المال، فاتجرا فيه بغير استحقاق فجعله مضاربة انتهى.
وإذا انفسخت المضاربة ورأس المال عروض، فلرب المال وللعامل أن يبيعاه أو يقتسماه لأن ذلك حق لهما.
وإن رضي العامل بالبيع وأبى رب المال أجبر رب المال على البيع لأن للعامل حقا في الربح ولا يحصل عليه إلا بالبيع وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
.اشتراط حضور رب المال عند القسمة:
قال ابن رشد: أجمع علماء الأمصار على أنه لا يجوز للعامل أن يأخذ نصيبه من الربح إلا بخضرة رب المال، وأن حضور رب المال شرط في قسمة المال وأخذ العامل حصته، وأنه ليس يكفي في ذلك أن يقسمه في حضور بينة أو غيرها. انتهى.