المهــــــاتما غاندى
المهاتما غاندي شخصية تجسد قيم مختلفة لكل فرد، يلقب بـ "أبو الأمة الهندية"، كما أنه زعيم سياسي كبير استطاع أن يقود أبناء الشعب الهندي إلى الحرية، من خلال اتباعه لمنهج فريد، وإدارة المفاوضات ببراعة. فهو قيمة أخلاقية كبيرة اعتمدت فلسفته على التمسك بقيم نبيلة هي اللاعنف والحقيقة، والتي ألهمت الآلاف من أتباعه ومؤيديه . رأى الكثيرون أنه كان قديسا، زهد في ملذات الحياة، وأصبح رمزا للإنسان صاحب الحياة البسيطة والفكر العالي؛ ولذلك كان يعرف في حياته بلقب "المهاتما" أو "الروح العظيمة".
وفي فترة شبابه درس القانون في إنجلترا وأصبح محاميا، ثم سافر بعد ذلك إلى جنوب أفريقيا للدفاع في إحدى القضايا التي كانت تخص تاجرا هنديا، وقد كانت قارة أفريقيا التي رأى فيها غاندي التمييز العنصري على أرض الواقع هي المكان الأول الذي شهد تفجر الطاقات الروحانية عنده. وفي عام 1906 قام بتدشين حركة " العصيان المدني " بين الهنود في جنوب أفريقيا ضد القانون المناهض للعمالة الآسيوية الذي أصدره النظام الحاكم في مقاطعة ترانسفال آنذاك. وبعد ذلك بفترة قصيرة قام غاندي بصياغة فلسفة الساتياجراها - وهو مصطلح باللغة السنسكريتية يتألف من كلمتين "ساتيا" وهي الحقيقة، و"جراها" وتعني الصمود والتمسك بالموقف" – والمصطلح ككل يعني الالتزام بقيم الحقيقة واللاعنف "أو أهيمسا".
قضي غاندي واحدا وعشرين عاما في جنوب أفريقيا، يكافح من أجل قضية الهنود الذين كانوا يعيشون هناك، وبعد ذلك اعتزل العمل بالمحاماة، وقام بإرساء مكان خاص للإقامة فيه، وأنفق كل ثروته على هذه القضية، وكانت زوجته كاستوربا خير معين له في مسيرة حياته. وفي عام 1915 عاد إلى الهند وانضم لحركة الكفاح الوطنية في الهند، واستطاع أن يجعل الساتياجراها سلاحا فعالا لمقاومة المحتل، وعلى الرغم من ظهور العديد من حركات المقاومة قبل غاندي سواء في الهند أو خارجها، إلا أن السمة الفريدة في حركة الساتياجراها هي التأكيد على مبدأ اللاعنف في المقاومة المدنية .
كما شهد غاندي عام 1917 أول اختبار حقيقي لهذه الحركة في الهند عندما كان غاندي يدافع عن حقوق الفلاحين في الحصول على حصتهم في المحاصيل الزراعية في مدينة شامباران بولاية بيهار، واستطاع كسب المعركة. وكانت معارضة غاندي لقانون رووالت لعام 1919 الذي يكبل الحريات المدنية للهنود هي السبب وراء دخول غاندي للساحة السياسية. فكانت حياة غاندي مليئة بالأحداث مثل حملاته ضد فرض الضرائب، ومناهضته للقوانين المدنية الجائزة مثل تنظيمه لمسيرة الملح في عام 1930، بالإضافة إلى قضاء غاندي فترات من حياته في السجن، والتعبير عن معارضته من خلال الصوم. وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يحظى باحترام الجميع حتى خصومه نظرا لإخلاصه وشخصيته وتمسكه بالحق
فكر غاندي انطلق من عبائته كل الأفكار العظمى تاريخيا ، والفكرة الأساسية عنده هي ما يسمى بعدم اكتمال الإنسان ؛ فالإنسان بطبيعته يحمل قدرا ليس بقليل من الشر، وهذا الشر يدفعه لظلم الآخرين، والذي يدفع إلى العنف، سواء الذي يقوم من منطلق قوة، أو الذي يقاوم تلك القوة، فجاءت فكرة غاندي الأساسية للعمل على اكتمال هذا الإنسان وهي السمة الأساسية لكل الأديان، وما مكن الإنسان الهندي البسيط من مقاومة المستعمر الغربي هو تلك القوة الأخلاقية المقابلة للتفوق العسكري
ومصر كانت لها تفاعلات ثقافية إيجابية مع الهند وخاصة منذ أوائل القرن العشرين عند قيام ثورة مصر الشعبية عام 1919، التي قادها الزعيم العظيم سعد زغلول، وكان لكل من الدولتين تأثيرا متبادلا في المقاومة الإيجابية ضد الاستعمار. ومن ثم بدأت البلدان عصر النهضة الحديثة وكان للشعبين المصري والهندي أثر السبق في بعث الأمل في الشعوب للتحرر من الاستعمار
في عام 1931 مر غاندي عبر قناة السويس وانفعل المصريون بزيارته للغاية حتى أن أمير الشعراء احمد شوقي كتب قصيدة مطولة عن هذا الحادث ، وكان زعماء حزب الوفد على رأس الجماهير المحتشدة لتحية غاندي وكانوا يأملون بأن يساعدهم في كفاحهم ضد وزارة اسماعيل صدقي وتصادف أن غاندي في هذا اليوم كان صائما عن الأكل والكلام ، وعندما طلبوا منه إلقاء كلمة بعث بورقة عليها سبعة حروف ، أصدر مصطفى النحاس بعدها طلبا لمقاطعة البضائع الإنجليزية وإضراب الموظفين وامتناع ملاك الأراضي الزراعية عن سداد الضرائب العقارية . إذن غاندي ببضع كلمات ساهم بتحرير الشعب المصري
وقف غاندي وقفة مجيدة مع الشعب الفلسطيني متمسكا بالعدالة لكل الشعوب، ونال احترام كبار مفكري العالم العربي والعالم
يقول الدكتور عمرو الشوبكى
نجح الزعيم الهندى الكبير غاندى فيما فشل فيه كثيرون من قادة التحرر الوطنى فى العالم الثالث، فقد حصل لبلاده على الاستقلال وحافظ على الديمقراطية، دون أن يدعو للعنف ولا الثورة إنما استخدم كل ما أوتى من «أسلحة» سلمية شديدة الوداعة والتأثير.
هذا الرجل هو «موهانداس كارامشاند غاندى»، أو المهاتما غاندى الزعيم والفيلسوف صاحب النفس العظيمة أو القديس»، الذى آمن بمبدأ اللاعنف، وآمن بقوة الروح أكثر من قوة الجسد والسلاح، وعمل كثيراً من أجل منح الحرية للهنود والتعرف على مشاكل شعبه واحتياجاته الحقيقية، بعيدا عن أمنياته كما يفعل كثير من السياسيين فى دول العالم الثالث.
وقد لد غاندى فى الثانى من أكتوبر عام ١٨٦٩م فى بلدة بورباندر التى تعنى «المدينة البيضاء»، وتقع فى ولاية صغيرة بشمال غرب الهند، ولأسرة ميسورة الحال محافظة، وعلى مستوى عال من الثقافة، وكانت أسرته تؤمن بفكرة عدم العنف بأساسها الدينى الهندوسى وهى الفكرة التى تمسك بها غاندى بعد ذلك.
ولم تمنعه آراؤه التحررية من السفر إلى البلد المستعمر إنجلترا لتلقى تعليمه، فسافر فى عام ١٨٨٨م إلى لندن لكى يدرس الحقوق، وبعد أن أتم دراسته عاد مرة أخرى إلى الهند وذلك فى عام ١٨٩١ ليبدأ فى ممارسة عمله السياسى والقانونى ونضاله من أجل التحرر والاستقلال.
وكانت وسائل غاندى بالنسبة لعصره استثنائية وفريدة، فهو بطل تحرر وطنى من العالم الثالث، ورافض لاستخدام القوة المسلحة رغم أن الاستعمار جاء لبلده بالقوة المسلحة، أما هو فرفض كليا استخدام العنف كوسيلة لجلب الاستقلال، واعتمد المقاطعة والاعتصام والامتناع عن تناول الطعام والعصيان المدنى، وغيرها من وسائل الضغط السلمى التى يجب أن يكون المناضل على اقتناع كامل بها حتى لو أدى هذا إلى موته فى سبيل قضيته، ولا يعنى هذا بشكل أو بآخر الخوف من المواجهة المباشرة، فقد كان يرى من خلال أسلوب اللاعنف إبراز ظلم المحتل ومحاولة كسب الرأى العام فى جانبه، كل هذا كخطوة مبدئية للقضاء عليه وإبعاده تماماً من البلاد.
ويمكن اعتبار المهاتما بمثابة باعث الحياة فى الحركة الوطنية الهندية، حيث لعب دورا هائلا فى جمع شتات الهنود ودفعهم من أجل هدف واحد هو الكفاح «اللاعنفى» من أجل الاستقلال وتحرير الوطن، وإيجاد حلول لمشاكلهم ومعاناتهم، فذابوا جميعاً فى بوتقة واحدة وهدف واحد رغم اختلاف قومياتهم ومذاهبهم وأديانهم.
واعتبر غاندى أن سياسة اللاعنف لا تعنى الجبن أو الخوف من المواجهة المباشرة مع العدو بل على العكس فهى وسيلة لإظهار ظلم الطرف الآخر وأساليبه القهرية، وكانت الفكرة المسيطرة على عقله أن «الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا».
نتعرف اكثر على هذا الرجل
مُهندَس كـَرَمشاند غاندي الملقب بالمهاتما (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس)
ولد المهاتما غاندي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869 في بور بندر بمقاطعة غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بور بندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد
دراسته
سافر غاندي إلى بريطانيا عاى 1888 لدراسة القانون، وفي عام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة مهنة المحاماة.
الانتماء الفكري
أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
اللاعنف ليس عجزا
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.
أساليب اللا عنف
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت.
شروط نجاح اللاعنف
يشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
كتب أثرت في غاندي
وقد تأثر غاندي بعدد من المؤلفات كان لها دور كبير في بلورة فلسفته ومواقفه السياسية منها "نشيد الطوباوي" وهي عبارة عن ملحمة شعرية هندوسية كتبت في القرن الثالث قبل الميلاد واعتبرها غاندي بمثابة قاموسه الروحي ومرجعا أساسيا يستلهم منه أفكاره. إضافة إلى "موعظة الجبل" في الإنجيل، وكتاب "حتى الرجل الأخير" للفيلسوف الإنجليزي جون راسكين الذي مجد فيه الروح الجماعية والعمل بكافة أشكاله، وكتاب الأديب الروسي تولستوي "الخلاص في أنفسكم" الذي زاده قناعة بمحاربة المبشرين المسيحيين، وأخيرا كتاب الشاعر الأميركي هنري ديفد تورو "العصيان المدني". ويبدو كذلك تأثر غاندي بالبراهمانية التي هي عبارة عن ممارسة يومية ودائمة تهدف إلى جعل الإنسان يتحكم بكل أهوائه وحواسه بواسطة الزهد والتنسك وعن طريق الطعام واللباس والصيام والطهارة والصلاة والخشوع والتزام الصمت يوم الاثنين من كل أسبوع. وعبر هذه الممارسة يتوصل الإنسان إلى تحرير ذاته قبل أن يستحق تحرير الآخرين.
حياته فى جنوب افريقيا
بحث غاندي عن فرصة عمل مناسبة في الهند يمارس عن طريقها تخصصه ويحافظ في الوقت نفسه على المبادئ المحافظة التي تربى عليها، لكنه لم يوفق فقرر قبول عرض للعمل جاءه من مكتب للمحاماة في "ناتال" بجنوب أفريقيا، وسافر بالفعل إلى هناك عام 1893 وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الأفريقية 22 عاما.
إنجازاته هناك
كانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها العديد من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية التي كانوا يعملون فيها. وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا (1893 - 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. وكان من ثمرات جهوده آنذاك:
- إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية
- المهاجرة وتخليصهم من
- عقد الخوف والنقص
- ورفع مستواهم الأخلاقي.
- إنشاء صحيفة "الرأي الهندي"
- التي دعا عبرها إلى فلسفة
- اللاعنف.
- تأسيس حزب "المؤتمر الهندي لنتال"
- ليدافع عبره عن حقوق
- العمال الهنود.
- محاربة قانون كان يحرم
- الهنود من حق التصويت.
- تغيير ما كان يعرف بـ"المرسوم الآسيوي"
- الذي يفرض على
- الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة.
- ثني الحكومة البريطانية عن عزمها
- تحديد الهجرة الهندية إلى
- جنوب أفريقيا.
- مكافحة قانون إلغاء عقود
- الزواج غير المسيحية.
العودة إلى الهند
عاد غاندي من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915 ، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين واعتبر الفئة الأخيرة التي سماها "أبناء الله" سبة في جبين الهند ولا تليق بأمة تسعى لتحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.
صيام حتى الموت
قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
مواقفه من الاحتلال البريطاني
تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.
مسيرة الملح
تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت "معاهدة دلهي".
الاستقالة من حزب المؤتمر
قرر غاندي في عام 1934 الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرا أن دستور عام 1935 يشكل ضمانة كافية وحدا أدنى من المصداقية والحياد.
وفي عام 1940 عاد إلى حملات العصيان مرة أخرى فأطلق حملة جديدة احتجاجا على إعلان بريطانيا الهند دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر هذا العصيان حتى عام 1941 كانت بريطانيا خلالها مشغولة بالحرب العالمية الثانية ويهمها استتباب أوضاع الهند حتى تكون لها عونا في المجهود الحربي. وإزاء الخطر الياباني المحدق حاولت السلطات البريطانية المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية فأرسلت في عام 1942 بعثة عرفت باسم "بعثة كريبس" ولكنها فشلت في مسعاها، وعلى أثر ذلك قبل غاندي في عام 1943 ولأول مرة فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة "اتركوا الهند وأنتم أسياد"، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلا خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلا في عام 1944.
حزنه على تقسيم الهند
بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل.
وتم ذلك بالفعل في 16 أغسطس/آب 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبا بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة.