دفن الميت
.1- حكمه:
أجمع المسلمون على أن دفن الميت ومواراة بدنه فرض كفاية، قال الله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا}.
.2- الدفن ليلا:
يرى جمهور العلماء أن الدفن بالليل كالدفن بالنهار سواء بسواء.
فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر ليلا، ودفن علي فاطمة رضي الله عنها ليلا، وكذلك دفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود.
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له بسراج فأخذه من قبل القبلة وقال: «رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن» وكبر عليه أربعا رواه الترمذي وقال: حديث حسن قال: ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل.
وإنما يجوز ذلك إذا كان لا يفوت بالدفن ليلا شيء من حقوق الميت والصلاة عليه.
فإذا كان يفوت به حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام بأمره، فقد نهى الشارع عن الدفن بالليل وكرهه، روى مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر إلى ذلك.
وروى ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا».
.3- الدفن وقت الطلوع والاستواء والغروب:
اتفق العلماء على أنه إذا خيف تغير الميت فإنه يدفن في هذه الاوقات الثلاثة بدون كراهة.
أما إذا لم يخش عليه من التغير، فإنه يجوز دفنه في هذه الاوقات عند الجمهور ما لم يتعمددفنه فيها فإنه حينئذ يكون مكروها، لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عقبة قال: «ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب».
وقالت الحنابلة يكره الدفن في هذه الاوقات مطلقا للحديث المذكور.
.4- استحباب إعماق القبر:
القصد من الدفن أن يوارى الميت في حفرة تحجب رائحته، وتمنع السباع والطيور عنه، وعلى أي وجه تحقق هذا المقصود تأدى به الفرض وتم به الواجب، إلا أنه ينبغي تعميق القبر قدر قامة، لما رواه النسائي والترمذي وصححه عن هشام بن عامر.
قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد» فقالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: «قدموا أكثرهم قرآنا» وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد..
وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمر أنه قال: أعمقوا إلى قدر قامة وبسطة.
وعند أبي حنيفة وأحمد يعمق قدر نصف القامة. وإن زاد فحسن.
5- تفضيل اللحد على الشق:
اللحد هو الشق في جانب القبر جهة القبلة، ينصب عليه اللبن فيكون كالبيت المسقف.
والشق حفرة في وسط القبر تبنى جوانبها باللبن يوضع فيه الميت ويسقف عليه بشئ، وكلاهما جائز، إلا أن اللحد أولى، لما رواه أحمد وابن ماجه عن أنس قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما، فأيما سبق تركناه، فأرسلوا إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا له» وهذا يدل على الجواز.
أما ما يدل على أولوية اللحد، فما رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللحد لنا، والشق لغيرنا».
.6- صفة إدخال الميت القبر:
من السنة في إدخال الميت القبران يدخل من مؤخره إذا تيسر، لما رواه أبو داود وابن أبي شيبة والبيهقي من حديث عبد الله بن زيد: أنه أدخل ميتا من قبل رجليه القبر وقال: هذا من السنة فان لم يتسر فكيفما أمكن.
قال ابن حزم: ويدخل الميت القبر كيف أمكن، إما من القبلة، وامامن دبر القبلة، واما من قبل رأسه.
واما من قبل رجليه، إذ لانص في شيء من ذلك.
.7- استحباب توجيه الميت في قبره الى القبلة والدعاء له وحل أربطة الكفن:
السنة التي جرى عليها العلم، أن يجعل الميت في قبره على جنبه الايمن ووجهه تجاه القبلة.
ويقول واضعه: بسم الله وعلى ملة رسول الله، أو وعلى سنة رسول الله ويحل أربطة الكفن.
فعن ابن عمر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان إذا وضع الميت في القبر، قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله، أو، وعلى سنة رسول الله» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ورواه النسائي مسندا وموقوفا.
.8- كراهة الثوب في القبر:
كره جمهور الفقهاء وضع ثوب أو وسادة أو نحو ذلك للميت في القبر.
ويرى ابن حزم أنه لا بأس ببسط ثوب في القبر تحت الميت، لما رواه مسلم عن ابن عباس، قال: بسط في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، قال وقد ترك الله هذا العمل في دفن رسوله المعصوم من الناس ولم يمنع منه، وفعله خيرة أهل الأرض في ذلك الوقت باجماع منهم، لم ينكره احد منهم.
واستحب العلماء أن يوسد رأس الميت بلبنة أو حجر أو تراب، ويفضى بخده الايمن إلى اللبنة ونحوها، بعد أن ينحى الكفن عن خده، ويوضع على التراب، قال عمر: إذا انزلتموني الى اللحد فأفضوا بخدي الى التراب.
واوصى الضحاك أن تحل عنه العقد ويبرز خده من الكفن، واستحبوا أن يوضع شيء خلفه من لبن أو تراب يسنده، لا يستلقى على قفاه.
واستحب أبو حنيفة ومالك وأحمد، أن يمد ثوب على المرأة عند إدخالها في القبر دون الرجل، واستحب الشافعية ذلك في الرجل والمرأة على السواء
9- استحباب ثلاث حثيات على القبر:
ويستحب أن يحثو من شهد الدفن ثلاث حثيات بيديه على القبر من جهة رأس الميت، لما رواه ابن ماجه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا» واستحب الائمة الثلاثة أن يقول في الحثية الأولى: {منها خلقناكم} وفي الثانية: {وفيها نعيدكم} وفي الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما وضعت أم كلثوم بنته في القبر.
وقال أحمد: لا يطلب قراءة شيء عند حثو التراب لضعف الحديث.
.10- استحباب الدعاء للميت بعد الفراغ من الدفن:
يستحب الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له، لأنه يسأل في هذه الحالة.
فعن عثمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: «استغفروا لأخيكم وسلواله التثبيت فانه الآن يسأل» رواه أبو داود والحاكم وصححه، والبزار وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
وروى رزين عن علي: أنه كان إذا فرغ من دفن الميت قال: اللهم هذا عبدك نزل بك واتت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله.
واستحب ابن عمر قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن رواه البيهقي بسند حسن.
.11- حكم التلقين بعد الدفن:
استحب بعض أهل العلم والشافعي أن يلقن الميت بعد الدفن، لما رواه سعيد بن منصور عن راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوي على الميت قبره، وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لاإله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. ثم ينصرف.
وقد ذكر هذا الاثر الحافظ في التلخيص وسكت عنه.
وروى الطبراني من حديث أبي أمامة أنه قال: «إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فانه يستوي قاعدا. ثم يقول: يا فلان بن فلانة فانه يقول: ارشدنا يرحمك الله، ولكن لا تشعرون. فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فان منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد بيد صاحبه، ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته» فقال رجل: يا رسول الله فان لم يعرف أمه؟ قال: «ينسبه إلى أمه حواء: يا فلان ابن حواء».
قال الحافظ في التلخيص: واسناده صالح، وقد قواه الضياء في أحكامه.
وفي إسناده عاصم بن عبد الله، وهو ضعيف.
وقال الهيثمي بعد أن ساقه: في إسناده جماعة لم أعرفهم.
قال النووي: هذا الحديث وان كان ضعيفا فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد كحديث «واسألوا له التثبيت» ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به وإلى الآن.
وذهبت المالكية في المشهور عنهم، وبعض الحنابلة الى أن التلقين مكروه.
وقال الاثرم: قلت لأحمد: هذا الذي يصنعونه، إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة...قال: ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة.
يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم: أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يرويه، يشير إلى حديث أبي أمامة.
.السنة في بناء المقابر:
من السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ليعرف أنه قبر، ويحرم رفعه زيادة على ذلك.
لما رواه مسلم وغيره عن هرون: أن ثمامة بن شفى حدثه.
قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي.
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها.
وروي عن أبي الهياج الاسدي.
قال: قال لي علي بن أبي طالب: الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته».
قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه.
وقد كان الولاة يهدمون ما بني في المقابر - مما زاد على المشروع - عملا بالسنة الصحيحة.
قال الشافعي: وأحب الا يزاد في القبر تراب من غيره، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لايبنى ولايجصص، فان ذلك يشبه الزينة والخيلاء.
وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والانصار مجصصة.
وقد رأيت من الولاة من يهدم ما بني في المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
قال الشوكاني: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك اصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلانكير - كما قال الإمام يحيى والمهدي في الغيث - لا يصح، لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية، وتحريم رفع القبور ظن.
ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القباب والمشاهد المعمورة على القبور، وايضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك..وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسد يبكي لها الإسلام.
منها اعتقاد الجهلة فيها كاعتقاد الكفار في الاصنام، وعظموا ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالاصنام إلا فعلوه.
فإنا لله وإنا إليه راجعون ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لاتجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لاعالما، ولا متعلما، ولا أميرا ولاوزيرا ولاملكا.
وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين ويا ملوك الإسلام أي رزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟.
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد وقد أفتى العلماء بهدم المساجد والقباب التي بنيت على المقابر.
قال ابن حجر في الزواجر: وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة.
وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره.
تسنيم القبر وتسطيحه اتفق الفقهاء على جواز تسنيم القبر وتسطيحه.
قال الطبري: لاأحب أن يتعدى في القبور أحد المعنيين من تسويتها بالأرض، أو رفعها مسنمة قدر شبر على ما عليه عمل المسلمين، وتسوية القبور ليست بتسطيح.
وقد اختلف الفقهاء في الافضل منها، فنقل القاضي عياض عن أكثر أهل العلم: أن الافضل تسنيمها، لأن سفيان النمار حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، رواه البخاري.
وهذا رأي أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية.
وذهب الشافعي إلى أن التسطيح أفضل لامر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسوية.
تعليم القبر بعلامة يجوز أن يوضع على القبر علامة، من حجرة أو خشب يعرف بها، لما رواه ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم «أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة» أي وضع عليه الصخرة ليتبين به.
وفي الزوائد: هذا إسناد حسن رواه أبو داود من حديث المطلب بن أبي وداعة.
وفيه: أنه حمل الصخرة فوضعها عند رأسه وقال: أتعلم بها قبر أخي، وادفن إليه من مات من أهلي.
وفي الحديث استحباب جمع الموتى الاقارب في أماكن متجاورة لأنه أيسر لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم.
.خلع النعال في المقابر:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا بأس بالمشي في المقابر بالنعال.
قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهم.
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم» وقد استدل العلماء بهذا الحديث على جواز المشي في المقابر بالنعل: إذ لا يسمع قرع النعل إلا إذا مشوا بها.
وكره الإمام أحمد المشي بالنعال السبتية في المقابر، لما رواه أبو داودو النسائي وابن ماجه عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال: «يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك» فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما.
قال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيه من الخيلاء، وذلك أن نعال السبت من لباس أهل الترفه والتنعم.
ثم قال: فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس اهل الخشوع.
والكراهة عند أحمد عند عدم العذر.
فإذا كان هناك عذر يمنع الماشي من الخلع كالشوكة أو النجاسة انتفت الكراهة.
النهي عن ستر القبور لا يحل ستر الاضرحة، لما فيه من العبث وصرف المال في غير غرض شرعي، وتضليل العامة، روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة، فأخذت نمطا فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين».
.تحريم المساجد والسرج على المقابر:
جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها.
1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
2- روى أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي، عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».
3- وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فان الله عز وجل قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».
4- وفيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
5- وروى البخاري ومسلم عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة - رأتاها بالحبشة فيها تصاوير - لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
قال صاحب المغني: ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج» رواه أبو داود والنسائي ولفظه: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم...الخ» ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة وافراطا في تعظيم القبور اشبه تعظيم الاصنام، ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه.
وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا، ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها.
.كراهية الذبح عند القبر:
نهى الشارع عن الذبح عند القبر تجنبا لما كانت تفعله الجاهلية، وبعدا عن التفاخر والمباهاة.
فقد روى أبو داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاعقر في الإسلام» قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.
قال الخطابي: كان أهل الجاهلية يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون: نجازيه على فعله، لأنه كان يعقرها في حياته، فيطعمها الاضياف، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير: فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته قال الشاعر: عقرت على قبر النجاشي ناقتي ** بأبيض عضب أخلصته صياقله
على قبر من لو أنني مت قبله ** لهانت عليه عند قبري رواحله
ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا، وكان على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت.
.النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:
لا يحل القعود على القبر ولا الاستناد إليه، ولا المشي عليه، لما رواه عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكثا على قبر. فقال: «لا تؤذ صاحب هذا القبر.» أو «لاتؤذه» رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» رواه أحمد، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
والقول بالحرمة مذهب ابن حزم، لما ورد فيه من الوعيد، قال: وهو قول جماعة من السلف، منهم أبو هريرة.
ومذهب الجمهور: أن ذلك مكروه.
قال النووي: عبارة الشافعي في الأم، وجمهور الاصحاب في الطرق كلها: أنه يكره الجلوس، وأرادوا به كراهة التنزيه، كما هو المشهور في استعمال الفقهاء، وصرح به كثير منهم، قال: وبه قال جمهور العلماء منهم النخعي والليث وأحمد وداود، قال: ومثله في الكراهة الاتكاء عليه والاستناد إليه.
وذهب ابن عمر من الصحابة وأبو حنيفة ومالك إلى جواز القعود على القبر.
قال في الموطأ: إنما نهى عن القعود على القبور فيما نرى نظن للذاهب يقصد لقضاء حاجة الإنسان من البول أو الغائط.
وذكر في ذلك حديثا ضعيفا وضعف أحمد هذا التأويل وقال: ليس هذا بشئ.
وقال النووي: هذا تأويل ضعيف أو باطل، وأبطله كذلك ابن حزم من عدة وجوه.
وهذا الخلاف في غير الجلوس لقضاء الحاجة، فاما إذا كان الجلوس لها، فقد اتفق الفقهاء على حرمته، كما اتفقوا على جواز المشي على القبور إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك.
.النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:
عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
ولفظه: «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ» وفي لفظ النسائي: «أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه».
والتجصيص معناه الطلاء بالجص، وهو الجير المعروف.
وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، وقيل: الحكمة في ذلك إن القبر للبلى لا للبقاء، وإن تجصيصه من زينة الدنيا، ولا حاجة للميت إليها.
وذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد أن يبني قبر ابنه ويجصصه: جفوت ولغوت، لا يقربه شيء مسته النار.
ولا بأس بتطيين القبر.
قال الترمذي: وقد رخص بعض أهل العلم - منهم الحسن البصري - في تطيين القبور.
وقال الشافعي: لا بأس به أن يطين القبر.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء رواه أبو بكر النجاد وسكت الحافظ عليه في التلخيص.
وكما كره العلماء تجصيص القبر، كرهوا بناءه بالآجر أو الخشب أو دفن الميت في تابوت إذا لم تكن الأرض رخوة أو ندية، فإن كانت كذلك جاز بناء القبر بالآجر ونحوه وجاز دفن الميت في تابوت من غير كراهة.
فعن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر، ويستحبون القصب ويكرهون الخشب.
وفي الحديث النهي عن الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها.
قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث: الاسناد صحيح وليس العمل عليه.
فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شيء أخذه الخلف عن السلف.
وتعقبه الذهبي: بأنه محدث ولم يبلغهم النهي.
ومذهب الحنابلة: أن النهي عن الكتابة الكراهة سواء أكانت قرآنا، أم كانت اسم الميت.
ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا: إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميزه ليعرف.
ويرى المالكية: أن الكتابة إن كانت قرآنا حرمت.
وإن كانت لبيان اسمه أو تاريخ موته فهي مكروهة وقالت الأحناف: إنه يكره تحريما الكتابة على القبر إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره.
وقال ابن حزم: لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك.
وفي الحديث: النهي عن زيادة تراب القبر على ما يخرج منه، وقد بوب على هذه الزيادة البيهقي فقال: باب لا يزاد على القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع.
قال الشوكاني: وظاهره أن المراد بالزيادة عليه، الزيادة على ترابه.
وقيل: المراد بالزيادة عليه أن يقبر على قبر ميت آخر.
ورجح الشافعي المعنى الأول فقال: يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه.
وإنما استحب ذلك لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا قال: فإن زاد فلا بأس.
.دفن أكثر من واحد في قبر:
هدي السلف الذي جرى عليه العمل أن يدفن كل واحد في قبر، فإن دفن أكثر من واحد كره ذلك إلا إذا تعسر إفراد كل ميت بقبر لكثرة الموتى وقلة الدافنين أو ضعفهم.
فإنه في هذه الحالة يجوز دفن أكثر من واحد في قبر واحد.
لما رواه أحمد والترمذي وصححه: أن الانصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فقالوا: يا رسول الله أصابنا جرح وجهد.
فكيف تأمرنا؟ فقال: «احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر» قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: «أكثرهم قرآنا».
وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الاسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد،
فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه.
.الميت في البحر:
قال في المغني: إذا مات في سفينة في البحر، فقال أحمد رحمه الله: ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعا يدفنونه فيه حبسوه يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد فإن لم يجدوا غسل، وكفن، وحنط، ويصلى عليه، ويثقل بشئ ويلقى في الماء.
وهذا قول عطاء والحسن.
قال الحسن: يترك في زنبيل ويلقى في البحر.
وقال الشافعي: يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل، فربما وقع إلى قوم يدفنونه، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، والأول أولى، لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه، وإلقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير والهتك.
وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا وربما وقع إلى قوم من المشركين، فكان ما ذكرناه أولى.
.وضع الجريدة على القبر:
لا يشرع وضع الجريد ولا الزهور فوق القبر، وأما ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» فقد أجاب عنه الخطابي بقوله: وأما غرسه شق العسيب على القبر، وقوله: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس.
والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه وجه.
وما قاله الخطابي صحيح، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه وضع جريدا ولا أزهارا على قبر سوى بريدة الاسلمي، فإنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان. رواه البخاري.
ويبعد أن يكون وضع الجريد مشروعا ويخفى على جميع الصحابة ما عدا بريدة.
قال الحافظ في الفتح: وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصا بذينك الرجلين.
قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر حين رأى فسطاطا على قبر عبد الرحمن: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله.
وفي كلام ابن عمر ما يشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح.
.المرأة تموت وفي بطنها جنين حي:
إذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين حي وجب شق بطنها لاخراج الجنين إذا كانت حياته مرجوة، ويعرف ذلك بواسطة الاطباء الثقات.
.المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم تدفن وحدها:
روى البيهقي عن واثلة بن الاسقع: أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها ولد مسلم في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين، واختار هذا الإمام أحمد لأنها كافرة لا تدفن في مقبرة المسلمين، فيتأذوا بعذابها، ولافي مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم.
.تفضيل الدفن في المقابر:
قال ابن قدامة: والدفن في مقابر المسلمين أحب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت، لأنه أقل ضررا على الاحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الاخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى.
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته، وقبر صاحباه معه.
قلنا: قالت عائشة: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا. رواه البخاري.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك.
ولأنه روى «يدفن الانبياء حيث يموتون» وصيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزا له عن غيره.
وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره؟ قال يدفن في المقابر مع المسلمين.
.النهي عن سب الأموات:
لا يحل سب أموات المسلمين ولاذكر مساويهم، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاتسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» وروى أبو داود والترمذي بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم»، أما المسلمون المعلنون بفسق أو بدعة، أو عمل فاسد فإنه يباح ذكر مساويهم إذا كان فيه مصلحة تدعو إليه، كالتحذير من حالهم والتنفير من قولهم وترك الاقتداء بهم، وإن لم تكن فيه مصلحة فلا يجوز.
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض».
ويجوز سب أموات الكفار ولعنهم.
قال الله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} وقال: {تبت يدا أبي لهب وتب} ولعن فرعون وأمثاله، وسبه مشهور في كتاب الله. وفيه: {ألا لعنة الله على الظالمين}.
.قراءة القرآن عند القبر:
اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن عند القبر، فذهب إلى استحبابها الشافعي ومحمد بن الحسن لتحصيل للميت بركة المجاورة، ووافقهما القاضي عياض والقرافي من المالكية، ويرى أحمد: أنه لا بأس بها.
وكرهها مالك وأبو حنيفة لأنها لم ترد بها السنة.
.نبش القبر:
اتفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن المسلم فيه وقف عليه ما بقي شيء منه من لحم أو عظم، فإن بقي شيء منه فالحرمة باقية لجميعه، فإن بلي وصار ترابا جار الدفن في موضعه وجاز الانتفاع بأرضه في الغرس والزرع والبناء وسائر وجوه الانتفاع به، ولو حفر القبر فوجد فيه عظام الميت باقية لايتم الحافر حفره.
ولو فرغ من الحفر، وظهر شيء من العظم جعل في جنب القبر وجاز دفن غيره معه.
ومن دفن من غير أن يصلى عليه أخرج من القبر - إن كان لم يهل عليه التراب - وصلي عليه، ثم أعيد دفنه.
وإن كان أهيل عليه التراب حرم نبش قبره وإخراجه منه عند الأحناف والشافعية ورواية عن أحمد، وصلي عليه وهو في القبر، وفي رواية عن أحمد أنه ينبش، ويصلى عليه.
وجوز الائمة الثلاثة نبش القبر لغرض صحيح مثل إخراج مال ترك في القبر، وتوجيه من دفن إلى غير القبلة إليها، وتغسيل من دفن بغير غسل، وتحسين الكفن، إلا أن يخشى عليه أن يتفسخ فيترك.
وخالف الأحناف في النبش من أجل هذه الأمور واعتبروه مثلة، والمثلة منهى عنها.
قال ابن قدامة: إنما هو مثلة في حق من تغير وهولا ينبش.
قال: وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك، لأن القصد بالكفن ستره وقد حصل ستره بالتراب، والثاني ينبش ويكفن، لأن التكفين واجب، فأشبه الغسل.
قال أحمد: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها.
وقال في الشئ يسقط في القبر - مثل الفأس والدراهم - ينبش.
قال: إذا كان له قيمة - يعني ينبش - قيل: فإن أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شيء يريد.
وقد ورد في ذلك ما رواه البخاري عن جابر.
قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل في حفرته فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصا، وروى عنه أيضا.
قال: دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة.
وقد بوب البخاري لهذين الحديثين.
فقال: باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟.
وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك: أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس، فاستخرجوا الغصن».
قال الخطابي: فيه دليل على جواز نبش قبور المشركين إذا كان فيه أرب أو نفع للمسلمين.
وأنه ليست حرمتهم في ذلك كحرمة المسلمين.
.نقل الميت:
يحرم عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها.
ولو أوصى بنقله إلى غير هذه الأماكن الفاضلة لا تنفذ وصيته لما في ذلك من تأخير دفنه وتعرضه للتغير.
ويحرم كذلك نقله من القبر إلا لغرض صحيح، كأن دفن من غير غسل، أو إلى غير القبلة، أو لحق القبر سيل أو ندوة.
قال في المنهاج: ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام إلا لضرورة، كأن دفن بلا غسل أو في أرض، أو ثوب مغصوبين، أو وقع مال، أو دفن لغير القبلة.
وعند المالكية: يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر، قبل الدفن وبعده لمصلحة، كأن يخاف عليه أن يغرقه البحر أو يأكله السبع، أو لزيارة أهله له، أو لدفنه بينهم، أو رجاء بركته للمكان المنقول إليه ونحو ذلك.
فالنقل حينئذ جائز ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو تغيره أو كسر عظمه.
وعند الأحناف: يكره النقل من بلد إلى بلد، ويستحب أن يدفن كل في مقبرة البلد التي مات بها، ولا بأس بنقله قبل الدفن نحو ميل أو ميلين لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار، ويحرم النقل بعد الدفن إلا لعذر كما تقدم.
ولو مات ابن لامرأة ودفن في غير بلدها وهي غائبة ولم تصبر، وأرادت نقله، لاتجاب إلى ذلك.
وقالت الحنابلة: يستحب دفن الشهيد حيث قتل.
قال أحمد: أما القتلى، فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادفنوا القتلى في مصارعهم» وروى ابن ماجه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم.
فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الاوزاعي وابن المنذر.
قال عبد الله بن ملكيه: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبش فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره.
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك.
لان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز.
قال أحمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا.
وسئل الزهري عن ذلك؟ فقال: قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة.