الاثنين، 3 ديسمبر 2012

الدستور المقترح أنجب طفلا غير مكتمل النمو .. الأسباب والحلول

الدستور المقترح أنجب طفلا غير مكتمل النمو .. الأسباب والحلول

قبل أن نتحدث عن ذلك دعونا فى عجالة نعود أدراجنا إلى نقطة البداية وقبلها نود أن نتفق على بعض النقاط
أولا : الأصل فى الجنس البشرى أنه جنس واحد لكنه يختلف فكريا باختلاف البيئة والميول الفكرية ، ومن هذا نجد أن الحضارة الإنسانية هى حضارة واحدة متعددة الوجوه والمصادر والأشكال طبقا لنوع الحضارات الفرعية التى شكلتها
ثانيا : أن الحضارة الإنسانية بوجه عام تسير فى صعود مستمر بلا توقف وبلا رجوع للخلف ، والذى يتقهقر أو يصعد هى الحضارات الفرعية فمثلا تأتى الحضارة الفرعونية لتقود المسيرة ثم تنطفئ شرارتها فتاتى الحضارات المختلفة كاليونانية والبابلية والفرس والروم ثم الحضارة الإسلامية والحضارة الأوروبية المعاصرة الخ الخ الخ
أى أن الحضارات تاخذ مؤشر الصعود والهبوط من باب قوله تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ومن باب قوله جل شأنه ( جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) أى أن الحضارات البشرية المختلفة تتناغم سويا صعودا وهبوطا لتكون الحضارة البشرية التى بدأت صاعدة ولن تنتهى إلا مع نهاية العالم يوم القيامة
لنتأتى بعذ ذلك إلى البداية لنقول :
تتميز الحضارة الإسلامية بعدة نقاط جعلتها تتبوء الصدارة قرابة الألف عام وهى مدة وفترة قياسية فى عمر الأمم
1 - هى حضارة عالمية أى بها مقومات العالمية وليست حضارة محلية ، أى اننا نتحدث عن فكرة العولمة التى بدأتها الحضارة الإسلامية قبل ألف واربعمائة عام
2 - هى حضارة تجمع فى طياتها التفرد الروحى والمادى فى آن واحد وهذا ما يساعدها على الإستمرارية
3 - لم تعط حضارة قيمة للعقل والفكر كما اعطته لها الحضارة الإسلامية وهذه نقطة للأسف تغفل عن معظم الإسلاميين إلا من رحم ربى وليس هذا مجالا للحديث باستفاضة عن تلك النقطة لكنى سأقول فى عجالة جملة واحدة تبين كيف أعطى الإسلام قيمة للعقل والفكر 
 فيكفى أن نعرف أن الإسلام أعطى العقل قبل الدخول فى الإسلام حق الاستنباط بالدلائل العقلية على وجود الله ثم بالعقل فهم الدلائل النقلية والتى هى أساس الإيمان ولسان الوحى إذ لا وجوب للإسلام على المجنون ، ثم أعطى العقل حق استنباط الأحكام الشرعية من خلال فهمهم لمعانى الآيات والأحاديث النبوية وجعل العقل مناط التكليف فى هذه الأحكم المستنبطة  إذ لا تكليف على المجنون أو الطفل أو حتى المكره 
 هذا فى مجال العقيدة والشريعة فما بالنا بمجالات الحياة المختلفة ، لذلك أمر الإسلام بالشورى فى إدارة المجتمع ، ورسخ لمفهوم الحوار والرأى والرأى الآخر ، فمنع التسلط والديكتاتورية والسلطوية ، لذلك لم نسمع أن المفكرين حرقوا بالنار او قتلوا او سجنوا كما كان يحدث فى اروربا فى عصور الظلام وفى ابان عصور النهضة الاوروبية
حرية الرأى أساسية فى الإسلام فحتى مجال الشريعة او العقيدة لا ينفع معها الإكراه ففى مجال العقيدة منع الإسلام أن يكره الناس الى الدخول فى الاسلام ، وطمأن من اكره على الخروج من الاسلام ان لا شئ عليه ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ) ثم أوجب النية والرضى فى جميع الأحكام التى تتعلق بأمور الشريعة والأحكام فالمكره لا شئ عليه باتفاق وباجماع الأمة
4 - التناغم والتعايش مع جديد العلم والفكر ، هذه ميزة تميزت بها الحضارة الإسلامية ساعدت على استمراريتها عكس ما يفهمه البعض من انها تغريب وتبعية ، وهناك فرق شاسع بين مقدرة الحضارة على التعايش مع مختلف الظروف وبين التغريب والذى هو اخراج قلب الحضارة وعقلها وهذا بالطبع مرفوض ولا يتماشى مع الحضارة ذات الطابع العولمى
أى أن الحضارة الإسلامية باستطاعتها التكف مع تغيرات العصر بل وقيادتها لتصبح وكأنها ولدت هذه التغيرات من رحم الأمة هذه نقطة مهمة
5 - الحضارة الإسلامية تتميز أيضا بأن علاقتها بالحضارات الأخرى هى علاقة تكامل يصب فى مصلحة الحضارة البشرية ولم تكن علاقة الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى لم تكن يوما علاقة صراع ، لذلك ننظر كيف تعاملت الحضارة الإسلامية مع الحضارة الهندية واليونانية وحتى بقايا الحضارات السابقة عنها فى مصر وبالأخص الحضاة الفرعونية فلم تنتقد عناصر الحضارة الفرعونية إلا ما يخص أسس العقيدة والأحكام الفقهية التى غيرتها لمقتنعيها دون جبر الاخر على تغييرها بل إننا نجد أن الشريعة الإسلامية لديها مبدأ وقاعدة مهمة إذ أن الأصل فى الأشياء الحل إلا إذا وجد ما يحرمها فابقى الاسلام جميع الامور كما هى الا اذا وجد دليل على تغييرها
هذه أهم النقاط التى وددت الحديث عنها
لنأتى بعد ذلك لنتحدث عن بداية الأزمة ، وبداية الأزمة ابان فترة الركود والجمود الفكرى خاصة فى اواخر الخلافة العثمانية مما جعل الحضارة الإسلامية تضمحل وتتراجع أمام الحضارة الأوروبية التى اقتبست منها أسس النهضة الحديثة فباتت جميع آليات النهضة الحديثة بمعزل عن الحضارة الإسلامية وظهرت غريبة عن مستجدات العصر ، واستمر الحال إلى أن قامت ثورات الربيع العربى اللهم الا محاولات لم يكتمل لها النجاح مثل نهضة محمد على وثورة يوليو فى مصر ، هذا بسبب أن تلك المحاولات هى محاولات فردية وليست شعبية ، لذا نجد الجبرتى الشيخ الأزهرى والمؤرخ الكبير والذى عاصر اضمحلال الخلافة العثمانية وعاصر تولى محمد على لزمام القيادة فى مصر ، نجد الجبرتى لا يرضى عن نهضة محمد على كما أنه أيضا لا يرضى ولا يوافق على الاضمحلال الفكرى اواخر الخلافة العثمانية 
 لذلك نجده يذكر وبصراحة فى كتابه الشهير ، ( عجائب الآثار فى التراجم والأخبار ) حين يتحدث عن أحداث سنة 1209هـ - 1794م يقول ( إنه لم يقع بها شئ من الحوادث الخارجة سوى جور الأمراء وتتابع مظالمهم ) 
و نجد الجبرتى وهو من مدرسة الاحياء والتجديد بل موقد شرارتها الاولى مع الشيخ حسن العطار نجده يعارض حكم محمد على للاختلاف الفكرى والايديولوجى بينهما فعلى حين أن الجبرتى كان يرى أن العلم والعدل بالمعنى المتفق عليه عند علماء التفسير هما قوام المجتمع البشرى وأساس الحكم الصالح والسياسة الرشيدة فان أيديولوجية محمد على كانت قائمة على الاستبداد بالسلطة ، لذلك عارضه بشدة ولم يرض عن حكمه وسطر ذلك جليا فى كتابه عجائب الآثار ، فمثلا لنشاهد ماذا يقول عنه فى نفس الكتاب ( من طبعه الحسد والشره والطمع والتطلع لما فى ايدى الناس وأرزاقهم ) ويقول أيضا ( إنه - أى محمد على - محب الشوكة ونفوذ أوامره ولا يصطفى ويحب إلا من لا يعارضه ولو فى جزئية )
هذه بعض الملامح عن اعتراض الشيخ المجدد والمؤرخ عن نظرته لمحمد على ونظرته لنهضته التى اثبت الواقع فشلها لاحقا
ايضا محاولات صنع نهضة لا تخرج من رحم الأمة ، لأن الحضارة تبنى على عقل الأمة وليس على تفرد اشخاص بعينهم
عندما مرت أكثر من ثلاثة قرون والأمة فى جمود فكرى ساعد الاحتلال الغربى والهيمنة الغربية على غلق باب الاجتهاد الفكرى بالاضافة الى هيمنة مدرسة الجمود على مدرسة الاحياء والتجديد التى بدأها صراحة جمال الدين الأفغانى والامام المجدد محمد عبده
ومع ثورة يناير فى مصر بدأت بوادر الحوار المجتمعى التى أخذت طابع الصراع وهذا متوقع وطبيعى فى ظل هذه الفترة من الركود ،
من الطبيعى جدا أن يأخذ الحوار وقته يشارك فيه جميع التيارات لبلورة فكر جديد للأمة يعود بها إلى أوج حضارتها ومنبع فكرها النهضوى ويستطيع التعامل مع آليات العالم الجديد ومصطلحاته - التى غابت حضارتنا عن المشاركة فى صناعتها مشاركة مباشرة - لتستطيع الأمة وحضارتها أن تبتلع جديد الحضارات فى رحمها لتخرجه لنا بطابع ومذاق الحضارة ذاتها وهذه ميزة حضارتنا كما ذكرت سابقا
وظننا وايقنا وآمنا أن الدستور المصرى هو عقد الاتفاق الذى سيسطر هذا التحول الذى انتظرناه طويلا
لذلك نجد مثلا أن كثير من التيارات الإسلامية ذاتها لم تتفق بعد على كثير من المصطلحات الحديثة وما زال الحوار قيد التواصل فعلى سبيل المثال فان جل التيار السلفى لديه تحفظات على بنود الدستور
من المهم أن نعط للدستور وقته ليخرج لنا بعد الحوار والذى اراه فى الفترة السابقة ايجابيا وطبيعيا والدليل ان جميع التيارات باتت تتلاقى فى نقاط عدة لم يكن فيها تواصل ليخرج لنا بعدها دستورا يحقق بلورة فكر الأمة المرجو والمأمول 
 ونلاحظ مثلا أن جميع التيارات السياسية والمجتمعية تغيرت نظرتها عن السابق بما فيها التيارات الإسلامية ذاتها والتى كان كثير منها بمعزل عن العمل السياسى وادارة الدولة الحديثة فباتت جل المصطلحات فى تلاقى متصاعد ، اى أن الحوار المجتمعى يسير فى طريقه الصحيح ، لكنه يحتاج الى وقت وهذا كما قلت امرا طبيعيا فى ظل جمود فكرى استمر عدة قرون فكيف نريده أن ينتهى بهذه السرعة ليخرج لنا فكرا غير مكتملة قواعده وغير واضحة معالمه
لماذا مثلا لا تعطى فرصة للحوار المجتمعى حتى يكتمل قبل عمل الدستور ؟
 أو لماذا لا يتم عمل دستور مؤقت لحين بناء فكر عام بعد حوار مجتمعى جاد ان كان ذلك ضروريا ؟
 فنحن لا نريد دستورا يسير ويحرك مؤسسات دولة وانما نريد دستورا يعبر عن فكر الأمة الذى سيقود نهضة تستمر بفكر سوى
هو مجرد رأى لكنها دعوة ملحة للحوار من أجل بناء أرضية لبناء فكر عام وشامل
هو حوار يعى قدر هذه الأمة التى يراد دوما وأد نهضتها فى مهدها إما بقصد أو بحسن نية 

بقلم : دكتور / أحمد كلحى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ