الخميس، 19 يناير 2012

الصحابة : عبد الله بن مسعود

الصحابة
عبد الله بن مسعود
عبد الله بن مسعود

(…ـ ق هـ ـ 32 هـ/… ـ 652م)

الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهُذَلي، كناه النبيr بأبي عبد الرحمن، وهو من حلفاء بني زهرة، كان أبوه في الجاهلية قد حالف عبد الله بن الحارث بن زهرة، أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سواء الهُذَلية، أسلمت قديماً. كان ابن مسعود من السابقين الأولين، وهو سادس من أسلم من المسلمين، وسبب إسلامه ما رواه بنفسه قال: (كنت أرعى غنماً لعُقْبة بن أبي مُعَيط فمرَّ بي رسول اللهr فقال لي: «يا غلام هل من لبن؟، فقلت: نعم، ولكنني مؤتمن قال: فهل من شاة حائل؟ ـ أي صغيرة لم تحمل ـ، فأتيته بشاة فمسح ضرعها، فنزل لبن فحلبه في إناء وشرب، وسقى أبا بكر، قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، فمسح رأسي وقال: يرحمك الله، فإنك عليم مُعلَّم»). آخى النبيr قبل الهجرة بينه وبين الزبير بن العوام، وبعد الهجرة بينه وبين سعد بن معاذ رضي الله عنهم أجمعين. هاجر الهجرتين ـ إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة ـ. وكان أول من جهر بالقرآن الكريم بمكة. أحبه النبيr فضمه إليه، فصار يخدم رسول اللهr، فكان يَلِجُ عليه، ويلبسه نعليه، ويمشي أمامه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام. أسهم في قتل أبي جهل يوم بدر، وكان من الأربعة الذين ثبتوا مع النبيr يوم أحد.
كانt لطيفاً فطناً، جواداً، طيب الرائحة، حسن الثوب، يلبس الثياب البيض. وكان أسمر اللون، صغير الجسم، قصيراً نحيفاً، يكاد طِوال الرجال يوازونه جلوساً وهو قائم. توفيt في المدينة على الراجح، سنة اثنتين وثلاثين للهجرة. ودفن بالبقيع وصلّى عليه عثمان، وقيل بل صلّى عليه الزبير، ودفنه ليلاً عملاً بوصيته له، وكان يوم توفي ابن بضع وستين سنة.
كان عبد الله بن مسعود من أذكياء العلماء، فقد تميز بعلم واسع في القرآن الكريم، واشتهر بذلك حتى شهد له رسول اللهr، فقال: «من سرّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد». وقد طلب منه النبيr أن يقرأ عليه القرآن، فكان عبد الله يقرأ والنبي يستمع إلى قراءته. وسئل عليt عن قوم من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود، فقال: «أما ابن مسعود فقرأ القرآن وعلم السنة وكفى بذلك».
قال شقيق ـ أحد خواص ابن مسعود ـ: قال ابن مسعودt: «والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل أعلم بكتاب الله منى لأتيته، ثم استحيا مما قال ـ أي مخافة العجب ـ، فقال: «وما أنا بخيركم». قال شقيق فقعدت في الحِلَق فيها أصحاب رسول اللهr فما سمعت أحداً أنكر ذلك عليه، ولا ردّ ما قال. وهذه شهادة من الصحابة لابن مسعود، ويرجع السبب في تفوقه في القرآن إلى ملازمته النبيr.
وقال التابعي الجليل مسروق شاممت أصحاب محمدr فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر، منهم عمر وعلي وعبد الله وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وزيد بن ثابت، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين علي وعبد الله.
اتفق البخاري ومسلم على رواية أربعة وستين حديثاً له في الصحيحين، وانفرد البخاري بإخراج واحد وعشرين حديثاً، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثاً.
أسند الخلفاء إلى ابن مسعود أعمالاً مهمة، فقد بعثه عمر بن الخطابt إلى الكوفة مع عمار بن ياسر، وكتب إليهم «إني قد بعثت إليكم بعمار بن ياسر أميراً وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول اللهr من أهل بدر فاقتدوا بهما، واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي». فقام ابن مسعود فيها بالقضاء ونشر العلم، حتى اصطبغ فقه أهل العراق بفقهه، ولما توفي عمر بن الخطاب ترك ابن مسعود عطاءه من بيت المال.
كما أمَّره عثمان بن عفانt في خلافته على الكوفة مدة، ثم عزله، فطلب أهل الكوفة من ابن مسعود ألا يستجيب لأمره فلم يوافقهم، وكان ابن مسعود ينتقد عثمان بأن حوله بطانة السوء. وولاّه أبوعبيدة بن الجراح أمر الغنائم في معركة اليرموك.
وقبل وفاة ابن مسعود أوصى بأهل بيته إلى الزبير بن العوام، فبعدما توفي جاء الزبير إلى عثمان رضي الله عنهم فطلب أن يرد عطاء ابن مسعود الذي أوقفه بنفسه حين توفي عمر قائلاً: «فعيال عبد الله أحق به من بيت المال»، فأعطاه عثمان خمسة عشر ألف دينار.