الخميس، 19 يناير 2012

الصحابة : عبد الله بن رواحة


عبد الله بن رواحة

 
الشاعر الفارس أبو محمد، عبد الله ابن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وعرفت أسرته بالفروسية والسيادة والشعر في جاهلية العرب وإسلامها.
صحابي جليل، من شعراء النبيr، وخال الصحابي الشاعر النعمان بن بشير الأنصاري من أخته عمرة بنت رواحة.
كان عبد الله يكتب ويقرأ وينظم الشعر في الجاهلية منذ صغره، على قلّة من يعرف القراءة والكتابة في العرب الأولين، وكان عظيم القدْر في قومه، عالي المنزلة في الشرف والسؤدد.
ولما أشرق نور الإسلام أسلم عبد الله وصار يكتب للرسولr كغيره من أمناء الوحي، وأصبح من ذوي المشاهد والمآثر العظيمة، والمكانة السامية عند رسول اللهr. من ذلك أنه شهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار يوم أخذ النبيr عليهم أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم وأزواجهم، وقد أقام الرسول الكريم حينئذ عليهم اثني عشر نقيباً، كان ابن رواحة أحدهم.
ومن ذلك أيضاً أنه بعد الهجرة من مكة إلى المدينة شهد عدة غزوات حارب فيها مع الرسولr منها غزوة بدر وأحد وخيبر والخندق، وقد أبلى فيها كلها بلاء حسناً، حتى إن النبيr كان ينقل التراب يوم الخندق مع القوم الذين يحفرونه، وينشدون أشعاراً وأراجيز لابن رواحة نفسه، منها:
والله لولا أنت ما اهتدينـا 
                  ولا تصدقنا ولا صلينـا
فأنـزِلـنْ سكينـةً علينـا  
                  وثبّت الأقدام إن لاقـينا
الكافرون قد بغَـوا علينـا  
                  إذا أرادوا فِتْنـةً أبيْـنا
وشهد ابن رواحة أيضاً عمرة القضاء (أو عمرة القضية) سنة سبعٍ للهجرة حين دخل النبيr مكة وابن رواحة بين يديه آخذ بزمام ناقته وهو ينشد:
خلّوا بني الكفار عن سبيله  
                  خلّوا فكل الخير في رسوله
قد أنزل الرحمن في تنزيله
                  في صحف تتلى على رسوله
نحن ضربناكم على تأويله 
                  كما ضربناكم على تنـزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
                  ويذهل الخليـل عن خليلـه
وفي غزوة بدر الموعد (أو بدر الآخرة) سنة أربع للهجرة، استخلف النبيr عبد الله بن رواحة على المدينة، وخرج هو إلى بدر لميعاد أبي سفيان، وانتظر أبا سفيان ثماني ليالٍ، لكن هذا أخلف موعده، فعاد الرسول إلى المدينة، فعيّر ابن رواحة أبا سفيان بأبيات منها قوله:
وعدنا أبا سفيان بدراً، فلم يجد
                  لميعاده صدقاً وما كان وافـياً
فأقـسم لو وافـيتنا فلـقيتَـنا  
                  لأُبْتَ ذميماً وافتقدت المواليا
وفي جمادى الأولى سنة 8 هـ/630م جهز النبيr جيشاً لقتال الروم في مؤتة (بأدنى البلقاء من أرض الشام) وأمّر على الجيش زيد بن حارثة، وإن أصيب فأميرهم جعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن رواحة، فاستشهد الثلاثة جميعاً على التوالي، أمام جيش الروم الكبير ومن والاهم وكانوا في نحو مئتي ألف مقاتل. وبعد استشهاد ابن رواحة أخذ خالد بن الوليد الراية ولم يؤمّره النبيr فيمن ذكر، وراح يدافع الناس فيغيرون ويُغار عليهم حتى أنقذ الجيش وعاد بالناس إلى رسول اللهr.
قضى ابن رواحة شهيداً في مؤتة، فكان من الأمثلة الصادقة في الإيمان والإخلاص، وتأييد الدعوة الإسلامية، والذود عن حياضها، ونصرة الرسولr بشعره وسلاحه. وقد اجتمع له من الخصال ما لايكاد يجتمع لسواه من صحابة رسول اللهr وغيرهم، وقد قال فيه الرسول الكريم في حديث طويل: «نِعم الرجل عبد الله بن رواحة».
يعد ابن رواحة من شعراء الدعوة الإسلامية إلى جانب حسان بن ثابت، وكعب بن مالك. وكانت لابن رواحة مشاركة إيجابية فعّالة في حياته كلها التي عاشها في الجاهلية والإسلام، فقد نشأ في بيئة كانت موطن حركة شعرية نشطة، ووقف قبل الإسلام إلى جانب قومه «الخزرج» في خصوماتهم مع الأوس في «يثرب» يدافع عنهم بسيفه وشعره، واشتهرت في ذلك مناقضاته مع قيس بن الخطيم شاعر الأوس.
أما شعره الإسلامي فقد انتقلت المعركة فيه إلى معركة شعرية وحربية بين الإسلام والكفر بعد أن دخلت قبيلتا الأوس والخزرج في الإسلام، وآخى الرسولr بين المسلمين جميعاً، مهاجرين وأنصاراً، وبذلك وجد الشعر في «المدينة» فرصته مرة ثانية، وانفتحت أمام شعراء المسلمين سبل القول من جديد، ولاسيما شعراء الدعوة، للدفاع عن النبيr والإسلام، والرد على شعراء المشركين في مكة، وكان لابن رواحة دور بارز في ذلك كله.
على أن ما وصل إلينا من شعره قليل لايتفق وما ذكره الرواة عن مكانة ابن رواحة الشعرية، وقد جمعه بعضهم في ديوان صغير، إلا أن هذا الشعر على قلّته يصور شاعرية صاحبه وتفوّقه الشعري الذي شهد له به عدد من العلماء والرواة القدماء.
 
ـ 8 هـ/… ـ 629م)