أبو سلمة الخلال
أبو سلمة الكوفي المعروف بالخلال حفص بن سليمان، أول من لقب بالوزارة في الإسلام. مولى السبيع «من همدان» وفي رواية أخرى مولى لبني الحارث بن كعب. نشأ في الكوفة واتجرّ بالخل ولهذا لقبّ بالخلال وبهذه الصفة عرف، وربما جاءه هذا اللقب من سكناه بدرب الخلالين بالكوفة، وكان صيرفياً كما ورد في «سير أعلام النبلاء» للذهبي. وقد جعله عمله في التجارة ذا يسر ومال وبوّأه مكانة اجتماعية مرموقة، بدليل إنه اختير ليكون أحد الدعاة السريين للدعوة العباسية ولم يكن داعية عادياً، فقد استخلفه «بكير بن ماهان» داعي دعاة الكوفة ليحًل محله، وكتب بذلك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. فوافق وولاّه أمر الدعوة بعد وفاة بكير بن ماهان
يوصف الخلال بأنه يتمتع بقدرة كبيرة على الإقناع وكان صاحب موهبة إدارية متميزة وسياسياً محنكاً، وقد مكنته هذه الصفات من النجاح في مهمته ضد الحكم الأموي. أنفق أموالاً كثيرة في سبيل الدعوة العباسية، وكان يفد إلى الحميمة في أرض الشراة في أطراف الشام، فيحمل كتب إبراهيم بن محمد المعروف «بالإمام» إلى النقباء في خراسان وقد صحبه في بعض أسفاره «أبو مسلم الخراساني». ومن المعروف إنه عندما قتل إبراهيم الإمام في سجنه على يد الأمويين زمن الخليفة مروان (127-132هـ) خاف أخواه أبو جعفر المنصور وأبو العباس السفاح على نفسيهما فخرجا من الحميمة هاربين إلى العراق وبصحبتهما بعض رجالات العباسيين، وحين قدموا الكوفة نزلوا على أبي سلمة فأخفاهم في أحد دور الكوفة (دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم) وكتم أمرهم نحواً من أربعين ليلة. ولما استقام الأمر لأبي العباس السَفاح استوزره، فكان الخلال أول من تقلدّ منصب الوزارة في الإسلام، لأن هذا المنصب لم يكن موجوداً عند الأمويين اعتقاداً منهم بأن الخليفة لا يحتاج إلى مؤازرة أحد، وبالطبع لم يكن هذا المنصب موجوداً زمن الراشدين.
كان الخلال يسمر كل ليلة عند السفاّح وهو في الأنبار، والخليفة يأنس به لما في حديثه من إمتاع وأدب، ولما كان عليه من علم في السياسة والتدبير، وأستمَر الأمر كذلك مدة أربعة أشهر. فكثر حسّاده وحاولوا النيل منه عند السفاح فلم يفلحوا، وفي إحدى الليالي وهو في طريق عودته إلى منزله وثب عليه عدة أشخاص كانوا قد كمنوا له في الطريق فقطعّوه بسيوفهم.
وقد أشير إلى إن أبا مسلم الخراساني كان وراء الأمر، وهناك من يرى أن السفّاح توهم فيه الميل لآل علي أو أن هناك من نقل مثل هذه المعلومات إليه ويشار أحياناً إلي أن المنصور أسهم في تحريض السفاح على أبي سلمة. ومع ذلك فإن موقف السفاح من مقتل الخلال لا يزال غامضاً ففي حين يردُ على لسان أبي مسلم الخراساني حين أراد النيل منه قوله: «رجل قد بذل نفسه وماله لنا». وَيِرد في «البداية والنهاية» لابن كثير حين بلغ السفاح أمر مقتله أنه قال: «على أي شيء منه نأسف كان يقال له وزير آل محمد... إلى النار فليذهب ومن كان مثله».
ومع كل هذا فإن تغيير ولائه أمر مشكوك فيه بدليل أنه حين حاول الاتصال بالإمام جعفر الصادق لم يرض الصادق بذلك وحين سُئل عن رفضه قال: «مالي لأبي سلمة وهو شيعة لغيري»، ومهما يكن من أمر فقد كان للخلال دور كبير في إنجاح الدعوة العباسية، وقد لاقى وزراء الخلفاء العباسيين مثل هذا المصير زمن الرشيد والمأمون.