الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - يزيد بن المهلب


يزيد بن المهلب

أبو خالد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، الأمير القائد، له أخبار في السخاء والشجاعة إلا أنه كان ذا تيهٍ وكبر.
اشترك يزيد في حروب والده المهلب ابن أبي صفرة ضد الخوارج الأزارقة وفيما وراء النهر، بعد أن ولى عبد الملك ابن مروان (65ـ86هـ) المهلب والياً على خراسان سنة 78هـ مكافأة له على انتصاراته وإبادة الخوارج وتفريق جمعهم.
توفي المهلب سنة 82هـ فكتب ابنه يزيد إلى الحجاج والي العراقين والمشرق يعلمه بوفاته، فأقرّ يزيد على خراسان، ولكن الحجاج لم يلبث أن نقم على يزيد لأسباب منها: أنه لم يكن جاداً في ملاحقة فلول ابن الأشعثالذين التجؤوا إلى هراة، وكان ليناً في معاملة الذين أسروا من اليمنية، يضاف إلى ذلك تباطؤه في محاسبة موسى بن عبد الله بن خازم وأصحابه من القيسية الذين خرجوا بجوار بلخ، ظناً منه أن الحجاج لن يقدم على عزله ما دام هؤلاء يرفعون رايات الثورة لأن الحجاج لن يجد غيره ولا سيما من القيسية يرضى بمحاربة أبناء جلدته.
ويصف الطبري على لسان أبي مخنف موقف الحجاج من يزيد بن المهلب بقوله: «لم يكن للحجاج حين فرغ من عبد الله ابن محمد بن الأشعث (ت 85هـ) هم إلا يزيد بن المهلب وأهل بيته، فأخذ الحجاج في مواربة يزيد يستخرجه من خراسان فكان يبعث إليه ليأتيه فيعتل عليه بالعدو وحرب خراسان».
مكث الوضع كذلك حتى آخر سلطان عبد الملك بن مروان، عندما استطاع الحجاج إقناع عبد الملك بضرورة عزل يزيد، فعزله وولى أخاه المفضل بن المهلب، ثم لم يلبث أن عزله وولى قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 86هـ، واستقدم الحجاج يزيد وسجنه وأمر بإخراج إخوته من خراسان، وفرق التجمع اليمني الذي كانوا يرأسونه؛ لأن نفوذ المهالبة في هذه المنطقة يعود إلى أن قبيلتهم أزد عمان التي نزحت من البصرة وسكنت خراسان حالفت قبائل ربيعة فتألفت منها جبهة يمنية تقابلها جبهة قيسية مضرية تتألف من قبائل قيس وتميم.
بقي يزيد في سجنه حتى سنة 90هـ حين هرب ولحق هو وإخوته بسليمان ابن عبد الملك والي جند فلسطين الذي كان يقيم بالرملة، فاحتفى سليمان به، وأكرمه وتوسط له عند أخيه الخليفة الوليد بن عبد الملك (86ـ96هـ) فعفا عنه ودفع عنه المال الذي طلبه منه الحجاج، وكان قد كتب إلى الوليد أن آل المهلب «خانوا مال الله وهربوا مني ولحقوا بسليمان».
توفي الخليفة الوليد سنة 96هـ، وخلفه سليمان بن عبد الملك (96ـ99هـ) الذي ولى يزيد بن المهلب العراق ثم خراسان، فسار بعد وصوله إلى خراسان بثلاثة أو أربعة أشهر بجيش كبير إلى جرجان، فتلقاه أهلها بالإتاوة التي كان سعيد بن العاص صالحهم عليها سنة 30هـ، فقبلها وتوجه إلى طبرستان فاستجاش الأصبهبذ بالديلم فأنجدوه، فقاتلهم يزيد، ولكنه اضطر إلى عقد صلح مع الأصبهبذ عندما بلغه خبر ثورة أهل جرجان، فعاد إليها وقتل عدداً كبيراً من أهلها لنكثهم العهد وغدرهم بعامله عبد الله بن معمر اليشكري مما أدى إلى مقتله ومقتل الحامية التي كان يزيد قد تركها معه وعدد أفرادها 4000 رجل، وهذا ما يعرف عند المؤرخين بفتح جرجان الثاني، وبعد انتهائه من عملياته العسكرية قام ببناء مدينة جرجان التي غدت من أعظم المدن وأشهرها، وكتب إلى سليمان يذكر الغنائم الكثيرة التي حصل عليها ويبالغ في الوصف فأساء إلى نفسه من حيث لا يعلم لأن هذه المبالغة والمغالطة بذكر الأرقام عرضته إلى حساب عسير مع عمر بن عبد العزيز (99ـ101هـ) أدّت إلى سجنه.
بلغ يزيد بن المهلب وهو في سجنه خبرُ مرض الخليفة عمر بن عبد العزيز وأن الخلافة ستؤول من بعده إلى يزيد ابن عبد الملك، فدبر أمر هربه من السجن إذ كان لصلة المصاهرة التي تربط هذا الخليفة بالحجاج أثرها في أن تسؤ العلاقات بين الخليفة ويزيد بن المهلب الذي عذب آل الحجاج حين ولي العراق، فعاهد يزيد بن عبد الملك الله «لئن مكنه من يزيد بن المهلب ليقطعن منه طابقاً». قصد يزيد بعد هربه من السجن البصرة، موطن أسرته من المهالبة ومستقر قبيلة أزد عمان، وتمكن من السيطرة عليها، وكان يزيد بن عبد الملك بناء على وساطة أحد أقرباء المهلب قد بعث بأمان للمهالبة جميعاً، ولكنه عندما عاد بالأمان من دمشق كان يزيد بن المهلب قد حقق نصراً كبيراً واستولى على قصر الإمارة وسجن عدي ابن أرطأة عامل يزيد عليها وأخرج من كان من آل المهلب في السجن وحث على جهاد أهل الشام لأن جهادهم في رأيه أعظم من جهاد الترك والديلم أثارت هذه الدعوى الحسن البصري الذي ما تزال ذاكرته عامرة بأخبار ما ارتكبه يزيد بن المهلب من أفعال حين ولي العراق زمن سليمان بن عبد الملك، فدعا الناس إلى الانفضاض من حوله، وارتأى أن خير ما يفعله هو العودة إلى السجن حيث وضعه عمر بن عبد العزيز.
أرسل يزيد بن عبد الملك جيشاً بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك في جنود من أهل الشام والجزيرة في أواخر سنة 101هـ وجرت بين الجيشين بالقرب من الكوفة معركة هائلة في الرابع عشر من شهر صفر سنة 102هـ، وسقط يزيد ابن المهلب قتيلاً في ميدان المعركة وسقط معه أخواه حبيب ومحمد كما أسر جيش مسلمة نحواً من 300 من رجال ابن المهلب بعد اقتحام معسكره، وضُربت أعناق بعضهم، ولما بلغ مسلمة ابن عبد الملك أن آل المهلب تجمعوا في البصرة ثم ركبوا السفن خلسة وحملوا فيها أموالهم ونساءهم وأنهم نزلوا في شاطئ كرمان أرسل في طلبهم فحاولوا الالتجاء إلى بلدة قندابيل من أرض السند، ولكن مطارديهم الأمويين لحقوا بهم، وأبلى المهالبة بلاءً حسناً في قتال مطارديهم حتى قتلوا عن آخرهم باستثناء اثنين استطاعا النجاة هما أبو عيينة بن المهلب وعثمان ابن المفضل اللذان لحقا بخاقان ورتبيل، وهكذا كانت ثورة يزيد بن المهلب سبباً في القضاء على المهالبة بعد أن قدم يزيد وقبله أبوه الكثير من الخدمات للدولة العربية الإسلامية.