السبت، 25 فبراير 2012

موسوعة الأدب العربى : الأدب فى العصر الفاطمى


الأدب فى العصر الفاطمى

انتشرت الثقافة الإسلامية في عصر الدولة الفاطمية انتشاراً يدعو إلى الإعجاب، وذلك بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية، وتشجيع الخلفاء ةالسلاطين والأمراء لرجال العلم والأدب، واتساع أفق الفكر الإسلامي بارتحال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. فراجت الثقافة ونشطت الحركة الفكرية وزخر بلاط الدولة بالعلماء والشعراء والأدباء وغيرهم. يضاف إلى ذلك ظهور كثير من الفرق التي اتخذت من الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق مآربها السياسية والدينية، مثال ذلك ما خلفه دعاة الإسماعيلية وعلماؤهم من الجدل والنقاش الذي قام بينهم وبين العلماء السنيين.
مراكز الثقافة في عهد الدولة الفاطمية
  • المساجد: كانت المساجد ميداناً يتبارى فيه العلماء، وخاصة فقهاء المذهب الشيعي، الذين كان عليهم أن يحاضروا الناس في عقائد المذهب الإسماعيلي، وكان بعض الوزراء والقضاة يشتركون في تأليف الكتب في الفقه الشيعي.
  • الأزهر: وإن بدأ كغيره مسجداً تؤدى فيه الشعائر الدينية، إلا أنه ما لبث أن أصبح في عهد العزيز جامعة يتلقى فيها طلاب العلم، من كل حدب وصوب، الكثير من نختلف العلوم والفنون.
  • قصور الوزراء: ومنهم ابن كلس، الذي كان يجمع في قصره عددا كبيراً من الموظفين. يشتغل بعضهم بنسخ الكتب، وفي مقدمها القرآن الكريم، وكتب الحديث، والفقه والأدب، وبعض كتب العلوم والطب. كما عين في قصره مجموعة من القراء والأئمة، ووكل إليهم إقامة الصلاة في المسجد الملحق بقصره.
  • المكتبات: كان الخلفاء الفاطميون ذوي شغف بتشجيع من يميل إلى عقائد المذهب الشيعي، وكانت المكتبة الملحقة بقصر الخلفاء الفاطميين، ذات شهرة واسعة في العالم الإسلامي.
  • دار الحكمة: ففي سنة 395 هـ، أسس الحاكم بأمر الله دار الحكمة، وألحق بها عدداً من أساتذة علوم الفقه والتفسير ، وكذلك العلوم الطبيعية والعقلية.
  • مكتبة دار العلم: وكانت متصلة بمكتبة دار الحكمة، التي كانت تمدها بكثير من المؤلفات، لإطلاع الناس عليها، والبحث والدراسة. وكان يباح للناس أخذ ما يحتاجون إليه من المداد والأوراق. وكانت تقام المناظرات بين العلماء، وكان يحضرها الحاكم فيصلهم بالهبات، وتخلع عليهم الخلع.
الشعر في صدر الدولة الفاطمية
ازدهر الشعر في عهد الفاطميين وأكثر رجال الأدب من قرضه لمدح الخلفاء، لما كان ينالهم من العطايا الجزيلة والخلع والجوائز. وقد شجعت هذه الجوائز والهبت الشعراء من أهل السنة إلى محاكاة الشعراء الشيعيين، باتصل بعضهم ببلاط الخلفاء الفاطميين.
وأول من ضرب المثل لغيره من الشعراء الذين جاؤوا من بعده:
ابن هانئ
ويلقب أبو القاسم محمد بن هانئ. ولد في أشبيلية في بلاد الأندلس، فقضى فيها أيام صباه، واتصل بصاحب أشبيلية، ونال الحظوة لديه، ثم رحل عنها وله من العمر سبع وعشرون سنة، ثم لقي جوهر القائد ومدحه، وما لبث أن نمي خبره إلى المعز، فطلبه وبالغ في الإنعام عليه، وعندما قصد المعز الديار المصرية، لحقه ابن هانئ. علق المعز لدين الله على ابن هانئ الآمال الكبار، عساه أن يحاكي الشعراء العباسيين، ويتفوق عليهم. ولقد أصاب المعز فيما ذهب إليه، إذ أن جل قصائد ابن هانئ كانت في مدح المعز وأسرته، ودهب في تحمسه إلى الظهور مظهر المتعصب للمذهب الشيعي، استدراراً لكرم الفاطميين. ومن ذلك قوله:
لي صارم وهو شيعي لحامله يكاد يسبق كراتي إلى البطل إذا المعز معز الدين سلطه لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل
أبو عبد الله محمد بن أبي الجرع
وهو من الشعراء الذين عاشوا في زمن العزيز الفاطمي. وقد بلغة مرة أن الوزير يشكو من ألم في يده، فنظم قصيدة يظهر فيها ألمه لذلك، فأنشد يقول:
يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت رأيت في كل شيء ذلك الألما تأمل الملك وانظر فرط علته من أجله واسأل القرطاس والقلما
وقد دفع تشجيع خلفاء الفاطميين للشعر ةالشعراء، حداً جعلهم يهجرون أوطانهم ويستقرون في مصر للتمتع بسخاء الفاطميين ورجال بلاطهم، ومن هؤلاء الشعراء:
عبد الوهاب بن نصر المالكي
وهو من أهل بغداد، وكان فقيهاً وأديباً وشاعراً، ثم ساءت حاله بها، حتى هام على وجهه في شوارع بغداد، ولجأ في النهاية إلى القاهرة، حاضرة الخلافة الفاطمية الشيعية، واتخذها مقراً ووطناً ثانياً له.
وقد أظهر ابن نصر ما كان يخالج نفسه من حزن لمفارقة بغداد في قصيدة نظمها، يودع فيها بلده، ويشير إلى الأحوال التي أدت إلى رحيله، فيقول:
سلام على بغداد من كل منزل وحق لها مني السلام المضاعف فوالله ما فارقتها عن قلى لها وإني لشطي جانبيـها لعـارف ولكنها ضاقت علي برحبها ولم تكن الأرزاق فيها تساعف

الشعر في الشطر الأخير من أيام الفاطميين
من هؤلاء الذين اجتذبهم جود الخلفاء الفاطميين وكرمهم:
أبو العباس أحمد بن مفرج
أحد الشعراء الذين عاشول في عهد الخليفة الحافظأ الذي أمر الشعراء أن يختصروا قصائدهم، إذ يقول:
أمرتنا أن نصوغ المدح مختصراً لم لا أمرت ندا كفيك يختصر؟ والله لا بد أن تجري سوابقنا حتى يبين لها من مدحك الأثر
عمارة اليمني
وكان من أهل تهامة باليمن، بعث به أمير مكة رسولاً من قبله للخليفة الفائز، فدخل مصر في ربيع الأول 550 هـ، وتلقاه الخليفة ووزيره الصالح طلائع بن رزيك بالعطف والقبول، إثر انشاده أولى مدائحه في قاعة الذهب في قصر الخلفاء الفاطميين:
الحمد للعيش بعد العزم والهمم حمداً يقوم بما أولت من النعم قربن بعد مزار العز في نظري متى رأيت إمام العصر من أمم ورحن من كعبة البطحاء والحرم وفداً إلى كعبة المعروف والكرم
ومنها:
خليفة ووزير مد عدلهما ظلاً على مفرق الإسلام والأمم زيادة النيل نقص عند فيضهما فما عسى يتعاطى من الديم
النثر
هو تلك الرسائل الأدبية التي ألفت في عهد الفاطميين، وتناولت الجدل بين السنيين والشيعيين. ومن الكتب التي تعرضت للكلام عن هذا العصر كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه المتوفي سنة 328 هـ ، وكتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني المتوفي سنة 356 هـ، و (رسائل) بديع الزمان الهمزاني المتوفي سنة 398 هـ. ومن كتب الأدب التي ظهرت في العصر الفاطمي: كتاب (يتيمة الدهر) لأبي منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ ، وكتاب (سقط الزند) ، و (اللزوميات) لأبي العلاء المعري المتوفي سنة 449 هـ.

الفلسفة
تتميز الفلسفة في عهد الفاطميين بالتوفيق بين العلم والدين، والإنسجام بين الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية، وتوحيد الثقافة لتصبح دائرة معارف. ومن أشهر فلاسفة العصر الفاطمي:
إخوان الصفا
اشتهرت هذه الطائفة بأفكارها الحرة، وهم جماعة سرية تتألف من طبقات متفاوتة. وقد أخذوا كثيراً من مبادئ الفلسفة الطبيعية، متأئرين بالفيثاغورثية الحديثة.
رسائل إخوان الصفا
تعتبر أشبه بدائرة معارف، تدل على أن مؤلفيها نالوا حظاً كبيراً من الرقي العقلي. وتتألف دائرة المعارف هذه من إحدى وخمسين رسالة، تقوم على دعائم من العلم الطبيعي، ومن وراء ذلك لها أغراض سياسية. وتبدأ فلسفة إخوان الصفا بالنظر في الرياضيات، ثم تنتقل إلى المنطق والطبيعيات، وتنتهي أخيراً إلى الإقتراب من معرفة الله على نمط صوفي.

أشهر فلاسفة الدولة الفاطمية
برز في عهد عبيد الله المهدي، ومن خلفه من الخلفاء الفاطميين، دعاة علماء، كان لهم شأن كبير في عالم الدعوة، وفي عالم الأدبـ والفلسفة والتأليف. وكان شغلهم الشاغل الدفاع عن هذه الدعوة بالقلم واللسان، والعمل على جذب العامة ، وأيضاً خاصة القوم بنفس هذا السلاح العلمي الخطير. ومن هؤلاء الدعاة:
  • أبو الحاتم الرازي: وهو من كبار دعاة المذهب الإسماعيلي، قام بدور عظيم في الشئون السياسية في طبرستان ، والديلم ، والري. ومن أهم مؤلفاته: كتاب (الزينة)، وقد أهداه إلى الخليفة القائم الفاطمي، وتناول فيه الأمور الفقهية وفلسفة ما وراء الطبيعة.
  • أبو عبد الله النسفي
  • أبو يعقوب السجزي
  • أبو حنيفة النعمان المغربي
  • جعفر بن منصور اليمني
  • حميد الدين الكرماني
  • المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي

ازدهرت الحركة الأدبية في العصر الفاطمي، وساعد على ذلك اهتمام الفاطميين بأمر المكتبات والكتب. حيث كانت توجد مكتبة كبيرة في القصر الشرقي الفاطمي الكبير، وكان يوجد في هذه المكتبة كتاب ونساخ ينسخون كتب الأدب والحديث والفقه.

كما ساعد على ازدهار الأدب في العصر الفاطمي من جهة أخرى استخدام الفواطم للشعر والخطابة كوسيلة لإذاعة مذهبهم الإسماعيلي. فقد أغدقوا الأموال والهبات على مواليهم من الشعراء والكتاب.

ومن أكثر شعرائهم غلواً ابن هانئ الأندلسي، الذي عاش في عصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، واشتط في وصفه ومدحه.

وكذلك الشاعر عمارة اليمني، الذي عاش في عصر الخليفة الفاطمي الفائز، ومدحه هو ووزيره الصالح طلائع بن رزيك.