عبد الرحمن بن أبى بكر
(…ـ 53 هـ/… ـ 673م)
أبو عبد الله عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قُحَافة التيمي القرشي، كان اسمه عبد الكعبة فسماه رسول اللهr عبد الرحمن، وقيل كان اسمه عبد العزى، وأمه أم رومان، وهو شقيق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
شهد بدراً وأحداً مع مشركي قريش، ودعا إلى المبارزة، فقام إليه أبو بكر ـ والده ـ ليبارزه، فحال من دون ذلك رسول اللهr وقال: «متعني بنفسك»، وكان أسن ولد أبي بكر.
أسلم أيام هدنة الحُديبيَّة، وحسن إسلامه، وقيل إنه خرج قبل الفتح في فتية من قريش منهم معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة فأسلموا، فالإسلام متتابع في هذه الأسرة، ولايعرف في الصحابة أربعة ولاءٌ (متتابعون): أب وبنوه بعده، كل منهم ابن الذي قبله أسلموا وصحبوا النبيr إلا أبو قحافة، وابنه أبو بكر الصديق وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتيق.
اتصف بالصفات الحسنة، وتحلى بالأخلاق الكريمة، و جمع إلى شرف المحتد كريمَ الأخلاق والهمة العالية فكان شجاعاً رامياً حسن الرمي، لم يوقف له على كذبة قط، وكان فيه دعابة.
روى عن النبيr، وروى عنه أبوعثمان النهدي، وعمرو بن أوس، والقاسم بن محمد، وموسى بن وردان، وميمون بن مهران، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم، وقد استدعاه رسول اللهr ليكون شاهداً على كتاب يكتبه في آخر حياته، جاء في مسند أحمد: «قالت عائشة: قال لي رسول اللهr في مرضه الذي مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتاباً لايختلف عليه أحد بعدي، ثم قال: دعيه: معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر» فهذه ثقة كبيرة بعبد الرحمن.
شهد اليمامة مع خالد بن الوليد، فقتل سبعة من كبار المرتدين وقادتهم، وهو الذي قتل مُحكََّم اليمامة بن طُفيل، رماه بسهم في نحره فقتله، فقد كان مُحَكّم اليمامة في ثُلْمة في الحصن، فلمّا قُتل فُتحت أمام المسلمين ودخلوا منها.
كان له ترحال في البلاد، وتجارة، ومعارف، وعلاقات إنسانية، وشعر رقيق،من أخباره أنه قدم الشام في تجارة، فرأى هناك امرأة يقال لها: ليلى بنت الجوديّ الغسانية، وكان أبوها أمير دمشق قبل الإسلام فأحبها وقال فيها:
تذكرت ليلى والسَّمَاوَةُ دونها
فما لابنة الجودِيِّ ليلى وماليا
وأنّى تُعاطِى قلبَه حارثيَّةً
تُدَمِّن بصرى أو تَحُلُّ الجوابيا
وأنَّى تُلاقيها ؟ بلى ! ولعلها
إنِ الناسُ حَجُّوا قابلاً أن توافيا
فلما فتح المسلمون بلاد الشام، زوَّجه إياها صاحب الجيش بأمر عمر بن الخطابt، فآثرها على نسائه، حتى شكينه إلى عائشة، فعاتبته على ذلك، ثم إنه جفاها حتى شكته إلى عائشة فأمرته بإنصافها.
شهد وقعة الجمل مع أخته عائشة، وكانت له مشاركة فاعلة في الحياة السياسية. فلمّا أراد معاوية أن يأخذ البيعة لابنه يزيد، وكتب إلى مروان بن الحكم بذلك، أبى عبد الرحمن وقال: «جئتم بها هِرَقليَّة أتبايعون لأبنائكم؟!» فقال مروان: «يا أيها الناس، هذا الذي يقول الله تعالى:]وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لكما…[(الأحقاف17)، فغضبت عائشة وأنكرت ذلك وقالت: «والله ما هو به». فبعث معاوية له بمئة ألف درهم، بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية فردها وأبى أن يأخذها.
خرج إلى مكة فمات قبل أن يصل إليها بقليل، وكان موته فجأة من نومة نامها بمكان اسمه حُبْشي، وحُمل إلى مكة فدفن بها، ولما وصل الخبر إلى أخته عائشة، ظعنت إلى مكة حاجة، فوقفت على قبره فبكت عليه ورثته، كان موته سنة ثلاث وخمسين وقيل خمس وخمسين، وقيل ست وخمسين، والأول أرجح.