التعزية
العزاء: الصبر والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته.
.حكمها:
التعزية مستحبة ولو كان ذميا، لما رواه ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة» وهي لا تستحب إلا مرة واحدة.
وينبغي أن تكون التعزية لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء.
سواء أكان ذلك قبل الدفن أم بعده، إلى ثلاثة أيام، إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا، فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث.
.ألفاظها:
والتعزية تؤدى بأي لفظ يخفف المصيبة ويحمل الصبر والسلوان، فإن اقتصر على اللفظ الوارد كان أفضل.
روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر، ولتحتسب» وروى الطبراني والحاكم وابن مردويه بسند فيه رجل ضعيف عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه مات ابن له فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه، فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأعظم الله لك الاجر وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر فإن أنفسنا وأموالنا وأهلنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة، متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير، الصلاة والرحمة والهدى، إن احتسبته فاصبر، ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد ميتا، ولا يدفع حزنا، وما هو نازل فكأن قد والسلام».
وروى الشافعي في مسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
وإسناده ضعيف.
قال العلماء فإن عزى مسلما بمسلم قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك.
وإن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك.
وإن عزى كافرا بمسلم قال: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك.
وإن عزى كافرا بكافر قال: أخلف الله عليك.
وأما جواب التعزية فيؤمن المعزى ويقول للمعزي: آجرك الله.
وعند أحمد إن شاء صافح المعزي وإن شاء لم يصافح، وإذا رأى الرجل شق ثوبه على المصيبة عزاه ولا يترك حقا لباطل وإن نهاه فحسن.
.الجلوس لها:
السنة أن يعزى أهل الميت وأقاربه ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد سواء أكان معزى أو معزيا.
وهذا هو هدي السلف الصالح.
قال الشافعي في الأم: أكره الماتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الاثر.
قال النووي: قال الشافعي وأصحابه رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية.
قالوا: ويعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم.
ولافرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها.
صرح به المحاملي ونقله عن نص الشافعي رضي الله عنه.
وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة - كما هو الغالب منها في العادة - كان ذلك حراما من قبائح المحرمات، فإنه محدث وثبت في الحديث الصحيح «أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأي.
وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية، من غير ارتكاب محظور.
وما يفعله بعض الناس اليوم من الاجتماع للتعزية، وإقامة السرادقات، وفرش البسط، وصرف الأموال الطائلة من أجل المباهاة والمفاخرة من الأمور المحدثة والبدع المنكرة التي يجب على المسلمين اجتنابها، ويحرم عليهم فعلها، لاسيما وأنه يقع فيها كثير مما يخالف هدي الكتاب ويناقض تعاليم السنة، ويسير وفق عادات الجاهلية، كالتغني بالقرآن وعدم التزام آداب التلاوة، وترك الانصات والتشاغل عنه بشرب الدخان وغيره.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه عند كثير من ذوي الاهواء فلم يكتفوا بالايام الأول: جعلوا يوم الأربعين يوم تجدد لهذه المنكرات وإعادة لهذه البدع.
وجعلوا ذكرى أولى بمناسبة مرور عام على الوفاة وذكرى ثانية، وهكذا مما لا يتفق مع عقل ولانقل.