اللواء محمد نجيب
محمد بن يوسف نجيب، ضابط مصري، وأول رئيس للجمهورية المصرية بعد ثورة تموز/يوليو 1952م، ولد في الخرطوم سنة 1901م لأب مصري وأم سودانية، تلقى علومه الأولى في السودان حيث كانت تقيم العائلة بحكم عمل والده البكباشي يوسف نجيب، التحق بالكلية العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم سنة1921م وعمل بسلاح المشاة بالوحدة نفسها التي كان يعمل فيها والده في السودان، ترك الخدمة في الجيش لاعتقاده أنه أداة بيد القيادة العسكرية البريطانية ويستخدم في غير مصلحة الأمة.
التحق بمدرسة الشرطة (البوليس) حيث أكمل دراسته بمجهوده الشخصي وحصل على الإجازة في الحقوق (الليسانس) سنة 1927م، ثم عاد مرة أخرى إلى الجيش وتدرج في المراتب العسكرية، وحصل على شهادة أركان حرب عليا عام 1938م، شارك في القتال مع جيوش الحلفاء ضد الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية، كما شارك في حرب فلسطين سنة 1948م واظهر شجاعة نادرة في معارك القبة ودير البلح وأصيب فيها بجراح ورقي إلى رتبة لواء سنة 1950. تميز نجيب بسمعة طيبة في صفوف القوات المسلحة ورشح لتولي منصب وزير الحربية في حكومة نجيب الهلالي غير أن القصر الملكي عارض هذا الترشيح خوفاً من شعبيته المتنامية في أوساط الجيش.
تعاطف مع الضباط الناقمين على النظام الملكي ومفاسده بعدما أدرك إهمال المسؤولين في الحكومة والحاشية الملكية وتقصيرهم المريع في إعداد الجيش وتسليحه، وقد اختاره هؤلاء بعدما اتخذوا لأنفسهم اسم مجموعة الضباط الأحرار وغالبيتهم من الضباط الشباب ليكون على رأس حركتهم كونه الأعلى ربتة وقدماً، وفي 23 تموز/ يوليو1952 أذيع باسمه البيان رقم (1) إيذاناً بإعلان الثورة في مصر، وبعد نجاحها تقلد منصب رئيس الوزراء في أيلول/سبتمبر 1952 بعد إقالة علي ماهر، وفي مدة وزارته صدر قانون إلغاء الأحزاب وقانون الإصلاح الزراعي، وتم التوقيع على مايعرف باتفاقية السودان12/1/1953 التي منحت السودان فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لإنهاء الإدارة الثنائية واستقلال السودان، وتم أيضاً وضع دستور جديد للبلاد من قبل لجنة تضم مختلف الاتجاهات والأحزاب والطوائف. وحينما تم الإعلان عن إلغاء النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري في حزيران/يونيو 1953 اختير محمد نجيب من قبل مجلس قيادة الثورة ليكون رئيساً للجمهورية مع احتفاظه بمنصب رئاسة الوزراء، وكان أول قرار أصدره وهو في هذا المنصب ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة صاغ (رائد) إلى رتبة لواء وتسميته قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، لكن نجيب مالبث أن دخل في خلافات حادة مع زملائه من الضباط الأحرار وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر، الذي أصبح رئيساً للوزراء، وكان جوهر الخلاف يتمحور حول بعض المسائل، منها:
ـ الموقف من قضية استمرار الجيش بتسيير أعمال الحكومة التي ينبغي من وجهة نظر نجيب أن تترك للشعب، وتقديم مبدأ الحرية السياسية للجميع، بوقت كان يرى فيه عبد الناصر أن الإصلاحات الاقتصادية والحرية الاجتماعية التي حققتها الثورة مقدمة على أي اعتبار، ولابد للمؤسسة العسكرية من بقائها على أهبة الاستعداد من أجل حماية تلك المبادئ والمكتسبات من عبث القوى المناهضة ورموز التيارات القديمة.
ـ إيمان عبد الناصر بسياسة التغيير في جميع المجالات على نحو جذري وسريع بهدف تحرير الوطن من سياسة القهر الاجتماعي والسياسي، في حين كان اللواء نجيب يرى أن البت بهذه المسألة ممكن ولكن على مدى آجال قد تكون بعيدة. ونجم عن ذلك أن حدث مايعرف بأزمة شباط/فبراير 1954 حينما قدم نجيب استقالته، لكن الأزمة انتهت بعودة نجيب عن الاستقالة بعد أن تم تصفية بقايا الأحزاب القديمة (وفدية وماركسية) والتخلص من بعض العناصر في مجلس الثورة ممن حاولوا التمرد والعصيان لمصلحة محمد نجيب (خالد محيي الدين ويوسف صديق)، ثم أقيل نجيب من الوظائف التي كان يشغلها في أعقاب حادثة المنشية التي استهدفت اغتيال جمال عبد الناصر في تشرين الثاني/نوفمبر 1954، للاشتباه بصلة نجيب ببعض العناصر التي شاركت فيها، وفرضت عليه الإقامة الجبرية بقصر لإحدى ثريات مصر في منطقة المرج شمال مدينة القاهرة، واستمرت إقامته فيه حتى وفاة عبد الناصر في 28 /9/1970.
وضع محمد نجيب كتاباً بعنوان «مصير مصر»، أشار فيه إلى أسباب خلافه مع زملائه من الضباط الأحرار، وكشف عن انغماسه في العمل السري منذ عام 1932 حيث ذكر أنه كان عضواً في جمعية تعرف باسم جمعية اللواء الأبيض كان هدفها تحرير مصر والسودان من الاستعمار البريطاني، وذكر نجيب في الكتاب نفسه أنه على الرغم من تدينه لم يكن هو أو أي من زملائه من الضباط الأحرار منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وعلى الرغم من أن السادات أفرج عن محمد نجيب وسمح له بحرية التنقل، بيد أن الأخير بقي مهملاً وبعيداً عن الأحداث إلى أن وافاه الأجل المحتوم.