السبت، 10 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزواج أو النكاح : شروط صحة الزواج


شروط صحة الزواج


شروط صحة الزواج هي الشروط التي يتوقف عليها صحته، بحيث إذا وجدت يعتبر عقد الزواج موجودا شرعا، وتثبت له جميع الاحكام والحقوق المترتبة عليه.
وهذه الشروط اثنان: الشرط الأول حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الاقتران بها.
فيشترط ألا تكون محرمة عليه بأي سبب من أسباب التحريم المؤقت أو المؤبد.
وسيأتي ذلك مفصلا في بحث المحرمات من النساء.
الشرط الثاني الاشهاد على الزواج، وهو ينحصر في المباحث الاتية:
1- حكم الاشهاد.
2- شروط الشهود.
3- شهادة النساء.

.حكم الاشهاد على الزواج:
ذهب جمهور العلماء إلى أن الزواج لا ينعقد إلا ببينة، ولا ينعقد حتى يكون الشهود حضورا حالة العقد ولو حصل إعلان عنه بوسيلة أخرى.
وإذا شهد الشهود وأوصاهم المتعاقدان بكتمان العقد وعدم إذاعته كان العقد صحيحا واستدلوا على صحته بما يأتي: أولا: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة» رواه الترمذي.
واحتجوا لمذهبهم بأن البيوع التي ذكرها الله تعالى فيها الاشهاد عند العقد. وقد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع.
والنكاح الذي لم يذكر الله تعالى فيه الاشهاد أخرى بأن لا يكون الاشهاد فيه من شروطه وفرائضه وانما الغرض الاعلان والظهور لحفظ الانساب.
والاشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين، فان عقد العقد ولم يحضره شهود ثم أشهد عليه قبل الدخول لم يفسخ العقد، وان دخلا ولم يشهدا فرق بينهما.
ثانيا: وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» رواه الدار قطني.
وهذا النفي يتوجه الى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الاشهاد شرطا، لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة، وما كان كذلك فهو شرط.
ثالثا: وعن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة.
فقال: «هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت». رواه مالك في الموطأ.
والأحاديث وإن كانت ضعيفة الا أنه يقوي بعضها بعضا.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: «لا نكاح إلا بشهود» لم يختلف في ذلك من مضى منهم إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم.
رابعا: ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه، لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه.
ويرى بعض أهل العلم أنه يصح بغير شهود: منهم الشيعة، وعبد الرحمن ابن مهدي، ويزيد بن هارون، وابن المنذر، وداود، وفعله ابن عمر، وابن الزبير.
وروي عن الحسن بن علي أنه تزوج بغير شهادة، ثم أعلن النكاح.
قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر.
وقال يزيد بن هارون: أمر الله تعالى بالاشهاد في البيع دون النكاح، فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح، ولم يشترطوها للبيع.
وإذا تم العقد فأسروه وتواصوا بكتمانه صح مع الكراهة، لمخالفته الأمر بالاعلان، وإليه ذهب الشافعي، وأبو حنيفة، وابن المنذر.
وممن كره ذلك عمر، وعروة، والشعبي، ونافع. وعند مالك أن العقد يفسخ.
روى ابن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمهما؟ قال يفرق بينهما بتطليقة، ولا يجوز النكاح، ولها صداقها إن أصابها، ولا يعاقب الشاهدان.

.ما يشترط في الشهود:
يشترط في الشهود: العقل، والبلوغ، وسماع كلام المتعاقدين مع فهم أن المقصود به عقد الزواج.
فلو شهد على العقد صبي، أو مجنون، أو أصم، أو سكران، فان الزواج لا يصح، إذ أن وجوه هؤلاء كعدمه.
اشتراط العدالة في الشهود: وأما اشتراط العدالة في الشهود، فذهب الأحناف الى أن العدالة لا تشترط، وأن الزواج ينعقد بشهادة الفاسقين، وكل من يصلح أن يكون وليا في زواج يصلح أن يكون شاهدا فيه، ثم أن المقصود من الشهادة الاعلان.
والشافعية قالوا، لابد من أن يكون الشهود عدولا للحديث المتقدم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».
وعندهم أنه إذا عقد الزواج بشهادة مجهولي الحال ففيه وجهان والمذهب أنه يصح.
لأن الزواج يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس، ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاعتبار ذلك يشق فاكتفي بظاهر الحال، وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه.
فإذا تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد، لأن الشرط في العدالة من حيث الظاهر ألا يكون ظاهر الفسق، وقد تحقق ذلك.

.شهادة النساء:
والشافعية والحنابلة يشترطون في الشهود الذكورة، فان عقد الزواج بشهادة رجل وامرأتين لا يصح، لما رواه أبو عبيد عن الزهري أنه قال: مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق.
ولان عقد الزواج عقد ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويحضره الرجل غالبا، فلا يثبت بشهادتهن كالحدود.
والأحناف لا يشترطون هذا الشرط، ويرون أن شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كافية، لقول الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}.
ولأنه مثل البيع في أنه عقد معارضة فينعقد بشهادتهن مع الرجال.
اشتراط الحرية: ويشترط أبو حنيفة والشافعي أن يكون الشهود أحرارا.
وأحمد لا يشترط الحرية، ويرى أن شهادة العبدين ينعقد بها الزواج، تقبل في سائر الحقوق، وأنه ليس فيه نص من كتاب ولا سنة يرد شهادة العبد، ويمن عمن قبولها ما دام أمينا صادقا تقيا.
اشتراط الإسلام: والفقهاء لم يختلفوا في اشتراط الإسلام في الشهود إذا كان العقد بين مسلم ومسلمة.
واختلفوا في شهادة غير المسلم فيما إذا كان الزوج وحده مسلما.
فعند أحمد والشافعي ومحمد بن الحسن أن الزواج لا ينعقد، لأنه زواج مسلم، لا تقبل فيه شهادة غير المسلم.
وأجاز أبو حنيفة وأبو يوسف شهادة كتابيين إذا تزوج مسلم كتابية.
وأخذ بهذا مشروع قانون الاحوال الشخصية.

.عقد الزواج شكلي:
عقد الزواج يتم بتحقيق أركانه، وشرائط انعقاده، الا أنه لا تترتب عليه آثاره الشرعية إلا بشهادة الشهود، وحضور الشهود شيء خارج عن رضا الطرفين، فهو من هذه الوجهة عقد شكلي، وهو يخالف العقد الرضائي الذي يكفي في انعقاده اقتران القبول بالايجاب، ويكون الرضا من المتعاقدين وحده منشئا للعقد ومكونا له كعقد الاجارة ونحوه، فهو في هذه الحالة تترتب عليه أحكامه، ويظله القانون بحماية دون الاحتياج لشئ.