الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - سليمان بن عبد الملك


سليمان بن عبد الملك

أبو أيوب سليمان بن عبد الملك ولي الخلافة بعهد من أبيه عبد الملك بعد أخيه الوليد بن عبد الملك، حكم ما بين سنتي 96-99هـ/715-717م. كان مؤثراً للعدل محباً للغزو.
ولد في المدينة، وكان والياً على جند فلسطين في خلافة أخيه الوليد بن عبد الملك فبنى مدينة الرملة، وهي أول مدينة بنيت في الشام، وصارت قصبه جند فلسطين بدلاً من اللد. وكان أول ما بنى منها قصره والدار التي عرفت بدار الصباغين، وجعل في الدار صهريجاً متوسطاً لها، وحفر لأهل الرملة قناتهم واحتفر لهم آباراً، ثم اختط المسجد وبدأ ببنائه فتولى الخلافة قبل استتمامه فأكمله في خلافته.
وقد طلب منه الخليفة الوليد أن ينزل عن ولاية العهد لابنه عبد العزيز فرفض سليمان، فرأى الوليد أن يستميل ولاته وقادته لإتمام ذلك، فكلمهم في الأمر، فلم يوافقه سوى الحجاج وقتيبة بن مسلم، ورفض ذلك آخرون، وكان أولهم عمر بن عبد العزيز الذي أجاب الوليد «إن في أعناقنا بيعة».
وقد بلغ الوليد أن سليمان يتمنى موته، فكتب يعتب عليه، فأجابه سليمان: «قد بلغ أمير المؤمنين ما لم يظهر من لفظي ولا يرى من لحظي، ومتى سمع أمير المؤمنين من أهل النميمة، ومن ليست لـه رؤية، أوشك أن يسرع في فساد النيات، ويقطع ذوي الأرحام والقرابات»، فكتب إليه الوليد: «ما أحسن ما اعتذرت به وحذوت عليه، وأنت الصادق في المقال والكامل في الفعال».
وقد التجأ إلى سليمان وهو بفلسطين يزيد بن المهلب هرباً من سجن الحجاج، فأجاره، وكتب إلى الوليد يطلب العفو عنه، فلما رفض الوليد وأصر على إرسال يزيد إليه، أرسله وأرسل معه ابنه، وأوصاه أن يدخل على عمه وهو مع يزيد في القيد وأعطاه رسالة استعطاف ليعطيها لعمه، فلما رأى الوليد ابن أخيه في القيد رق له وعفا عن يزيد بعدما قرأ الرسالة.
توفي الوليد في سنة 96هـ وبويع لسليمان بن عبد الملك بالخلافة وهو بالرملة؛ وكان سليمان كما قال فيه الناس، مفتاح الخير. أطلق الأسارى وخلى أهل السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز الذي كان لـه في حياته وزيراً ومشيراً، وكان يمتثل لآرائه ونصائحه الخيرة، وكان سليمان صاحب أكل كثير جداً، وتروى عنه أحاديث كثيرة في هذا الشأن وكان يلبس الثياب الرقاق وثياب الوشي، وفي أيامه لبس الناس جميعاً الوشى وأمر أن يكفن في الوشي.
كان سليمان محباً لإتمام ما بدأ به أخوه الوليد بن عبد الملك من فتوحات، ومن أشهر الفتوح التي تمت في أيامه فتح جرجان وطبرستان على يد يزيد بن المهلب، كما أن سليمان أراد أن يكون له شرف تحقيق ما لم يتح لأخيه تحقيقه، فقام في العام 97هـ بالاستمرار في إعداد الجيوش التي ستوجه لغزو القسطنطينية، وسير حملتين بريَّتين ضد البر البيزنطي، وكانت أهداف هذه الحملات الاستمرار في إشغال العدو استعداداً للحملة الكبرى التي أسهمت أغلب أقطار الخلافة الإسلامية في الجهد المبذول لتهيئها بما تحتاج إليه من عدة وعتاد، وأعد سليمان في دابق (قرية قرب حلب) معسكراً كبيراً، يكون مقراً لإدارة العمليات العسكرية، وسار بنفسه إلى دابق سنة 98هـ، وأعطى الله عهداً ألا ينصرف حتى يدخل الجيش العربي الإسلامي القسطنطينية.
وفي ذي الحجة 98هـ/آب 717م ضرب الجيش العربي الحصار على القسطنطينية وكان حصار المسلمين للقسطنطينية حصاراً قاسياً شديداً نتيجة للثلوج التي هطلت مدة مئة يوم في تراقيا مما عرقل عملية الحصار، واضطر المسلمون إلى تحمل الكثير من المشاق والجهد، وفي الربيع وصلت نجدات برية وبحرية لمسلمة بن عبد الملك، فقد وصل أسطول من مصر وآخر من إفريقية محملاً بالأسلحة والمؤن إلا أن معظم هذه السفن كما يقول المؤرخ تيوفانس دمرت نتيجة لاستخدام البيزنطيين النار الإغريقية.
في هذه المدة التي اشتد فيها الحصار العربي للقسطنطينية، توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك في دابق، بعد أن عهد بالخلافة من بعده لعمر بن عبد العزيز الذي رأى أن وضع الجيش الإسلامي، وقسوة شتاء سنة 98-99هـ أديا إلى هلاك الكثير من الجند الإسلامي، فأمر مسلمة بن عبد الملك أن يعود بجيشه إلى الشام بعد حصار دام عاماً كاملاً، وإذا كان حصار القسطنطينية لم يؤد الهدف المنشود، فقد كان له فضل صرف همة البيزنطيين إلى الدفاع عن عاصمتهم، والتخلي عن مخططاتهم في استعادة شمالي إفريقيا من العرب، وهكذا أثمر هذا الحصار ثمرة طيبة، وهي بقاء شمالي إفريقيا في ظل السيادة العربية، ولم يفكر البيزنطيون في استعادتها من العرب بعد ذلك.
يعود للخليفة سليمان بن عبد الملك بناء أول مسجد جامع في حلب في أثناء إقامته في دابق، ويصف ابن الشحنة نقلاً عن ابن العديم أن مسجد حلب الكبير يضاهي مسجد دمشق من حيث روعة زخارفه ونقوشه، وأن سليمان جهد أن يكون بناء مسجد حلب معادلاً لعمل أخيه في مسجد دمشق.