الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : حديث الحمس

حديث الحمس

 قريش تبتدع الحمس
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كانت قريش - لا أدري أقبل الفيل أم بعده - ابتدعت رأي الحمس رأيا رأوه وأداروه ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة ، وولاة البيت ، وقطان مكة وساكنها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم ، وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم ‏‏.‏‏
فتركوا الوقوف على عرفة ، والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها ، و أن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا ‏‏:‏‏ نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس ، والحمس أهل الحرم ، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم ، بولادتهم إياهم ، يحل لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم ‏‏.‏‏
 القبائل التي آمنت مع قريش بالحمس
وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو عبيد النحوى ‏‏:‏‏ أن بني عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك ، وأنشدني لعمرو بن معد يكرب ‏‏:‏‏
أعباس لو كانت شيارا جيادنا * بتثليث ما ناصيت بعدي الأحامسا
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تثليث ‏‏:‏‏ موضع من بلادهم ‏‏.‏‏ والشيار ‏‏:‏‏ السمان الحسان ‏‏.‏‏ يعني بالأحامس ‏‏:‏‏ بني عامر بن صعصعة ‏‏.‏‏ وبعباس ‏‏:‏‏ عباس بن مرداس السلمي ، وكان أغار على بن زبيد بتثليت ‏‏.‏‏ وهذا البيت من قصيدة لعمرو ‏‏.‏‏
وأنشدني للقيط بن زرارة الدارمي في يوم جبلة ‏‏:‏‏
أجذم إليك إنها بنو عبس * المعشر الجلة في القوم الحمس
لأن بني عبس كانوا يوم جبلة حلفاء في بني عامر بن صعصعة ‏‏.‏‏
 يوم جبلة
ويوم جبلة ‏‏:‏‏ يوم كان بين بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وبين بني عامر بن صعصعة ، فكان الظفر فيه لبني عامر بن صعصعة على بني حنظلة ، وقتل يومئذ لقيط بن زرارة بن‏ عدس ، وأسر حاجب بن زرارة بن عدس ، وانهزم عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبدالله ابن دارم بن مالك بن حنظلة ‏‏.‏‏ ففيه يقول جرير للفرزدق ‏‏:‏‏
كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا * وعمرو بن عمرو إذ دعوا يالدارمِ
وهذا البيت في قصدية له ‏‏.‏‏
 يوم ذي نجب
ثم التقوا يوم ذي نجب ، فكان الظفر لحنظلة على بني عامر ، وقتل يومئذ حسان بن معاوية الكندي ، وهو ابن كبشة ‏‏.‏‏ وأُسر يزيد بن الصعق الكلابي وانهزم الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب ، أبو عمر بن الطفيل ‏‏.‏‏ ففيه يقول الفرزدق ‏‏:‏‏
ومنهن إذ نجى طفيل بن مالك * على قرزل رجلا ركوض الهزائم
ونحن ضربنا هامة ابن خويلد * نزيد على أم الفراخ الجواثم
وهذان البيتان في قصيدة له ‏‏.‏‏
فقال جرير ‏‏:‏‏
ونحن خضبنا لابن كبشة تاجه * ولاقى امرأ في ضمة الخيل مصقعا
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
وحديث يوم جبلة ويوم ذي نجب أطول مما ذكرنا ‏‏.‏‏ وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت في حديث يوم الفجار ‏‏.‏‏
 ما زادته قريش في الحمس
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم ، حتى قالوا ‏‏:‏‏ لا ينبغي للحمس ان يأتقطوا الأقط ، ولا يسئلوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيت من شعر ، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما ، ثم رفعوا في ذلك ، فقالوا ‏‏:‏‏ لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم ، إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة ‏‏.‏‏
 اللقى عند الحمس
فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ، ولم يجدوا ثياب الحمس ، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ، ألقاها إذا فرغ من طوافه ، ثم لم ينتفع بها ، ولم يمسها هو ، ولا أحد غيره أبدا ‏‏.‏‏
وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى ‏‏.‏‏ فحملوا على ذلك العرب ، ‏فدانت به ‏‏.‏‏ ووقفوا على عرفات ، وأفاضوا منها ، وطافوا بالبيت عراة ‏‏:‏‏ أما الرجال فيطوفون عراة ، وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا درعا مفرجا عليها ، ثم تطوف فيه ‏‏.‏‏
فقالت امرأة من العرب ، وهي كذلك تطوف بالبيت ‏‏:‏‏
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحل ألقاها ، فلم ينتفع بها هو ولا غيره ‏‏.‏‏
فقال قائل من العرب يذكر شيئا تركه من ثيابه فلا يقربه ، وهو يحبه ‏‏:‏‏
كفى حزنا كري عليها كأنها * لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول ‏‏:‏‏ لا تمس ‏‏.‏‏
 الإسلام يبطل عادات الحمس
فكانوا كذلك حتى بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل عليه حين أحكم له دينه ، وشرع له سنن حجه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم ‏‏)‏‏ يعني قريشا ‏‏.‏‏ والناس ‏‏:‏‏ العرب ‏‏.‏‏ فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها ‏‏.‏‏
وأنزل الله عليه فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت ، حين طافوا عراة ، وحرموا ما جاءوا به من الحل من الطعام ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين ‏‏.‏‏ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ‏‏.‏‏ قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏
فوضع الله تعالى أمر الحمس ، وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس بالإسلام ، حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف الحمس قبل الرسالة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، عن عمه نافع بن جبير ، عن أبيه جبير بن مطعم ، قال ‏‏:‏‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن ينزل عليه الوحي ، وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا من الله له ، صلى الله عليه و آله وسلم تسليما كثيرا