الجمعة، 20 يناير 2012

شخصيات تاريخية : الإمام أحمد بن حنبل

الإمام أحمد بن حنبل
وفيه مقدمة وجزئين
والآن مع الجزء الثانى


قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : جعلوا يذاكرون أبا عبد الله بالرقة في التقية وما روي فيها . فقال : كيف تصنعون بحديث خباب : إن من كان قبلكم كان ينشر أحدكم بالمنشار ، لا يصده ذلك عن دينه فأيسنا منه .

وقال : لست أبالي بالحبس ، ما هو ومنزلي إلا واحد ، ولا قتلا بالسيف ، إنما أخاف فتنة السوط. فسمعه بعض أهل الحبس ، فقال : لا عليك يا أبا عبد الله ، فما هو إلا سوطان ، ثم لا تدري أين يقع الباقي ، فكأنه سُرِّي عنه .

قال : وحدثني من أثق به ، عن محمد بن إبراهيم بن مصعب ، وهو يومئذ صاحب شرطة المعتصم خلافة لأخيه إسحاق بن إبراهيم ، قال : ما رأيت أحدا لم يداخل السلطان ، ولا خالط الملوك ، كان أثبت قلبا من أحمد يومئذ ، ما نحن في عينه إلا كأمثال الذباب .

وحدثني بعض أصحابنا عن أبي عبد الرحمن الشافعي أو هو حدثني أنهم أنفذوه إلى أحمد في محبسه ليكلمه في معنى التقية ، فلعله يجيب . قال : فصرت إليه أكلمه ، حتى إذا أكثرت وهو لا يجيبني . ثم قال لي : ما قولك اليوم في سجدتي السهو ؟ وإنما أرسلوه إلى أحمد للإلف الذي كان بينه وبين أحمد أيام لزومهم الشافعي . فإن أبا عبد الرحمن كان يومئذ ممن يتقشف ويلبس الصوف ، وكان أحفظ أصحاب الشافعي للحديث من قبل أن يتبطن بمذاهبه المذمومة . ثم لم يحدث أبو عبد الله بعدما أنبأتك أنه حدثني في أول خلافة الواثق ، ثم قطعه إلى أن مات ، إلا ما كان في زمن المتوكل .

قال صالح بن أحمد : حمل أبي ومحمد بن نوح من بغداد مقيدين ، فصرنا معهما إلى الأنبار . فسأل أبو بكر الأحول أبي : يا أبا عبد الله ، إن عرضت على السيف ، تجيب ؟ قال : لا . ثم سيرا ، فسمعت أبي يقول : صرنا إلى الرحبة ورحلنا منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل له : هذا ، فقال للجمال : على رسلك ، ثم قال : يا هذا ، ما عليك أن تقتل هاهنا ، وتدخل الجنة ؟ ثم قال : أستودعك الله ، ومضى . فسألت عنه ، فقيل لي : هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشعر في البادية ، يقال له : جابر بن عامر ، يُذكر بخير .

أحمد بن أبي الحواري : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : قال أحمد بن حنبل : ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق . قال : يا أحمد ، إن يقتلك الحق ، مت شهيدا ، وإن عشت ، عشت حميدا . فقوَّى قلبي .

قال صالح بن أحمد : قال أبي : فلما صرنا إلى أذنة ورحلنا منها في جوف الليل ، وفُتح لنا بابها ، إذا رجل قد دخل . فقال : البشرى ! قد مات الرجل؛ يعني : المأمون . قال أبي : وكنت أدعو الله أن لا أراه .

محمد بن إبراهيم البوشجي : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : تبينت الإجابة في دعوتين : دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون ، ودعوته أن لا أرى المتوكل . فلم أر المأمون ، مات بالبَذَنْدُون قلت وهو نهر الروم . وبقي أحمد محبوسا بالرقة حتى بويع المعتصم إثر موت أخيه ، فرُدّ أحمد إلى بغداد . وأما المتوكل فإنه نَوَّه بذكر الإمام أحمد ، والتمس الاجتماع به ، فلما أن حضر أحمد دار الخلافة بسامرّاء ليحدث ولد المتوكل ويبرك عليه ، جلس له المتوكل في طاقة ، حتى نظر هو وأمه منها إلى أحمد ، ولم يره أحمد .

قال صالح : لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس ، ردا في أقيادهما . فلما صار إلى الرقة ، حُمِلا في سفينة ، فلما وصلا إلى عانة توفي محمد ، وفك قيده ، وصلى عليه أبي .

وقال حنبل : قال أبو عبد الله : ما رأيت أحدا على حداثة سنه ، وقدر علمه أقوم بأمر الله بن محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير . قال لي ذات يوم : يا أبا عبد الله ، الله الله ، إنك لست مثلي . أنت رجل يُقْتدى بك . قد مد الخلق أعناقهم إليك ، لما يكون منك ، فاتقِ الله واثبت لأمر الله ، أو نحو هذا . فمات ، وصليت عليه ، ودفنته . أظن قال : بعانة .

قال صالح : وصار أبي إلى بغداد مقيدا . فمكث بالياسرية أياما ، ثم حبس في دار اكتُريت عند دار عمارة ، ثم حول إلى حبس العامة في ، درب الموصلية . فقال : كنت أصلي بأهل السجن ، وأنا مقيد . فلما كان ، في رمضان سنة تسع عشر -قلت : وذلك بعد موت المأمون بأربعة عشر شهرا- حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، يعني : نائب بغداد . وأما حنبل ، فقال : حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إصْطَبْل الأمير محمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم ، وكان في حبس ضيق ، ومرض في رمضان . ثم حول بعد قليل إلى سجن العامة ، فمكث في ، السجن نحوا من ثلاثين شهرا . وكنا نأتيه ، فقرأ علي كتاب " الإرجاء " وغيره في الحبس ، ورأيته يصلي بهم في القيد ، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم .

قال صالح بن أحمد : قال أبي : كان يوجه إليَّ كل يوم برجلين ، أحدهما يقال له : أحمد بن أحمد بن رباح ، والآخر أبو شعيب الحجام ، فلا يزالان يناظراني ، حتى إذا قاما دعي بقيد ، فزيد في قيودي ، فصار - في رجلي أربعة أقياد . فلما كان في اليوم الثالث ، دخل علي فناظرني ، فقلت له : ما تقول في علم الله ؟ قال : مخلوق . قلت : كفرت بالله فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم : إن هذا رسول أمير المؤمنين . فقلت : إن هذا قد كفر . فلما كان في الليلة الرابعة ، وجه ، يعني : المعتصم ، ببغا الكبير إلى إسحاق ، فأمره بحملي إليه ، فأدخلت على إسحاق ، فقال : يا أحمد، إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ، إنه قد آلى ، إن لم تجبه ، أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر . أليس قد قال الله تعالى : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أفيكون مجعولا إلا مخلوقا ؟ فقلت : فقد قال تعالى : فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ أفخلقهم ؟

قال : فسكت . فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان ، أخرجت ، وجيء بدابة فأركبت وعلي الأقياد ، ما معي من يمسكني ، فكدت غير مرة أن أَخِرَّ على وجهي لثقل القيود . فجيء بي إلى دار المعتصم ، فأدخلت حجرة ، ثم أدخلت بيتا ، وأقفل الباب علي في جوف الليل ولا سراج . فأردت الوضوء ، فمددت يدي ، فإذا أنا بإناء فيه ماء ، وطست موضوع ، فتوضأت وصليت .

فلما كان من الغد ، أخرجت تكتي ، وشددت بها الأقياد أحملها ، وعطفت سراويلي . فجاء رسول المعتصم ، فقال : أجب فأخذ بيدي ، وأدخلني عليه ، والتكة في يدي ، أحمل بها الأقياد ، وإذا هو جالس ، وأحمد بن أبي دؤاد حاضر ، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه . فقال لي المعتصم : ادنُه ادنه . فلم يزل يدنيني حتى قربت منه . ثم قال : اجلس ، فجلست ، وقد أثقلتني الأقياد ، فمكثت قليلا ، ثم قلت : أتأذن في الكلام ؟ قال تكلم ، فقلت : إلى ما دعا الله ورسوله ؟ فسكت هُنَيَّة ثم قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فقلت : فأنا أشهد أن لا إله إلا الله . ثم قلت : إن جدك ابن عباس يقول : لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله ، سألوه عن الإيمان ، فقال : أتدرون ما الإيمان ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن تعطوا الخمس من المغنم قال أبي : فقال ، يعني : المعتصم : لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ، ما عرضتُ لك .

ثم قال : يا عبد الرحمن بن إسحاق ، ألم آمرك برفع المحنة ؟ فقلت : الله أكبر ! إن في هذا لفرجا للمسلمين . ثم قال لهم : ناظروه ، وكلموه ، يا عبد الرحمن كلمه . فقال : ما تقول في القرآن ؟ قلت : ما تقول أنت في علم الله ؟ فسكت ، فقال لي بعضهم : أليس قال الله تعالى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ؟ والقرآن أليس شيئا ؟ فقلت :

قال الله تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ فدمرت إلا ما أراد الله . . فقال بعضهم : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ أفيكون محدث إلا مخلوقا ؟ فقلت : قال الله : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ فالذكر هو القرآن ، وتلك ليس فيها ألف ولام . وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين " إن الله خلق الذكر" ، فقلت : هذا خطأ ، حدثنا غير واحد : " إن الله كتب الذكر" واحتجوا بحديث ابن مسعود : ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي فقلت : إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ، ولم يقع على القرآن . فقال بعضهم : حديث خباب : يا هنتاه ، تقرب إلى الله بما استطعت ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه فقلت : هكذا هو .

قال صالح : وجعل ابن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب . قال أبي : وكان يتكلم هذا ، فأردُّ عليه . ويتكلم هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطع الرجل منهم ، اعترض ابن أبي دؤاد ، فيقول : يا أمير المؤمنين ، هو ، والله ، ضال مُضل مبتدع ! فيقول : كلموه ، ناظروه ، فيكلمني هذا ، فأرد عليه ، ويكلمني هذا ، فأرد عليه ، فإذا انقطعوا ، يقول المعتصم : ويحك يا أحمد ، ما تقول ؟ فأقول : يا أمير المؤمنين ، أعطوني شيئا من كتاب الله

أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقول به . فيقول أحمد بن أبي دؤاد : أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة ؟ فقلت له : تأولت تأويلا ، فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه ، ولا يقيد عليه .

قال حنبل : قال أبو عبد الله : لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ، ولا ينطلق لساني أن أحكيه . أنكروا الآثار ، وما ظننتهم على هذا حتى سمعته ، وجعلوا يُرغون ، يقول الخصم كذا وكذا فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله : يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ أفهذا منكر عندكم ؟ فقالوا : شبه ، يا أمر المؤمنين ، شبه .

قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : حدثني بعض أصحابنا أن أحمد بن أبي دؤاد أقبل على أحمد يكلمه ، فلم يلتفت إليه ، حتى قال المعتصم : يا أحمد ألا تكلم أبا عبد الله ؟ فقلت : لست أعرفه من أهل العلم فأكلمه! !

قال صالح : وجعل ابن أبي دؤاد ، يقول : يا أمير المؤمنين ، والله لئن أجابك لهو أحب إليَّ من مائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار ، فيعد من ذلك ما شاء الله أن يعد . فقال : لئن أجابني لأطلقكن عنه بيدي ، ولأركبن إليه بجندي ، ولأطان عقبه .

ثم قال : يا أحمد ، والله إني عليك لشفيق ، لم وإني لأشفق عليك

كشفقتي على ابني هارون ، ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله .

فلما طال المجلس ، ضجر وقال : قوموا ، وحبسني -يعني عنده- وعبد الرحمن بن إسحاق يكلمني . وقال : ويحك ! أجبني . وقال : ويحك ! ألم تكن تأتينا ؟ فقال له عبد الرحمن : يا أمير المؤمنين ، أعرفه منذ ثلاثين سنة ، يرى طاعتك والحج والجهاد معك . فيقول : والله إنه لعالم ، وإنه لفقيه . وما يسوءني أن يكون معي يرد عني أهل الملل . ثم قال : ما كنت تعرف صالحا الرشيدي ؟ قلت : قد سمعت به قال : كان مؤدبي ، وكان في ذلك الموضع جالسا ، وأشار إلى ناحية من الدار .

فسألني عن القرآن ، فخالفني ، فأمرت به فوُطِئ وسحب ! يا أحمد ، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج ، حتى أطلق عنك بيدي . قلت : أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله . فطال المجلس ، وقام ، ورددت إلى الموضع .

فلما كان بعد المغرب ، وجه إليَّ رجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد ، يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي ، حتى إذا كان وقت الإفطار ، جيء بالطعام ، ويجتهدان بي أن أفطر فلا أفعل -قلت : وكانت ليالي رمضان-

قال : ووجه المعتصم إلي ابن أبي دؤاد في الليل ، فقال : يقول لك أمير المؤمنين : ما تقول ؟ فأرد عليه نحوا مما كنت أرد . فقال ابن أبي دؤاد : والله

لقد كتب اسمك في السبعة : يحيى بن معين وغيره فمحوتُه . ولقد ساءني أخذهم إياك . ثم يقول : إن أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس . ويقول : إن أجابني ، جئت إليه حتى أطلق عنه بيدي ، ثم انصرف .

فلما أصبحنا جاء رسوله ، فأخذ بيدي حتى ذهب بي إليه ، فقال لهم : ناظروه وكلموه ، فجعلوا يناظروني ، فأرد عليهم . فإذا جاءوا بشيء من الكلام مما ليس في الكتاب والسنة ، قلت : ما أدري ما هذا . قال : فيقولون : يا أمير المؤمنين ، إذا توجهت له الحجة علينا ، ثبت ، وإذا كلمناه بشيء ، يقول : لا أدري ما هذا ؟ فقال : ناظروه فقال رجل : يا أحمد ، أراك تذكرالحديث وتنتحله ، فقلت : ما تقول في قوله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ؟ قال : خص الله بها المؤمنين . قلت : ما تقول : إن كان قاتلا أو عبدا ؟ فسكت ، وإنما احتججت عليهم بهذا ؛ لأنهم كانوا يحتجون بظاهر القرآن . فحيث قال لي : أراك تنتجل الحديث ، احتججت بالقرآن ، يعني : وإن السنة خصصت القاتل والعبد ، فأخرجتهما من العموم . قال : فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزوال . فلما ضجر ، قال : قوموا ، ثم خلا بي ، وبعبد الرحمن بن إسحاق ، فلم يزل يكلمني ، ثم قام ودخل . ورددت إلى الموضع .

قال : فلما كانت الليله الثالثة ، قلت : خليق أن يحدث غدا من أمري

شيء فقلت للموكل بي : أريد خيطا فجاءني بخيط ، فشددت به الأقياد ، ورددت التكة إلى سراويلي مخافة أن يحدث من أمري شيء ، فأتعرى . فلما كان من الغد ، أدخلت إلى الدار ، فإذا هي غاصّة ، فجعلت أدخل من موضع إلى موضع ، وقوم معهم السيوف ، وقوم معهم السياط ، وغير ذلك .

ولم يكن في اليومين الماضيين كبير أحد من هؤلاء . فلما انتهيت إليه ،

قال : اقعد . ثم قال : ناظروه ، كلموه . فجعلوا يناظروني ، يتكلم هذا ، فأرد عليه ، ويتكلم هذا ، فأرد عليه ، وجعل صوتي يعلو أصواتهم . فجعل بعض من هو قائم على رأسي يومئ إلي بيده ، فلما طال المجلس ، نحاني ، ثم خلا بهم ، ثم نحاهم ، وردني إلى عنده ، وقال : ويحك يا أحمد ! أجبني حتى أطلق عنك بيدي ، فرددت عليه نحو ردي . فقال : عليك ، وذكر اللعن ، خذوه اسحبوه خلعوه . فسحبت وخلعت .

قال : وقد كان صار إلي شعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كم قميصي ، فوجه إلي إسحاق بن إبراهيم ، يقول : ما هذا المصرور ؟ قلت : شعر من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسعى بعضهم ليخرق القيمص عني ، فقال المعتصم : لا تخرقوه ، فنزع ، فظننت أنه إنما دُرِيء عن القميص الخرق بالشعر . قال : وجلس المعتصم على كرسي ، ثم قال : العقابين والسياط ، فجيء بالعقابين ، فمدت يداي ، فقال بعض من حضر خلفي : خذ ناتئ الخشبتين بيديك ، وشد عليهما . فلم أفهم ما قال ، فتخلعت يداي .

قال محمد بن إبراهيم البوشنجي : ذكروا أن المعتم ألان في أمر أحمد لما علق في العقابين ، ورأى ثباته وتصميمه وصلابته ، حتى أغراه أحمد بن أبي دؤاد ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن تركته ، قيل : قد ترك مذهب المأمون ، وسخط قوله ، فهاجه ذلك على ضربه .

وقال صالح : قال أبي : ولما جيء بالسياط ، نظر إليها المعتصم ، فقال : ائتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فجعل يتقدم إلي الرجل منهم ، فيضربني سوطين ، فيقول له : شد ، قطع الله يدك ! ثم يتنحى ويتقدم آخر ، فيضربني سوطين ، وهو يقول في كل ذلك : شد ، قطع الله يدك! فلما ضربت سبعة عشر سوطا ، قام إلي ، يعني : المعتصم ، فقال : يا أحمد ، علام تقتل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق ، وجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه ، وقال : أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! إمامك على رأسك قائم . وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله ، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين ، أنت صائم ، وأنت في الشمس قائم ! فقال لي : ويحك يا أحمد ، ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به . . فرجع وجلس . وقال للجلاد : تقدم ، وأوجع ، قطع الله يدك ، ثم قام الثانية ، وجعل يقول : ويحك يا أحمد : أجبني . فجعلوا يقبلون علي ، ويقولون : يا أحمد ، إمامك على رأسك قائم ! وجعل عبد الرحمن يقول : من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع ؟ والمعتصم يقول : أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي ، ثم رجع ، وقال للجلاد : تقدم ، فجعل يضربني سوطين ويتنحى ، وهو في خلال ذلك يقول : شد ، قطع الله يدك .

فذهب عقلي ، ثم أفقت بعد ، فإذا الأقياد قد أطلقت عني . فقال لي رجل ممن حضر : كببناك على وجهك ، وطرحنا على ظهرك باريَّة ودُسْناك ! قال أبي فما شعرت بذلك ، وأتوني بسويق ، وقالوا : اشرب وتقيأ ، فقلت : لا أفطر . ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فحضرت الظهر ، فتقدم ابن سماعة ، فصلى . فلما انفتل من صلاته ، وقال لي : صليت ، والدم يسيل في ثوبك ؟ قلت : قد صلى عمر ، وجرحه يثعب دما .

قال صالح : ثم خلي عنه ، فصار إلى منزله . وكان مكثه في السجن منذ أُخذ إلى أن ضرب وخلِّي عنه ، ثمانية وعشرين شهرا . ولقد حدثني أحد الرجلين اللذين كانا معه ، قال : يا ابن أخي ، رحمة الله على أبي عبد الله ، والله ما رأيت أحدا يشبهه ، ولقد جعلت أقول له في وقت ما يوجه إلينا بالطعام : يا أبا عبد الله ، أنت صائم ، وأنت في موضع تفئة . ولقد

عطش ، فقال لصاحب الشراب : ناولني ، فناوله قدحا فيه ماء وثلج ، فأخذه ونظر فيه ، ثم رده ، ولم يشرب ، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش ، وهو فيما هو فيه من الهول !

قال صالح : فكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في تلك الأيام ، فلم أقدر . وأخبرني رجل حضره : أنه تفقده في الأيام الثلاثة وهم يناظرونه ، فما لحن في كلمة . قال : وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه .

قال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، يقول : ذهب عقلي مرارا ، فكان إذا رفع عني الضرب ، رجعت إلي نفسي . وإذا استرخيت وسقطت ، رفع الضرب ، أصابني ذلك مرارا . ورأيته ، يعني : المعتصم ، قاعدا في الشمس بغير مظلة ، فسمعته ، وقد أفقت يقول لابن أبي دؤاد ، لقد ارتكبت إثما في أمر هذا الرجل . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه -والله- كافر مشرك ، قد أشرك من غير وجه . فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد . وقد كان أراد تخليتي بلا ضرب ، فلم يدعه ، ولا إسحاق بن إبراهيم .

قال حنبل : وبلغني أن المعتصم ، قال لابن أبي دؤاد بعدما ضرب أبو عبد الله : كم ضرب ؟ قال : أربعة أو نيفا وثلاثين سوطا .

قال أبو الفضل عبيد الله الزهري : قال المروذي : قلت ، وأبو عبد الله بين الهبازين يا أستاذ ، قال الله تعالى : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال : يا مروذي ، اخرج وانظر . فخرجت إلى رحبة دار

الخلافة ، فرأيت خلقا لا يحصيهم إلا الله ، والصحف في أيديهم ، والأقلام والمحابر . فقال لهم المروذي : ماذا تعملون ؟ قالوا : ننظر ما يقول أحمد ، فنكتبه . فدخل فأخبره . فقال : يا مروذي، أضل هؤلاء كلهم ؟! فهذه حكاية منقطعة .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي ،

قال : لما حمل أحمد ليضرب ، جاءوا إلى بشر بن الحارث ، وقالوا : قد وجب عليك أن تتكلم . فقال : أتريدون مني أقوم مقام الأنبياء ، ليس ذا عندي . حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه .

الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي : حدثنا داود بن عرفة ، حدثنا ميمون بن أصبغ ، قال : كنت ببغداد وامتحن أحمد . فأخذت مالا له خطر ، فذهبت به إلى من يدخلني إلى المجلس . فأدخلت ، فإذا السيوف قد جردت ، وبالرماح قد ركزت ، وبالتراس قد صففت ، وبالسياط قد وضعت . وألبست قباء أسود ومنطقة وسيفا. ووقفت حيث أسمع الكلام . فأتى أمير المؤمنين ، فجلس على كرسي . وأُتي بأحمد ، فقال

له : وقرابتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربنك بالسياط ، أو تقول كما أقول .

ثم التفت إلى جلاد ، فقال : خذه إليك ، فأخذه ، فلما ضرب سوطا ،

قال : باسم الله ، فلما ضرب الثاني ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما ضرب الثالث ، قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلما ضرب الرابع ،

قال : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا فضرب تسعة وعشرين سوطا . وكانت تكته حاشية ثوب ، فانقطت ، فنزل السراويل إلى عانته. فقلت : الساعة ينهتك ، فرمى بطرفه إلى السماء ، وحرك شفتيه ، فما كان بأسرع من أن بقي السراويل لم ينزل . فدخلت عليه بعد سبعة أيام ، فقلت : يا أبا عبد الله ! رأيتك وقد انحل سراويلك ، فرفعت طرفك نحو السماء ، فما قلت ؟ قال : قلت : اللهم أسألك باسمك الذي ملأت به العرش ، إن كنت تعلم أني على الصواب ، فلا تهتك لي سترا .

هذه حكاية منكرة ، أخاف أن يكون داود وضعها .

قال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني : حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله ، قال : قال أحمد بن الفرج : حضرت أحمد بن حنبل لما ضرب ، فتقدم أبو الدن فضربه بضعة عشر سوطا ، فأقبل الدم من أكتافه ، وكان عليه سراويل ، فانقطع خيطه ، فنزل . فلحظته وقد حرك شفتيه ، فعاد السراويل كما كان . فسألته ، قال : قلت : إلهي وسيدي ، وقفتني هذا الموقف ، فتهتكني على رءوس الخلائق !

وهذه الحكاية لا تصح . وقد ساق صاحب " الحلية " من الخرافات السمجة هنا ما يُستحيا من ذكره .

فمن ذلك قال : حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا ابراهيم بن محمد بن إبراهيم القاضي ، حدثني أبو عبد الله الجوهري ، حدثنا يوسف بن يعقوب ، سمعت علي بن محمد القرشي ، قال : لما جُرِّد أحمد ليضرب ، وبقي في سراويله ، فبينا هو يضرب ، انحل سراويله ، فحرك شفتيه ، فرأيت يدين خرجتا من تحته ، فشدتا السراويل . فلما فرغوا من الضرب ، سألناه .

قال : فقلت : يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو ، إن كنت على الحق ، فلا تُبْدِ عورتي .

أوردها البيهقي في مناقب أحمد ، وما جسر على توهيتها ، بل ، روى عن أبي مسعود البجلي ، عن ابن جهضم ذاك الكذاب : حدثنا أبو بكر النجاد ، حدثنا ابن أبي العوام الرياحي نحوا منها . وفيها أن مئزره اضطرب ، فحرك شفتيه ، فرأيت كفا من ذهب خرح من تحت مئزره بقدرة الله ، فصاحت العامة .

أخبرني ابن الفراء ، حدثنا ابن قدامة ، حدثنا ابن خضير ، حدثنا ابن يوسف ، حدثنا البرمكي ، حدثنا علي بن مردك ، حدثنا ابن أبي حاتم ، حدثنا أحمد بن سنان : أنه بلغه ، أن المعتصم نظر عند ضربه إياه إلى شيء مصرور في كمه ، فقال : أي شيء هذا ؟ قال : شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم.

قال : هاته ، وأخذها منه . ثم قال أحمد بن سنان : كان ينبغي أن يرحمه عندما رأى شعرة من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- معه في تلك الحال . وبه قال ابن أبي حاتم : قال أبو الفضل صالح : خلي عنه ، فصار إلى المنزل ، ووجه إلى المطبق . فجيء برجل ممن يبصر الضرب والعلاج ، فنظر إلى ضربه ، فقال قد رأيت من ضرب ألف سوط ، ما رأيت ضربا مثل هذا . لقد جُرَّ عليه من خلفه ، ومن قُدَّامه ، ثم أخذ ميلا ، فأدخله في بعض تلك الجراحات . فنظر إليه فقال : لم يُنْقَب ؟ وجحل يأتيه ويعالجه . وكان قد أصاب وجهه غير ضربة . ومكث منكبا على وجهه كم شاء الله . ثم قال له : إن هاهنا شيئا أريد أن أقطعه ، فجاء بحديدة ، فجعل يعلق اللحم بها ، فيقطعه بسكين معه ، وهو صابر لذلك ، يجهر بحمد الله في ذلك ، فبرأ منه .

ولم يزل يتوجع من مواضع منه ، وكان أثر الضرب بيِّنا في ظهره إلى أن توفي .

ودخلت يوما ، فقلت له : بلغني أن رجلا جاء إليك ، فقال : اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك . فقلت : لا أجعل أحدا في حل ، فتبسم أبي وسكت . وسمعت أبي يقول : لقد جعلت الميت في حل من ضربه إياي . ثم قال : مررت بهذه الآية : فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فنظرت في تفسيرها ، فاذا هو ما أخبرنا هاشم بن القاسم ، أخبرنا المبارك بن فضالة ، قال : أخبرني من سمع الحسن ، يقول : إذا كان يوم القيامة ، جثت الأمم كلها بين يدي الله رب العالمين ، ثم نودي أن لا يقوم إلا من أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا . قال : فجعلت الميت في حل . ثم قال : وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدا .

وبه قال ابن أبي حاتم : حدثني أحمد بن سنان ، قال : بلغني أن أحمد بن حنبل ، جعل المعتصم في حل يوم فتح عاصمة بابك وظفر به ، أو في فتح عمورية ، فقال : هو في حل من ضربي . وسمعت أبي أبا حاتم يقول : أتيت أبا عبد الله بعدما ضرب بثلاث سنين أو نحوها ، فجرى ذكر الضرب ، فقلت له : ذهب عنك ألم الضرب ؟ فأخرج يديه وقبض كوعيه اليمين واليسار ، وقال : هذا ، كأنه يقول : خُلع وإنه يجد منهما ألم ذلك .

وبه قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر ، قال : قال أحمد بن حنبل : قيل لي : اكتب ثلاث كلمات ، ويخلَّى سبيلك فقلت : هاتوا ، قالوا : اكتب : الله قديم لم يزل . قال : فكتبت . فقالوا : اكتب : كل شيء دون الله مخلوق . وقالوا : اكتب : الله رب القرآن .

قلت : أما هذه فلا ، ورميت بالقلم . فقال بشر بن الحارث : لو كتبها ، لأعطاهم ما يريدون .

وبه قال : وقال إبراهيم بن الحارث العبادي -وكان رافقنا في بلاد الروم- قال : حضر أحمد بن حنبل أبو محمد الطفاوي ، فذُكر له حديث ، فقال أبو عبد الله : أخبرك بنظير هذا ، لما أخرج بنا ، جعلت أفكر فيما نحن

فيه ، حتى إذا صرنا إلى الرحْبة ، أنزلنا بظاهرها ، فمددت بصري ، فإذا بشيء لم أستثبته ، فلم يزل يدنو ، وإذا أعرابي جعل يتخطى تلك المحامل حتى صار إلي ، فوقف علي ، فسلم ، ثم قال : أنت أحمد بن حنبل ؟ فسكت تعجبا !! ثم أعاد ، فسكت . فبرك على ركبتيه ، فقال : أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل ؟ فقلت نعم . فقال : أبشر واصبر ، فإنما هي ضربة هاهنا ، وتدخل الجنة هاهنا . ثم مضى .

فقال الطفاوي : يا أبا عبد الله ! إنك محمود عند العامة ، فقال : أحمد الله على ديني ، إنما هذا دين ، لو قلت لهم ، كفرت . فقال الطفاوي : أخبرني بما صنعوا بك ؟ قال : لما ضربت بالسياط ، جعلت أذكر كلام الأعرابي ، ثم جاء ذاك الطويل اللحية -يعني: عجيفا- فضربني بقائم السيف . ثم جاء ذاك ، فقلت : قد جاء الفرج ، يضرب عنقي ، فأستريح .

فقال له ابن سماعة : يا أمير المؤمنين : اضرب عنقه ودمه في رقبتي . فقال ابن أبي دؤاد : لا يا أمير المؤمنين ، لا تفعل . فإنه إن قتل أو مات في دارك ، قال الناس : صبر حتى قتل ، فاتخذه الناس إماما ، وثبتوا على ما هم عليه ، ولكن أطلقه الساعة ، فإن مات خارجا من منزلك ، شك الناس في أمره . وقال بعضهم : أجاب ، وقال بعضهم : لم يجب . فقال الطفاوي : وما عليك لو قلت ؟ قال أبو عبد الله : لو قلت ، لكفرت .

وبه قال ابن أبي حاتم : سمعت أبا رزعة ، يقول : دعا المعتصم بعم أحمد ، ثم قال للناس : تعرفونه ؟ قالوا : نعم ، هو أحمد بن حنبل . قال : فانظروا إليه ، أليس هو صحيح البدن ؟ قالوا : نعم . ولولا أنه فعل ذلك ، لكنت تخاف أن يقع شيء لا يقام له . قال : ولما قال : قد سلمته إليكم صحيح البدن ، هدأ الناس وسكنوا .

قلت : ما قال هذا مع تمكنه في الخلافة وشجاعته إلا عن أمر كبير ، كأنه خاف أن يموت من الضرب ، فتخرج عليه العامة . ولو خرج عليه عامة بغداد لربما عجز عنهم .

وقال حنبل : لما أمر المعتصمم بتخلية أبي عبد الله ، خلع عليه مبطنة وقميصا وطيلسانا وقلنسوة وخُفا . فبينا نحن على باب الدار ، والناس في الميدان والدروب وغيرها ، وغلقت الأسواق إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار المعتصم في تلك الثياب ، وأحمد بن أبي دؤاد عن يمينه ، وإسحاق بن إبراهيم -يعني: نائب بغداد- عن يساره . فلما صار في الدهليز قبل أن يخرج ، قال لهم ابن أبي دؤاد : اكشفوا رأسه فكشفوه ، يعني : من الطيلسان ، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس . فقال لهم إسحاق : خذوا به هاهنا يريد دجلة ، فذهب به إلى الزورق ، وحمل إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، فأقام عنده إلى أن صليت الظهر . وبعث إلى والدي وإلى جيراننا ومشايخ المحال ، فجمعوا وأدخلوا عليه . فقال لهم : هذا أحمد بن حنبل ، إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه .

وقال ابن سماعة -حين دخل الجماعة- لهم : هذا أحمد بن حنبل ، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره ، وقد خلى سبيله ، وهاهو ذا ، فأخرج على فرس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس ، فصار إلى منزله ، ومعه السلطان والناس ، وهو منحن . فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم ، فوقعت يدي على موضع الضرب ، فصاح ، فنحيت يدي ، فنزل متوكئا علي ، وأغلق الباب ، ودخلنا معه ، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد ،

ونزع ما كان خلع عليه ، فأمر به فبيع وتصدق بثمنه .

وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره . وذلك أنه ترك فيما حكي لنا عند الإياس منه .

وبلغنا أن المعتصم ندم ، وأُسقِط في يده ، حتى صَلُح ، فكان صاحب خبر إسحاق بن إبراهيم يأتينا كل يوم يتعرف خبره ، حتى صح ، وبقيت إبهاماه منخلعتين يضربان عليه في البرد ، فيُسخن له الماء ، ولما أردنا علاجه ، خفنا أن يدس أحمد بن أبي دؤاد سُمّا إلى المعالج ، فعملنا الدواء والمرهم في منزلنا .

وسمعته يقول : كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعا ، وقد جعلت أبا إسحاق -يعني: المعتصم- في حل ، ورأيت الله يقول : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالعفو في قصة مسطح . قال أبو عبد الله : وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك ؟ ! !

قال حنبل : قال أبو عبد الله : قال برغوث -يعني: يوم المحنة- : يا

أمير المؤمنين هو كافر حلال الدم ، اضرب عنقه ، ودمه في عنقي . وقال شعيب كذلك أيضا تقلد دمي ، فلم يلتفت أبو إسحاق إليهما . وقال أبو عبد الله : لم يكن في القوم أشد تكفيرا لي منهما ، وأما ابن سماعة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه من أهل بيت شرف ولهم قدم ، ولعله يصير إلى الذي عليه أمير المؤمنين ، فكأنه رق عندها ، وكان إذا كلمني ابن أبي دؤاد ، لم ألتفت إلى كلامه ، وإذا كلمني أبو إسحاق ، ألنت له القول . قال : فقال في اليوم الثالث : أجبني يا أحمد ، فإنه بلغني أنك تحب الرئاسة ، وذلك لما أوغروا قلبه علي ، وجعل برغوث يقول : قال الجبري : كذا وكذا ، كلام هو الكفر بالله . فجعلت أقول : ما أدري ما هذا ، إلا أني أعلم أنه أحد صمد لا شبه له ولا عدل ، وهو كما وصف نفسه ، فسكت .

وقال لي أبو إسحاق : يا أحمد ، إني لأُشفق عليك كشفقتي على ابني هارون ، فأجبني ، والله لوددت أني لم أكن عرفتك يا أحمد ، الله الله في دمك .

فلما كان في آخر ذلك ، قال : لعنك الله ، لقد طمعت أن تجيبني ، ثم قال : خذوه واسحبوه . فأُخِذتُ ثم خُلِّعْت ، وجيء بعقابين وأسياط ، وكان معي شَعْر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم صُيِّرت بين العقابين ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، الله الله ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث يا أمير المؤمنين ، فيم تستحل دمي ؟ الله الله ، لا تلق الله وبيني وبينك مطالبة . اذكر يا أمير المؤمنين وقوفك بين يدي الله -تعالى- كوقوفي بين يديك ، وراقب الله . فكأنه أمسك ، فخاف ابن أبي دؤاد أن يكون منه عطف أو رأفة ، فقال : إنه كافر بالله ضالّ مُضِلّ .

قال حنبل : لما أردنا علاجه ، خِفْنا أن يدسُّ ابن أبي دؤاد إلى المعالج ، فيلقي في دوائه سُمّا . فعملنا الدواء والمرهم عندنا ، فكان في بَرْنيَّة فإذا داواه ، رفعناها . قال : وكان إذا أصابه البرد ، ضُرب عليه .

وقال : لقد ظننت أني أعطيت المجهود من نفسي .

محنة الواثق

قال حنبل : لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة ، ويحدث ويفتي ، حتى مات المعتصم ، وولي ابنه الواثق ، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دؤاد وأصحابه .

فلما اشتد الأمر على أهل بغداد ، وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن ، وفُرِّق بين فضل الأنماطي وبين امرأته ، وبين أبي صالح وبين امرأته ، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ، ويعيد الصلاة إذا رجع ، ويقول : تُؤتَى الجمعة لفضلها ، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة .

وجاء نفر إلى أبي عبد الله ، وقالوا : هذا الأمر قد فشا وتفاقم ، ونحن نخافه على أكثر من هذا ، وذكروا ابن أبي دؤاد ، وأنه على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في المكاتب القرآن كذا وكذا فنحن لا نرضى بإمارته . فمنعهم من ذلك ، وناظرهم .

وحكى أحمد قَصْدَه في مناظرتهم ، وأمرهم بالصبر . قال : فبينا

نحن في أيام الواثق ، اذ جاء يعقوب ليلا برسالة الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى أبي عبد الله : يقول لك الأمير : إن أمير المؤمنين قد ذكرك ، فلا يجتمعنَّ إليك أحد ، ولا تُساكِنِّي بأرض ولا مدينة أنا فيها ، فاذهب حيث شئت من أرض الله . قال : فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق . وكانت تلك الفتنة ، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي . ولم يزل أبو عبد الله مختفيا في البيت لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها حتى هلك الواثق .

وعن إبراهيم بن هانئ ، قال : اختفى أبو عبد الله عندي ثلاثا ، ثم

قال : اطلب لي موضعا ، قلت : لا آمن عليك ، قال : افعل ، فإذا فعلت ، أفدتُك . فطلبت له موضعا ، فلما خرج ، قال : اختفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار ثلاثة أيام ثم تحول .

العجب من أبي القاسم علي بن الحسن الحافظ ، كيف ذكر ترجمة أحمد مطولة كعوائده ، ولكن ما أورد من أمر المحنة كلمة مع صحة أسانيدها فإن حنبلا ألَّفها في جزءين . وكذلك صالح بن أحمد وجماعة .

قال أبو الحسين بن المنادي ، حدثني جدي أبو جعفر ، قال : لقيت أبا

عبد الله ، فرأيت في يديه مجمرة يُسَخِّن خرقة ، ثم يجعلها على جنبه من الضرب . فقال : يا أبا جعفر ، ما كان في القوم أَرْأَفُ بي من المعتصم .

وعن أبي عبد الله البوشنجي ، قال : حدث أحمد ببغداد جهرة حين مات المعتصم . فرجعت من الكوفة ، فأدركته في رجب سنة سبع وعشرين ، وهو يحدث ، ثم قطع الحديث لثلاث بَقينَ من شعبان بلا مَنْع . بل كتب الحسن بن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دؤاد : إن أحمد قد انبسط في الحديث ، فبلغ ذلك أحمد ، فقطع الحديث وإلى أن تُوُفِّي .

فصل في حال الإمام في دولة المتوكل

قال حنبل : وَلِي المتوكل جعفر ، فأظهر الله السنة ، وفرَّج عن الناس ، وكان أبو عبد الله يحدثنا ويحدث أصحابه في أيام المتوكل . وسمعته يقول : ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم إليه في زماننا .

قال حنبل : ثم إن المتوكل ذكره ، وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه ، فجاء رسول إسحاق إلى أبي عبد الله يأمره بالحضور ، فمضى أبو عبد الله ثم رجع ، فسأله أبي عما دعي له ؟ فقال : قرأ علي كتاب جعفر يأمرني بالخروج إلى العسكر ، يعني : سر من رأى ، قال : وقال لي إسحاق بن إبراهيم : ما تقول في القرآن ؟ فقلت : إن أمير المؤمنين قد نهى عن هذا . قال : وخرج إسحاق إلى العسكر ، وقدم ابنه محمدا ينوب عنه ببغداد .

قال أبو عبد الله : وقال لي إسحاق بن إبراهيم : لا تعلم أحدا أني سألتك عه . القرآن ! فقلت له مسألة مسترشد أو مسألة متعنت ؟ قال : بل مسترشد ، قلت : القرآن كلام الله ليس بمخلوق .

قال صالح بن أحمد : قال أبي : قال لي إسحاق بن إبراهيم : اجعلني في حل من حضوري ضربك ، فقلت : قد جعلت كل من حضرني في حل .

وقال لي : من أين قلت : إنه غير مخلوق ؟ فقلت : قال الله : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ففرق بين الخلق والأمر . فقال إسحاق : الأمر مخلوق . فقال : يا سبحان الله ! أمخلوق يخلق خلقا ؟ !! قلت يعني : إنما خلق الكائنات بأمره ، وهو قوله : كن قال : ثم قال لي : عمن تحكي أنه ليس بمخلوق ؟ قلت : عن جعفر بن محمد ، قال : ليس بخالق ولا مخلوق .

قال حنبل : ولم يكن عند أبي عبد الله ما يتحمل به أو ينفقه ، وكانت عندي مائة درهم ، فأتيت بها أبي ، فذهب بها إليه ، فأصلح بها ما احتاج إليه ، واكترى وخرج ، ولم يمض إلى محمد بن إسحاق بن إبراهيم ولا سلم عليه . فكتب بذلك محمد ، إلى أبيه ، فحقدها إسحاق عليه . وقال : يا أمير المؤمنين ! إن أحمد خرج من بغداد ، ولم يأت مولاك محمدا . فقال المتوكل : يُرَدُّ ولو وطئ بساطي -وكان أحمد قد بلغ بُصْرَى - فرد ، فرجع وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا ، وربما قرأ علينا في منزلنا .

ثم إن رافعا رفع إلى المتوكل : إن أحمد ربص علويا في منزله ، يريد أن يخرجه ويبايع عليه . قال : ولم يكن عندنا علم ، فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف ، سمعنا الجلبة ، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله ، فأسرعنا ،

وإذا به قاعد في إزار ، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر ، وجماعة معهم ، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل : ورد على أمير المؤمنين أن عندكم علويا ربَّصْته لتبايع له ، وتظهره ، في كلام طويل . ثم قال له مظفر : ما تقول ؟

قال : ما أعرف من هذا شيئا ، وإني لأرى له السمع والطاعة في عُسرِي ويُسرِي ، ومَنْشَطي ومَكْرَهي ، وأثرةٍ عليّ ، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ، في كلام كثير . فقال مظفر : قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك ، قال : فأحلفه بالطلاق ثلاثا ، أن ما عنده طلبة أمير المؤمنين . ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح ، وفتشوا تابوت الكتب ، وفتشوا النساء والمنازل ، فلم يروا شيئا ، ولم يحبسوا بشيء ، ورد الله الذين كفروا بغيظهم ، وكتب بذلك إلى المتوكل ، فوقع منه موقعا حسنا ، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه . وكان الذي دس عليه رجل من أهل البدع . ولم يمت حتى بين الله أمره للمسلمين ، وهو ابن الثلجي .

فلما كان بعد أيام بينا نحن جلوس بباب الدار ، إذا يعقوب أحد حجاب المتوكل قد جاء ، فاستأذن على أبي عبد الله ، فدخل ، ودخل أبي وأنا ، ومع بعض غلمانه بدرة على بغل ، ومعه كتاب المتوكل . فقرأه على أبي عبد الله : إنه صح عند أمير المؤمنين براءة ساحتك ، وقد وجه إليك بهذا المال تستعين به . فأبى أن يقبله ، وقال : ما لي إليه حاجة . فقال : يا أبا . عبد الله ، أقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به ، فإنه خير لك عنده ، فإنك إن رددته ، خفت أن يظن بك سوءا . فحينئذ قبلها . فلما خرج ، قال : يا أبا علي ، قلت : لبيك ، قال : ارفع هذه الإنجانة وضعها ، يعني : البذرة ، تحتها . ففعلت وخرجنا . فلما كان من الليل ، إذا أم ولد أبي عبد الله تدق علينا الحائط ، فقالت : مولاي يدعو عمه ، فأعلمت أبي ، وخرجنا ، فدخلنا على أبي عبد الله ، وذلك في جوف الليل ، فقال : يا عم ، ما أخذني النوم ، قال : ولم ؟ .

قال : لهذا المال ، وجعل يتوجع لأخذه ، وأبي يسكنه ويسهل عليه . وقال : حتى تصبح وترى فيه رأيك . فإن هذا ليل ، والناس في المنازل ، فأمسك وخرجنا . فلما كان من السحر ، وجه إلى عبدوس بن مالك ، وإلى ، الحسن بن البزار فحضرا وحضر جماعة ، منهم : هارون الحمال ، وأحمد بن منيع ، وابن الدورقي ، وأبي ، وأنا ، وصالح ، وعبد الله . وجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل الستر والصلاح ببغداد والكوفة . فوجه منها إلى أبي كريب ، وللأشج وإلى من يعلمون جاجته . ففرقها كلها ما بين الخمسين إلى المائة وإلى المائتين ، فما بقي في الكيس درهم .

فلما كان بعد ذلك ، مات الأمير إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد . ثم ولي بغداد عبد الله بن إسحاق ، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله ، فذهب إليه ، فقرأ عليه كتاب المتوكل ، وقال له : يأمرك بالخروج يعني : إلى سامراء . فقال : أنا شيخ ضعيف عليل . فكتب عبد الله بما رد عليه ، فورد جواب الكتاب : أن أمير المؤمنين يأمره بالخروج . فوجه عبد الله أجنادا ، فباتوا على بابنا أياما ، حتى تهيأ أبو عبد الله للخروج ، فخرج ومعه صالح وعبد الله وأبي زُمَيْلَة . و

قال صالح : كان حَمْل أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين . ثم وإلى أن مات أبي قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه .

وقال صالح : وجه إسحاق إلى أبي : ألزم بيتك ، ولا تخرج إلى جماعة ولا جمعة ، وإلا نزل بك ما نزل بك أيام أبي إسحاق .

وقال ابن الكلبي : أريد أن أفتش منزلك ومنزل ابنك . فقام مظفر وابن الكلبي ، وامرأتان معهما ، ففتشوا ، ودلوا شمعة في البئر ، ونظروا ثم خرجوا . فلما كان بعد يومين ، ورد كتاب علي بن الجهم : أن أمير المؤمنين قد صح عنده براءتك . وذكر نحوا من رواية حنبل .

قال حنبل : فأخبرني أبي ، قال : دخلنا إلى العسكر ، فإذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما حاذى بنا ، قالوا : هذا وصيف ، وإذا بفارس قد أقبل ، فقال لأبي عبد الله : الأمير وصيف يقرئك السلام ، ويقول لك : إن الله قد أمكنك من عدوك ، يعني : ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين يقبل منك ، فلا تدع شيئا إلا تكلمت به . فما رد عليه أبو عبد الله شيئا . وجعلت أنا أدعو لأمير المؤمنين ، ودعوت لوصيف . ومضينا ، فأُنزلنا في دار إيتاخ ولم يعرف أبو عبد الله ، فسأل بعد لمن هذه الدار ؟ قالوا : هذه دار إيتاخ . قال : حوِّلُوني ، اكتَرُوا لي دارا . قالوا : هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين ، قال : لا أبيت هاهنا . ولم يزل حتى اكترينا له دارا . وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والثلج والفاكهة وغير ذلك ، فما ذاق منها أبو عبد الله شيئا ، ولا نظر إليها . وكان نفقة المائدة في اليوم مائة وعشرين درهما .

وكان يحيى بن خاقان ، وابنه عبيد الله ، وعلي بن الجهم يختلفون إلى أبي عبد الله برسالة المتوكل . ودامت العلة بأبي عبد الله ، وضعف شديدا .

وكان يواصل ، ومكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب ، ففي الثامن دخلت عليه ، وقد كاد أن يُطْفَأ ، فقلت : يا أبا عبد الله ، ابن الزبير كان يواصل سبعة ، وهذا لك اليوم ثمانية أيام . قال : إني مطيق . قلت : بحقي عليك . قال : فإني أفعل . فأتيته بسويق فشرب .

ووجه إليه المتوكل بمال عظيم ، فرده ، فقال له عبيد الله بن يحيى : فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك . قال : هم مستغنون ، فردها عليه ، فأخذها عبيد الله ، فقسمها على ولده ، ثم أجرى المتوكل على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف . فبعث إليه أبو عبد الله : إنهم في كفاية ، وليست بهم حاجة . فبعث إليه المتوكل : إنما هذا لولدك ، فما لك ولهذا ؟ فأمسك أبو عبد الله ، فلم يزل يُجري علينا حتى مات المتوكل .

وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي كلام كثير . وقال : يا عم ، ما بقي من أعمارنا . كأنك بالأمر قد نزل . فالله الله ، فإن أولادنا إنما يريدون أن يأكلوا بنا ، وإنما هي أيام قلائل ، له وإنما هذه فتنة . قال أبي : فقلت : أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر . فقال : كيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم ؟ لو تركتموها ، لتركوكم . ماذا ننتظر ؟ إنما هو الموت . فإما إلى جنة ، وإما إلى نار . فطوبى لمن قدم على خير . قال : فقلت : أليس قد أمرت ما جاءك من هذا المال من غير إشراف نفس ، ولا مسألة أن تأخذه ؟ قال : قد أخذت مرة بلا إشراف نفس ، فالثانية والثالثة ؟ ألم تستشرف نفسك ؟ قلت : أفلم يأخذ ابن عمر وابن عباس ؟ فقال : ما هذا وذاك ! وقال : لو أعلم أن هذا المال يؤخذ من وجهه ، ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبالِ .

قال حنبل : ولما طالت علة أبي عبد الله ، كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب ، فيصف له الأدوية ، فلا يتعالج . ويدخل ابن ماسويه ، فقال : يا أمير المؤمنين ليست بأحمد علة ، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة ، فسكت المتوكل .

وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله ، فقالت لابنها : أشتهي أن أرى هذا الرجل ، فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله ، يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ، ويدعو له ويسلم عليه ، ويجعله في حجره . فامتنع ، ثم أجاب رجاء أن يُطْلَق ، وينحدر إلى بغداد ، فوجه إليه المتوكل خلعه ، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز ، فامتنع ، وكانت عليه ميثرة نمور . فقدم إليه بغل لتاجر ، فركبه ، وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان ، وعلى المجلس ستر رقيق .

فدخل أبو عبد الله على المعتز ، ونظر إليه المتوكل وأمه . فلما رأته ، قالت : يا بُني ، الله الله في هذا الرجل ، فليس هذا ممن يريد ما عندكم ، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله ، فائذن له ليذهب ، فدخل أبو عبد الله على المعتز ، فقال : السلام عليكم ، وجلس ، ولم يُسَلِّم عليه بالإمرة . فسمعت أبا عبد الله بعد يقول : لما دخلت عليه ، وجلست ، قال مؤدبه : أصلح الله الأمير ، هذا هو الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك ؟ فقال الصبي : إن علمني شيئا ، تعلمته ! قال أبو عبد الله : فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره ، وكان صغيرا .

ودامت علة أبي عبد الله ، وبلغ المتوكل ما هو فيه ، وكلمه يحيى بن خاقان أيضا ، وأخبره أنه رجل لا يريد الدنيا ، فأذن له في الانصراف . فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر ، فقال : إن أمير المؤمنين قد أذن لك ، وأمر أن يفرش لك حَرَّاقة تنحدر فيها . فقال أبو عبد الله : اطلبوا لي زورقا أنحدر الساعة . فطلبوا له زورقا ، فانحدر لوقته .

قال حنبل : فما علمنا بقدومه حتى قيل : إنه قد وافى ، فاستقبلته بناحية القطيعة . وقد خرج من الزورق ، فمشيت معه ، فقال لي : تقدم لا يراك الناس فيعرفوني ، فتقدمْتُه . قال : فلما وصل ألقى نفسه على قفاه من التعب والعياء .

وكان ربما استعار الشيء من منزلنا ومنزل ولده ، فلما صار إلينا من مال السلطان ما صار ، امتنع من ذلك حتى لقد وُصف له في علته قرعة تُشوَى ، فشُويت في تنُّور صالح ، فعلم ، فلم يستعملها . ومثل هذا كثير .

وقد ذكر صالح قصة خروج أبيه إلى العسكر ورجوعه ، وتفتيش بيوتهم على العلوي ، وورود يعقوب بالبدرة وأن بعضها كان مائتي دينار ، وأنه بكى ، وقال : سلمت منهم ، حتى إذا كان في آخر عمري ، بليت بهم .

عزمت عليك أن تفرقها غدا ، فلما أصبح ، جاءه حسن بن البزار ، فقال : جئني يا صالح بميزان ، وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار ، وإلى فلان ، حتى فرق الجميع ، ونحن في حالة ، الله بها عليم . فجاءني ابن لي فطلب درهما ، فأخرجت قطعة ، فأعطيته . فكتب صاحب البريد : إنه تصدق بالكل ليومه حتى بالكيس .

قال علي بن الجهم : فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد تصدق بها ، وعلم الناس أنه قد قبل منك ، وما يصنع أحمد بالمال ؟ ! وإنما قوته رغيف . قال : صدقت .

قال صالح : ثم أخرج أبي ليلا ومعنا حراس ، فلما أصبح ، قال : أمعك دراهم ؟ قلت : نعم . قال : أعطهم . وجعل يعقوب يسير معه ، فقال له : يا أبا عبد الله ، ابن الثلجي بلغني أنه كان يذكرك . قال : يا أبا يوسف ، سل الله العافية . قال : يا أبا عبد الله ، تريد أن نؤدي عنك رسالة إلى أمير المؤمنين ؟ فسكت ، فقال : إن عبد الله بن إسحاق أخبرني أن الوابصي قال له : إني أشهد عليه أنه قال : إن أحمد يعبد ماني ! فقال : يا أبا يوسف يكفي الله ، فغضب يعقوب ، والتفت إلي فقال : ما رأيت أعجب مما نحن فيه . أسأله أن يطلق لي كلمة أخبر بها أمير المؤمنين ، فلا يفعل !!

قال : ووجه يعقوب إلى المتوكل بما عمل ، ودخلنا العسكر ، وأبي منكس الرأس ، ورأسه مُغطى . فقال له يعقوب : اكشف رأسك ، فكشفه .

ثم جاء وصيف يريد الدار ، ووجه إلى أبي بيحيى بن هرثمة ، فقال : يقرئك أمير المؤمنين السلام ، ويقول : الحمد لله الذي لم يشمت بك أهل البدع ، قد علمت حال ابن أبي دؤاد ، فينبغي أن تتكلم فيه بما يجب لله . ومضى يحيى ، وأنزل أبي في دار إيتاخ ، فجاء علي بن الجهم ، وقال : قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقها ، وأن لا يعلم شيخكم بذلك فيغتم . ثم جاءه محمد بن معاوية ، فقال : إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك ، ويقول : تقيم هنا تُحدِّث . فقال : أنا ضعيف .

وصار إليه يحيى بن خاقان ، فقال : يا أبا عبد الله ، قد أمر أمير المومنين أن آتيك لتركب إلى ابنه المعتز . وقال لي : أمرني ، أمير المؤمنين يجري عليه وعلى قرابتكم أربعة آلاف ثم عاد يحيى من الغد ، فقال : يا أبا عبد الله ، تركب ؟ قال : ذاك إليكم ، ولبس إزاره وخفه ، وكان للخف عنده خمسة عشر عاما [قد رقع] برقاع [عدة] . فأشار يحيى أن يلبس قلنسوة . قلت : ما له قلنسوة ... إلى أن قال : فدخل دار المعتز ، وكان قاعدا على مصطبة في الدار . فصعد وقعد ، فقال له يحيى : يا أبا عبد . الله ، إن أمير المؤمنين جاء بك ليُسَرَّ بقربك ، ويصير ابنه عبد الله في حجرك . فأخبرني بعض الخدام أن المتوكل كان قاعدا وراء ستر ، فقال لأمه : يا أمه ، قد أنارت الدار . ثم جاء خادم بمنديل ، فأخذ يحيى المنديل ، وذكر قصة في إلباس أبي عبد الله القميص والقلنسوة والطيلسان ، وهو لا يحرك يده; ثم انصرف .

وقد كانوا تحدثوا أنه يخلع عليه سوادا . فلما جاء ، نزع الثياب ، وجعل يبكي ، وقال : سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة ، حتى إذا كان في آخر عمري بُليت بهم . ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام ، فكيف بمن يجب عليّ نصحه ؟! يا صالح : وجه بهذه الثياب إلى بغداد تباع ، ويتصدق بثمنها ، ولا يشتري أحد منكم منها شيئا ، فوجهت بها إلى يعقوب بن بختان فباعها ، وفرق ثمنها ، وبقيت عندي القلنسوة .

قال : ومكث خمسة عشر يوما يفطر كل ثلاث على ثُمن سَويق ، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة على رغيف ، وليلة لا يفطر . وإذا جاءوا بالمائدة ، تُوضع في الدهليز لئلا يراها . وكان إذا أجهده الحر بَلَّ خِرْقة ، فيضعها على صدره . وفي كل يوم يوجه إليه بابن ماسويه ، فينظر إليه ، فقال . يا أبا عبد الله ، أنا أميل إليك وإلى أصحابك ، وما بك علة سوى الضعف وقلة الرِّزِّ .

قال : وجعل يعقوب وغياث يصيران إليه ، ويقولان له : يقول لك أمير المؤمنين : ما تقول في ابن دؤاد وفي ماله ؟ فلا يجيب بشيء . وجعل يعقوب ويحيى يخبرانه بما يحدث في أمر ابن أبي دؤاد . ثم بُعث إلى بغداد بعدما أشهد ببَيْع ضياعه . وكان ربما جاء يحيى بن خاقان -وأبو عبد الله يصلي- فيجلس في الدهليز حتى يفرغ من الصلاة .

وأمر المتوكل أن تُشترى لنا دار ، فقال : يا صالح ، قلت : لبيك .

قال لئن أقررت لهم بشراء دار ، لتكونَنَّ القطيعة بيني وبينكم ، وإنما يريدون أن يصيِّروا هذا البلد لي مأوًى . فلم يزل يدافع بشراء الدار حتى اندفع .

وجَعلَتْ رُسُل المتوكل تأتيه ، يسألونه عن خبره ، ويرجعون ، فيقولون : هو ضعيف . وفي خلال ذلك يقولون : يا أبا عبد الله ، لا بد من أن يراك .

وجاءه يعقوب ، فقال أمير المؤمنين مشتاق إليك ، ويقول : انظر يوما تصير فيه أي يوم حتى أعرفه ، فقال إليكم ، فقال : يوم الأربعاء ، فخرج .

فلما كان من الغد ، جاء فقال : البُشرى يا أبا عبد الله ! إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ، ويقول : قد أعفيتك من لُبْس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار ، فالبس ما شئت . فجعل يحمد الله على ذلك .

ثم قال يعقوب : إن لي ابنا أنا به معجب ، وإن له في قلبي موقعا ، فأحب أن تحدثه بأحاديث ، فسكت . فلما خرج ، قال : أتراه لا يرى ما أنا فيه ؟ ! ! .

وكان يختم القرآن من جمعة إلى جمعة ، وإذا ختم ، دعا ، ونحن نؤمِّن . فلما كان غداة الجمعة ، وجَّه إليّ وإلَى أخي . فلما ختم ، جعل يدعو ونحن نؤمن . فلما فرغ ، جعل يقول : أستخير الله مرات . فجعلت أقول : ما يريد ؟ ثم قال : إني أُعطي الله عهدا ، وإن عهده كان مسئولا ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إني لا أحدث بحديث تمام أبدا حتى ألقى الله ، ولا أستثني منكم أحدا ، فخرجنا ، وجاء علي بن الجهم فأخبرناه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . وأُخْبِر المتوكل بذلك . قال : إنما يريدون أحدث ، ويكون هذا البلد حبسي ، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا ، وأمروا فحدثوا . والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان ، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك . إن هذه فتنة الدنيا وذاك كان فتنة الدين ، ثم جعل يضم أصابعه ، ويقول : لو كان نفسي في يدي لأرسلتها ثم يفتح أصابعه .

وكان المتوكل يكثر السؤال عنه ، وفي خلال ذلك يأمر لنا بالمال ، ويقول : لا يعلم شيخهم فيغتم ، ما يريد منهم ؟ إن كان هو لا يريد الدنيا ، فلم يمنعهم ؟ ! وقالوا للمتوكل : إنه لا يأكل من طعامك ، ولا يجلس على فراشك ، ويُحرِّم الذي تشرب . فقال : لو نُشر لي المعتصم ، وقال فيه شيئا ، لم أقبل منه .

قال صالح : ثم انحدرتُ إلى بغداد ، وخلفت عبد الله عنده . فإذا عبد الله قد قدم ، فقلت : ما لك ؟ قال : أمرني أن أنحدر . وقال : قل لصالح :

لا تخرج ، فأنتم كنتم آفتي ، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما أخرجت واحدا منكم معي . لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة ، وتفرش الفرش ، وتُجرَى الأجراء ؟ فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله ، فكتب إليّ بخطه : أحسن الله عاقبتك ، ودفع عنك كل مكروه ومحذور ، الذي حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله ، لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل . وإذا كنتم هاهنا ، فشا ذكري ، وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا ، ولم يكن إلا خير . فإن أقمت فلم يأتني أنت ولا أخوك ، فهو رضائي ، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا ، والسلام عليك .

قال : ولما سافرنا ، رفعت المائدة والفرش ، وكل ما أقيم لنا .

قال صالح : وبعث المتوكل إلى أبي بألف دينار ليقسمها ، فجاءه علي بن الجهم في جوف الليل ، فأخبره بأنه يهيئ له حراقة ، ثم جاء عبيد الله بألف دينار ، فقال : إن أمير المؤمنين قد أذن لك ، وأمر لك بهذه . فقال : قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره ، فردها . وقال : أنا رقيق على البرد ، والظهر أرفق بي . فكتب له جواز ، وكتب إلى محمد بن عبد الله في بره وتعاهده . فقدم علينا ، ثم قال : يا صالح ، قلت : لبيك . قال : أحب أن تدع هذا الرزق ، فإنما تأخذونه بسببي فسكت ، فقال : مالك ؟ قلت : أكره أن أعطيك بلساني ، وأخالف إلى غيره ، وليس في القوم أكثر عيالا مني ، ولا أعذر . وقد كنت أشكو إليك ، وتقول : أمرك منعقد بأمري . ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة ، وقد كنت تدعو لي ، فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك . فقال : والله لا تفعل . فقلت : لا . فقال : لم ؟ فعل الله بك وفعل ! !

وذكر قصة في دخول عبد الله أخيه عليه ، وقوله وجوابه له ، ثم دخول عمه عليه ، وإنكاره للأخذ ، قال : فهجرنا أبي ، وسد الأبواب بيننا وبينه ، وتحامى منازلنا ، ثم أخبر بأخذ عمه ، فقال : نافقتني وكذبتني ! ! ثم هجره ، وترك الصلاة في المسجد ، وخرج إلى مسجد آخر يصلي فيه .

ثم ذكر قصة في دعائه صالحا ومعاتبته له ، ثم في كتابته إلى يحيى بن خاقان ليترك معونة أولاده ، وأن الخبر بلغ المتوكل ، فأمر بحمل ما اجتمع لهم من عشرة أشهر إليهم ، فكان أربعين ألف درهم . وأن أبا عبد الله أخبر بذلك ، فسكت قليلا وأطرق . ثم قال : ما حيلتي إن أردت أمرا ، وأراد الله أمرا ؟ !

قال صالح : وكان رسول المتوكل يأتي أبي يبلغه السلام ، ويسأله عن حاله . قال : فتأخذه قشعريرة حتى ندثره ، ثم يقول : والله لو أن نفسي في يدي لأرسلتها .

وجاء رسول المتوكل إليه ، يقول : لو سلم أحد من الناس ، سلمت أنت . رفع رجل إلينا أن علويا قدم من خراسان ، وأنك وجهت إليه من يلقاه . وقد حبست الرجل ، وأردت ضربه ، فكرهت أن تغتم ، فمر فيه . . قال : هذا باطل يخلى سبيله .

ثم ذكر صالح قصة في قدوم المتوكل بغداد ، وإشارة أبي عبد الله على صالح بأن لا يذهب إليهم ، ومجيء يحيى بن خاقان من عند المتوكل .

وقوله : قد أعفاني أمير المؤمنين من كل ما أكره ، وفي توجيه أمير . بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أحمد ليحضر إليه ، وامتناع أحمد ، وقوله : أنا رجل لم أخالط السلطان ، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره ، وهذا مما أكره .

قال : وكان قد أدمن الصوم لما قدم من سامراء ، وجعل لا يأكل الدسم . وكان قبل ذلك يشتري له الشحم بدرهم فيأكل منه شهرا !! الخلال : حدثني محمد بن الحسين ، أن المروذي حدثهم ، قال : كان أبو عبد الله بالعسكر يقول : انظر ، هل تجد ماء باقِلَّى ؟ فكنت ربما بللت خُبزه بالماء ، فيأكله بالملح . ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ، ما ذاق طبيخا ولا دسما .

وعن المروذي ، قال : أنبهني أبو عبد الله ليلة ، وكان قد واصل فقال : هو ذا يُدارُ بي من الجوع ، فأطعمني شيئا . فجئته بأقل من رغيف ، فأكله ، وقال : لولا أني أخاف العونَ على نفسي ، ما أكلت . وكان يقوم إلى المخرج ، فيقعد يستريح من الجوع ، حتى إن كنت لأَبُلُّ الخرقة ، فيلقيها على وجهه ، لترجع نفسه إليه ، حتى إنه أوصى من الضعف من غير مرض ، فسمعته يقول -ونحن بالعسكر- هذا ما أوصى به أحمد بن محمد ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله .

وقال عبد الله بن أحمد : أوصى أبي هذه : هذا ما أوصى به أحمد بن محمد بن حنبل ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله ، إلى أن قال : وأوصى أنَّ عليّ لفُوران نحوا من خمسين دينارا ، وهو مُصَدَّق فيما قال ، فيُقضَى من غلة الدار . فإذا استوفى ، أُعطِي ولد عبد الله وصالح ، كل ذكر وأنثى عشرة دراهم . شهد أبو يوسف ، وعبد الله وصالح ابنا أحمد .

أنبأونا عمن سمع أبا علي المقرئ ، أخبرنا أبو نعيم حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسالك عن القرآن ، لا مسألة امتحان ، لكن مسألة معرفة وتبصرة . فأملى عليّ أبي : إلى عبيد الله بن يحيى ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ، ودفع عنك المكاره برحمته ، قد كتبت إليك ، رضي الله عنك ، بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني ، وأني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، فقد كان الناس في خوض من الباطل ، واختلاف شديد ينغمسون فيه ، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين ، فنفى الله به كل بدعة ، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس فصرف الله ذلك كله ، وذهب به بأمير المؤمنين ، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما ، ودعوا الله لأمير المؤمنين [وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين]

وأن يزيد في نيته ، وأن يعينه على ما هو عليه . فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال : لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فإنه يوقع الشك في قلوبكم .

وذكر عن عبد الله بن عمرو ، أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم : ألم يقل [الله] كذا ، وقال بعضهم : ألم يقل الله كذا ؟ فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج كأنما فقيء في وجهه حب الرمان ، فقال : أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا [إنكم لستم مما هاهنا في شيء] انظروا الذي أمرتم به ، فاعملوا به ، وانظروا الذي نهيتم عنه ، فانتهوا عنه .

ورُوي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : مراء في القرآن كفر .

وروي عن أبي جهيم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : لا تماروا في القرآن؛ فإن مراء فيه كفر .

وقال ابن عباس : قدم رجل على عمر ، فجعل عمر يسأله عن الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا . فقال ابن عباس : فقلت : والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم في القرآن هذه المسارعة . فزبرني عمر ، وقال : مه . فانطلقت إلى منزلي كئيبا حزينا ، فينا أنا كذلك ، إذ أتاني رجل ، فقال : أجب أمير المؤمنين . فخرجت ، فإذا هو بالباب ينتظرني ، فأخذ بيدي ، فخلا بي ، وقال : ما الذي كرهت ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، متى يتسارعوا هذه المسارعة ، يحتقوا ، ومتى ما يحتقوا يختصموا ، ومتى ما يختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا . قال : لله أبوك ، والله إن كنت لأكتمها الناس ، حتى جئت بها ..

ورُوي عن جابر ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس بالموقف ، فيقول : هل من رجل يحملني إلى قومه ؛ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي .

ورُوي عن جبير بن نفير ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه ، يعني : القرآن .

وروي عن ابن مسعود ، قال : جرِّدوا القرآن ، لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله .

وروي عن عمر أنه قال : هذا القرآن كلام الله ، فضعوه مواضعه .

وقال رجل للحسن : يا أبا سعيد ، إني إذا قرأت كتاب الله ، وتدبرته ، كدت أن آيس وينقطع رجائي ، فقال : إن القرآن كلام الله ، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير ، فاعمل وأبشر .

وقال فروة بن نوفل الأشجعي : كنت جارا لخبَّاب ، فخرجت يوما معه إلى المسجد ، وهو آخذ بيدي ، فقال : " يا هناه ، تقرب إلى الله بما استطعت ، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه " .

وقال رجل للحكم : ما حمل أهل الأهواء على هذا ؟ قال : الخصومات .

وقال معاوية بن قرة : إياكم وهذه الخصومات؛ فإنها تحبط الأعمال .

وقال أبو قلابة : لا تُجالسوا أهل الأهواء ، أو قال : أصحاب الخصومات . فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون .

ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين ، فقالا : يا أبا بكر ، نحدثك بحديث ؟ قال : لا . قالا : فنقرأ عليك آية ؟ قال : لا . لتقومان عني ، أو لأقومنه ، فقاما . [فقال بعض القوم : يا أبا بكر ، وما عليك أن يقرآ عليك آية ؟ قال ...] وقال : خشيت أن يقرآ آية فيحرِّفانها ، فيقرُّ ذلك في قلبي .

وقال رجل من أهل البدع لأيوب : يا أبا بكر أسألك عن كلمة ؟ فولى ، وهو يقول بيده : لا ، ولا نصف كلمة .

وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع : يا بُني أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول . ثم قال : اشدد اشدد .

وقال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضا للخصومات ، أكثر التنقل .

وقال إبراهيم النخعي : إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم .

وكان الحسن يقول : شر داء خالط قلبا ، يعني : الأهواء .

وقال حذيفة : اتقوا الله ، وخذوا طريق من كان قبلكم ، والله لئن استقمتم ، لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا ، لقد ضللتم

ضلالا بعيدا ، أو قال : مبينا .

قال أبي : وإنما تركت الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين ، ولولا ذاك ، ذكرتها بأسانيدها . وقد قال الله تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وقال أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فأخبر أن الأمر غير الخلق . وقال : الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ فأخبر أن القرآن من علمه . وقال تعالى : وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ وقال وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ إلى قوله : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ فالقرآن من علم الله . وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن . وقد . روي عن السلف أنهم كانوا يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وهو الذي أذهب إليه ، لست بصاحب كلام ، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله ، أو في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن أصحابه ، أو عن التابعين . فأما غير ذلك ، فإن الكلام فيه غير محمود .

فهذه الرسالة إسنادها كالشمس ، فانظر إلى هذا النفس النوراني . لا كرسالة الإصطخري ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد

الله ؛ فإن الرجل كان تقيا ورعا لا يتفوَّه بمثل ذلك . ولعله قاله ، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة . وما ثبت عنه أصلا وفرعا ففيه كفاية .

ومما ثبت عنه مسألة الإيمان ، وقد صنف فيها .

قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، البرُّ كلُّه من الإيمان ، والمعاصي تنقص الإيمان .

وقال إسحاق بن إبراهيم البغوي : سمعت أحمد يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر . وسمع سلمة بن شبيب أحمد يقول ذلك ، وهذا متواتر عنه .

وقال أبو إسماعيل الترمذي : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : من قال : القرآن محدث ، فهو كافر .

وقال اسماعيل بن الحسن السراج : سألت أحمد عمن يقول : القرآن مخلوق ، قال : كافر ، وعمن يقول : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : جهمي .

وقال صالح بن أحمد : تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي أنه يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق . فأخيرت بذلك أبي ، فقال : من حدثك ؟ قلت : فلان ، قال : ابعث إلى أبي طالب ، فوجهت إليه ، فجاء ، وجاء . فوران ، فقال له أبي : أنا قلت لك : لفظي بالقرآن غير مخلوق ؟! وغضب ، وجعل يرعد ، فقال : قرأت عليك : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقلت لي : ليس هذا بمخلوق . قال : فلم حكيت ، عني أني قلت : لفظي بالقرآن غير مخلوق ؟ وبلغني أنك كتبت بذلك إلى قوم ، فامحه ، واكتب إليهم أني لم أقله لك . فجعل فوران يعتذر إليه . فعاد أبو طالب ، وذكر أنه حكى ذلك ، وكتب إلى القوم ، يقول : وهمت على أبي عبد الله .

قت : الذي استقر الحال عليه ، أن أبا عبد الله كان يقول : من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فهو مبتدع . وأنه قال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي . فكان رحمه الله لا يقول هذا ولا هذا . وربما أوضح ذلك ، فقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن فهو جهمي .

قال أحمد بن زنجويه : سمعت أحمد يقول : اللفظية شرٌ من الجمهمية .

وقال صالح : سمعت أبي ، يقول : الجهمية ثلاث فرق : فرقة قالت : القرآن مخلوق ، وفرقة قالوا : كلام الله وسكتوا ، وفرقة قالوا : لفظنا به مخلوق . ثم قال أبي: لا يُصلَّى خلف واقفي ، ولا لفظي .

وقال المروذي : أخبرت أبا عبد الله أن أبا شعيب السوسي الرقي ، فرق بين بنته وزوجها لمَّا وَقَف في القرآن ، فقال : أحسن ، عافاه الله ، وجعل يدعو له .

قال المروذي : ولما أظهر يعقوب بن شيبة الوقف ، حذر عنه أبو عبد الله ، وأمر بهجرانه . لأبي عبد الله في مسألة اللفظ نقول عدة : فأول من أظهر مسألة اللفظ حسين بن علي الكرابيسي ، وكان من أوعية العلم . ووضع كتابا في المدلسين ، يحط على جماعة فيه أن ابن الزبير من الخوارج . وفيه أحاديث يقوي به الرافضة . فأعلم أحمد ، فحذر منه ، فبلغ الكرابيسي ، فتنمر ، وقال : لأقولن مقالة حتى يقول ابن حنبل بخلافها فيكفر . فقال : لفظي بالقرآن مخلوق . فقال المروذي في كتاب " القصص " : فذكرت ذلك لأبي عبد الله أن الكرابيسي ، قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، وأنه قال : أقول : إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات إلا أن لفظي به مخلوق . ومن لم يقل : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو كافر . فقال أبو عبد الله : بل هو الكافر ، قاتله الله ، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا ؟ وما ينفعه ، وقد نقض كلامه الأخير كلامه الأول ؟! ثم قال : أيش خبر أبي ثور ، أوافقه على هذا ؟ قلت : قد هجره . قال : أحسن ، لن يفلح أصحاب الكلام .

قال عبد الله بن أحمد : سئل أبي ، وأنا أسمع عن اللفظة والواقفة ، فقال : من كان منهم يحسن الكلام ، فهو جهمي .

الحكم بن معبد : حدثني أحمد الدورقي ، قلت لأحمد بن حنبل : ما تقول في هؤلاء الذين يقولون : لفظي بالقرآن مخلوق ؟ فرأيته استوى واجتمع ، وقال : هذا شر من قول الجهمية . من زعم هذا ، فقد زعم أن جبريل تكلم بمخلوق ، وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخلوق .

فقد كان هذا الإمام لا يرى الخوض في هذا البحث خوفا من أن يتذرع به إلى القول بخلق القرآن ، والكف عن هذا أولى . آمنا بالله -تعالى- وبملائكته ، وبكتبه ، ورسله ، وأقداره ، والبعث ، والعرض على الله يوم الدين . ولو بسط هذا السطر ، وحرر وقرر بأدلته لجاء في خمس مجلدات ، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه ، والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين ، ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب القارئ غير الملفوظ ، والقراءة غير الشيء المقروء ، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو ، وصوت القارئ من كسبه فهو يحدث التلفظ والصوت والحركة والنطق ، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة ، ولم يحدث كلمات القرآن ، ولا ترتيبه ، ولا تأليفه ، ولا معانيه .

فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من الطرفين إذ كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم ، ولم يأت به كتاب ولا سنة بل الذي لا نرتاب فيه أن القرآن كلام الله مُنزَلٌ غير مخلوق . والله أعلم .

الحاكم : حدثنا الأصم ، سمعت محمد بن إسحاق الصَّغَاني ، سمعت فوران صاحب أحمد ، يقول : سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن أطلب من أبي عبد الله خلوة ، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحْكِي . فسألته ، فقال : القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله ، فغير مخلوق . فأما أفعالنا فمخلوقة . قلت : فاللفظية تعدهم يا أبا عبد الله في جملة الجهمية ؟ فقال : لا . الجهمية الذين قالوا : القرآن مخلوق .

وبه قال : وسمعت فوران ، يقول : جاءني ابن شداد برقعة فيها مسائل ، وفيها : إن لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فضرب أحمد بن حنبل على هذه ، وكتب : القرآن حيث تُصُرِّف غير مخلوق .

قال صالح بن أحمد : سمعت أبي ، يقول : من زعم أن أسماء الله مخلوقة ، فقد كفر . وقال المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : من تعاطى الكلام لا يفلح ، من تعاطى الكلام ، لم يخل من أن يتجهم .

وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله ، يقول : من أحب الكلام لم يفلح ، لأنه يؤول أمرهم إلى حيرة . عليكم بالسنة والحديث ، له وإياكم والخوض في الجدال والمراء ، أدركنا الناس وما يعرفون هذا الكلام ، عاقبة الكلام لا تؤول إلى خير .

وللإمام أحمد كلام كثير في التحذير من البدع وأهلها ، وأقوال في السنة . ومن نظر في كتاب " السنة " لأبي بكر الخلال رأى فيه علما غزيرا ونقلا كثيرا . وقد أوردت من ذلك جملة في ترجمة أبي عبد الله في " تاريخ الإسلام " ، وفي كتاب " العزة للعلي العظيم " فتَّرني عن إعادته هنا عدم النية . فنسأل الله الهُدَى ، وحسن القصد . وإلى الإمام أحمد المنتهى في معرفة السنة علما وعملا ، وفي معرفة الحديث وفنونه ، ومعرفة الفقه وفروعه . وكان رأسا في الزهد والورع والعبادة والصدق .

قال صالح بن أحمد : قدم المتوكل فنزل الشماسيَّة يريد المدائن ، فقال لي أبي : أحب أن لا تذهب إليهم تنبه علي . فلما كان بعد يوم أنا قاعد ، وكان يوما مطيرا ، فاذا بيحيى بن خاقان قد جاء في موكب عظيم ، والمطر عليه ، فقال لي : سبحان الله لم تصر إلينا حتى تبلغ أمير المؤمنين السلام عن شيخك ، حتى وجه بي ، ثم نزل خارج الزقاق ، فجهدت به أن يدخل على الدابة فلم يفعل ، فجعل يخوض المطر . فلما وصل ، نزع جرموقه ودخل ، وأبي في الزاوية عليه كساء ، فسلم عليه ، وقبل جبهته ، وساءله عن حاله ، وقال : أمير المؤمنين يقرئك السلام ، ويقول : كيف ، أنت في نفسك ، وكيف حالك ؟ وقد أنست بقربك ، ويسألك أن تدعو له . فقال : ما يأتي علي يوم إلا وأنا أدعو الله له . ثم قال : قد وجه معي ألف ، دينار تفرقها على أهل الحاجة . فقال : يا أبا زكريا ، أنا في بيت منقطع ، وقد أعفاني من كل ما أكره ، وهذا مما أكره . فقال : يا أبا عبد الله ، الخلفاء لا يحتملون هذا . فقال : يا أبا زكريا ، تلطف في ذلك . فدعا له ، ثم قام .

فلما صار إلى الدار ، رجع ، وقال : هكذا لو وجَّه إليك بعض إخوانك كنت تفعل ؟ قال : نعم . فلما صرنا إلى الدهليز ، قال : قد أمرني أمير المؤمنين أدفعها اليك تفرقها . فقلت : تكون عندك إلى أن تمضي هذه الأيام .

أحمد بن محمد بن الحسين بن معاوية الرازي : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، سمعت المِسْعَري محمد بن وهب ، قال : كنت مؤدبا للمتوكل ، فلما استُخلف أدناني . وكان يسألني وأجيبه على مذهب الحديث والعلم ، وإنه جلس للخاصة يوما ، ثم قام ، حتى دخل بيتا له من قوارير ، سقفه وحيطانه وأرضه ، وقد أجرِي له الماء فيه ، يتقلب فيه . فمن دخله ، فكأنه في جوف الماء جالس . وجلس عن يمينه الفتح بن خاقان ، وعبيد الله بن يحيى بن خاقان ، وعن يساره بغا الكبير ، ووصيف ، وأنا واقف إذ ضحك ، فأرمَّ القوم ، فقال : ألا تسألوني من ما ضحكت ؟ ! إني ذات يوم واقف على رأس الواثق ، وقد قعد للخاصة ، ثم دخل هنا ، ورُمْتُ الدخول فمنعت ، ووقفت حيث ذاك الخادم واقف ، وعنده ابن أبي دؤاد ، وابن الزيات ، وإسحاق بن إبراهيم . فقال الواثق : لقد فكرت فيما دعوت إليه الناس من أن القرآن مخلوق ، وسرعة إجابة من أجابنا ، وشدة خلاف من خالفنا مع الضرب والسيف ، فوجدت من أجابنا رغب فيما في أيدينا ، ووجدت من خالفنا منعه دين وورع ، فدخل قلبي من ذلك أمر وشك حتى هممت بترك ذلك . فقال ابن أبي دؤاد : الله الله يا أمير المؤمنين ! أن تُميتَ سنة قد أحييتها ، وأن تبطل دينا قد أقمته . ثم أطرقوا . وخاف ابن أبي دؤاد ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ، إن هذا القول الذي تدعو الناس إليه لهو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله ، وبعث به نبيه ، ولكن الناس عموا عن قبوله . قال الواثق : فَبَاهِلوني على ذلك . فقال أحمد : ضربه الله بالفالج إن لم يكن ما يقول حقا . وقال ابن الزيات : وهو فَسَمَّر الله بدنه بمسامير في الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقا بأن القرآن مخلوق . وقال إسحاق بن إبراهيم : وهو فأنتن الله ريحه في الدنيا إن لم يكن ما يقول حقا.

وقال نجاح : وهو فقتله الله في أضيق محبس ، وقال إيتاخ : وهو فغرَّقه الله ، فقال الواثق : وهو فأحرق الله بدنه بالنار إن لم يكن ما يقول حقا من أن القرآن مخلوق ، فأضحك أنه لم يَدْعُ أحد منهم يومئذ إلا استجيب فيه . أما ابن أبي دؤاد ، فقد ضربه الله بالفالج ، وأما ابن الزيات ، فأنا أقعدته في تنور من حديد ، وسمَّرْتُ بدنه بمسامير ، وأما إسحاق ، قأقبل يعرق في مرضه عرقا مُنْتِنا حتى هرب منه الحميم والقريب ، وأما نجاح ، فأنا بنيت عليه بيتا ذراعا في ذراعين حتى مات ، وأما إيتاخ ، فكتبت إلى إسحاق بن إبراهيم ، وقد رجع من الحج فقيَّده وغرَّقه ، وأما الواثق ، فكان يحب الجماع ، فقال : يا مخائيل : ابغني دواء للباه . فقال : يا أمير المؤمنين ، بدنك فلا تَهُدَّه ، لا سيما إذا تكلف الرجل الجماع . فقال : لا بد منه ، وإذا بين فخذيه مع ذلك وصيفة ، فقال : من يصبر عن مثل هذه ؟ قال : فعليك بلحم السبع ، يوخذ رطل فيُغلى سبع غليات بخل خمر عتيق . فإذا . جلست على شُربك ، فخذ منه زنة ثلاثة دارهم ، فإنك تجد بغيتك . فلَها أياما ، وقال : عليّ بلحم سبع الساعة ، فأُخرج له سبع ، فذُبح واستعمله . قال : فسُقي بطنه ، فجُمع له الأطباء ، فأجمعوا على أنه لا دواء له إلا أن يُسجَر له تنور بحطب الزيتون ، حتى يمتلئ جمرا ، ثم يكسح ما فيه ، ويُحشى بالرُّطبة ، ويقعد فيه ثلاث ساعات ، فإن طلب ماء لم يُسقَ ، ثم يخرج فإنه يجد وجعا شديدا ، ولا يعاد إلى التنور إلى بعد ساعتين ، فإنه يجري ذلك الماء ، ويخرج من مخارج البول . وإن هو سُقي أو رُدَّ إلى التنور ، تلف .

قال : فسُجر له تنور ، ثم أُخرج الجمر ، وجعل على ظهرالتنور ، ثم حُشي بالرطبة . فعرِّي الواثق ، وأُجلس فيه . فصاح وقال : أحرقتموني ، اسقوني ماء ، فمنع ، فنتفَّط بدنه كله ، وصار نفاخات كالبطيخ ، ثم أخرج وقد كاد أن يحترق . فأجلسه الأطباء . فلما شَمَّ الهواء اشتد به الألم ، فأقبل يصيح ويخور كالثور ، ويقول : ردُّوني إلى التنور ، واجتمع نساؤه وخواصُّه ، وردوه إلى التنور ، ورَجوا الفرج . فلما حَمِي ، سكن صياحه ، وتفطَّرت تلك النفاخات ، وأُخرج وقد احترق واسودَّ ، وقضى بعد ساعة .

قلت : راويها لا أعرفه .

وعن جرير بن أحمد بن أبي دؤاد ، قال : قال أبي : ما رأيت أحدا أشد قلبا من هذا ، يعني : أحمد ، جعلنا نكلمه ، جعل الخليفة يكلمه ، يسميه مرة ويكنيه مرة ، وهو يقول : يا أمير المؤمنين ، أوجِدْني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أجيبك إليه .

أبو يعقوب القراب : أخبرنا أبو بكر بن أبي الفضل ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرام ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : دخلت أنا والحارث بن مسكين على أحمد حِدثانَ ضَرْبه ، فقال لنا : ضربت فسقطت وسمعت ذاك -يعني: ابن أبي دؤاد- يقول : يا أمير المؤمنين ، هو والله ضال مضل . فقال له الحارث : أخبرني يوسف بن عمر ، عن مالك ، أن الزهري سُعي به حتى ضُرِب بالسياط ، وقيل : عُلِّقتْ كتبه في عنقه . ثم قال مالك : وقد ضُرب سعيد بن المسيب ، وحُلق رأسه ولحيته ، وضُرب أبو الزناد ، وضُرب محمد بن المنكدر وأصحاب له في حمام بالسياط . وما ذكر مالك نفسه ، فأعجب أحمد بقول الحارث . قال مكي بن عبدان : ضرب جعفرُ بن سليمان مالكا تسعين سوطا سنة ( 147 ) .

وروي عن محمد بن أبي سمينة ، عن شاباص التائب ، قال : لقد . ضُرب أحمد بن حنبل ثمانين سوطا ، لو ضربته على فيل ، لهدَّتْه .

البيهقي : أخبرنا الحاكم ، حدثنا حسان بن محمد الفقيه ، سمعت إبراهيم بن أبي طالب ، يقول : دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة . غير مرة ، وذاكرته رجاء أن آخذ عنه حديثا ، إلى أن قلت : يا أبا عبد الله ، حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار فقال : قيل : عن الزهري ، عن أبي سلمة ، فقلت : من عن الزهري ؟ قال : أبو الجهم ، فقلت : من رواه عن أبي الجهم ؟ فسكت ، فلما عاودته فيه ، قال : الله سلِّم .

قال الميموني : قال لي أحمد : يا أبا الحسن ، إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام .

الخلال : حدثنا المروذي ، قال لي أبو عبد الله : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا .

أخبرنا جماعة إجازة ، عن ابن الجوزي ، أخبرنا ابن ناصر ، أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط ، حدثنا ابن أبي الفوارس ، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ، حدثنا المروذي ، قلت لأبي عبد الله : من مات على الإسلام والسنة ، مات على خير ؟ فقال : اسكت ، بل مات على الخير كله .

قال موسى بن هارون البزاز : سئل أحمد : أين نطلب البدلاء ؟ فسكت ثم قال : إن لم يكن من أصحاب الحديث ، فلا أدري .

قال أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ، أخبرنا الفضل بن زياد ، سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : من رد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو على شفا هلكة .

قال أبو مزاحم الخاقاني : قال لي عمي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان : أمر المتوكل بمسألة أحمد عمن يقلد القضاء ، فسألت عمي أن يخرج إلي جوابه ، فوجه الي نسخته :

نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن محمد بن حنبل بعد أن سألته ، فأجابني بما قد كتبته . سألته عن أحمد بن رباح ، فقال فيه : جهمي معروف ، وإنه إن قلد شيئا من أمور المسلمين ، كان فيه ضرر عليهم . وسألته عن الخلنجي فقال فيه : كذلك . وسألته عن شعيب بن سهل ، فقال : جهمي معروف بذلك . وسألته عن عبيد الله بن أحمد ، فقال : كذلك . وسألته عن المعروف بأبي شعيب ، فقال : كذلك . وسألته عن محمد بن منصور قاضي الأهواز ، فقال : كان مع ابن أبي دؤاد ، وفي ناحيته وأعماله ، إلا أنه كان من أمثلهم . وسألته عن علي بن الجعد ، فقال : كان معروفا بالتجهم ، ثم بلغني أنه رجع . وسألته عن الفتح بن سهل ، فقال : جهمي من أصحاب المريسي . وسألته عن الثلجي ، فقال : مبتدع صاحب هوى . وسألته عن إبراهيم بن عتاب ، فقال : لا أعرفه إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي . وفي الجملة أن أهل البدع والأهواء ، لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين مع ما عليه رأي أمير المومنين ، أطال الله بقاءه ، من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع . يقول أحمد بن محمد بن حنبل : قد سألني عبد الرحمن بن يحيى عن جميع من في هذا الكتاب ، وأجبته بما كتب ، وكنت عليل العين ضعيفا في بدني ، فلم أقدر أن أكتب بخطي ، فوقع هذا التوقيع في أسفل القرطاس عبد الله ابني بأمري ، وبين يدي .

ومن سيرته :

قال عبد الملك الميموني : ما رأيت عمامة أبي عبد الله قط إلا تحت ذقنه ، ورأيته يكره غير ذلك .

أبو مسلم محمد بن إسماعيل : حدثنا صالح بن أحمد ، قال : مضيت مع أبي يوم جمعة إلى الجامع ، فوافقنا الناس قد انصرفوا . فدخل إلى المسجد ، وكان معنا إبراهيم بن هانئ ، فتقدم أبي فصلى بنا الظهر أربعا .

وقال : قد فعله ابن مسعود بعلقمة والأسود . وكان أبي إذا دخل مقبرة ، خلع نعليه ، وأمسكهما بيده .

قال يحيى بن منده في " مناقب أحمد " : أخبرنا البيهقي ، أخبرنا الحاكم ، سمعت يحيى بن منصور ، سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود ، سمعت محمد بن سهل بن عسكر ، يقول : كنت عند أحمد بن حنبل ، فدخل محمد بن يحيى ، فقام إليه أحمد ، وتعجب منه الناس ، ثم قال لبنيه وأصحابه : اذهبوا إلى أبي عبد الله ، فاكتبوا عنه .

إبراهيم بن محمد بن سفيان : سمعت عاصم بن عصام البيهقي ، يقول : بت ليلة عند أحمد بن حنبل ، فجاء بماء فوضعه ، فلما أصبح نظر إلى الماء . بحاله ، فقال : سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل .

قال محمد بن إسماعيل الترمذي : كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أحمد بن حنبل ، فقال له أحمد : يا أبا عبد الله ، ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث ، فقال : أصحاب الحديث قوم سوء ، فقام أبو عبد الله ينفض ثوبه ، ويقول : زنديق زنديق ، ودخل البيت .

الطبراني : أنشدنا محمد بن موسى بن حماد لمحمد بن عبد الله بن طاهر : أضحـى ابـن حنبل محنة مرضية

وبحـب أحمـد يعـرف المُتَنسِّــك وإذا رأيــت لأحـمـد متنقصــا

فـاعلـم بـأن سُـتـوره ستُهتـك

قال عثمان بن سعيد الدارمي : رأيت أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهية الاكتناء بأبي القاسم . أحمد بن مروان الدينوري : حدثنا إدريس الحداد ، قال : كان أحمد بن حنبل إذا ضاق به الأمر آجر نفسه من الحاكة ، فسوى لهم ، فلما كان أيام المحنة ، وصرف إلى بيته ، حمل إليه مال ، فرده وهو محتاج إلى رغيف ، فجعل عمه إسحاق يحسب ما يرد ، فإذا هو نحو خمس مائة ألف . قال : فقال : يا عم ، لو طلبناه لم يأتنا ، وإنما أتانا لما تركناه .

البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ ، حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد البلدي ، سمعت جعفر بن محمد الطيالسي ، يقول : صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام قاص ، فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال ، رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من قال : لا إله إلا الله ، خلق الله من كل كلمة طيرا ، منقاره من ذهب ، وريشه من مرجان وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة وجعل أحمد ينظر إلى يحيى ، ويحيى ينظر إلى أحمد ، فقال : أنت ، حدثته بهذا ؟ فيقول : والله ما سمعت به إلا الساعة . فسكتا حتى فرغ ، وأخذ قطاعه ، فقال له يحيى بيده : أن تعال . فجاء مُتوهِّما لنوال . فقال : من حدثك بهذا ؟ فقال : أحمد وابن معين . فقال : أنا يحيى ، وهذا أحمد ، ما

سمعنا بهذا قط . فإن كان ولا بد والكذب ، فعلى غيرنا . فقال : أنت يحيى بن معين ؟ قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ، ما علمت إلا الساعة . كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل غيركما ! ! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين غيركما . فوضع أحمد كمه على وجهه ، وقال : دعه يقوم ، فقام كالمستهزئ بهما .

هذه الحكاية اشتهرت على ألسنة الجماعة ، وهي باطلة . أظن البلدي وضعها ، ويعرف بالمعصوب . رواها عنه أيضا أبو حاتم بن حبان فارتفعت عنه الجهالة .

ذكر المروذي عن أحمد ، أنه بقي بسامراء ثمانية أيام ، لم يشرب إلا أقل من ربع سويق .

أحمد بن بندار الشعار : حدثنا أبو يحيى بن الرازي ، سمعت علي بن سعيد الرازي ، قال : صرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل ، فلما أدخلوه من باب الخاصة ، قال : انصرفوا ، عافاكم الله . فما مرض منا أحد بعد ذلك اليوم .

الكديمي : حدثنا علي بن المديني ، قال لي أحمد بن حنبل : إني لأشتهي أن أصحبك إلى مكة . وما يمنعني إلا خوف أن أملك أو تملني . فلما ودعته ، قلت : أوصني ، قال : اجعل التقوى زادك ، وانصب الآخرة أمامك .

قال أبو حاتم : أول ما لقيت أحمد سنة ثلاث عشرة ومائتين ، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة " كتاب الأشربة " و " كتاب الإيمان " فصلى ، ولم يسأله أحد ، فرده إلى بيته . وأتيته يوما آخر ، فإذا قد أخرج الكتابين ، فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك؛ لأن كتاب الإيمان أصل الدين ، وكتاب الأشربة صرف الناس عن الشر؛ فإن كل الشر من السُّكْر .

وقال صالح : أهدى إلى أبي رجل ولد له مولود خوان فالوذج ، فكافأه بسكر بدراهم صالحة .

وقال ابن وارة : أتيت أحمد ، فأخرج إلي قدحا فيه سويق ، وقال : اشربه .

أنبأونا عن محمد بن إسماعيل ، عن يحيى بن منده الحافظ أخبرنا أبو الوليد الدربندي سنة أربعين وأربع مائة ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الأسود بدمشق ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جمفر النهاوندي ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زوران لفظا ، حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخري قال : قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : هذا مذاهب أهل العلم والأثر ، فمن خالف شيئا من ذلك أو عاب قائلها ، فهو مبتدع . وكان قولهم : إن الإيمان قول وعمل ونية ، وتمسك بالسنة ، والإيمان يزيد وينقص ، ومن زعم أن الإيمان قول ، والأعمال شرائع ، فهو جهمي ، ومن لم ير الاستثناء في الإيمان ، فهو مرجئ ، والزنى والسرقة وقتل النفس ، والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد على الله حجة . إلى أن قال : والجنة والنار خلقتا ، ثم خلق الخلق لهما لا تفنيان ، ولا يفنى ما فيهما أبدا . إلى أن قال : والله تعالى على العرش ، والكرسي موضع قدميه . إلى أن قال : وللعرش حملة . ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله ، فهو جهمي . ومن لم يكفره ، فهو مثله . وكلم الله موسى تكليما من فيه . إلى أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر ، والأشياء التي -والله- ما قالها الإمام . فقاتل الله واضعها . ومن أسمج ما فيها قوله : ومن زعم أنه لا يرى التقليد ، ولا يقلد دينه أحدا ، فهذا قول فاسق عدو لله . فانظر إلى جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة ، ويسكتون عنها .

الدارقطني : حدثنا جعفر الخلدي أخبرنا العباس بن يوسف ، حدثني عمي محمد بن إسماعيل بن العلاء ، حدثني أبي ، قال : دعاني رزق الله بن الكلوذاني ، فقدم إلينا طعاما كثيرا ، وفينا أحمد ، وابن معين ، وأبو خيثمة ، فقدمت لوزينج أنفق عليها ثمانين درهما . فقال أبو خيثمة : هذا إسراف . فقال أحمد بن حنبل : لو أن الدنيا في مقدار لقمة ، ثم أخذها مسلم ، فوضعها في فم أخيه لما كان مسرفا . فقال له يحيى : صدقت . وهذه حكاية منكرة .

قال حنبل بن إسحاق : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى عن النبي : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا فقال : نؤمن بها ، ونصدق بها ، ولا نَرُّد شيئا منها ، إذا كانت أسانيد صحاحا ، ولا نرد على رسول الله ، قوله ، ونعلم أن ما جاء به حق .

الخلال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : رأيت كثيرا من العلماء والفقهاء والمحدثين ، وبني هل شم وقريش والأنصار ، يقبلون أبي ، بعضهم يده ، وبعضهم رأسه ، ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من الفقهاء غيره . ولم أره يشتهي ذلك . ورأيت الهيثم بن خارجة ، والقواريري ، وأبا معمر ، وعلي بن المديني ، وبشارا الخفاف ، وعبد الله بن عون الخراز وابن أبي الشوارب ، وإبراهيم الهروي ، ومحمد بن بكار ، يحيى بن أيوب ، وسريج بن يونس ، وأبا خيثمة ، ويحيى بن معين ، وابن أبي شيبة ، وعبد الأعلى النرسي ، وخلف بن هشام ، وجماعة لا أحصيهم ، يعظمونه ويوقرونه .

الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت عبد الوهاب الوراق ، يقول : أبو عبد الله إمامنا ، وهو من الراسخين في العلم ، إذا وقفت غدا بين يدي الله ، فسألني بمن اقتديت ، أي شيء أقول ؟ وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام ؟ !

وعن أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن الصيرفي ، قال : نظرت فرأيت أن أحمد أفضل من سفيان ، ثم قال : أحمد لم يُخلِّف شيئا ، وكان يُقدِّم عثمان ، وكان لا يشرب .

قال صالح بن علي الحلبي : سمعت أبا همام يقول : ما رأى أحمد مثل نفسه .

قال الخلال : بُلينا بقوم جهال ، يظنون أنهم علماء . فإذا ذكرنا فضائل أبي عبد الله ، يُخرجهم الحسد ، إلى أن قال بعضهم فيما أخبرني ثقة عنه : أحمد بن حنبل نبيهم .

قال الخلال : حدثنا سليمان بن الأشعث ، قال : رأيت في المنام سنة ثمان وعشرين ومائتين ، كأني في مسجد الجامع ، فأقبل رجل شبه الخَصِي من ناحية المقصورة ، وهو يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اقتدوا باللذين من بعدي ، أحمد بن حنبل وفلان .

قال أبو داود : لا أحفظ اسمه ، فجعلت أقول في نفسي : هذا حديث غريب . ففسرته على رجل ، فقال : الخصي في المنام ملك .

قال الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت أبا عبد الله ، يقول : الخوف منعني أكل الطعام والشراب ، فما اشتهيته ، وما أبالي أن لا يراني أحد ولا أراه ، وأني لأشتهي أن أرى عبد الوهاب . قل لعبد الوهاب : أخمل ذكرك ؛ فإني قد بُليت بالشهرة .

الخلال : أخبرنا أحمد بن محمد بن يزيد الوراق ، سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : ما شبَّهْتُ الشباب إلا بشيء كان في كُمّي فسقط .

قال إسحاق بن هانئ : مات أبو عبد الله ، وما خلَّف إلا ست قطع في خرقة قدر دانقين .

قال المروذي : قال أحمد : كنت أبكِّر في الحديث لم يكن لي فيه تلك النية في بعض ما كنت فيه .

وقال عبد الله : سمعت أبي يقول : ربما أردت البكور في الحديث ، فتأخذ أمي بثوبي ، وتقول : حتى يؤذن المؤذن . وكنت ربما بكرت إلى مجلس أبي بكر بن عياش .

وقال عباس الدوري : سمعت أحمد يقول : أول ما طلبت اختلفت إلى أبي يوسف القاضي .

قال عبد الله : كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد الكتب ، وكان يحفظها ، فقال لي مُهَنَّى : كنت أسأله فيقول : ليس ذا في كتبهم ، فارجع إليهم ، فيقولون : صاحبك أعلم منا بالكتب .

المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : ما خرجت إلى الشام إلا بعدما وُلد لي صالح ، أظن كان ابن ست سنين حين خرجت . قلت : ما أظن خرجت بعدها ؟ قال : لا . قلت : فكم أقمت باليمن ؟ قال : ذهابي ومجيئي عشرة أشهر خرجنا من مكة في صفر ، ووافينا الموسم ، قلت : كتبت عن هشام بن يوسف ؟ قال : لا . مات قبلنا .

عبد الله بن أحمد : حدثني أبي ، حدثنا يزيد بن مسلم الهمداني ، أنه ابن خمس وثلاثين ومائة سنة : قدم محمد بن يوسف أخو الحجاج ، وأنا ابن خمس سنين في سنة ثلاث وسبعين .

قال المروذي : قال أبو عبد الله : فأتينا شيخنا خارجا من صنعاء ، كان عنده . عن وهب بن منبه ، كان يقال : له أربعون ومائة سنة .

قال عبد الله : سمعت أبي يقول : رأيت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن ، وكان رجلا صالحا .

وسمعت أبي يقول : حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون ، وما لقيت في المحدثين أسنَّ منه .

وعن أبي عبد الله ، قال : أتيت يوسف بن الماجشون ، وكان عنده قريب من مائتي حديث ، ولم أرَ معنا القزَّاز .

المروذي : سمعت أبا عبد الله ، يقول : ما كتبت عن أحد أكثر من وكيع ، وسمعت من عبد السلام بن حرب ثلاثين حديثا .

قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن أبي صيفي يحدث عن مجاهد ، قال : قد كتبنا عنه ، عن مجاهد ، وعن المقبري ، وعن الحكم : ليس بشيء . ولم أسمع من عيسى بن يونس ، ورأيت سليمان المقرئ بالكوفة ، وغلام يقرأ عليه بالتحقيق والهمز .

وعن أبي عبد الله قال : كان إسماعيل بن مجالد هنا أدركته ، ولم أسمع منه ، ورأيت الأشجعي . وأتيت خلف بن خليفة ، فتكلم فلم أفهم عنه . كان يرعد من الكبر .

وكتبت عن أبي نُعيم في سنة خمس وثمانين .

وكتبت عن ابن مهدي نحو عشرة آلاف .

وكتبنا حديث غندر على الوجه ، وأعطانا الكتب ، فكنا ننسخ منها .

قال عبد الله : سمعت أبي ، يقول : سمعت من عباد بن عباد سنة ثمانين ومائة ، ومن الطفاوي سنة إحدى .

وعن أحمد ، قال : كتبت عن مبشر الحلبي خمسة أحاديث بمسجد حلب ، كنا خرجنا إلى طرسوس على أرجلنا .

وقال : قد أكثرت عن عمر بن هارون ، ولا أروي عنه شيئا .

عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي : سمعت إسحاق بن راهويه يذكر عن عيسى بن يونس .

الخلال : أخبرنا عصمة ، حدثنا حنبل ، سمعت أحمد ، يقول : سمعت من إبراهيم بن سعد سنة ثنتين وثمانين .

وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : شهدت إبراهيم بن سعد وجاءه رجل من مدينة أبي جعفر ، فقال : يا أبا إسحاق حدثني . فقال : كيف أحدثك وهذا هاهنا ؟ -يعنيني- فاستحييت فقمت .

وسمعت أبي ، يقول : حدثتنا أم عمر ابنة حسان ، عن أبيها ، قال : دخلت المسجد ، فإذا علي بن أبي طالب على المنبر ، وهو يقول : إنما مثلي ومثل عثمان كما قال الله : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ .

الخلال : أخبرنا أبو بكر بن صدقة ، سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي ، قال : أتيت أحمد بن حنبل أنا وعبد الله بن سعيد الجمال ، وذاك في آخر سنة مائتين . فقال أبو عبد الله للجمال : يا أبا محمد ، إن أقواما يسألوني أن أحدث ، فهل ترى ذاك ؟ فسكت . فقلت : أنا أجيبك . قال : تكلم . قلت : أرى لك إن كنت تشتهي أن تحدث ، فلا تحدث ، وإن كنت تشتهي أن لا تحدث فحدث . فكأنه استحسنه .

عبد الله بن أحمد : سمعت نوح بن حبيب القومسي ، يقول : رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين ، وابن عيينة حي ، وهو . يفتي فتوى واسعة ، فسلمت عليه .

قال عبد الله : سمعت أبي سنة (237) يقول : قد استخرت الله أن لا أحدث حديثا على تمامه أبدا . ثم قال : إن الله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وإني أعاهد الله أن لا أحدث بحديث على تمامه أبدا . ثم قال : ولا لك ، وإن كنت تشتهي . فقلت له بعد ذلك بأشهر : أليس يروى عن شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال : " العهد يمين " ؟ قال : نعم . ثم سكت ، فظننت ، أنه سيكفر . فلما كان بعد أيام قلت له في ذلك ، فلم ينشط للكفارة ، ثم لم أسمعه يحدث بحديث على تمامه .

قال المروذي : سمعت أبا عبد الله في العسكر ، يقول لولده : قال ، الله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أتدرون ما العقود ؟ إنما هو العهود ، وإني أعاهد الله -جل وعز- ثم قال : والله ، والله ، والله ، وعلي عهد الله وميثاقه أن لا حدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثا تاما ، حتى ألقى الله ، ثم التفت إلى ولده ، وقال : وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي ، ثم بلغه عن رجل من الدولة وهو ابن أكثم ، أنه قال : قد أردت أن : يأمره الخليفة أن يكفر عن يمينه ، ويحدث . فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل . من قبل صاحب الكلام : لو ضربت ظهري بالسياط ، ما حدثت .

ومن تواضعه :

الخلال : حدثنا محمد بن المنذر ، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي ، قال : رأيت أبا عبد الله يشتري الخبز من السوق ، ويحمله في الزنبيل ، ورأيته يشتري الباقلاء غير مرة ، ويجعله في خرقة ، فيحمله آخذا بيد عبد الله ابنه .

الخلال : أخبرنا المروذي ، سمعت أبا عبد الله ، يقول : أراد ذاك الذي بخراسان ومات بالثغر ، أن يحدث هاهنا بشيء ، وكان يزيد بن هارون حيا فكتب إليه : إن يزيد حي ، وإن قال : لا ، فهو لا إلى يوم القيامة ، فلم يظهر شيئا حتى مات يزيد.

الميموني : قال لي أبو عبيد : يا أبا الحسن ، قد جالست أبا يوسف ومحمدا ، وأحسبه ذكر يحيى بن سعيد ، ما هبت أحدا ما هبت أحمد بن حنبل.

من جهاده.

قال عبد الله بن محمود بن الفرج : سمعت عبد الله بن أحمد ، يقول : خرج أبي إلى طرسوس ، ورابط بها وغزا . ثم قال أبي : رأيت العلم بها يموت .

وعن أحمد ، أنه قال لرجل : عليك بالثغر ، عليك بقزوين ، وكانت ثغرا