الخميس، 19 يناير 2012

الصحابة : عثمان بن عفان


عثمان بن عفان رضى الله عنه

(47 ق.هـ ـ 35هـ/577 ـ 656م)
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، يلتقي نسبه بالنبيr من جهة أبيه وأمه. ثالث الخلفاء الراشدين.
أمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت مع أمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمَّة رسول الله.
وُلِدَ عثمانt بعد حادثة الفيل بست سنين.
لقب بذي النورين، كان يُكنى في الجاهلية بأبي عمرو، ولما وُلِدَ له من رقية
عبدُ الله صار يُكنى بأبي عبد الله.
كان كريم الأخلاق حليماً لين العريكة، كثير الحياء، كثير العطاء، شهد له بذلك رسول الله، وكبار أصحابه.
يقول خادمه: كان لا يوقظ أحداً من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه، إلا أن يجده يقظاناً، وكان يُعاتب فيُقال له: لو أيقظت بعض الخدم؟ فيقول:لا، الليل لهم يستريحون فيه.
حج مع رسول اللهr حجة الوداع، وعشر حجج بعد خلافته، وكان يصوم الدهر عدا يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق الثلاثة. وهو أفضل من قرأ القرآن على النبيr، كما يقول الحافظ الذهبي. بُشّر بالجنة، كما بُشّر بالشهادة، وأن بلوى تصيبه.
جهَّز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها (ما يوضع على ظهر الرحل) في سبيل الله، ونثر بين يدي النبيr ألف دينار فقال له: «اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه، ما ضرّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم» مرتين.
واشترى بئر رومة من يهودي احتكر ماءها، فجعلها وقفاً على المسلمين، وكان يعتق كل أسبوع رقيقاً.
كان أحد السابقين الأولين، ولازَم رسول اللهr في معظم أحواله في السلم والحرب واحداً من أكثر أصحابه أدباً وحباً وولاءً ومؤازرةً.
هاجر إلى الحبشة والمدينة وشهد أحداً والخندق والحديبية، وبايع النبيr بيعة الرضوان، وشهد خيبر، وعُمْرَةَ القضاء وحضر فتح مكة وهَوازن والطائف وغزوة تبوك، ولم يتخلف عن بدر إلا بأمر النبيr لتمريض زوجته السيدة رقية، التي توفيت يوم جاء البشير بنصر المؤمنين في بدر.
اتخذه أبو بكر الصِّدِّيقt في خلافته أميناً وكاتباً ومستشاراً، وكذلك فعل عمرt، ثم عيَّنه أحد أعضاء الشورى لانتخاب الخليفة من بعده.
روى عن رسول اللهr مئة وستة وأربعين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة.
جعل عمر الأمر بعده شورى بين ستة نفر، وهم: عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وانتهى الأمر إلى اختيار عثمان بن عفان، وتمت البيعة له علناً في المسجد، في المحرم سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ولم يتخلف عنها أحد.
ما إن تولى عثمان الخلافة حتى كتب إلى الولاة والقوّاد وعمال الخراج وعامة المسلمين بالأمصار يقول: «إن الله خلق الخلق فلا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا به الحق، والأمانةَ الأمانةَ، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها، فتكونوا شركاء مَنْ بعدكم، الوفاءَ الوفاءَ، ولا تظلموا اليتيم، ولا المُعاهدَ فإن الله خَصْمٌ لمن ظلمهم».
واصل الجهود التي بذلها الخليفة الراحل عمر في الجهاد، فأتم المسلمون فتح خراسان وانتصروا في معركة ذات الصواري المشهورة على البيزنطيين، وتابعوا غزواتهم في إفريقيا، وبدأت الأموال تتدفق إلى بيت المال ولم يدخره عثمان، ولم يحبسه، وإنما زاد في العطاء والرزق.
وقد وسّع عثمان المسجد الحرام، وأمر بتجديد أنصاب الحرم، كما وسع مسجد رسول اللهr، وجعل عُمُدَهُ من حجارة، وسَقَفَهُ بالساج، وجعل طوله ستين ومئه ذراع، وعرضه خمسين ومئة ذراع، وترك أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب.
ومن اجتهاداته أنَّ أبا بكر كان إذا خطب يقوم على الدرجة التي تحت الدرجة التي كان رسول اللهr يقف عليها في أثناء الخطبة، فلما ولّي عمر نزل درجة عن درجة أبي بكر، فلمّا ولّي عثمان صعد إلى الدرجة التي كان يخطب عليها رسول الله. وزاد الأذان الأول يوم الجمعة قبل الأذان الذي كان يؤذن بين يدي النبيr إذا جلس على المنبر.
 أتم الصلاة بمنى في حج عام 29هـ، وكان النبي يصلي ركعتين، كذلك أبو بكر، ثم عمر، فكُلّم في ذلك، فقال: «إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعاً، وهذا رأي رأيته».
ومن أَجَلِّّ مناقبه وأعظم حسناته: جمعه القرآن، فقد أمر عثمان بنسخ المصحف الذي جُمِعَ زمن أبي بكرt ووزَّعه على الأمصار، بعد أن قدم حَذيفة بن اليمان وحدثه عن اختلاف المسلمين في القراءة، فأمر عثمان بنسخ الصحف التي كانت عند حفصة في المصاحف، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحف أن يحرق.
وقد حاول بعض الناس أن يلوموا عثمانt على أمره بإحراق المصاحف، فقال لهم علي بن أبي طالبt: لم لو يصنعه عثمان لصنعته أنا، فجزى الله عثمان عن الأمة خير الجزاء، إذ كان له فضل في رد الناس إلى قراءة واحدة، كفضل أبي بكtر في جمع القرآن.
انتهت خلافته بعد الفتنة التي انتهت بمقتله بعد حصار دام شهراً أو أكثر، وقد اسْتجرت الفتنة في سنوات خلافته الأخيرة، وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلها لرد المتمردين إلى الصواب أمضوا في العداوة، وفي عام 34هـ جمع الخليفة عثمانt جميع الولاة، وبيّن لهم خطورة الأمر، فلم ينجع الدواء، ولم يطمئن المتمردون في تلك الولايات، بل زادوا في هياجهم، وبدأت تخرج من أفواه بعضهم كلمة خلع الخليفة، وتكررت في مواضع مختلفة.
وفي عام 35هـ تحرك المتمردون فجاء ستمئة من مصر، وعلى رأسهم: كنانة بن بشر، وابن عُديس البلوي، وعمرو بن الحمق، وجاء من الكوفة مئتان، على رأسهم: الأشتر النخعي، وجاء من البصرة مئة، على رأسهم: حُكيم بن جَبَلَة، ورفض الخليفة مصراً أمرين: عرض الثائرين عليه أن ينزل عن الخلافة، قائلاً: لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله، ورفض كل العروض التي قدمها أعيان الصحابة في قتال المتمردين، وقُتل بعد أن استسلم لقدره صائماً يقرأ كتاب الله في بيته.