الأحد، 11 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : أهمية الأخلاق

أهمية الأخلاق

(إنَّ أهمية الأخلاق للحياة الإنسانية في نظر الإسلام ينظر إليها من اعتبارات مختلفة أهمها:
أولاً: علاقة الأخلاق ببناء الشخصية الإنسانية:
الإنسان جسد وروح، ظاهر وباطن، والأخلاق الإسلامية تمثل صورة الإنسان الباطنة، والتي محلها القلب، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان المسلم، فالإنسان لا يقاس بطوله وعرضه، أو لونه وجماله، أو فقره وغناه، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق (1)، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (2) ويقول صلى الله عليه وسلم –أيضا-: ((لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخزء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب)) (3).
ثانياً: ارتباط الأخلاق بالأسس العقدية والتشريعية للدين الإسلامي:
جعل الإسلام العقيدة الأساس الأول الذي تصدر عنه الأخلاق الفاضلة، وارتباط الأخلاق بالعقيدة أمر معلوم لكل من له فكر وروية بأمور الإسلام، وهذا الارتباط يشكل ضمانة لثبات الأخلاق واستقرارها وعدم العبث بها، كما يعتبر في الوقت نفسه شجرة مثمرة طيبة لهذه العقيدة، يقول الشيخ محمود شلتوت في هذا المعنى: (إن العقيدة دون خلق شجرة لا ظل لها ولا ثمرة، وإن الخلق دون عقيدة ظل لشبح غير مستقر) (4) ...
أما عن ارتباط الأخلاق بالشريعة، فالشريعة منها العبادات، والمعاملات، وصلة الأخلاق بالعبادات لا تحتاج إلى تقرير، وصلتها بالمعاملات لا تنفك، وعلى هذا فإن العبادات والمعاملات إذا عريت عن الأخلاق لا تغني عن صاحبها شيئاً...
ثالثاً: آثارها في سلوك الفرد والمجتمع:
تظهر أهمية الأخلاقية الإسلامية لما لها من أثر في سلوك الفرد، وفي سلوك المجتمع.
أما أثرها في سلوك الفرد فلما تزرعه في نفس صاحبها من الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع ... وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح والنجاح، يقول تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشمس: 9 - 10]، ويقول سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14 - 15]، والتزكية في مدلولها ومعناها: تعني: تهذيب النفس باطناً وظاهراً، في حركاته وسكناته (5).
وأما أثرها في سلوك المجتمع كله، فالأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، يقرر ذلك قوله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3].

(1) ((التربية الأخلاقية () أبادير حكيم (ص: 118).
(2) رواه مسلم (2564).
(3) رواه الترمذي (3955) واللفظ له، وأحمد (2/ 361) (8721). وحسنه الترمذي، وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4496)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5482).
(4) ((الإسلام عقيدة وشريعة)) محمود شلتوت (4/ 43).
(5) ((خلق المسلم)) الشيخ: محمد الغالي (ص: 15).
فالعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات من شأنه أن يبني مجتمعاً محصناً لا تنال منه عوامل التردي والانحطاط، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامناً في ضعف إمكاناتها المادية أو منجزاتها العلمية، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها.) (1)
وهذه (جملة من النصوص الدالة على أهمية الأخلاق، وأنها تحقق ... سعادة الدنيا والآخرة.
1 - امتثال أمر الله سبحانه:
كثيرة هي الآيات القرآنية التي تدعو العاقل إلى امتثال أمر الله سبحانه في الأخلاق، إما إيجابا، أو نهيا، أو إرشاداً، ومنها:
قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 11 - 12].
ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: ((كان يكون في مهنة أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)) (2).
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتثل أمر الله تعالى في كل شأنه قولاً وعملاً، وكان خلقه القرآن.
2 - أنها طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) (3).
3 - أنها سبب لمحبة الله تعالى:
قال الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195].
وقال تعالى: وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].
وقال سبحانه: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة: 42].
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: ((كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس، فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: أحسنهم خلقا)) (4).
4 - أنها سبب لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاق)) (5).
5 - أنها من أعظم أسباب دخول الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق)) (6).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين، لا يؤذيهم، فأدخل الجنة)) (7).
والنصوص في حسن الخلق كثيرة، منها:
أنها دليل كمال الدين.
وأنها أثقل شيء في الميزان.
وأنها عبادة يبلغ بها العبد درجات الصائم القائم.
وأن صاحب الخلق من خيار الناس.
وأنها من خير أعمال الإنسان.
وأنها سبب تأييد الله ونصره.) (8).

(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد المرسي (ص: 24). -بتصرف –
(2) رواه البخاري (676).
(3) رواه الترمذي (1987)، وأحمد (5/ 153) (21392). قال الترمذي: حسن صحيح. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (97).
(4) رواه الحاكم (4/ 441)، والطبراني في ((الكبير)) (1/ 181). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 27): رجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (6/ 9): رواته محتج بهم في الصحيح.
(5) رواه الترمذي (2018)، وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (791).
(6) رواه الترمذي (2004)، وأحمد (2/ 442) (9694)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (289). قال الترمذي: صحيح غريب. وصحح إسناده الحاكم (4/ 360)، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (13/ 79): حسن غريب. وصححه الذهبي في ((التلخيص)).
(7) رواه مسلم (1914).
(8) ((موسوعة الأخلاق)) لخالد الخراز (ص: 33) –بتصرف –