تعريفها:
الاجارة مشتقة من الاجر وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرا.
وفي الشرع: عقد على المنافع بعوض، فلا يصح استئجار الشجر من أجل الانتفاع بالثمر، لأن الشجر ليس منفعة، ولا استئجار النقدين، ولا الطعام للاكل، ولا المكيل والموزون لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك أعيانها.
وكذلك لا يصح استئجار بقرة أو شاة أو ناقة لحلب لبنها لأن الاجارة تملك المنافع، وفي هذه الحال تملك اللبن وهو عين.
والعقد يرد على المنفعة لا للعين...والمنفعة قد تكون منفعة عين، كسكنى الدار، أو ركوب السيارة وقد تكون منفعة عمل، مثل عمل المهندس والبناء والنساج والصباغ والخياط والكواء، وقد تكون منفعة الشخص الذي يبذل جهده، مثل الخدم والعمال...والمالك الذي يؤجر المنفعة يسمى: مؤجرا. والطرف الاخر الذي يبذل الاجر يسمى: مستأجرا.
والشئ المعقود عليه المنفعة يسمى: مأجورا. والبذل المبذول في مقابل المنفعة يسمى: أجرا وأجرة. ومتى صح عقد الاجارة ثبت للمستأجر ملك المنفعة. وثبت للمؤجر ملك الاجرة، لأنها عقد معاوضة.
.مشروعيتها:
الإجارة مشروعة بالكتاب والسنة والاجماع.
يقول الله سبحانه وتعالى:
1- {أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون}.
ويقول جل شأنه:
2- {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
ويقول عزوجل:
3- {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجر ني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}.
وجاء في السنة ما يأتي:
1- روى البخاري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، استأجر رجلا من بني الديل يقال له: عبد الله بن الاريقط وكان هاديا خريتا أي ماهرا.
2- وروى ابن ماجه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه».
3- وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، قال: «كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع».
فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك وأمرنا أن نكريها يذهب أو ورق.
4- وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم،: «احتجم وأعطى الحجام أجره».
وعلى مشروعية الاجارة أجمعت الأمة، ولا عبرة بمن خالف هذا الاجماع من العلماء.
.حكمة مشروعيتها:
وقد شرعت الاجارة لحاجة الناس إليها، فهم يحتاجون إلى الدور للسكنى، ويحتاج بعضهم لخدمة بعض، ويحتاجون إلى الدواب للركوب والحمل، ويحتاجون إلى الأرض للزراعة، وإلى الالات لا ستعمالها في حوائجهم المعاشية.
.ركنها:
والاجارة تنعقد بالايجاب والقبول بلفظ الاجارة والكراء وما اشتق منهما، وبكل لفظ يدل عليها.
.شروط العاقدين:
ويشترط في كل من العاقدين الأهلية بأن يكون كل منهما عاقلا مميزا، فلو كان أحدهما مجنونا أو صبيا غير مميز فإن العقد لا يصح.
ويضيف الشافعية والحنابلة شرطا آخر وهو البلوغ.
فلا يصح عندهم عقد الصبي ولو كان مميزا.
.شروط صحة الإجارة:
ويشترط لصحة الاجارة الشروط الاتية:
.1- رضا العاقدين:
فلو أكره أحدهما على الاجارة، فإنها لا تصح لقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
.2- معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة:
والمعرفة التي تمنع المنازعة تم بمشاهدة العين التي يراد استئجارها أو بوصفها إن انضبطت بالوصف، وبيان مدة الاجارة كشهر أو سنة أو أكثر أو أقل، وبيان العمل المطلوب.
.3- أن يكون المعقود عليه المقدور الاستيفاء حقيقة وشرعا:
فمن العلماء من اشترط هذا الشرط فرأى أنه لا يجوز إجارة المشاع من غير الشريك، وذلك لأن منفعة المشاع غير مقدورة الاستيفاء. وهذا مذهب أبي حنيفة وزفر. وقال جمهور الفقهاء: يجوز إجارة المشاع مطلقا من الشريك وغيره.
لأن للمشاع منفعة والتسليم ممكن بالتخلية أو المهايأة بالتهيؤ. كما يجوز ذلك في البيع. والاجارة أحد نوعي البيع. فإن لم تكن المنفعة معلومة كانت الاجارة فاسدة.
.4- القدرة على تسليم العين المستأجرة:
مع اشتمالها على المنفعة، فلا يصح تأجير دابة شاردة، ولا مغصوب لا يقدر على انتزاعه لعدم القدرة على التسليم. ولا أرض للزرع لا تنبت، أو دابة للحمل وهي زمنة: لعدم المنفعة التي هي موضوع العقد.
.5- أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة:
فلا تصح الاجارة على المعاصي، لأن المعصية يجب اجتنابها. فمن استأجر رجلا ليقتل رجلا ظلما أو رجلا ليحمل له الخمر أو أجر داره لمن يبيع بها الخمر أو ليلعب فيها القمار أو ليجعلها كنيسة فإنها تكون إجارة فاسدة.
وكذلك لا يحل حلوان الكاهن والعراف وهو ما يعطاه على كهانته وعرافته، إذ أنه عوض عن محرم وأكل لاموال الناس بالباطل. ولا تصح الاجارة على الصلاة والصوم، لأن هذه فرائض عينية يجب أداؤها على من فرضت عليه.
.الأجرة على الطاعات:
أما الاجرة على الطاعات فقد اختلف العلماء في حكمها، ونذكر بيان مذاهبهم فيما يلي: قالت الأحناف: الاجارة على الطاعات كاستئجار شخص آخر ليصلي أو يصوم أو يحج عنه أو يقرأ القرآن ويهدي ثوابه إليه أو يؤذن أو يؤم بالناس أو ما أشبه ذلك لا يجوز، ويحرم أخذ الاجرة عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به».
وقوله، صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص: وان اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا ولان القربة متى حصلت وقعت عن العامل فلا يجوز أخذ الاجرة عليها من غيره، ومما هو شائع من ذلك في بلادنا المصرية الوصايا بالختمات والتسابيح بأجر معلوم ليهدي ثوابها إلى روح الموصي، وكل ذلك غير جائز شرعا، لأن القارئ إذا قرأ لاجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يهديه إلى الميت؟...وقد نص الفقهاء على أن الاجرة المأخوذة في نظير عمل الطاعات حرام على الآخذ، ولكن المتأخرين منهم استثنوا من هذا الاصل تعليم القرآن والعلوم الشرعية، فأفتوا بجواز أخذ الاجرة عليه استحسانا، بعد أن انقطعت الصلات والعطايا التي كانت تجرى على هؤلاء المعلمين، في الصدر الأول، من الموسرين وبيت المال، دفعا للحرج والمشقة، لأنهم يحتاجون إلى ما به قوام حياتهم هم ومن يعولونهم...وفي اشتغالهم بالحصول عليه من زراعة أو تجارة أو صناعة إضاعة للقرآن الكريم والشرع الشريف بانقراض حملته، فجاز إعطاؤهم أجرا على هذا التعليم...وقالت الحنابلة: لا تصح الاجارة لاذان وإقامة وتعليم قرآن وفقه وحديث ونيابة في حج وقضاء، ولا يقع إلا قربة لفاعله ويحرم أخذ الاجرة عليه، وقالوا: ويجوز أخذ رزق من بيت المال أو من وقف على عمل يتعدى نفعه، كقضاء وتعليم قرآن وحديث وفقه ونيابة في حج وتحمل شهادة وأدائها وأذان ونحوها، لأنها من المصالح، وليس بعوض بل رزق للاعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ولا يقدح في الاخلاص، وإلا ما استحقت الغنائم وسلب القاتل...وذهبت المالكية والشافعية وابن حزم: إلى جواز أخذ الاجرة على تعليم القرآن والعلم لأنه استئجار لعمل معلوم ببذل معلوم.
قال ابن حزم: والاجارة جائزة على تعليم القرآن وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة، كل ذلك جائز وعلى الرقى وعلى نسخ المصاحف ونسخ كتب العلم لأنه لم يأت في النهي عن ذلك نص، بل قد جاءت الاباحة.
ويقوي هذا المذهب ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن نفرا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، مروا بماء فيه لديغ أو سليم. فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما...فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله».
وكما اختلف الفقهاء في أخذ الاجرة على تلاوة القرآن وتعليمه، فقد اختلفوا أيضا في أخذ الاجرة على الحج والاذان والإمامة.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذلك جريا على أصله في عدم أخذ الاجرة على الطاعات.
وقال مالك: كما يجوز أخذ الاجرة على تعليم القرآن يجوز أخذها على الحج والأذان.
فأما الإمامة فإنه لا يجوز أخذ الاجرة عليها إن أفردها وحدها.
فإن جمعها مع الأذان جازت الاجرة، وكانت على الأذان والقيام بالمسجد لا على الصلاة.
وقال الشافعي: تجوز الاجرة على الحج ولا تجوز على الإمامة في صلاة الفرائض، ويجوز بالاتفاق الاستئجار على تعليم الحساب والخط واللغة والأدب والحديث وبناء المساجد والمدارس.
وعند الشافعية: تجوز الاجارة على غسل الميت وتلقينه ودفنه.
وأبو حنيفة قال: لا يجوز الاستئجار على غسل الميت، ويجوز على حفر القبور وحمل الجنائز.
كسب الحجام:
كسب الحجام غير حرام، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، احتجم وأعطى الحجام أجره، كما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس.
ولو كان حراما لم يعطه.
قال النووي: وحملوا الأحاديث التي وردت في النهي عنه على التنزيه والارتفاع عن دنئ الكسب والحث على مكارم الاخلاق ومعالي الأمور.
.6- أن تكون الاجرة مالا متقوما:
معلوما بالمشاهدة أو الوصف، لأنها ثمن المنفعة، وشرط الثمن أن يكون معلوما، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره».
.ويصح تقدير الاجرة بالعرف:
أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي أن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه.
وثم رجل يزن بالاجر فقال له: زن وأرجح فهنا لم يسم له الاجرة بل أعطاه ما اعتاده الناس.
قال ابن تيمية: إذا ركب دابة المكاري أو دخل حمام الحمامي أو دفع ثيابه أو طعامه إلى من يغسل ويطبخ فإن له الاجر المعروف.
وقد دل على ثبوت عوض الاجارة بالمعروف قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فأمر بإيفائهن أجورهن بمجرد الأرضاع والمرجع في الاجور إلى العرف.
.اشتراط تعجيل الاجرة وتأجيلها:
الاجرة لا تملك بالعقد عند الأحناف، ويصح اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها كما يصح تعجيل البعض وتأجيل البعض الاخر، حسب ما يتفق عليه المتعاقدان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم،: «المسلمون عند شروطهم».
فإذا لم يكن هناك اتفاق على التعجيل أو التأجيل فإن كانت الاجرة مؤقتة بوقت معين فإنه يلزم إيفاؤها بعد انقضاء ذلك الوقت.
فمن أجر دارا شهرا مثلا ثم مضى الشهر فإنه تجب الاجرة بانقضائه وإن كان عقد الاجارة على عمل فإنه يلزم إيفاؤها عند الأنهاء من العمل.
وإذا أطلق العقد ولم يشترط قبض الاجرة ولم ينص على تأجيلها: قال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: إنها تجب جزءا جزءا بحسب ما يقبض من المنافع.
وقال الشافعي وأحمد: إنها تستحق بنفس العقد، فإذا سلم المؤجر العين المستأجرة إلى المستأجر استحق جميع الاجرة، لأنه قد ملك المنفعة بعقد الاجارة ووجب تسليم الاجرة ليلزم تسليم العين إليه.
.استحقاق الأجرة:
وتستحق الاجرة بما يأتي:
1- الفراغ من العمل، لما رواه ابن ماجه أن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».
2- استيفاء المنفعة إذا كانت الاجارة على عين مستأجرة، فإذا تلفت العين قبل الانتفاع ولم يمض شيء من المدة بطلت الاجارة.
3- التمكن من استيفاء المنفعة، إذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولو لم تستوف بالفعل.
4- تعجيلها بالفعل أو اتفاق المتعاقدين على اشتراط التعجيل.
.هل تسقط الاجرة بهلاك العين في عقد إجارة الاعمال؟
إذا عمل الاجير في ملك المستأجر أو بحضرته استحق الاجرة لأنه تحت يده، فكلما عمل شيئا صار مسلما له.
وإن كان العمل في يد الاجير لم يستحق الاجرة بهلاك الشئ في يده لأنه لم يسلم العمل.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
.استئجار الظئر:
استئجار الرجل زوجته على رضاع ولده منها لا يجوز،
لأن ذلك أمر واجب عليها فيما بينها وبين الله تعالى.
أما استئجار المرضع غير الأم فإنه يجوز بأجر معلوم، ويجوز أيضا بطعامها وكسوتها، وجهالة الاجرة في هذه الحال لا يفضي إلى المنازعة.
والعادة جرت بالمسامحة مع المراضع والتوسعة عليهن رفقا بالأولاد.
ويشترط العلم بمدة الرضاع ومعرفة الطفل بالمشاهدة وموضع الرضاع.
يقول الله سبحانه: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولاكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
وهي بمنزلة الاجير الخاص، فلا يجوز لها أن ترضع صبيا آخر...وعلى الظئر القيام بالأرضاع وبما يحتاج إليه الصبي من غسله وغسل ثيابه وطبخ طعامه، وعلى الاب نفقات الطعام وما يحتاج إليه الصبي من الريحان والدهن، وإذا مات الصبي أو المرضع انفسخت الاجارة.
لان المنفعة في حالة موت المرضع تكون قد فاتت بهلاك محلها...وفي حالة موت الطفل يتعذر استيفاء المعقود عليه.
.الاستئجار بالطعام والكسوة:
اختلف العلماء في حكم الاستئجار بالطعام والكسوة فأجازه قوم ومنعه آخرون، وحجة المجيزين ما رواه أحمد وابن ماجه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فقرأ طسم حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: «إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه» وهو مروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى.
وإلى هذا ذهب مالك والحنابلة، وجوزه أبو حنيفة في الظئر دون الخادم...وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور بالله لا يصح للجهالة...ويرى المالكية الذين أجازوا استئجار الاجير بطعامه وكسوته: أن ذلك يكون على حسب المتعارف.
قالوا: ولو قال: احصد زرعي ولك نصفه، أو اطحنه أو اعصر الزيت، فإن ملكه نصفه الان جاز، وإن أراد نصف ما يخرج منه لم يجز، للجهالة.
.إجارة الأرض:
ويصح استئجار الأرض، ويشترط فيه بيان ما تستأجر له من زرع أو غرس أو بناء.
وإذا كانت للزراعة فلا بد من بيان ما يزرع فيها، إلا أن يأذن له المؤجر بأن يزرع فيها ما يشاء.
فإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن الاجارة تقع فاسدة، لأن منافع الأرض تختلف باختلاف البناء والزرع كما يختلف تأخير المزروعات في الأرض، وله أن يزرعها زرعا آخر غير الزرع المتفق عليه بشرط أن يكون ضرره مثل ضرر الزرع المتفق عليه أو أقل منه.
وقال داود: ليس له ذلك.
.استئجار الدواب:
ويصح استئجار الدواب ويشترط فيه بيان المدة أو المكان، كما يشترط بيان ما تستأجر له الدابة من الحمل أو الركوب، وبيان ما يحمل عليها ومن يركبها.
وإذا هلكت الدواب المؤجرة للحمل والركوب فإن كانت مؤجرة معيبة فهلكت انقضت الاجارة، وإن كانت غير معيبة فهلكت لا تبطل الاجارة.
وعلى المؤجر أن يأتي بغيرها وليس له أن يفسخ العقد لأن الاجارة وقعت على منافع في الذمة ولم يعجز المؤجر عن وفاء ما التزمه بالعقد.
وهذا متفق عليه بين فقهاء المذاهب الأربعة.
.استئجار الدور للسكنى:
واستئجار الدور للسكن يبيح الانتفاع بسكناها سواء سكن فيها المستأجر أو أسكنها غيره بالاعارة أو الاجارة على أن لا يمكن من سكناها من يضر بالبناء أو يوهنه مثل الحداد وأمثاله.
وعلى المؤجر إتمام ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع حسب ما جرت به العادة.
.تأجير العين المستأجرة:
ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة.
فإذا كانت دابة وجب عليه أن يكون العمل مساويا أو قريبا للعمل الذي استؤجرت من أجله أولا، حتى لا تضار الدابة.
ويجوز له أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها بمثل ما أجرها به أو أزيد أو أقل، وله أن يأخذ ما يسمى بالخلو.
هلاك العين المستأجرة:
العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر لأنه قبضها ليستوفي منها منفعة يستحقها، فإذا هلكت لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في الحفظ.
ومن استأجر دابة ليركبها فكبحها بلجامها كما جرت به العادة فلا ضمان عليه.
.الأجير:
الأجير خاص وعام فالأجير الخاص: هو الشخص الذي يستأجر مدة معلومة ليعمل فيها، فإن لم تكن المدة معلومة كانت الاجارة فاسدة.
ولكل واحد من الاجير والمستأجر فسخها متى أراد.
وفي الاجارة: إذا كان الاجير سلم نفسه للمستأجر زمنا ما فليس له في هذه الحال إلا أجر المثل عن المدة التي عمل فيها...والاجير الخاص لا يجوز له أثناء المدة المتعاقد عليها أن يعمل لغير مستأجره.
فإن عمل لغيره في المدة نقص من أجره بقدر عمله وهو يستحق الاجرة متى سلم نفسه ولم يمتنع عن العمل الذي استؤجر من أجله.
وكذلك يستحق الاجرة كاملة لو فسخ المستأجر الاجارة قبل المدة المتفق عليها في العقد ما لم يكن هناك عذر يقتضي الفسخ.
كأن يعجز الاجير عن العمل أو يمرض مرضا لا يمكنه من القيام به.
فإن وجد عذر من عيب أو عجز ففسخ المستأجر الاجارة لم يكن للاجير إلا أجرة المدة التي عمل فيها - ولا تجب على المستأجر الاجرة الكاملة.
والاجير الخاص مثل الوكيل في أنه أمين على ما بيده من عمل، فلا يضمن منه ما تلف إلا بالتعدي أو التفريط.
فإن فرط أو تعدي ضمن كغيره من الأمناء.
الأجير المشترك: والاجير المشترك هو الذي يعمل لاكثر من واحد فيشتركون جميعا في نفعه كالصباغ، والخياط، والحداد، والنجار، والكواء.
وليس لمن استأجره أن يمنعه من العمل لغيره، ولا يستحق الاجرة إلا بالعمل.
وهل يده يد ضمان أو يد أمانة؟؟.
ذهب الإمام علي وعمر، رضي الله عنهما، وشريح القاضي وأبو يوسف ومحمد والمالكية إلى أن يد الاجير المشترك يد ضمان، وأنه يضمن الشئ التالف ولو بغير تعذ أو تقصير منه صيانة لاموال الناس وحفاظا على مصالحهم.
روي البيهقي عن علي - كرم الله وجهه - أنه كان يضمن الصباغ والصانع وقال: لا يصلح الناس إلا ذاك.
وروى أيضا: أن الشافعي، رضي الله عنه، ذكر أن شريحا ذهب إلى تضمين القصار، فضمن قصارا احترق بيته فقال: تضمنني وقد احترق بيتي؟ فقال شريح: أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرك؟
وذهب أبو حنيفة وابن حزم إلى أن يده يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة والصحيح من أقوال الشافعي رضي الله عنه.
وقال ابن حزم: لا ضمان على أجير مشترك أو غير مشترك ولاعلى صانع أصلا، إلا ما ثبت أنه تعدى فيه أو أضاعه.
.فسخ الإجارة وانتهاؤها:
الاجارة عقد لازم لا يملك أحد المتعاقدين فسخه لأنه عقد معاوضة، إلا إذا وجد ما يوجب الفسخ كوجود عيب، كما سيأتي...فلا تفسخ الاجارة بموت أحد المتعاقدين مع سلامة المعقود عليه ويقوم الوارث مقام مورثه سواء أكان مؤجرا أو مستأجرا...خلافا للحنفية والظاهرية والشعبي والثوري والليث بن سعد.
ولا تفسخ ببيع العين المستأجرة للمستأجر أو لغيره، ويتسلمها المشتري إذا كان غير المستأجر بعد انقضاء مدة الاجارة.
.وتفسخ بما يأتي:
1- طروء العيب الحادث على المأجور وهو في يد المستأجر أو ظهور العيب القديم فيه.
2- هلاك العين المؤجرة المعينة كالدار المعينة والدابة المعينة.
3- هلاك المؤجر عليه كالثوب المؤجر للخياطة، لأنه لا يمكن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه...
4- استيفاء المنفعة المعقود عليها أو إتمام العمل أو انتهاء المدة إلا إذا كان هناك عذر يمنع الفسخ، كما لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع فتبقى في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد، ولو جبرا على المؤجر منعا لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أو انه.
5- وقال الأحناف: يجوز فسخ الاجارة لعذر يحصل ولو من جهته، مثل أن يكتري حانوتا ليتجر فيه فيحترق ماله أو يسرق أو يغصب أو يفلس فيكون له فسخ الاجارة.
.رد العين المستأجرة:
ومتى انتهت الاجارة وجب على المستأجر رد العين المستأجرة.
فإن كانت من المنقولات سلمها لصاحبها...وإن كانت من العقارات المبينة سلمها لصاحبها خالية من متاعه. وإن كانت من الاراضي الزراعية سلمها خالية من الزرع، إلا إذا كان هناك عذر كما سبق، فإنها تبقى بيد المستأجر حتى يحصد الزرع بأجر المثل.
وقالت الحنابلة: متى انقضت الاجارة رفع المستأجر يده ولم يلزمه الرد ولا مؤونته مثل المودع، لأنه عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي رده ومؤونته.
قالوا: وتكون بعد انقضاء المدة بيد المستأجر أمانة إن تلفت بغير تفريط فلاضمان عليه.
الاجارة مشتقة من الاجر وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرا.
وفي الشرع: عقد على المنافع بعوض، فلا يصح استئجار الشجر من أجل الانتفاع بالثمر، لأن الشجر ليس منفعة، ولا استئجار النقدين، ولا الطعام للاكل، ولا المكيل والموزون لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك أعيانها.
وكذلك لا يصح استئجار بقرة أو شاة أو ناقة لحلب لبنها لأن الاجارة تملك المنافع، وفي هذه الحال تملك اللبن وهو عين.
والعقد يرد على المنفعة لا للعين...والمنفعة قد تكون منفعة عين، كسكنى الدار، أو ركوب السيارة وقد تكون منفعة عمل، مثل عمل المهندس والبناء والنساج والصباغ والخياط والكواء، وقد تكون منفعة الشخص الذي يبذل جهده، مثل الخدم والعمال...والمالك الذي يؤجر المنفعة يسمى: مؤجرا. والطرف الاخر الذي يبذل الاجر يسمى: مستأجرا.
والشئ المعقود عليه المنفعة يسمى: مأجورا. والبذل المبذول في مقابل المنفعة يسمى: أجرا وأجرة. ومتى صح عقد الاجارة ثبت للمستأجر ملك المنفعة. وثبت للمؤجر ملك الاجرة، لأنها عقد معاوضة.
.مشروعيتها:
الإجارة مشروعة بالكتاب والسنة والاجماع.
يقول الله سبحانه وتعالى:
1- {أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون}.
ويقول جل شأنه:
2- {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
ويقول عزوجل:
3- {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجر ني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}.
وجاء في السنة ما يأتي:
1- روى البخاري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، استأجر رجلا من بني الديل يقال له: عبد الله بن الاريقط وكان هاديا خريتا أي ماهرا.
2- وروى ابن ماجه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه».
3- وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، قال: «كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع».
فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك وأمرنا أن نكريها يذهب أو ورق.
4- وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم،: «احتجم وأعطى الحجام أجره».
وعلى مشروعية الاجارة أجمعت الأمة، ولا عبرة بمن خالف هذا الاجماع من العلماء.
.حكمة مشروعيتها:
وقد شرعت الاجارة لحاجة الناس إليها، فهم يحتاجون إلى الدور للسكنى، ويحتاج بعضهم لخدمة بعض، ويحتاجون إلى الدواب للركوب والحمل، ويحتاجون إلى الأرض للزراعة، وإلى الالات لا ستعمالها في حوائجهم المعاشية.
.ركنها:
والاجارة تنعقد بالايجاب والقبول بلفظ الاجارة والكراء وما اشتق منهما، وبكل لفظ يدل عليها.
.شروط العاقدين:
ويشترط في كل من العاقدين الأهلية بأن يكون كل منهما عاقلا مميزا، فلو كان أحدهما مجنونا أو صبيا غير مميز فإن العقد لا يصح.
ويضيف الشافعية والحنابلة شرطا آخر وهو البلوغ.
فلا يصح عندهم عقد الصبي ولو كان مميزا.
.شروط صحة الإجارة:
ويشترط لصحة الاجارة الشروط الاتية:
.1- رضا العاقدين:
فلو أكره أحدهما على الاجارة، فإنها لا تصح لقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
.2- معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة:
والمعرفة التي تمنع المنازعة تم بمشاهدة العين التي يراد استئجارها أو بوصفها إن انضبطت بالوصف، وبيان مدة الاجارة كشهر أو سنة أو أكثر أو أقل، وبيان العمل المطلوب.
.3- أن يكون المعقود عليه المقدور الاستيفاء حقيقة وشرعا:
فمن العلماء من اشترط هذا الشرط فرأى أنه لا يجوز إجارة المشاع من غير الشريك، وذلك لأن منفعة المشاع غير مقدورة الاستيفاء. وهذا مذهب أبي حنيفة وزفر. وقال جمهور الفقهاء: يجوز إجارة المشاع مطلقا من الشريك وغيره.
لأن للمشاع منفعة والتسليم ممكن بالتخلية أو المهايأة بالتهيؤ. كما يجوز ذلك في البيع. والاجارة أحد نوعي البيع. فإن لم تكن المنفعة معلومة كانت الاجارة فاسدة.
.4- القدرة على تسليم العين المستأجرة:
مع اشتمالها على المنفعة، فلا يصح تأجير دابة شاردة، ولا مغصوب لا يقدر على انتزاعه لعدم القدرة على التسليم. ولا أرض للزرع لا تنبت، أو دابة للحمل وهي زمنة: لعدم المنفعة التي هي موضوع العقد.
.5- أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة:
فلا تصح الاجارة على المعاصي، لأن المعصية يجب اجتنابها. فمن استأجر رجلا ليقتل رجلا ظلما أو رجلا ليحمل له الخمر أو أجر داره لمن يبيع بها الخمر أو ليلعب فيها القمار أو ليجعلها كنيسة فإنها تكون إجارة فاسدة.
وكذلك لا يحل حلوان الكاهن والعراف وهو ما يعطاه على كهانته وعرافته، إذ أنه عوض عن محرم وأكل لاموال الناس بالباطل. ولا تصح الاجارة على الصلاة والصوم، لأن هذه فرائض عينية يجب أداؤها على من فرضت عليه.
.الأجرة على الطاعات:
أما الاجرة على الطاعات فقد اختلف العلماء في حكمها، ونذكر بيان مذاهبهم فيما يلي: قالت الأحناف: الاجارة على الطاعات كاستئجار شخص آخر ليصلي أو يصوم أو يحج عنه أو يقرأ القرآن ويهدي ثوابه إليه أو يؤذن أو يؤم بالناس أو ما أشبه ذلك لا يجوز، ويحرم أخذ الاجرة عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به».
وقوله، صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص: وان اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الأذان أجرا ولان القربة متى حصلت وقعت عن العامل فلا يجوز أخذ الاجرة عليها من غيره، ومما هو شائع من ذلك في بلادنا المصرية الوصايا بالختمات والتسابيح بأجر معلوم ليهدي ثوابها إلى روح الموصي، وكل ذلك غير جائز شرعا، لأن القارئ إذا قرأ لاجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يهديه إلى الميت؟...وقد نص الفقهاء على أن الاجرة المأخوذة في نظير عمل الطاعات حرام على الآخذ، ولكن المتأخرين منهم استثنوا من هذا الاصل تعليم القرآن والعلوم الشرعية، فأفتوا بجواز أخذ الاجرة عليه استحسانا، بعد أن انقطعت الصلات والعطايا التي كانت تجرى على هؤلاء المعلمين، في الصدر الأول، من الموسرين وبيت المال، دفعا للحرج والمشقة، لأنهم يحتاجون إلى ما به قوام حياتهم هم ومن يعولونهم...وفي اشتغالهم بالحصول عليه من زراعة أو تجارة أو صناعة إضاعة للقرآن الكريم والشرع الشريف بانقراض حملته، فجاز إعطاؤهم أجرا على هذا التعليم...وقالت الحنابلة: لا تصح الاجارة لاذان وإقامة وتعليم قرآن وفقه وحديث ونيابة في حج وقضاء، ولا يقع إلا قربة لفاعله ويحرم أخذ الاجرة عليه، وقالوا: ويجوز أخذ رزق من بيت المال أو من وقف على عمل يتعدى نفعه، كقضاء وتعليم قرآن وحديث وفقه ونيابة في حج وتحمل شهادة وأدائها وأذان ونحوها، لأنها من المصالح، وليس بعوض بل رزق للاعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ولا يقدح في الاخلاص، وإلا ما استحقت الغنائم وسلب القاتل...وذهبت المالكية والشافعية وابن حزم: إلى جواز أخذ الاجرة على تعليم القرآن والعلم لأنه استئجار لعمل معلوم ببذل معلوم.
قال ابن حزم: والاجارة جائزة على تعليم القرآن وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة، كل ذلك جائز وعلى الرقى وعلى نسخ المصاحف ونسخ كتب العلم لأنه لم يأت في النهي عن ذلك نص، بل قد جاءت الاباحة.
ويقوي هذا المذهب ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن نفرا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، مروا بماء فيه لديغ أو سليم. فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما...فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله».
وكما اختلف الفقهاء في أخذ الاجرة على تلاوة القرآن وتعليمه، فقد اختلفوا أيضا في أخذ الاجرة على الحج والاذان والإمامة.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذلك جريا على أصله في عدم أخذ الاجرة على الطاعات.
وقال مالك: كما يجوز أخذ الاجرة على تعليم القرآن يجوز أخذها على الحج والأذان.
فأما الإمامة فإنه لا يجوز أخذ الاجرة عليها إن أفردها وحدها.
فإن جمعها مع الأذان جازت الاجرة، وكانت على الأذان والقيام بالمسجد لا على الصلاة.
وقال الشافعي: تجوز الاجرة على الحج ولا تجوز على الإمامة في صلاة الفرائض، ويجوز بالاتفاق الاستئجار على تعليم الحساب والخط واللغة والأدب والحديث وبناء المساجد والمدارس.
وعند الشافعية: تجوز الاجارة على غسل الميت وتلقينه ودفنه.
وأبو حنيفة قال: لا يجوز الاستئجار على غسل الميت، ويجوز على حفر القبور وحمل الجنائز.
كسب الحجام:
كسب الحجام غير حرام، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، احتجم وأعطى الحجام أجره، كما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس.
ولو كان حراما لم يعطه.
قال النووي: وحملوا الأحاديث التي وردت في النهي عنه على التنزيه والارتفاع عن دنئ الكسب والحث على مكارم الاخلاق ومعالي الأمور.
.6- أن تكون الاجرة مالا متقوما:
معلوما بالمشاهدة أو الوصف، لأنها ثمن المنفعة، وشرط الثمن أن يكون معلوما، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره».
.ويصح تقدير الاجرة بالعرف:
أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي أن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه.
وثم رجل يزن بالاجر فقال له: زن وأرجح فهنا لم يسم له الاجرة بل أعطاه ما اعتاده الناس.
قال ابن تيمية: إذا ركب دابة المكاري أو دخل حمام الحمامي أو دفع ثيابه أو طعامه إلى من يغسل ويطبخ فإن له الاجر المعروف.
وقد دل على ثبوت عوض الاجارة بالمعروف قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فأمر بإيفائهن أجورهن بمجرد الأرضاع والمرجع في الاجور إلى العرف.
.اشتراط تعجيل الاجرة وتأجيلها:
الاجرة لا تملك بالعقد عند الأحناف، ويصح اشتراط تعجيل الأجرة وتأجيلها كما يصح تعجيل البعض وتأجيل البعض الاخر، حسب ما يتفق عليه المتعاقدان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم،: «المسلمون عند شروطهم».
فإذا لم يكن هناك اتفاق على التعجيل أو التأجيل فإن كانت الاجرة مؤقتة بوقت معين فإنه يلزم إيفاؤها بعد انقضاء ذلك الوقت.
فمن أجر دارا شهرا مثلا ثم مضى الشهر فإنه تجب الاجرة بانقضائه وإن كان عقد الاجارة على عمل فإنه يلزم إيفاؤها عند الأنهاء من العمل.
وإذا أطلق العقد ولم يشترط قبض الاجرة ولم ينص على تأجيلها: قال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: إنها تجب جزءا جزءا بحسب ما يقبض من المنافع.
وقال الشافعي وأحمد: إنها تستحق بنفس العقد، فإذا سلم المؤجر العين المستأجرة إلى المستأجر استحق جميع الاجرة، لأنه قد ملك المنفعة بعقد الاجارة ووجب تسليم الاجرة ليلزم تسليم العين إليه.
.استحقاق الأجرة:
وتستحق الاجرة بما يأتي:
1- الفراغ من العمل، لما رواه ابن ماجه أن النبي،
صلى الله عليه وسلم، قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».
2- استيفاء المنفعة إذا كانت الاجارة على عين مستأجرة، فإذا تلفت العين قبل الانتفاع ولم يمض شيء من المدة بطلت الاجارة.
3- التمكن من استيفاء المنفعة، إذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولو لم تستوف بالفعل.
4- تعجيلها بالفعل أو اتفاق المتعاقدين على اشتراط التعجيل.
.هل تسقط الاجرة بهلاك العين في عقد إجارة الاعمال؟
إذا عمل الاجير في ملك المستأجر أو بحضرته استحق الاجرة لأنه تحت يده، فكلما عمل شيئا صار مسلما له.
وإن كان العمل في يد الاجير لم يستحق الاجرة بهلاك الشئ في يده لأنه لم يسلم العمل.
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
.استئجار الظئر:
استئجار الرجل زوجته على رضاع ولده منها لا يجوز،
لأن ذلك أمر واجب عليها فيما بينها وبين الله تعالى.
أما استئجار المرضع غير الأم فإنه يجوز بأجر معلوم، ويجوز أيضا بطعامها وكسوتها، وجهالة الاجرة في هذه الحال لا يفضي إلى المنازعة.
والعادة جرت بالمسامحة مع المراضع والتوسعة عليهن رفقا بالأولاد.
ويشترط العلم بمدة الرضاع ومعرفة الطفل بالمشاهدة وموضع الرضاع.
يقول الله سبحانه: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولاكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
وهي بمنزلة الاجير الخاص، فلا يجوز لها أن ترضع صبيا آخر...وعلى الظئر القيام بالأرضاع وبما يحتاج إليه الصبي من غسله وغسل ثيابه وطبخ طعامه، وعلى الاب نفقات الطعام وما يحتاج إليه الصبي من الريحان والدهن، وإذا مات الصبي أو المرضع انفسخت الاجارة.
لان المنفعة في حالة موت المرضع تكون قد فاتت بهلاك محلها...وفي حالة موت الطفل يتعذر استيفاء المعقود عليه.
.الاستئجار بالطعام والكسوة:
اختلف العلماء في حكم الاستئجار بالطعام والكسوة فأجازه قوم ومنعه آخرون، وحجة المجيزين ما رواه أحمد وابن ماجه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فقرأ طسم حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: «إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه» وهو مروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى.
وإلى هذا ذهب مالك والحنابلة، وجوزه أبو حنيفة في الظئر دون الخادم...وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور بالله لا يصح للجهالة...ويرى المالكية الذين أجازوا استئجار الاجير بطعامه وكسوته: أن ذلك يكون على حسب المتعارف.
قالوا: ولو قال: احصد زرعي ولك نصفه، أو اطحنه أو اعصر الزيت، فإن ملكه نصفه الان جاز، وإن أراد نصف ما يخرج منه لم يجز، للجهالة.
.إجارة الأرض:
ويصح استئجار الأرض، ويشترط فيه بيان ما تستأجر له من زرع أو غرس أو بناء.
وإذا كانت للزراعة فلا بد من بيان ما يزرع فيها، إلا أن يأذن له المؤجر بأن يزرع فيها ما يشاء.
فإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن الاجارة تقع فاسدة، لأن منافع الأرض تختلف باختلاف البناء والزرع كما يختلف تأخير المزروعات في الأرض، وله أن يزرعها زرعا آخر غير الزرع المتفق عليه بشرط أن يكون ضرره مثل ضرر الزرع المتفق عليه أو أقل منه.
وقال داود: ليس له ذلك.
.استئجار الدواب:
ويصح استئجار الدواب ويشترط فيه بيان المدة أو المكان، كما يشترط بيان ما تستأجر له الدابة من الحمل أو الركوب، وبيان ما يحمل عليها ومن يركبها.
وإذا هلكت الدواب المؤجرة للحمل والركوب فإن كانت مؤجرة معيبة فهلكت انقضت الاجارة، وإن كانت غير معيبة فهلكت لا تبطل الاجارة.
وعلى المؤجر أن يأتي بغيرها وليس له أن يفسخ العقد لأن الاجارة وقعت على منافع في الذمة ولم يعجز المؤجر عن وفاء ما التزمه بالعقد.
وهذا متفق عليه بين فقهاء المذاهب الأربعة.
.استئجار الدور للسكنى:
واستئجار الدور للسكن يبيح الانتفاع بسكناها سواء سكن فيها المستأجر أو أسكنها غيره بالاعارة أو الاجارة على أن لا يمكن من سكناها من يضر بالبناء أو يوهنه مثل الحداد وأمثاله.
وعلى المؤجر إتمام ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع حسب ما جرت به العادة.
.تأجير العين المستأجرة:
ويجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة.
فإذا كانت دابة وجب عليه أن يكون العمل مساويا أو قريبا للعمل الذي استؤجرت من أجله أولا، حتى لا تضار الدابة.
ويجوز له أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها بمثل ما أجرها به أو أزيد أو أقل، وله أن يأخذ ما يسمى بالخلو.
هلاك العين المستأجرة:
العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر لأنه قبضها ليستوفي منها منفعة يستحقها، فإذا هلكت لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في الحفظ.
ومن استأجر دابة ليركبها فكبحها بلجامها كما جرت به العادة فلا ضمان عليه.
.الأجير:
الأجير خاص وعام فالأجير الخاص: هو الشخص الذي يستأجر مدة معلومة ليعمل فيها، فإن لم تكن المدة معلومة كانت الاجارة فاسدة.
ولكل واحد من الاجير والمستأجر فسخها متى أراد.
وفي الاجارة: إذا كان الاجير سلم نفسه للمستأجر زمنا ما فليس له في هذه الحال إلا أجر المثل عن المدة التي عمل فيها...والاجير الخاص لا يجوز له أثناء المدة المتعاقد عليها أن يعمل لغير مستأجره.
فإن عمل لغيره في المدة نقص من أجره بقدر عمله وهو يستحق الاجرة متى سلم نفسه ولم يمتنع عن العمل الذي استؤجر من أجله.
وكذلك يستحق الاجرة كاملة لو فسخ المستأجر الاجارة قبل المدة المتفق عليها في العقد ما لم يكن هناك عذر يقتضي الفسخ.
كأن يعجز الاجير عن العمل أو يمرض مرضا لا يمكنه من القيام به.
فإن وجد عذر من عيب أو عجز ففسخ المستأجر الاجارة لم يكن للاجير إلا أجرة المدة التي عمل فيها - ولا تجب على المستأجر الاجرة الكاملة.
والاجير الخاص مثل الوكيل في أنه أمين على ما بيده من عمل، فلا يضمن منه ما تلف إلا بالتعدي أو التفريط.
فإن فرط أو تعدي ضمن كغيره من الأمناء.
الأجير المشترك: والاجير المشترك هو الذي يعمل لاكثر من واحد فيشتركون جميعا في نفعه كالصباغ، والخياط، والحداد، والنجار، والكواء.
وليس لمن استأجره أن يمنعه من العمل لغيره، ولا يستحق الاجرة إلا بالعمل.
وهل يده يد ضمان أو يد أمانة؟؟.
ذهب الإمام علي وعمر، رضي الله عنهما، وشريح القاضي وأبو يوسف ومحمد والمالكية إلى أن يد الاجير المشترك يد ضمان، وأنه يضمن الشئ التالف ولو بغير تعذ أو تقصير منه صيانة لاموال الناس وحفاظا على مصالحهم.
روي البيهقي عن علي - كرم الله وجهه - أنه كان يضمن الصباغ والصانع وقال: لا يصلح الناس إلا ذاك.
وروى أيضا: أن الشافعي، رضي الله عنه، ذكر أن شريحا ذهب إلى تضمين القصار، فضمن قصارا احترق بيته فقال: تضمنني وقد احترق بيتي؟ فقال شريح: أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرك؟
وذهب أبو حنيفة وابن حزم إلى أن يده يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة والصحيح من أقوال الشافعي رضي الله عنه.
وقال ابن حزم: لا ضمان على أجير مشترك أو غير مشترك ولاعلى صانع أصلا، إلا ما ثبت أنه تعدى فيه أو أضاعه.
.فسخ الإجارة وانتهاؤها:
الاجارة عقد لازم لا يملك أحد المتعاقدين فسخه لأنه عقد معاوضة، إلا إذا وجد ما يوجب الفسخ كوجود عيب، كما سيأتي...فلا تفسخ الاجارة بموت أحد المتعاقدين مع سلامة المعقود عليه ويقوم الوارث مقام مورثه سواء أكان مؤجرا أو مستأجرا...خلافا للحنفية والظاهرية والشعبي والثوري والليث بن سعد.
ولا تفسخ ببيع العين المستأجرة للمستأجر أو لغيره، ويتسلمها المشتري إذا كان غير المستأجر بعد انقضاء مدة الاجارة.
.وتفسخ بما يأتي:
1- طروء العيب الحادث على المأجور وهو في يد المستأجر أو ظهور العيب القديم فيه.
2- هلاك العين المؤجرة المعينة كالدار المعينة والدابة المعينة.
3- هلاك المؤجر عليه كالثوب المؤجر للخياطة، لأنه لا يمكن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه...
4- استيفاء المنفعة المعقود عليها أو إتمام العمل أو انتهاء المدة إلا إذا كان هناك عذر يمنع الفسخ، كما لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع فتبقى في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد، ولو جبرا على المؤجر منعا لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أو انه.
5- وقال الأحناف: يجوز فسخ الاجارة لعذر يحصل ولو من جهته، مثل أن يكتري حانوتا ليتجر فيه فيحترق ماله أو يسرق أو يغصب أو يفلس فيكون له فسخ الاجارة.
.رد العين المستأجرة:
ومتى انتهت الاجارة وجب على المستأجر رد العين المستأجرة.
فإن كانت من المنقولات سلمها لصاحبها...وإن كانت من العقارات المبينة سلمها لصاحبها خالية من متاعه. وإن كانت من الاراضي الزراعية سلمها خالية من الزرع، إلا إذا كان هناك عذر كما سبق، فإنها تبقى بيد المستأجر حتى يحصد الزرع بأجر المثل.
وقالت الحنابلة: متى انقضت الاجارة رفع المستأجر يده ولم يلزمه الرد ولا مؤونته مثل المودع، لأنه عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي رده ومؤونته.
قالوا: وتكون بعد انقضاء المدة بيد المستأجر أمانة إن تلفت بغير تفريط فلاضمان عليه.