الأربعاء، 29 فبراير 2012

موسوعة الفقه - باب الصلاة : قضاء الصلاة


قضاء الصلاة

اتفق العلماء على أن قضاء الصلاة واجب على الناسي والنائم لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحد صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها».
والمغمى عليه لا قضاء عليه إلا إذا أفاق في وقت يدرك فيه الطهارة والدخول في الصلاة.
فقد روى عبد الرزاق عن نافع: أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة.
وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه إذا أغمي على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة.
قال معمر: سألت الزهري عن المغمى عليه فقال: لا يقضي.
وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما قالا في المغمى عليه: لا يعيد الصلاة التي أفاق عندها.
وأما التارك للصلاة عمدا فمذهب الجمهور أنه يأثم وان القضاء عليه واجب.
وقال ابن تيمية: تارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع وقد وفي ابن حزم هذه المسألة حقها من البحث فأوردنا ما ذكره فيها ملخصا، قال وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها هذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ليثقل ميزاته يوم القيامة وليتب وليستغفر الله عزوجل.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يقضيها بعد خروج الوقت حتى إن مالكا وأبا حنيفة قالا من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة، برهان صحة قولنا قول الله تعالى: {فويل للمصلمين الذين هم عن صلاتهم ساهون} وقوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}.
فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل ولا لقي الغي كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها.
وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين يدخل في حين محدود ويبطل في وقت محدود فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها لأن كليهما صلى في غير الوقت.
وليس هذا قياسا لاحدهما على الاخر بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله بها أم هي غيرها؟ فإن قالوا: هي هي قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا: لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا لا يقوله مسلم.
وإن قالوا: ليست هي التي أمر الله تعالى بها قلنا: صدقتم وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما يأمره به الله تعالى.
ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت أطاعة هي أم معصية؟ فإن قالوا طاعة خالفوا إجماع أهل الإسلام كلهم المتيقن وخالفوا القرآن والسنن الثابتة، وإن قالوا هي معصية صدقوا ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة.
وأيضا فإن الله تعالى قد حدد أوقات الصلاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل لكل وقت صلاة منها أو لا ليس ما قبله وقتا لتأديتها وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا.
وأيضا فان كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له وهذا بين وبالله التوفيق.
ثم قال بعد كلام طويل: ولو كان القضاء واجبا على العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، لما أغفل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذلك ولا نسياه ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه: {وما كان ربك نسيا} وكل شريعة لم يأت بها القرآن ولا السنة فهي باطلة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» فصح أن ما فات فلا سبيل إلى ادراكه ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه، والأمة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها فصح فوتها بإجماع متيقن ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا، وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
قال: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ولا في حالة المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر، وقال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فتلقم طائفة منكم معك} الآية. وقال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}.
ولم يفسح الله في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا فان عجز عن القعود فعلى جنب وبالتيمم إن عجز عن الماء وبغير تيمم إن عجز عن التراب.
فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها ثم أمره أن يصليها بعد الوقت وأخبره بأنها تجزئه كذلك من غير قرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا قول لصاحب ولا قياس.
ثم قال: وأما قولنا أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله ويكثر من التطوع فلقول الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} ولقوله تعالى {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} وقال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وقال تعالى: {ونضع الموازين القسط كيوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} وأجمعت الأمة وبه وردت النصوص كلها على أن للتطوع جزءا من الخير الله أعلم بقدرة للفريضة أيضا جزء من الخير الله أعلم بقدره.
فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازي جزء الفريضة ويزيد عليه وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل وأن الحسنات يذهبن السيئات.