صلاة السفر ومواضع الجمع بين الصلاتين
.1- قصر الصلاة الرباعية:
قال الله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}.
والتقييد بالخوف غير معمول به.
فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال عزوجل: {إن خفتم أن يقتنكم الذين كفروا} فقد ذهب ذلك اليوم؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». رواه الجماعة.
وأخرج ابن جرير عن أبي منيب الجرشي أنه قيل لابن عمر قول الله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض} الآية لا فنحن آمنون لا نخاف فتقصر الصلاة؟ فقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
وعن عائشة قالت: قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا في المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها، وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى أي التي فرضت بمكة رواه أحمد والبيهقي وابن حبان وابن خزيمة ورجاله ثقات.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الصلاة الرباعية ولم يختلف في ذلك أحد من الائمة وإن كانوا قد اختلفوا في حكم القصر فقال بوجوده عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر وهو مذهب الحنفية.
وقالت المالكية القصر سنة مؤكدة آكد من الجماعة فإذا لم يجد المسافر مسافرا يقتدي به صلى مفردا على القصر ويكره اقتداؤه بالمقيم.
وعند الحنابلة أن القصر جائز وهو أفضل من الاتمام، وكذا عند الشافعية إن بلغ مسافة القصر.
.2- مسافة القصر:
المتبادر من الآية أن أي سفر في اللغة طال أم قصر تقصر من أجله الصلاة وتجمع ويباح فيه الفطر، ولم يرد من السنة ما يقيد هذا الاطلاق.
وقد نقل ابن المنذر وغيره في هذه المسألة أكثر من عشرين قولا ونحن نذكر هنا أصح ما ورد في ذلك: روى أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن يحيى بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ يصلي ركعتين.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه.
والتردد بين الأميال والفراسخ يدفعه ما ذكره أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة رواه سعيد بن منصور وذكره الحافظ في التلخيص وأقره بسكوته عنه.
ومن المعروف أن الفرسخ ثلاثة أميال فيكون حديث أبي سعيد رافعا للشك الواقع في حديث أنس ومبينا أن أقل مسافة قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كانت ثلاثة أميال والفرسخ 5541 مترا والميل 1748 مترا.
وأقل ما ورد في مسافة القصر ميل واحد رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر.
وبه أخذ ابن حزم، وقال محتجا على ترك القصر فيما دون الميل: بأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر.
وأما ما ذهب إليه الفقهاء من اشتراط السفر الطويل وأقله مرحلتان عند البعض وثلاث مراحل عند البعض الاخر فقد كفانا مئونة الرد عليهم الإمام أبو القاسم الخرقي قال في المغني: قال المصنف: ولا أرى لما صار إليه الائمة حجة.
لان أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف.
وقد روي عن ابن عمر وابن عباس خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله.
وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين أحدهما أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي رويناها ولظاهر القرآن لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «يمسح المسافر ثلاثة أيام» جاء لبيان مدة المسح فلا يحتج به ههنا، وعلى أنه يمكن قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرا فقال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم».
والثاني أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه.
ويستوي في ذلك السفر في الطائرة أو القاطرة كما يستوي سفر الطاعة وغيره.
ومن كان عمله يقتضي السفر دائما مثل الملاح والمكاري فإنه يرخص له القصر والفطر لأنه مسافر حقيقة.
.3- الموضع الذي يقصر منه:
ذهب جمهور العلماء إلى أن قصر الصلاة يشرع بمفارقة الحضر والخروج من البلد وأن ذلك شرط ولا يتم حتى يدخل أو بيوتها.
قال ابن المنذر: ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة.
وقال أنس: صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين رواه الجماعة.
ويرى بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته.
.4- متى يتم المسافر:
المسافر يقصر الصلاة ما دام مسافرا فإن أقام لحاجة ينتظر قضاءها قصر الصلاة كذلك لأنه يعتبر مسافرا وإن أقام سنين، فإن نوى الإقامة مدة معينة فالذي اختاره ابن القيم أن الإقامة لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت ما لم يستوطن المكان الذي أقام فيه.
وللعلماء في ذلك آراء كثيرة، لخصها ابن القيم وانتصر لرأيه فقال: «أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ولم يقل للامة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفق إقامته هذه المدة».
وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافا كثيرا.
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلي ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا».
وظاهر كلام أحمد أن ابن عباس أراد مدة مقامه بمكة زمن الفتح فإنه قال: «أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثماني عشرة يوما من الفتح لأنه أراد حنينا ولم يكن ثم أجمع المقام» وهذه إقامته التي رواها ابن عباس.
وقال غيره بل أراد ابن عباس مقامه بتبوك كما قال جابر ابن عبد الله: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة» رواه الإمام أحمد في مسنده.
وقال المسور بن مخرمة: «أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد ونتمها».
وقال نافع: «أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول».
وقال حفص بن عبيدالله: «أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر».
وقال أنس: أقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم برام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة.
وقال الحسن: «أقمت مع عبد الرحمن ابن سمرة بكابل سنتين يقصر الصلاة ولا يجمع».
وقال إبراهيم: «كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وسجستان السنتين».
فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما ترى وهو الصواب.
وأما مذهب الناس فقال الإمام أحمد: إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر.
وحمل هذه الاثار على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يجمعوا الإقامة ألبتة بل كانوا يقولون اليوم نخرج غدا نخرج.
وفي هذا نظر لا يخفى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وهي ما هي، وأقام فيها يؤسس قواعد الإسلام ويهدم قواعد الشرك ويمهد أمر ما حولها من العرب، ومعلوم قطعا أن هذا يحتاج إقامة أيام ولا يتأتى في يوم واحد ولا يومين، وكذلك إقامته بتبوك فإنه أقام ينتظر العدو، ومن المعلوم قطعا أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل تحتاج إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يوافقون في أربعة أيام، وكذلك إقامة عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة من أجل الثلج.
ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج لا يتحلل ويذوب في أربعة أيام بحيث تفتح الطريق، وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصر، وإقامة الصحابة برام هرمز سبعة أشهر يقصرون. ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد لا ينقضي في أربعة أيام.
وقد قال أصحاب أحمد: إنه لو أقام لجهاد عدو، أو حبس سلطان، أو مرض قصر، سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة.
وهذا هو الصواب، لكن شرطوا فيه شرطا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الايام.
فقال من أين لكم هذا الشرط والنبي صلى الله عليه وسلم لما أقام زيادة على أربعة أيام يقصر الصلاة بمكة وبتبوك لم يقل لهم شيئا ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته، ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته فلم يقل لهم حرفا واحدا لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، وبيان هذا من أهم المهمات، وكذلك اقتداء الصحابة به بعده ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئا من ذلك.
وقال مالك والشافعي: إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن نوى إقامة خمسة عشر يوما أتم وإن نوى دونها قصر.
وهو مذهب الليث بن سعد.
وروى عن ثلاثة من الصحابة عمر وابنه وابن عباس.
وقال سعيد بن المسيب: إذا أقمت أربعا فصل أربعا، وعنه كقول أبي حنيفة رحمه الله.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن أقام عشرا أتم وهو رواية عن ابن عباس.
وقال الحسن: يقصر ما لم يقصر مصرا.
وقالت عائشة: يقصر ما لم يضع الزاد والمزاد.
والائمة الأربعة رضوان الله عليهم متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول اليوم أخرج فإنه يقصر أبدا إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوما ولا يقصر بعدها.
وقد قال ابن المنذر في إشرافه: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون.
.5- صلاة التطوع في السفر:
ذهب الجمهور من العلماء إلى عدم كراهة النفل لمن يقصر الصلاة في السفر لا فرق بين السنن الراتبة وغيرها.
فعند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيت أم هانئ يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات.
وعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه.
وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها إلا من جوف الليل، ورأى قوما يسبحون بعد الصلاة فقال: لو كنت مسبحا لاتممت صلاتي، يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين، وذكر عمر وعثمان وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} رواه البخاري.
وجمع ابن قدامة بين ما ذكره الحسن وبين ما ذكره ابن عمر بأن حديث الحسن يدل على أنه لا بأس بفعلها وحديث ابن عمر يدل على أنه لا بأس بتركها.
.6- السفر يوم الجمعة:
لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الصلاة.
فقد سمع عمر رجلا يقول: لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت. فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن السفر.
وسافر أبو عبيدة يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة، وأراد الزهري السفر ضحوة يوم الجمعة فقيل له في ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة.
الجمع بين الصلاتين
يجوز للمصلي أن يجمع بين الظهر والعصر تقديما وتأخيرا وبين المغرب والعشاء كذلك إذا وجدت حالة من الحالات الاتية:
.1- الجمع بعرفة والمزدلفة:
اتفق العلماء على أن الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء بمزدلفة سنة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.2- الجمع في السفر:
الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما جائز في قول أكثر أهل العلم لا فرق بين كونه نازلا أو سائرا.
فعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم نزل فجمع بينهما. رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن.
وعن كريب عن ابن عباس أنه قال: ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ قلنا: بلى.
قال: كان إذا زاغت له الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما. رواه أحمد والشافعي في مسنده بنحوه،
وقال فيه: إذا سار قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر رواه البيهقي بإسناد جيد وقال: الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين.
وروى مالك في الموطأ عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، قال الشافعي: قوله «ثم دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل».
وقال ابن قدامة في المغني بعد ذكر هذا الحديث: قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الاسناد.
وقال أهل السير إن غزوة تبوك كانت في سنة تسع.
وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جد به السير، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه يخرج فيصلي الصلاتين جمعا ثم ينصرف إلى خبائه.
وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه قال: فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا.
والاخذ بهذا الحديث متعين لثبوته وكونه صريحا في الحكم ولا معارض له، ولان الجمع رخصة من رخص السفر فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح، ولكن الافضل التأخير. انتهى.
ولا تشترط النية في الجمع والقصر، قال ابن تيمية: وهو قول الجمهور من العلماء، وقال: والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعا وقصرا لم يكن يأمر أحدا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا لاجمع وهذا جمع تقديم وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر.
وأما الموالاة بين الصلاتين فقد قال: والصحيح أنه لا يشترط بحال، لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولان مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة، وقال الشافعي: لو صلى المغرب في بيته بنية الجمع ثم أتى المسجد فصلى العشاء جاز.
وروي مثل ذلك عن أحمد.
.3- الجمع في المطر:
روى الاثرم في سننه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء.
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة.
وخلاصة المذاهب في ذلك أن الشافعية تجوز للمقيم الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم فقط بشرط وجود المطر عند الاحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية.
وعند مالك أنه يجوز جمع التقديم في المسجد بين المغرب والعشاء لمطر واقع أو متوقع، وللطين مع الظلمة إذا كان الطين كثيرا يمنع أواسط الناس من لبس النعل، وكره الجمع بين الظهر والعصر للمطر.
وعند الحنابلة يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فقط تقديما وتأخيرا بسبب الثلج والجليد والوحل والبرد الشديد والمطر الذي يبل الثياب، وهذه الرخصة تختص بمن يصلي جماعة بمسجد يقصد من بعيد يتأذى بالمطر في طريقه فأما من هو بالمسجد أو يصلي في بيته جماعة أو يمشي إلى المسجد مستترا بشئ أو كان المسجد في باب داره فإنه لا يجوز له الجمع.
.4- الجمع بسبب المرض أو العذر:
ذهب الإمام أحمد والقاضي حسين والخطابي والمتولي من الشافعية إلى جواز الجمع تقديما وتأخيرا بعذر المرض لأن المشقة فيه أشد من المطر.
قال النووي: وهو قوي في الدليل.
وفي المغني: والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف.
وتوسع الحنابلة فأجازوا الجمع تقديما وتأخيرا لاصحاب الاعذار وللخائف.
فأجازوه للمرضع التي يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة، وللمستحاضة ولمن به سلس بول، وللعاجز عن الطهارة ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه قال ابن تيمية: وأوسع المذاهب في الجمع مذهب أحمد فإنه جوز الجمع إذا كان شغل كما روى النسائي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: يجوز الجمع أيضا للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله.
.5- الجمع للحاجة:
قال النووي في شرح مسلم: ذهب جماعة من الائمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن يتخذه عادة.
وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره. اهـ.
وحديث ابن عباس الذي يشير إليه ما رواه مسلم عنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر.
قيل لابن عباس: ماذا أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
وروى البخاري ومسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا: الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وعند مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة قال: فجاءه رجل من بني تيم لم يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك! ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته.
فائدة:
قال في المغني: وإذا أتم الصلاتين في وقت الأولى ثم زال العذر بعد فراغه منهما قبل دخول وقت الثانية أجزأته ولم تلزمه الثانية في وقتها، لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزئة عما في ذمته وبرئت ذمته منها فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك، ولأنه أدى فرضه حال العذر فلم يبطل بزواله بعد ذلك، كالمتيمم إذا وجد الماء بعد فراغه من الصلاة.
.6- الصلاة في السفينة والقاطرة والطائرة:
تصح الصلاة في السفينة والقاطرة والطائرة بدون كراهية حسبما تيسر للمصلي.
فعن ابن عمر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة؟ قال: «صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق» رواه الدار قطني والحاكم على شرط الشيخين، وعن عبد الله بن أبي عتبة قال: صحبت جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة في سفينة فصلوا قياما في جماعة، أمهم بعضهم وهم يقدرون على الجد، رواه سعيد بن منصور.
.7- أدعية السفر:
يستحب للمسافر أن يقول إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي.
ثم يتخير من الادعية المأثورة ما يشاء، وهاك بعضها:
1- عن علي بن ربيعة قال: رأيت عليا رضي الله عنه أتى بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله: فلما استوى عليها قال: الحمد لله {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} ثم حمد الله ثلاثا وكبر ثلاثا.
ثم قال سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك.
فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: «يعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري» رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
2- وعن الازدي: أن ابن عمر علمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى: اللهم هون علينا سفرنا هذا واطولنا بعده: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الاهل: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الاهل والمال وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» أخرجه أحمد ومسلم.
3- وعن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال: «اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الاهل: اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر والكآبة في المنقلب: اللهم اطو لنا الأرض، وهون علينا السفر» وإذا أراد الرجوع قال: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» وإذا دخل على أهله قال: «توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر علينا حوبا» رواه أحمد والطبراني والبزار بسند رجاله رجال الصحيح.
4- وعن عبد الله بن سرجس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفر قال: «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في المال والاهل» وإذا رجع قال مثله إلا أنه يقول: «وسوء المنظر في الاهل والمال» فيبدأ بالاهل رواه أحمد ومسلم.
5- وعن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا أو سافر فأدركه الليل قال: «يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن شر والد وما ولد» رواه أحمد وأبو داود.
6- وعن خولة بنت حكيم السليمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» رواه الجماعة إلا البخاري وأبو داود.
7- وعن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعبا حلف له بالذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: «اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» رواه النسائي وابن حبان والحاكم وصححاه.
8- وعن ابن عمر قال: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأى قرية يريد أن يدخلها قال: «اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات: اللهم ارزقنا جناها، وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا» رواه الطبراني في الاوسط بسند جيد.
9- وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشرف على أرض يريد دخولها قال: «اللهم إني أسألك من خير هذه وخير ما جمعت فيها، اللهم ارزقنا جناها وأعذنا من وباها، وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا» رواه ابن السني.
10- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر وأسحر يقول: «سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار» رواه مسلم.