الخميس، 19 يناير 2012

الصحابة : أسامة بن زيد


أسامة بن زيد

(7 قبل هـ - 54هـ/ 615 - 674م)

هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحِيْل بن عبد العُزَّي بن امرئ القيس، من قبيلة كلب، صحابي جليل ومولى رسول اللّه r وابن مولاه زيد بن حارثة. أمه أم أيمن، واسمها بركة مولاة الرسول وحاضنته. ولد بمكة ونشأ فيها حتى أدرك، ولم يعرف إلا الإسلام ديناً. هاجر مع أبيه إلى المدينة. وزوَّجه الرسول وهو ابن خمس عشرة سنة امرأة من طيء ففارقها، فزوجه أخرى، فلم يطل به المقام معها، ثم زوجه فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس الفهري. وكان رسول اللّه r يقول: «أنكحوا أسامة فإنه عربي صليب».
وكان أسامة شديد السواد، أفطس، خفيف الروح، ذكياً، شجاعاً، ربَّاه الرسول وأحبه، فكان أحب الناس إليه بعد ابنته فاطمة، ونظراً لمحبة الرسول الكريم لزيد بن حارثة وابنه أسامة، فإن عمر بن الخطاب، عندما فرض العطاء ، فرض لأسامة في ثلاثة آلاف وخمس مئة وقيل أربعة آلاف درهم، ولابنه عبد اللّه في ثلاثة آلاف، فقال له عبد الله: «لم فضلته علي، فواللَّه ما سبقني إلى مشهد»، قال:«لأن أباه كان أحب إلى رسول اللّه من أبيك وهو أَحب إلى رسول اللّه منك، فآثرت حب رسول اللّه على حبي». وكان عمر يقول: «ما كنت لأُحيِّي أحداً بالإمارة غير أسامة لأن رسول اللّه قُبِض وهو أمير».
حاول أسامة أن يشارك في الجهاد في سن مبكرة، ولكن الرسول لم يسمح له بالاشتراك في غزوة أحد (3هـ) لصغر سنه، غير أن هذا لم يمنع أسامة، كما يبدو، من مرافقة الرسول في بعض غزواته، كما حدث في غزوة المريسيع (5هـ). وبلغ من تقدير الرسول لأسامة أنه لم يستشر بصدد حديث الإفك إلا علياً وأسامة، فكان قول أسامة «يا رسول اللّه، هذا الباطل والكذب، ولا نعلم إلا خيراً». وعندما حكم سعد بن معاذ بقتل مقاتلة بني قريظة وسبي النساء والذرية وتقسيم الأموال، سيق السبي إلى دار أسامة، والنساء إلى دار ابنة الحارث، امرأة من بني النجار. وبعد غزوة خيبر (صفر 7هـ) أطعم رسول اللّه r أسامة من الكتيبة وهي خُمس رسول اللّه من غنائم خيبر.
أول ما جُرِّب أسامة في القتال كان في سرية أرسلها رسول اللّه r بقيادة غالب بن عبد اللّه الكلبي إلى أرض بني مُرَّة، فظهر منه بأس وشجاعة، واشترك مع أبيه في غزوة مؤتة (8هـ). وعن ابن عمر أن رسول اللّه أقبل يوم الفتح على بعير لأسامة بن زيد وأسامة رديف رسول اللّه. وكان أسامة ممن ثبت مع الرسول في غزوة حنين. وفي المحرم سنة 11هـ، ضرب الرسول بعثاً إلى الشام ، وأمَّرَ عليهم أسامة وأمَرَهُ أن يوطئ الخيل تخوم  البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فتجهز الناس، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون. وعن ابن عباس أن بعث أسامة لم يستتب لمرض رسول اللَّه، وخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر الناس في تأمير أسامة حتى بلغ الرسول ذلك، فخرج على مرضه فقال: «... وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمارة أسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً بالإمارة وإنه لخليق لها، فانفذوا بعث أسامة». فتوجه أسامة إلى الجُرف، فأرسلت إليه زوجته فاطمة بنت قيس ألا يبرح لازدياد حدة مرض الرسول، فلما قُبِض الرسول الكريم عاد أسامة إلى المدينة، وكلم الناسُ أبا بكر طالبين منه ألا يفرق عنه جماعة المسلمين لارتداد العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، فرفض وأمر أن لا يبقى أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجُرف، وسأل أسامة أن يأذن له بعمر بن الخطاب فأذن له، وطلب منه أن يُنفِّذ ما أمره به الرسول الكريم، فمضى أسامة مُغِذاً على ذي المَرْوَة والوادي، وانتهى إلى ما أمره به النبي r فَسَلِمَ وغَنِمَ، وكان فراغه في أربعين يوماً سوى مقامه ومنقلبه راجعاً، ويقال مدة سبعين، فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة حتى يرتاح الجند وتوجه إلى محاربة بني عبس وذبيان وجماعة من بني عبد مناة بالأبرق، فلما جَمَّ جند أسامة، وعاد أبو بكر، توجه إلى ذي القَصَّة وعقد أحد عشر لواءً على أحد عشر جنداً ووجههم لقتال المرتدين.
لا يذكر لأسامة بعد ذلك نشاط، في الحياة السياسية أو الإدارية، سوى ما يذكره الطبري من أن عثمان بن عفان أرسل رجالاً ممن يثق بهم إلى الأمصار، عندما بدأت الأوضاع تضطرب فيها، فأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، ولما قُتل عثمان وبايع الناس علياً بالمدينة كان أسامة بن زيد ضمن بعض الصحابة الذين لم يبايعوه، كما أنه لم يدخل فيما دخل فيه الناس، لأنه قد آلى على نفسه ألا يقاتل أحداً يقول «لا إله إلا اللهَّ». وفي خلافة معاوية قدم أسامة الشام واختار المِزَّة واقتطع فيها هو وعشيرته، ثم خرج إلى ضيعة له في وادي القرى، وتوفي بالجُرف في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان، وعن ابن شهاب أن أسامة بن زيد حُمِل من الجُرف إلى المدينة.
روى أسامة عن الرسول r، وروى عن أسامة أبو هريرة، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وابناه الحسن ومحمد، وجماعة من التابعين.