الأحد، 31 مارس 2013

قسم المقالات : بلاد فارس بقلم الشيخ جمال الدين الأفغانى

بلاد فارس بقلم الشيخ جمال الدين الأفغانى *



بسم الله الرحمن الرحيم
حملة القرآن ، وحفظة الإيمان ، ظهراء الدين المتين ، ونصراء الشرع المبين
جنود الله الغالبة في العالم ، وحججه الدامغة لضلال الأمم ، جناب الحاج الميرزا
محمد حسن الشيرازي . وجناب الحاج الميرزا حبيب الله الرشتي ، وجناب الحاج
الميرزا أبي القاسم الكربلائي ، وجناب الحاج الميرزا جواد الأقا التبريزي ، وجناب
الحاج السيد علي أكبر الشيرازي ، وجناب الحاج الشيخ هادي النجم آبادي ، وجناب
الميرزا حسن الأشتياني . وجناب السيد الطاهر الزكي صدر العلماء ، وجناب الحاج
آقا محسن العراقي ، وجناب الحاج الشيخ محمد تقي الأصفهاني ، وجناب الحاج
الملا محمد تقي البجنوردي . وسائر هداة الأمة . ونواب الأئمة . من الأحبار العظام
والعلماء الكرام ، أعز الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأرغم أنوف الزنادقة
المتجبرين . آمين
طالما تاقت الأمم الإفرنجية إلى الاستيلاء على البلاد الإيرانية حرصًا منها
وشرهًا . ولكم سولت لها أمانيها خدعًا تمكنها من الولوج في أرجائها وتمهد فيها
سلطانها على غرة من أهلها تحاشيًا من المقارعة التي تورث الضغائن فتبعث
النفوس على الثورة كلما سنحت لها الفرص وقضت بها الفترات . ولكنها علمت أن
بلوغ الأرب والعلماء في عز سلطانهم ضرب من المحال ؛ لأن القلوب تهوي إليهم
طرًا ، والناس جميعا طوع يدهم يأتمرون كيفما أمروا ، ويقومون حيثما قاموا ، لا
مرد لقضائهم ، ولا دافع لحكمهم ، وأنهم لا يزالون يدأبون في حفظ حوزة الإسلام لا
تأخذهم فيه غفلة ، ولا تعروهم غرة ، ولا تميد بهم شهوة ، فخنست وهي تتربص
بهم الدوائر ، وتترقب الحوادث ، أيم الله إنها قد أصابت فيما رأت ، لأن العامة لولا
العلماء وعظيم مكانتهم في النفوس لالتجأت بطيب النفس إلى الكفر واستظلت بلوائه
خلاصا من هذه الدول الذليلة الجائرة الخرقى التي قد عدمت القوة وفقدت النصفة ،
وأنفت المجاملة فلا حازت منها شرفًا ولا صانت بها لنفسها حقا ، ولا انشرح منها
صدرها فرحًا .
ولذا كلما ضعفت قوة العلماء في دولة من الدول الإسلامية وثبتْ عليها طائفة
من الإفرنج ومحت اسمها ، وطمست رسمها .
إن سلاطين الهند وأمراء ما وراء النهر جدت في إذلال علماء الدين فعاد
الوبال عليهم سنة الله في خلقه .. وإن الأفغانيين ما صانوا بلادهم عن أطماع
الأجانب وما دفعوا هجمات الإنكليز مرة بعد أخرى إلا بقوة العلماء وقد كانت في
نصابها .
ولما تولى هذا الشاه ( الحارية[4] الطاغية ) المُلك طفق يستلب حقوق العلماء
تدريجًا ويخفض شأنهم ويقلل نفوذ كلمتهم حبا بالاستبداد بباطل أوامره ونواهيه ،
وحرصًا على توسيع دائرة ظلمه وجوره ، فطرد جمعًا من البلاد بهوان ، ونهنه
فرقه عن إقامة الشرع بصغار ، وجلب طائفة من أوطانها إلى دار الجور والخرق
( طهران ) وقهرها على الإقامة فيها بذل فخلا له الجو فقهر العباد وأباد البلاد وتقلب
في أطوار الفظائع وتجاهر بأنواع الشنائع وصرف في أهوائه الدنية وملاذه
البهيمية ما مصه من دماء الفقراء والمساكين عصرًا ، ونزح من دموع الأرامل
والأيتام قهرًا ( يا للإسلام ) .
فإذًا اشتد جنونه بجميع فنونه . فاستوزر وغدًا خسيسًا ليس له دين يردعه ولا
عقل يزجره ولا شرف نفس يمنعه . وهذا المارق ما قعد على دسته إلا وقام بإبادة
الدين ومعاداة المسلمين ، وساقته دناءة الأرومة ونذالة الجرثومة إلى بيع البلاد
الإسلامية بقيم زهيدة .
فحسبت الإفرنج أن الوقت قد حان لاستملاك الأقطار الإيرانية بلا كفاح ولا
قتال ، وزعمت أن العلماء الذين كانوا يذبون عن حوزة الإسلام قد زالت شوكتهم ونفد
نفوذهم ، فهرع كلٌّ فاغرًا فاه يبغي أن يسرط قطعة من تلك المملكة . فغار الحق
وغضب على الباطل فدمغه فخاب مسعاه وذل كل جبار عنيد .
أقول الحق إنكم يا أيها القادة قد عظمتم الإسلام بعزيمتكم وأعليتم كلمته وملأتم
القلوب من الرهبة والهيبة . وعلمت الأجانب طرا أن لكم سلطانا لا يقاوم وقوة لا
تدفع وكلمة لا ترد وأنكم سياج البلاد وبيدكم أزمة العباد ولكن قد عظم الخطب الآن
وجلت الرزية لأن الشياطين قد تألبت جبرا للكسر وحرصا على الوصول إلى الغاية
وأزمعت على إغراء ذاك المارق الأثيم على طرد العلماء كافة من البلاد . وأبانت له
أن إنفاذ الأوامر إنما هو بانقياد قوات الجيوش وأن القواد لا يعصون للعلماء أمرًا
ولا يرضون بهم شرًّا . فيجب لاستتباب الحكومة استبدالهم بقواد الإفرنج . وأرت
لذاك البليد الخائن رئاسة الشرطة وقيادة فوج[5] القزاق نموذجا ( كنت وأضرابه ) .
وأن ذاك الزنديق وزملاءه في الإلحاد يجدُّون الآن في جلب قواد من الأجانب .
والشاه بجنونه المطبق قد استحسن هذا واهتز به طربا .
لعمرالله لقد تحالف الجنون والزندقة وتعاهد العته والشره على محق الدين
واضمحلال الشريعة وتسليم دار الإسلام إلى الأجانب بلا مقارعة ولا مناقرة .
يا هداة الأمة إنكم لو أهملتم هذا الفرعون الذليل ونفسه وأمهلتموه على سرير
جنونه وما أسرعتم بخلعه عن كرسي غيه لقضي الأمر ، فعسر العلاج وتعذر التدارك.
أنتم نصراء الله في الأرض ، ولقد تمحصت بالشريعة الإلهية نفوسكم عن
أهواء دنية تبعث على الشقاق وتدعو إلى النفاق ويئس الشيطان بقذفات الحق عن
تفريق كلمتكم . فأنتم جميعًا يد واحدة يذود بها الله عن صياصي دينه الحصينة ويذب
بقوتها القاهرة جنود الشرك وأعوان الزندقة . وإن الناس كافة ( إلا من قضى الله
عليه بالخيبة والخسران ) طوع أمركم . فلو أعلنتم خلع هذا ( الحارية ) لأطاعكم
الأمير والحقير وأذعن لحكمكم الغني والفقير ( ولقد شاهدتم في هذه الأزمان عيانا
فلا أقيم برهانا ) خصوصًا وإن الصدور قد حرجت وإن القلوب قد تفطرت من هذه
السلطنة القاسية الحمقى التي ما سدت ثغورا ولا جندت جنودا ولا عمرت بلادا ولا
نشرت علوما ولا أعزت كلمة الإسلام ولا أراحت يوما ما قلوب الأنام ، بل دمرت
وأقوت وأفقرت وأذلت ثم بعد ضلت وارتدت ، وأنها سحقت عظام المسلمين وعجنتها
بدمائهم فعملت منها لبنات[6] بنت بها قصورًا لشهواتها الدنية . هذه آثارها في هذه
المدة المديدة والسنين العديدة ، تعسا لها وتبت يداها .
وإذا وقع الخلع ( وتكفيه كلمة واحدة ينبص بها لسان الحق غيرة على دينه )
فلا ريب أن الذي يخلف هذا ( الطاغية ) لا يمكنه الحيدان عن أوامركم الإلهية ولا
يسعه إلا الخضوع بعتبتكم عتبة الشريعة المحمدية . كيف لا وهو يرى عيانا ما لكم
من القوة الربانية التي تقلبون بها الطغاة عن كرسي غيها . وإن العامة متى سعدت
بالعدل تحت سلطان الشرع ازدادت بكم ولعا وحامت حولكم هياما وصارت جميعا
جندا لله وحزبا لأوليائه العلماء .
ولقد وَهِم من ظَنَّ أن خلع هذا ( الحارية ) لا يمكن إلا بهجمات العساكر
وطلقات المدافع والقنابل . ليس الأمر كذلك لأن عقيدة إيمانية قد رسخت في العقول
وتمكنت من النفوس ، وهي إن الراد على العلماء راد على الله ( هذا هو الحق
وعليه المذهب ) فإذا أعلنتم ( يا حملة القرآن ) حكم الله في هذا الغاصب الجائر
وأبنتم أمره تعالى في حرمة إطاعته لانفض الناس من حوله فوقع الخلع بلا
جدال ولا قتال .
ولقد أراكم الله في هذه الأيام إتمامًا لحجته ما أولاكم من القوة التامة ، والقدرة
الكاملة ، وكان الذين في قلوبهم زيغ في ريب منها من قبل . اجتمعت النفوس بكلمة
منكم على إرغام هذا الفرعون الذليل وهامانه الرذيل ( مسألة التنباك ) فعجبت الأمم
من قوة هذه الكلمة وسرعة نفوذها وبهت الذي كفر . قوة أنعمها الله عليكم لصيانة
الدين وحفظ حوزة الإسلام . فهل يجوز منكم إهمالها وهل يسوغ التفريط فيها ؟
حاشا ثم حاشا .
قد آن الوقت لإحياء مراسم الدين ، وإعزاز المسلمين ، فاخلعوا هذا ( الطاغية)
قبل أن يفتك بكم ، ويهتك أعراضكم ، ويثلم سياج دينكم . ليس عليكم إلا أن
تعلنوا على رؤوس الأشهاد حرمة إطاعته فإذًا يرى نفسه ذليلا فريدا يفر منه بطانته
وينفر منه حاشيته وينبذه العساكر ويرجمه الأصاغر .
إنكم يا أيها العلماء والذين قاموا معكم لتأييد الدين بعد اليوم في خطر عظيم .
قد كسرتم قرن فرعون بعصا الحق ، وجدعتم أنف الحارية بسيف الشرع ، فهو
يتربص فرصًا تساعده على الانتقام ؛ شفاء لغيظه ومرضاة لطبيعته التي فطرت
علي الحقد واللجاج ، فلا تمهلوه أيامًا ولا تمكنوه أن يقبض زمامًا . أعلنوا خلعه قبل
اندمال جرحه .
وحاشاكم أيها الراسخون في العلم أن ترتابوا في خلع رجل سلطانه غصب ،
وأفعاله فسق ، وأوامره جور ، وإنه بعد أن مص دماء المسلمين ونهش عظام
المساكين وترك الناس عراة حفاة لا يملكون شيئًا - حكم عليه جنونه أن يملك الأجانب
بلادًا كانت للإسلام عزًّا ، وللدين المتين حرزًا ، وساقته سَورة السفه إلى إعلاء كلمة
الكفر والاستظلال بلواء الشرك .
ثم أقول : إن الوزراء والأمراء وعامة الأهالي وكافة العساكر وأبناء هذا
( الطاغية ) ينتظرون منكم جميعا ( وقد فرغ صبرهم ونفد جَلَدهم ) كلمة واحدة
حتى يخلعوا هذا الفرعون الذليل ، ويريحوا العباد من ضره ، ويصونوا حوزة الدين
من شره قبل أن يحل بهم العار { وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } ( ص : 3 ) والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته .


* هذا المقال نشر فى مجلة ( ضياء الخافقين ) عام 1892 ميلادية تحريضا للعلماء على خلع شاه ايران