الخميس، 4 أبريل 2013

قسم المقالات : البرهنة على بعثة الرسول من التوراة والانجيل والقرآن بقلم محمد عطية الإبراشى

 البرهنة على بعثة الرسول من التوراة والانجيل والقرآن
 
يقول الامام الحافظ ابن القيم الجوزية فى كتابه ( هداية الحيارى فى أجوبة اليهود والنصارى ) فى موضوع البشارات التى أخرجها من نصوص التوراة والانجيل على بعثة الرسول
أولا - البرهنة من التوراة على رسالة محمد :
قال فى التوراة فى السفر الخامس تثنية 23-2 ( أقبل الله من سينا ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبال فاران ، ومعه ربوات الأطهار عن يمينه ) وقد ورد هذا النص فى الكتاب المقدس هكذا ( جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم ) انتهى النص
وهذه متضمنة للنبوات الثلاث : نبوة موسى ، ونبوة عيسى ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمجيئه من سينا - وهو الجبل الذى كلم الله عليه موسى ، ونبأه عليه - اخبار عن نبوته
وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس . وساعير قرية معروفة هناك الى اليوم . وهذه بشارة بنبوة المسيح
وفاران هى مكة التى ظهر فيها محمد بن عبد الله
وشبه سبحانه وتعالى نبوة موسى بمجئ الصبح ، ونبوة عيسى بعدها باشراقه وضيائه ، ونبوة خاتم الانبياء باستعلان الشمس ( أى ظهور ضوء الشمس فى الآفاق ) ، ووقع الأمر كما أخبر به سواء ، فان الله صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته ، وزاد الضياء والاشراق بنبوة المسيح ، وكمل الضياء واستعلن وطبق الارض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه
النبوات الثلاث فى القرآن الكريم
وذكر هذه النبوات الثلاث التى اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها فى أول سورة التين وذلك حيث قال تعالى ( والتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ) فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التى خرجوا منها
قوله تعالى ( والتين والزيتون ) المراد به منبتهما وأرضهما وهى الأرض المقدسة التى هى مظهر المسيح
وقوله تعالى ( وطور سينين ) الذى كلم الله عليه موسى ، فهو مظهر نبوته
وقوله تعالى ( وهذا البلد الأمين ) حرم الله وأمنه التى هى مظهر محمد - صلوات الله وسلامه عليه - فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء
قالت اليهود ( فاران هى أرض الشام ، وليست أرض الحجاز ) وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم ، وعندهم ف التوراة أن اسماعيل لما فارق أباه سكن فى برية فاران هكذا نطقت التوراة كما جاء فى سفر التكوين 21 ( وأقام اسماعيل فى برية فاران ، وأنكحته أمه امرأة من أهل مصر ) ولا يشك علماء أهل الكتاب أن فاران سكن لآل اسماعيل
فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران ، وتضمنت انتشار أمته وأتباعه حتى تملأ السهل والجبل .... ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا أن هذه هى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، التى نزلت بفاران على أشرف ولد اسماعيل ، حتى ملأت الأرض ضياءا ونورا ، وملأ أتباعه السهل والجبل
ثانيا - ما قاله المسيح للحواريين عن بعثة الرسول
ويقول الامام ابن القيم الجوزية أيضا ( قال المسيح للحواريين : أنا أذهب ، وسيأتيكم الفارقليط ، روح الحق ، لا يتكلم من قبل نفسه ، انما يتكلم هو كما يقال له ، وهو يشهد علي ، وأنتم تشهدون علي ، لأنكم معى من قبل الناس ، وكل شيئ أعده الله لكم يخبركم به ) وفى انجيل يوحنا 16 : 6 ( الفارقليط لا يجيئكم مالم أذهب واذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ، ولكنه مما يسمع به ويكلمكم ، ويسوسكم بالحق ، ويخبركم بالحوادث والغيوب ) وفى موضع آخر ( ابن البشر ذاهب ، والفارقليط من بعده يجيئ لكم بالأسرار ، ويفسر لكم كل شئ ، وهو يشهد لى كما شهدت له ، فانى أجيئكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتأويل ) وفى موضع ثالث - يوحنا 14 : 26 ( ان الفارقليط روح الحق ، الذى يرسله أبى باسمى ، وهو يعلمكم كل شئ ) يوحنا 14 : 26
قال أبو محمد بن قتيبة : وهذه الأشياء عل اختلافها متقاربة ، وانما اختلفت لأن من نقلها عن المسيح صلى الله عليه وسلم فى الانجيل من الحواريين عدة
والفارقليط بلغتهم : لفظ من ألفاظ الحمد ، اما أحمد ، أو محمد ، أو محمود ، أو حامد ، ونحو ذلك . وهو فى الانجيل الحبشى : برنعطيس
وفى موضع آخر ( ان كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم الى الأبد ، ويتكلم بروح الحق الذى لم يطق العالم أن يقبلوه ، لأنهم لم يعرفوه ، ولست أدعكم أيتاما ، انى سآتيكم عن قريب ) وفى موضع آخر : ان لى كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ، ولكنكم لا تستطيعون حمله ، لكن اذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم الى جميع الحق لانه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتى ، ويعرفكم جميع ما للأب
ويقال أيضا فى تفسير الفارقليط : انه المخلص . والمسيح نفسه يسميه النصارى المخلص - بتشديد اللام وكسرها - وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص . قالوا وهو بالسريانية : فارق ، فجعل فارق . قالوا و ( ليط ) : كلمة ترادفها ، ومعناها كمعنى قول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو . قالوا كذلك معنى ( ليط ) فى السريانية . وفى اللغة اليونانية هو المعزّى
وان الفارقليط قد وصف بصفات تناسب رجلا يأتى بعد المسيح نظيرا له فانه قال ( ان كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم الى الأبد ) فقول المسيح : ( فارقليطا آخر ) دل عل أنه ثان لأول كان قبله ، وأنه لم يكن معهم فى حياة المسيح ، وانما يكون بعد توليه وذهابه عنهم
وأيضا قال ( يثبت معكم الى الأبد ) وهذا يبين أن الثانى وهو المصطفى صاحب شرع لا ينسخ ، بل يبقى الى الأبد . وهذا انما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم
انجيل ( برنابا ) يذكر صراحة رسالة محمد
وقد ورد فى الفصل الرابع والخمسين من انجيل ( برنابا ) ما نصه : ( وسيقيم الله الملائكة الأربعة المقربين لله ، الذين ينشدون رسول الله ، فمتى وجدوه قاموا على الجوانب الأربعة للمحل حراسا له ، ثم يحي الله بعد ذلك سائر الملائكة الذين يأتون كالنحل ، ويحيطون برسول الله ، ثم يحيى الله بعد ذلك سائر أنبيائه الذين سيأتون جميعهم تابعين لآدم ، فيقبلون يد رسول الله ، واضعين أنفسهم فى كنف حمايته ، ثم يحيى الله بعد ذلك سائر الاصفياء الذين يصرخون : اذكرنا يا محمد . فتتحرك الرحمة فى رسول الله لصراخهم ، وينظر فيما يجب فعله خائفا لأجل اخلاصهم ) وقد ورد فى الفصل الثانى والسبعين من انجيل ( برنابا ) نفسه ما يأتى ( أجاب يسوع : لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا ، لأنى لست أنا الذى خلقكم ، بل الله الذى خلقكم يحميكم . أما من خصوصى فانى قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذى سيأتى بخلاص العالم . ولكن احذروا أن تغشوا ، لأنه سيأتى أنبياء كذبة كثيرون ، يأخذون كلامى وينجسون انجيلى ) حينئذ قال أنداروس ( يا معلم ، اذكر لنا علامة نعرفه ) أجاب يسوع ( انه لا يأتى فى زمنكم ، بل يأتى بعدكم بعدة سنين ، حينما يبطل انجيلى ، ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا . فى ذلك الوقت يرحم الله العالم ، فيرسل رسوله الذى تستقر على رأسه غمامة بيضاء ، يعرفه أحد مختارى الله ، وهو سيظهره للعالم ، وسيأتى بقوة عظيمة على الفجار ، ويبيد عبادة الأصنام من العالم . وانى أسر ذلك ، لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ، ويظهر صدقى . وسينتقم من الذين سيقولون انى أكبر من انسان ) انتهى النص
ففى النص الأول قد ذكر صراحة اسم الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم
وفى النص الثانى ذكرت أوصافه التى يوصف بها تماما
وقد جاء أيضا فى انجيل ( برنابا ) السابق ذكره : ( انى وان كنت بريا لكن بعض الناس لما قالوا فى حقى انه الله وابن الله - كره الله هذا القول ، واقتضت مشيئته ألا تضحك الشياطين يوم القيامة علي ، ولا يستهزئون بى ، فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء فى الدنيا بسبب موت يهوذا ، ويظن كل شخص أنى صلبت . لكن الاهانة والاستهزاء تبقيان الى أن يجئ محمد رسول الله ، فاذا جاء فى الدنيا ينبه كل مؤمن على الغلط ، وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس ) انتهى النص
وهذا نص صريح كل الصراحة ، فى أن محمدا أعظم الرسل سيأتى بعد المسيح
ما ورد فى القرآن الكريم عن هذا كله
وفى هذا كله قال عز وجل ( الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم اصرهم والأغلال التى كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه ، واتبعوا النور الذى أنزل معه أولائك هم المفلحون ) الآية 157 من سورة لأعراف
أى الذين يتبعون الرسول النبى الأمى - وهو محمد صلى الله عليه وسلم - الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التورة والانجيل ، باسمه وصفاته ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث كالميتة والربا ، ويضع عنهم اصرهم أى يخفف عنهم ما ألزموا العمل به من التكاليف الشاقة فى التوراة ، كقطع موضع النجاسة من الثوب ، وتحريم السبت ، ويخفف عنهم الأغلال والشدائد والسلاسل التى كانوا يقيدون ويعذبون بها ، فالذين آمنوا به وعزروه وعظموه ووقروه ، ونصروه على أعدائه فى الدين ، وحموه منهم حتى لا يناله سوء ، واتبعوا النور الذى أنزل معه - وهو القرآن - أولائك هم المفلحون الفائزون

بقلم : الأستاذ محمد عطية الابراشى