دلائل نبوته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم
الجزء الثانى
قصة أخرى في تكثير الطَّعام في بيت فاطمة:
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سهل بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدَّثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر، عن جابر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتَّى شقَّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال: ((يا بنية هل عندك شيء آكله فإنِّي جائع)).
فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلمَّا خرج من عندها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرجع إليها.
فقالت له: بأبي أنت وأمي، قد أتى الله بشيء فخبأته لك.
قال: ((هلمِّي يا بنية)) فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمَّا نظرت إليها بهتت، وعرفت أنَّها بركة من الله فحمدت الله، وصلَّت على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وقدمته إلى رسول الله.
فلمَّا رآه حمد الله وقال: ((من أين لك هذا يا بنية؟))
قالت: يا أبت هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فحمد الله وقال: ((الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً، فسئلت عنه قالت: هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب)) فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى علي، ثم أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي وفاطمة، وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأهل بيته جميعاً حتى شبعوا.
قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً.
وهذا حديث غريب أيضاً إسناداً ومتناً.
وقد قدَّمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى: ((وأنذر عشيرتك والأقربين)) حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم -وكانوا نحواً من أربعين - فقدَّم إليهم طعاماً من مد فأكلوا حتَّى شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شراباً حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة، ثمَّ دعاهم إلى الله كما تقدَّم
قصة أخرى في بيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -:
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا سليمان التيميّ عن أبي العلاء بن الشَّخير، عن سمرة بن جندب قال: بينما نحن عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أتى بقصعة فيها ثريد.
قال: فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظُّهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه.
قال: فقال له رجل: هل كانت تمد بطعام ؟
قال: أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمدُّ من السَّماء.
ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون، عن سليمان، عن أبي العلاء، عن سمرة أنَّ رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد، فتعاقبوها إلى الظُّهر من غدوة يقوم ناس ويقعد آخرون.
قال له رجل: هل كانت تمد ؟
فقال: له فمن أين تعجب، ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السَّماء.
وقد رواه التّرمذيّ والنَّسائي أيضاً من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي العلاء - واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير -، عن سمرة بن جندب به. (ج/ص:6/123)
قصة قصعة بيت الصِّديق:
ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة، والله أعلم.
قال البخاريّ: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا معتمر عن أبيه، ثنا عثمان أنَّه حدثه عبد الرَّحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما أنَّ أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال مرة: ((من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس - أو كما قال -)) وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعشرة وأبو بكر بثلاثة.
قال: فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال: امرأتي وخادمي من بيتنا وبيت أبي بكر، وإنَّ أبا بكر تعشَّى عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ لبث حتى صلَّى العشاء، ثمَّ رجع فلبث حتَّى تعشَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء بعد ما مضى من اللَّيل ما شاء الله.
قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك ؟
قال: أو ما عشَّيتهم ؟
قالت: أبوا حتَّى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم.
فذهبت فاختبأت فقال: يا غنثر - فجدع وسب - وقال: كلوا.
وقال: لا أطعمه أبداً، والله ما كنَّا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتَّى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر فأخذه هي شيء أو أكثر، فقال لامرأته: ما هذا يا أخت بني فراس ؟
قالت: لا وقرة عيني هي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار.
فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان الشَّيطان - يعني: يمينه -، ثمَّ أكل منها لقمة، ثمَّ حملها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم.
قال: فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال: وغيرهم يقول: فتفرقنا.
هذا لفظه، وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن أبي عثمان عبد الرَّحمن بن مل النهدي، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر.
حديث آخر عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر في هذا المعنى:
قال الإمام أحمد: ثنا حازم، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر أنَّه قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثين ومائة.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هل مع أحد منكم طعام؟))
فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثمَّ جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أبيعاً أم عطية؟ - أو قال: - أم هدية؟))
قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت.
وأمر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسواد البطن أن يشوى.
قال: وأيم الله ما من الثلاثين والمائة، إلا قد حز له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه إياه، وإن كان غائباً خبأ له.
قال: وجعل منها قصعتين قال: فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير، أو كما قال.
وقد أخرجه البخاريّ، ومسلم من حديث معتمر بن سليمان. (ج/ص:6/124)
حديث آخر في تكثير الطَّعام في السَّفر
قال الإمام أحمد: حدَّثنا فزارة بن عمر، أنَّا فليح عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة غزاها، فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطَّعام، فاستأذنوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر الإبل فأذن لهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.
قال: فجاء فقال: يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها؟ أدع يا رسول الله بغبرات الزَّاد، فادع الله عزَّ وجل فيها بالبركة.
قال: ((أجل)) فدعا بغبرات الزَّاد، فجاء النَّاس بما بقي معهم فجمعه، ثمَّ دعا الله عزَّ وجل فيه بالبركة، ودعاهم بأوعيتهم فملأها وفضل فضل كثير.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله عزَّ وجل بهما غير شاك دخل الجنة)).
وكذلك رواه جعفر الفريابيّ عن أبي مصعب الزُّهريّ، عن عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه سهيل به.
ورواه مسلم، والنسائي جميعاً عن أبي بكر ابن أبي النضر، عن أبيه، عن عبيد الله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: ثنا زهير، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح سعيد، أو عن أبي هريرة - شكَّ الأعمش - قال: لما كانت غزوة تبوك أصاب النَّاس مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا، وادهنا ؟
فقال: ((إفعلوا)).
فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلوا قلَّ الظَّهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم، ثمَّ أدع لهم عليها بالبركة لعلَّ الله أن يجعل في ذلك البركة.
فأمر رسول الله بنطع فبسط، ودعا بفضل أزوادهم قال: فجعل الرَّجل يجيء بكفّ التَّمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك يسير، فدعا عليهم بالبركة ثم قال: ((خذوا في أوعيتكم)) فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة.
فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنَّة)).
وهكذا رواه مسلم أيضاً عن سهل ابن عثمان وأبي كريب، كلاهما عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وأبي هريرة فذكر مثله. (ج/ص:6/125)
حديث آخر في هذه القصة:
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد الله - هو ابن المبارك -، أنَّا الأوزاعيّ، أنَّا المطلب بن حنطب المخزوميّ، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي عمرة الأنصاريّ، حدَّثني أبي قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة، فأصاب النَّاس مخمصة، فاستأذن النَّاس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر بعض ظهورهم وقالوا: يبلغنا الله به.
فلمَّا رأى عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد همَّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم.
قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غداً جياعاً رجالاً؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها، ثمَّ تدعو الله فيها بالبركة فإنَّ الله سيبلغنا بدعوتك، أو سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ببقايا أزوادهم، فجعل النَّاس يجيئون بالحبة من الطَّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمَّ دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأوه وبقي مثله، فضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى بدت نواجذه وقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النَّار يوم القيامة)).
وقد رواه النَّسائي من حديث عبد الله بن المبارك بإسناده نحو ما تقدم.
حديث آخر في هذه القصة:
قال الحافظ أبو بكر البزَّار: ثنا أحمد بن المعلى الآدميّ، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر - أظنَّه من ولد عمر بن الخطَّاب -عن إبراهيم بن عبد الرَّحمن ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ أنَّه كان مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تهامة حتَّى إذا كنَّا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظَّهر أن نأكله.
قال: ((نعم)).
فأُخبر بذلك عمر بن الخطَّاب، فجاء رسول الله فقال: يا نبي الله ما صنعت؟ أمرت النَّاس أن ينحروا الظَّهر فعلى ما يركبون؟
قال: ((فما ترى يا ابن الخطَّاب؟))
قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب ثمَّ تدعو لهم، فأمرهم، فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثمَّ دعا لهم ثمَّ قال: ((إئتوا بأوعيتكم)) فملأ كل إنسان وعاءه، ثمَّ أذن بالرَّحيل، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السَّماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس إثنان مع رسول الله، وذهب الآخر معرضاً.
فقال رسول الله: ((ألا أخبركم عن النَّفر الثلاثة: أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائباً فتاب الله عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه))
ثمَّ قال البزَّار: لا نعلم روى أبو خنيس إلا هذا الحديث بهذا الإسناد. (ج/ص:6/126)
وقد رواه البيهقيّ عن الحسين بن بشران، عن أبي بكر الشَّافعي، ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنَّا أبو رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، عن إبراهيم بن عبد الرِّحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ فذكره.
حديث آخر عن عمر بن الخطَّاب في هذه القصة:
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا ابن هشام - محمد بن يزيد الرفاعي - ثنا ابن فضل، ثنا يزيد - وهو ابن أبي زياد - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة.
فقلنا: يا رسول الله إنَّ العدو قد حضر وهم شباع، والنَّاس جياع.
فقالت الأنصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها النَّاس ؟
فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من كان معه فضل طعام فليجيء به)) فجعل الرَّجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً، فجلس النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جنبه فدعا بالبركة.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذوا ولا تنتهبوا)) فجعل الرَّجل يأخذ في جرابه، وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم حتى أنَّ الرَّجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطَّعام كما هو.
ثم قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله، لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حرَّ النَّار))
ورواه أبو يعلى أيضاً عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني، عن جرير، عن يزيد ابن أبي زياد فذكره، وما قبلة شاهد له بالصِّحة، كما أنَّه متابع لما قبله، والله أعلم.
حديث آخر عن سلمة بن الأكوع في ذلك:
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن بشَّار، ثنا يعقوب بن إسجاق الحضرميّ القاريّ، ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة خيبر، فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التَّمر - فبسط نطعاً نشرنا عليه أزوادنا.
قال: فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة، ونحن أربع عشرة مائة.
قال: فأكلنا، ثمَّ تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هل من وضوء؟))
قال: فجاء رجل بنقطة في إداوته.
قال: فقبضها فجعلها في قدح.
قال: فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة، ونحن أربع عشرة مائة.
قال: فجاء أناس فقالوا: يا رسول الله ألا وضوء ؟
فقال: ((قد فرغ الوضوء)).
وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلميّ، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن إياس، عن أبيه سلمة وقال: فأكلنا حتى شبعنا، ثمَّ حشونا جربنا. (ج/ص:6/127)
وتقدَّم ما ذكره ابن إسحاق في حفر الخندق حيث قال: حدَّثني سعيد بن ميناء أنَّه قد حدِّث أنَّ ابنة لبشير بن سعد - أخت النُّعمان بن بشير - قالت: دعتني أمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما.
قالت: فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا ألتمس أبي وخالي.
فقال: ((تعالي يا بنية ما هذا معك؟))
قالت: قلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه.
فقال: ((هاتيه)).
قالت: فصببته في كفَّي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما ملأتهما، ثمَّ أمر بثوب فبسط له، ثمَّ دعا بالتَّمر فنبذ فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: ((إصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء)) فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنَّه ليسقط من أطراف الثوب.
قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التَّمر:
قال البخاري في (دلائل النبوة): حدَّثنا أبو نعيم، ثنا زكريا، حدَّثني عامر، حدَّثني جابر أنَّ أباه توفي وعليه دين، فأتيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت: إنَّ أبي ترك عليه ديناً وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التَّمر فدعا ثمَّ آخر، ثمَّ جلس عليه فقال: ((إنزعوه)) فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم.
هكذا رواه هنا مختصراً، وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبيّ عن جابر به.
وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنَّه ببركة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودعائه له، ومشيه في حائطه، وجلوسه على تمره، وفَّى الله دين أبيه وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجوه وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التَّمر أكثر فوق ما كان يؤمله ويرجوه، ولله الحمد والمنة.
قصة سلمان:
في تكثيره صلَّى الله عليه وسلَّم تلك القطعة من الذَّهب لوفاء دينه في مكاتبته:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يعقوب، حدَّثنا أبي عن ابن إسحاق، حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب، عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال: لما قلت: وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟
أخذها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلبها على لسانه ثمَّ قال: ((خذها فأوفهم منها)).
فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية. (ج/ص:6/128)
ذكر مزود أبي هريرة وتمرة:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يونس، حدَّثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر، عن أبي العالية، عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً بتمرات.
فقال: قلت: أدع الله لي فيهن بالبركة.
قال: فصفَّهنَّ بين يديه، ثمَّ دعا فقال لي: ((إجعلهنَّ في مزود، وأدخل يدك ولا تنثره)).
قال: فحملت منه كذا كذا وسقاً في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلمَّا قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط.
ورواه التّرمذيّ عن عمران بن موسى القزاز البصريّ، عن حماد بن زيد، عن المهاجر، عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه، وقال التّرمذيّ: حسن غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه:
قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفَّار، أنَّا الحسين بن يحيى بن عبَّاس القطَّان، ثنا حفص بن عمر، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختيانيّ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة فأصابهم عوز من الطَّعام.
فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟))
قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي.
قال: ((جيء به)).
قال: فجئت بالمزود.
قال: ((هات نطعاً)) فجئت بالنَّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التَّمر فأخذه هو واحد وعشرون ثم قال: ((بسم الله)) فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التَّمر فقال به هكذا فجمعه.
فقال: ((أدع فلاناً وأصحابه)) فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا.
ثمَّ قال: ((أدع فلاناً وأصحابه)) فأكلوا حتى شبعوا، وخرجوا.
ثمَّ قال: ((أدع فلاناً وأصحابه)) فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا.
ثم قال: ((أدع فلاناً وأصحابه)) فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل.
ثم قال لي: ((أقعد)) فقعدت فأكل وأكلت.
قال: وفضل تمر فأدخلته في المزود.
وقال لي: ((يا أبا هريرة إذا أردت شيئاً فأدخل يدك وخذه، ولا تكفي فيكفى عليك)).
قال: فما كنت أريد تمراً إلا أدخلت يدي فأخذت منه، خمسين وسقاً في سبيل الله.
قال: وكان معلقاً خلف رحلي، فوقع في زمن عثمان فذهب. (ج/ص:6/129)
طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك:
روى البيهقيّ من طريقين عن سهل بن أسلم العدويّ، عن يزيد ابن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكنت صويحبه، وقتل عثمان والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة ؟
قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقال: ((يا أبا هريرة أمعك شيء؟))
قال: قلت: تمر في مزود.
قال: ((جيء به))
فأخرجت تمراً فأتيته به قال: فمسَّه ودعا فيه.
قال: ((أدع عشرة)) فدعوت عشرة فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ كذلك حتى أكل الجيش كله، وبقي من التَّمر معي في المزود.
فقال: ((يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل يدك فيه، ولا تكفه)).
قال: فأكلت منه حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلمَّا قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق.
طريق أخرى:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم - عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشَّام حيث أغاروا بالمدينة.
تفرَّد به أحمد.
حديث عن العرباض بن سارية في ذلك:
رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الوافدي: حدَّثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن العرباض قال: كنت ألزم باب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحضر والسَّفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تعشَّى ومن عنده فقال: ((أين كنت منذ الليلة؟))
فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة، وعبد الله بن معقل المزنيّ فكنَّا ثلاثة كلنا جائع فدخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيت أم سلمة فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فنادى بلالاً: ((هل من شيء؟))
فأخذ الجرب ينقفها، فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال: ((كلوا باسم الله)).
فأكلنا، فأحصيت أربعاً وخمسين تمرة، كلَّها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التَّمرات السبع كما هن فقال: ((يا بلال ارفعهن في جرابك)).
فلما كان الغد وضعهنَّ في الصحفة وقال: ((كلوا بسم الله)) فأكلنا حتى شبعنا، وإنا لعشرة، ثمَّ رفعنا أيدينا وإنهن كما هنَّ سبع فقال: ((لولا أني أستحي من ربي عزَّ وجل لأكلت من هذه التَّمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا)).
فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة، فدفعهنَّ إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهنَّ. (ج/ص:6/130)
حديث آخر:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت له: لقد توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتَّى طال عليَّ فكلته، ففني.
حديث آخر:
روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن معقل، عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رجلاً أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرَّجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم)).
وبهذا الإسناد عن جابر أنَّ أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عكتها سمناً، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أعصرتيها؟))
قالت: نعم.
فقال: ((لو تركتيها ما زالت قائمة)).
وقد رواهما الإمام أحمد عن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر.
حديث آخر:
قال البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو جعفر البغداديّ، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسَّان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة، عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطَّلب أنَّه استعان رسول الله في التَّزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئاً فلم يجده، فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا رافع وأبا أيُّوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير، فدفعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إليه.
قال: فطعمنا منه نصف سنة، ثمَّ كلناه فوجدناه كما أدخلناه.
قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((لو لم تكله لأكلت منه ما عشت)). (ج/ص:6/131)
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقيّ في(الدَّلائل): أنَّا عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أنَّا أبو سعيد بن الأعرابيّ، ثنا عبَّاس بن محمد الدوريّ، أنَّا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنَّا أبو بكر ابن عيَّاش عن هشام - يعني: ابن حسَّان -، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة فخرج إلى البريَّة.
فقالت امرأته: اللَّهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز.
قال: فإذا الجفنة ملأى خميراً، والرَّحى تطحن، والتَّنُّور ملأى خبزاً وشواءً.
قال: فجاء زوجها فقال: عندكم شيء ؟
قالت: نعم رزق الله، فرفع الرَّحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((لو تركها لدارت إلى يوم القيامة)).
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان: أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو إسمعيل التّرمذيّ، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدَّثني اللَّيث بن سعد، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة أنَّ رجلاً من الأنصار كان ذا حاجة فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته: لو حرَّكت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرَّحى ورأوا الدُّخان فظنُّوا أنَّ عندنا طعاماً وليس بنا خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرَّحا.
قال: فأقبل زوجها وسمع الرَّحا، فقامت إليه لتفتح له الباب.
فقال: ماذا كنت تطحنين ؟
فأخبرته فدخلا وإنَّ رحاهما لتدور، وتصب دقيقاً، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثمَّ خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءاً خبزاً، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((فما فعلت الرَّحا؟))
قال: رفعتها ونفضتها.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لو تركتموها ما زالت لكم حياتي - أو قال: - حياتكم)).
وهذا الحديث غريب سنداً ومتناً.
حديث آخر:
وقال مالك عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتَّى شرب حلاب سبع شياه، ثمَّ إنَّه أصبح فأسلم، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أمر له بأخرى فلم يستتمها.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ المسلم يشرب في معاً واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء)).
ورواه مسلم من حديث مالك. (ج/ص:6/132)
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقيّ: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، حدَّثني محمد بن الفضل بن حاتم، ثنا الحسين بن عبد الأوَّل، ثنا حفص بن غياث، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: ضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعرابي قال: فطلب له شيئاً فلم يجد إلا كسرة في كوة قال: فجزأها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجزاء ودعا عليها وقال: ((كُل)).
قال: فأكل فأفضل.
قال: فقال: يا محمد إنَّك لرجل صالح.
فقال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أسلم)).
فقال: إنَّك لرجل صالح.
ثمَّ رواه البيهقيّ من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث بإسناده نحوه.
حديث آخر:
قال الحافظ البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: وفيما ذكر عبدان الأهوازيّ، ثنا محمد بن زياد البرجميّ، ثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: أضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهنَّ طعاماً فلم يجد عند واحدة منهنَّ شيئاً فقال: ((اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنَّه لا يملكها إلا أنت)).
قال: فأهديت له شاة مصليَّة.
فقال: ((هذا من فضل الله، ونحن ننتظر الرَّحمة)).
قال أبو عليّ: حدَّثنيه محمد بن عبدان الأهوازيّ عنه قال: والصَّحيح عن زبيد مرسلاً، حدَّثناه محمد بن عبدان، حدَّثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الأهوازيّ، أنَّا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلاً.
حديث آخر:
قال البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الرَّحمن السلميّ، ثنا أبو عمر بن حمدان، أنَّا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرَّحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان ابن أبي السائب، ثنا واثلة بن الخطَّاب عن أبيه، عن جده واثلة بن الأسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصَّفة فصمنا، فكنَّا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشَّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صياماً، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندهاشيء؟ فما بقيت منهنَّ امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد.
فقال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فاجتمعوا)) فدعا وقال: ((اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك)).
فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصليَّة ورغف، فأمر بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا.
فقال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّا سألنا الله من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته)). (ج/ص:6/133)
حديث الذِّراع:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل، ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق، حدَّثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال: حدَّثني فلان أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتي بطعام من خبز ولحم.
فقال: ((ناولني الذِّراع)) فنوول ذراعاً.
قال يحيى: لا أعلمه إلا هكذا ثمَّ قال: ((ناولني الذِّراع)) فنوول ذراعاً فأكلها.
ثمَّ قال: ((ناولني الذِّراع)).
فقال: يا رسول الله إنما هما ذراعان.
فقال: ((وأبيك لو سكتَّ ما زلت أناول منها ذراعاً ما دعوت به))
فقال سالم: أمَّا هذه فلا، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)).
هكذا وقع إسناد هذا الحديث، وهو عن مبهم عن مثله.
وقد روي من طرق أخرى: قال الإمام أحمد: حدَّثنا خلف بن الوليد، حدَّثنا أبو جعفر - يعني: الرَّازيّ - عن شرحبيل، عن أبي رافع مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: أهديت له شاة فجعلها في القدر، فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((ما هذا يا أبا رافع؟))
قال: شاة أهديت لنا يا رسول الله، فطبختها في القدر.
فقال: ((ناولني الذِّراع يا أبا رافع)).
فناولته الذِّراع.
ثمَّ قال: ((ناولني الذِّراع الآخر))
فناولته الذِّراع الآخر.
ثمَّ قال: ((ناولني الذِّراع الآخر)).
فقال: يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أما إنَّك لو سكتَّ لناولتني ذراعاً فذراعاً ما سكتّ)) ثمَّ دعا بماء فمضمض فاه، وغسل أطراف أصابعه، ثمَّ قام فصلَّى، ثمَّ عاد إليهم فوجد عندهم لحماً بارداً فأكل، ثمَّ دخل المسجد فصلَّى ولم يمس ماء.
طريق أخرى عن أبي رافع:
قال الإمام أحمد: ثنا مؤمل، ثنا حماد، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي رافع، عن عمَّته، عن أبي رافع قال: صنع لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شاة مصلية فأتى بها فقال لي: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثم قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فقلت: يا رسول الله وهل للشَّاة إلا ذراعان؟!
فقال: ((لو سكت لناولتني منها ما دعوت به)).
قال: وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبه الذِّراع.
قلت: ولهذا لما علمت اليهود - عليهم لعائن الله - بخيبر سمُّوه في الذِّراع في تلك الشَّاة التي أحضرتها زينب اليهودية، فأخبره الذِّراع بما فيه السُّم لما نهس منه نهسة كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطاً. (ج/ص:6/134)
طريق أخرى:
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدَّثني قائد مولى عبيد الله ابن أبي رافع قال: أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثم قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ؟
فقال: ((لو سكتَّ ساعة ناولتنيه ما سألتك)).
فيه انقطاع من هذا الوجه.
وقال أبو يعلى أيضاً: ثنا محمد ابن أبي بكر المقدميّ، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا قايد مولى عبيد الله، حدَّثني عبيد الله أنَّ جدته سلمى أخبرته أنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إلى أبي رافع بشاة وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز، ثمَّ انطلق بها فلقيه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم راجعاً من الخندق فقال: ((يا أبا رافع ضع الذي معك)) فوضعه.
ثم قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((يا أبا رافع ناولني الذِّراع)).
فقلت: يا رسول الله هل للشَّاة غير ذراعين ؟
فقال: ((لو سكتَّ لناولتني ما سألتك)).
وقد روي من طريق أبي هريرة: قال الإمام أحمد: ثنا الضحاك، ثنا ابن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ شاة طبخت فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أعطني الذِّراع)).
فناولته إيَّاه.
فقال: ((أعطني الذِّراع)).
فناولته إيَّاه.
ثمَّ قال: ((أعطني الذِّراع)).
فناولته إيَّاه.
ثمَّ قال: ((أعطني الذِّراع)).
فقال: يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان ؟
قال: ((أما إنَّك لو التمستها لوجدتها)).
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعميّ قال: أتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطَّعام، فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر: ((قم فأعطهم)).
فقال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية -.
قال وكيع: القيظ في كلام العرب أربعة أشهر -.
قال: ((قم فأعطهم)).
قال: يا رسول الله سمعاً وطاعةً.
قال: فقام عمر وقمنا معه، فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب.
قال دكين فإذا في الغرفة من التَّمر شبيه بالفصيل الرَّابض.
قال: شأنكم.
قال: فأخذ كل رجل منَّا حاجته ما شاء، ثمَّ التفت وإني لمن آخرهم فكأنَّا لم نرزأ منه تمرة.
ثمَّ رواه أحمد عن محمد، ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد - عن قيس - وهو ابن أبي حازم -، عن دكين به.
ورواه أبو داود عن عبد الرَّحيم بن مطرف الرواسيّ، عن عيسى بن يونس، عن إسماعيل به.
حديث آخر:
قال علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم، ثنا حشرج بن نباتة، ثنا أبو نضرة، حدَّثني أبو رجاء قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار فإذا هو برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا؟))
قال: إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك؟))
قال: نعم.
فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الغرب فما لبث أن أرواه حتى قال الرَّجل: غرقت حائطي، فاختار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من تمره مائة تمره.
قال: فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا، ثمَّ ردَّ عليه مائة تمرة كما أخذها.
هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في (دلائل النبُّوة) من أوَّل تاريخه بسنده عن علي بن عبد العزيز البغويّ كما أوردناه. (ج/ص:6/135)
وقد تقدَّم في ذكر (إسلام سلمان الفارسيّ) ما كان من أمر النَّخيل التي غرسها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده الكريمة لسلمان، فلم يهلك منهن واحدة بل أنجب الجميع وكن ثلاثمائة، وما كان من تكثيره الذَّهب حين قلَّبه على لسانه الشَّريف حتَّى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق - رضي الله عنه وأرضاه
انقياد الشَّجر لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
قد تقدَّم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله قال: سرنا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى نزلنا وادياً أفيح فذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي حاجته، فأبتعته بإداوة من ماء فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله)) فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله)) فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لأم بينهما - يعني: جمعهما - وقال: ((التئما عليَّ بإذن الله)) فالتأمتا.
قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدِّث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشَّجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه: هكذا يميناً وشمالاً، وذكر تمام الحديث في قصة الماء، وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم، ولله الحمد والمنة.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدِّماء من ضربة بعض أهل مكة قال: فقال له: مالك ؟
فقال: ((فعل بي هؤلاء وفعلوا)).
قال: فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية ؟
قال: فقال: نعم.
قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: أدع تلك الشَّجرة فدعاها.
قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه.
فقال: مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حسبي)).
وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن محمد بن طريف، عن أبي معاوية. (ج/ص:6/136)
حديث آخر:
روى البيهقيّ من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله كان على الحجون كئيباً لما أذاه المشركون فقال: ((اللَّهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها)).
قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة فأقبلت تخدُّ الأرض حتى انتهت إليه.
قال: ثمَّ أمرها فرجعت إلى موضعها.
قال: فقال: ((ما أبالي من كذَّبني بعدها من قومي)).
ثم قال البيهقيّ: أنَّا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو قالا: ثنا الأصمّ، ثنا أحمد بن عبد الجبَّار عن يونس بن بكير، عن مبارك ابن فضالة، عن الحسن قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إيَّاه فقال: ((يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغمّ)) فأوحى الله إليه أدع إليك أيّ أغصان هذه الشَّجرة شئت.
قال: فدعا غصناً فانتزع من مكانه، ثمَّ خدَّ في الأرض حتَّى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له رسول الله: ((ارجع إلى مكانك)) فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه.
وكان قد قال المشركون: أفضلت أباك وأجدادك يا محمد.
فأنزل الله: ((أفغير الله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون)) الآيات.
وقال البيهقيّ: وهذا المرسل يشهد له ما قبله.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال: أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب النَّاس.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ألا أريك آية؟))
قال: بلى.
قال: فنظر إلى نخلة فقال: ((أدع ذلك العذق)) فدعاه، فجاء ينقز بين يديه.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ارجع)) فرجع إلى مكانه.
فقال العامري: يا آل بني عامر ما رأيت كاليوم رجلاً أسحر من هذا هكذا.
رواه الإمام أحمد.
وقد أسنده البيهقيّ من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال: جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إنَّ عندي طباً وعلماً فما تشتكي؟ هل يريبك من نفسك شيء إلى ما تدعو ؟
قال: ((أدعو إلى الله والإسلام)).
قال: فإنَّك لتقول قولاً فهل لك من آية ؟
قال: نعم إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة فقال لغصن منها: ((تعال يا غصن)) فانقطع الغصن من الشَّجرة، ثمَّ أقبل ينقز حتى قام بين يديه.
فقال: ((ارجع إلى مكانك)) فرجع.
فقال العامري: يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شيء قلته أبداً.
وهذا يقتضي أنَّه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه. (ج/ص:6/137)
وقد قال البيهقيّ: أنَّا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن عبَّاس قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما هذا الذي يقول أصحابك ؟
قال: وحول رسول الله أعذاق وشجر.
قال: فقال رسول الله: ((هل لك أن أريك آية؟))
قال: نعم.
قال: فدعا عذقاً منها، فأقبل يخدّ الأرض حتى وقف بين يديه يخدّ الأرض ويسجد، ويرفع رأسه، حتى وقف بين يديه، ثمَّ أمره فرجع.
قام العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله أبداً.
طريق أخرى فيها أنَّ العامري أسلم:
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنَّا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا، أنَّا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهانيّ، أنَّا شريك عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: بما أعرف أنَّك رسول الله ؟
قال: ((أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النَّخلة، أتشهد أني رسول الله؟))
قال: نعم.
قال: فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النَّخلة حتى سقط في الأرض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله ثمَّ قال له: ((ارجع)) فرجع حتى عاد إلى مكانه.
فقال: أشهد أنَّك رسول الله وآمن.
قال البيهقيّ: رواه البخاريّ في (التاريخ) عن محمد بن سعيد الأصبهانيّ.
قلت: ولعلَّه قال أولاً: إنَّه سحر، ثمَّ تبصَّر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عزَّ وجل، والله أعلم.
حديث آخر عن أبي عمر في ذلك:
قال الحاكم أبو عبد الله النّيسابوريّ: أنَّا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنَّا الحسين بن سفيان، أنَّا أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفيّ، ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فأقبل أعرابي فلمَّا دنا منه قال له رسول الله: ((أين تريد؟))
قال: إلى أهلي.
قال: ((هل لك إلى خير؟))
قال: ما هو ؟
قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله)).
قال: هل من شاهد على ما تقول ؟
قال: ((هذه الشَّجرة)).
فدعاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخدُّ الأرض خداً فقامت بين يديه، فاستشهد ثلاثاً فشهدت أنَّه كما قال، ثمَّ إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك.
وهذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه، ولا رواه الإمام أحمد، والله أعلم. (ج/ص:6/138)
باب حنين الجزع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً من فراقه:
وقد ورد من حديث جماعة من الصَّحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان.
الحديث الأول عن أبي كعب:
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشَّافعيّ رحمه الله: حدَّثنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطّفيل بن أُبي بن كعب، عن أبيه قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع.
فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع النَّاس خطبتك ؟
قال: ((نعم)).
فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر، فلمَّا صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه فمرَّ إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثمَّ رجع إلى المنبر، فلمَّا هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أُبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فكان عنده حتَّى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً.
وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقيّ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطّفيل، عن أبي بن كعب فذكره، وعنده فمسحه بيده حتَّى سكن، ثمَّ رجع إلى المنبر، وكان إذا صلَّى صلَّى إليه، والباقي مثله.
وقد رواه ابن ماجه عن إسمعيل بن عبد الله الرقي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي به. (ج/ص:6/139)
الحديث الثاني عن أنس بن مالك:
قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو خيثمة، ثنا عمرو بن يونس الحنفيّ، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب النَّاس.
فجاءه رومي فقال: ألا أصنع لك شيئاً تقعد عليه كأنَّك قائم؟ فصنع له منبراً درجتان ويقعد على الثالثة، فلمَّا قعد نبي الله على المنبر خار كخوار الثَّور، ارتج لخواره حزناً على رسول الله، فنزل إليه رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلمَّا التزمه سكت.
ثمَّ قال: ((والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة حزناً على رسول الله)).
فأمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدفن.
وقد رواه التّرمذيّ عن محمود بن غيلان، عن عمر بن يونس به وقال: صحيح غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عن أنس:
قال الحافظ أبو بكر البزَّار في مسنده: ثنا هدبة، ثنا حماد عن ثابت عن أنس، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان يخطب إلى جذع نخلة فلمَّا اتخذ المنبر تحول إليه فحنَّ، فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى احتضنه فسكن وقال: ((لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة)).
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن خلاد، عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن حماد، عن عمار ابن أبي عمار، عن ابن عبَّاس به، وهذا إسناد على شرط مسلم.
طريق أخرى عن أنس:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا هاشم، ثنا المبارك عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلمَّا كثر النَّاس قال: ((ابنوا لي منبراً)) - أراد أن يسمعهم - فبنوا له عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر.
قال: فأخبر أنس بن مالك أنَّه سمع الخشبة تحنّ حنين الواله.
قال: فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت.
تفرَّد به أحمد.
وقد رواه أبو القاسم البغويّ عن شيبان بن فروخ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس فذكره.
وزاد: فكان الحسن إذا حدَّث بهذا الحديث بكى ثمَّ قال: يا عباد الله الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقاً إليه لمكانه من الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم عن سالم بن عبد الله الخياط، عن أنس بن مالك، فذكره. (ج/ص:6/140)
طريق أخرى عن أنس:
قال أبو نعيم: ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا الحارث بن محمد ابن أبي أسامة، ثنا يعلى بن عباد، ثنا الحكم عن أنس قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فحنَّ الجذع فاحتضنه وقال: ((لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة)).
الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا وكيع، ثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، عن جابر قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع نخلة.
قال: فقالت امرأة من الأنصار - وكان لها غلام نجَّار -: يا رسول الله إنَّ لي غلاماً نجاراً أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه ؟
قال: ((بلى)).
قال: فاتخذ له منبراً.
قال: فلمَّا كان يوم الجمعة خطب على المنبر.
قال: فأنَّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبيّ.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ هذا بكى لما فقد من الذِّكر)) هكذا رواه أحمد.
وقد قال البخاريّ: ثنا عبد الواحد بن أيمن قال: سمعت أبي عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة.
فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً؟
قال: ((إن شئتم)).
فجعلوا له منبراً، فلمَّا كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبيّ، ثمَّ نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فضمَّه إليه يئنّ أنين الصبيّ الذي يسكن.
قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذِّكر عندها.
وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من صحيحه من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه - وهو أيمن الحبشيّ المكيّ مولى ابن أبي عمرة المخزوميّ، عن جابر به. (ج/ص:6/141)
طريق أخرى عن جابر:
قال البخاري: ثنا إسماعيل، حدَّثني أخي عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، حدَّثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنَّه سمع جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخل، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمَّا صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار حتى جاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها فسكنت.
تفرَّد به البخاريّ.
طريق أخرى عنه:
قال الحافظ أبو بكر البزَّار: ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو المساور، ثنا أبو عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح - وهو ذكوان - عن جابر بن عبد الله، وعن إسحاق عن كريب، عن جابر قال: كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقالوا: لو اتخذنا لك مثل الكرسيّ تقوم عليه ؟
ففعل، فحنَّت الخشبة كما تحنّ النَّاقة الحلوج فأتاه فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت.
قال أبو بكر البزَّار: وأحسب أنَّا قد حدَّثناه عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق عن كريب، عن جابر بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة، وحدَّثناه محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنحوه.
والصَّواب إنما هو سعيد ابن أبي كريب، وكريب خطأ، ولا يعلم يروي عن سعيد ابن أبي كريب إلا أبا إسحاق.
قلت: ولم يخرِّجوه من هذا الوجه، وهو جيد.
طريق أخرى عن جابر:
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر بن عبد الله قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى خشبة، فلمَّا جعل له منبر حنَّت حنين النَّاقة فأتاها فوضع يده عليها فسكنت.
تفرَّد به أحمد.
طريق أخرى عن جابر:
قال الحافظ أبو بكر البزَّار: ثنا محمد بن معمر، ثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير عن الزُّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر بن عبد الله قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر فلمَّا جعل المنبر حنَّ الجذع حتى سمعنا حنينه فمسح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده عليه فسكن.
قال البزَّار: لا نعلم رواه عن الزهريّ إلا سليمان بن كثير.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصَّحيح، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب السِّتة.
وقال الحافظ أبو نعيم في (الدَّلائل): ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن رجل سمَّاه، عن جابر.
ثم أورده من طريق أبي عاصم بن علي: عن سليمان بن كثير، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر مثله.
ثمَّ قال: ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا أحمد بن علي الخراز، حدَّثنا عيسى بن المساور، ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعيّ، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر أنَّ رسول الله كان يخطب إلى جذع فلمَّا بني المنبر حنَّ الجذع فاحتضنه فسكن وقال: ((لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة)).
ثمَّ رواه من حديث أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق، عن كريب، عن جابر مثله. (ج/ص:6/142)
طريق أخرى عن جابر:
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزاق، أنَّا ابن جريج وروح قال: حدَّثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلمَّا صنع له منبره واستوى عليه فاضطربت تلك السَّارية كحنين النَّاقة حتَّى سمعها أهل المسجد حتَّى نزل إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعتنقها، فسكنت.
وقال روح: فسكتت، وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه.
طريق أخرى عن جابر:
قال الإمام أحمد: ثنا ابن أبي عديّ عن سليمان، عن أبي نضرة، عن جابر قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم في أصل شجرة - أو قال: إلى جذع - ثمَّ اتخذ منبراً.
قال: فحنَّ الجذع.
قال جابر: حتَّى سمعه أهل المسجد حتَّى أتاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمسحه فسكن.
فقال بعضهم: لو لم يأته لحنَّ إلى يوم القيامة.
وهذا على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه عن بكير بن خلف، عن ابن أبي عدي، عن سليمان التيميّ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبديّ النضريّ، عن جابر به.
الحديث الرابع عن سهل بن سعد:
قال أبو بكر ابن أبي شيبة: ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال: أتوا سهل بن سعد فقالوا: من أي شيء منبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ؟
فقال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلمَّا اتخذ المنبر فصعد حنَّ الجذع حتَّى أتاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوطَّنه حتى سكن.
وأصل هذا الحديث في الصَّحيحين وإسناده على شرطهما.
وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده.
ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب عن عبد الله بن عمر، عن ابن عبَّاس بن سهل، عن أبيه فذكره.
ورواه ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة، عن ابن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه بنحوه. (ج/ص:6/143)
الحديث الخامس عن عبد الله بن عبَّاس:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان، ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتَّخذ المنبر، فلمَّا اتخذ المنبر وتحول إليه حنَّ عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال: ((ولو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة)).
وهذا الإسناد على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة.
الحديث السَّادس عن عبد الله بن عمر:
قال البخاريّ: ثنا محمد بن المثنى حدَّثنا يحيى بن كثير أبو غسَّان، ثنا أبو حفص - واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء - قال: سمعت نافعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فلمَّا اتخذ المنبر تحوَّل إليه، فحنَّ الجذع فأتاه فمسح يده عليه.
وقال عبد الحميد: أنَّا عثمان بن عمر، أنَّا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا.
ورواه أبو عاصم عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا ذكره البخاري.
وقد رواه التّرمذيّ عن عمرو بن علي الفلاس، عن عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير، عن أبي غسَّان العنبريّ، كلاهما عن معاذ بن العلاء به وقال: حسن صحيح غريب.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزيّ في (أطرافه): ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي، وأحمد بن خالد الخلال، وعبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارميّ في آخرين عن عثمان بن عمر، عن معاذ بن العلاء قال: وعبد الحميد هذا - يعني: الذي ذكره البخاري - يقال: إنَّه عبد بن حميد، والله أعلم.
قال شيخنا: وقد قيل: إنَّ قول البخاريّ عن أبي حفص - واسمه عمرو بن العلاء - وهم، والصَّواب معاذ ابن العلاء كما وقع في رواية التّرمذيّ.
قلت: وليس هذا ثابتاً في جميع النسخ، ولم أر في النّسخ التي كتبت منها تسميته بالكلية، والله أعلم.
وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، ومن حديث أبي عاصم عن ابن أبي رواد، كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال: قال تميم الدَّاري: ألا نتخذ لك منبراً فذكر الحديث. (ج/ص:6/144)
طريق أخرى عن ابن عمر:
قال الإمام أحمد: ثنا حسين، ثنا خلف عن أبي خبَّاب - وهو يحيى ابن أبي حية - عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة، أو حدث أمر يريد أن يكلِّم النَّاس.
فقالوا: ألا نجعل لك يا رسول الله شيئاً كقدر قيامك ؟
قال: ((لا عليكم أن تفعلوا))
فصنعوا له منبراً ثلاث مراقي.
قال: فجلس عليه.
قال: فخار الجذع كما تخور البقرة جزعاً على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فالتزمه ومسحه حتى سكن.
تفرَّد به أحمد.
الحديث السَّابع عن أبي سعيد الخدريّ:
قال عبد بن حميد اللَّيثي: ثنا علي بن عاصم عن الجريريّ، عن أبي نضرة العبديّ، حدَّثني أبو سعيد الخدريّ قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة.
فقال له النَّاس: يا رسول الله إنَّه قد كثر النَّاس - يعني: المسلمين - وإنهم ليحبُّون أن يروك فلو اتخذت منبراً تقوم عليه ليراك النَّاس.
قال: ((نعم من يجعل لنا هذا المنبر؟)).
فقام إليه رجل فقال: أنا.
قال: ((تجعله))
قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله.
قال: ((ما اسمك؟))
قال: فلان.
قال: ((أقعد))
فقعد، ثمَّ عاد فقال: ((من يجعل لنا هذا المنبر؟))
فقام إليه رجل فقال: أنا.
فقال: ((تجعله))
قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله.
قال: ((ما اسمك؟))
قال: فلان.
قال: ((أقعد)).
فقعد، ثمَّ عاد فقال: ((من يجعل لنا هذا المنبر؟))
فقام إليه رجل فقال: أنا.
قال: ((تجعله؟))
قال: نعم، ولم يقل إن شاء الله.
قال: ((ما اسمك؟))
قال: فلان.
قال: ((أقعد))
فقعد، ثمَّ عاد فقال: ((من يجعل لنا هذا المنبر؟))
فقام إليه رجل فقال: أنا.
قال: ((تجعله؟))
قال: نعم إن شاء الله.
قال: ((ما اسمك؟))
قال: إبراهيم.
قال: ((اجعله))
فلمَّا كان يوم الجمعة اجتمع النَّاس للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر المسجد فلمَّا صعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنبر فاستوى عليه فاستقبل النَّاس وحنَّت النَّخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد.
قال: فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكنت، ثمَّ عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: ((إنَّ هذه النَّخلة إنما حنَّت شوقاً إلى رسول الله لما فارقها، فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة)).
وهذا إسناد على شرط مسلم، ولكن في السِّياق غرابة، والله تعالى أعلم.
طريق أخرى عن أبي سعيد:
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا مسروق بن المرزبان، ثنا زكريا عن مجالد عن أبي الوداك - وهو جبر بن نوف - عن أبي سعيد قال: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب كل جمعة، حتى أتاه رجل من الرُّوم فقال: إن شئت جعلت لك شيئاً إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم ؟
قال: ((نعم))
قال: فجعل له المنبر فلما جلس عليه حنَّت الخشبة حنين النَّاقة على ولدها حتَّى نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها، فلمَّا كان الغد رأيتها قد حوِّلت.
فقلنا: ما هذا ؟
قالوا: جاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها.
وهذا غريب أيضاً. (ج/ص:6/145)
الحديث الثَّامن عن عائشة رضي الله عنها:
رواه الحافظ من حديث علي بن أحمد الحوار عن قبيصة، عن حبان بن علي، عن صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة، فذكر الحديث بطوله، وفيه أنَّه خيَّره بين الدُّنيا والآخرة فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف، هذا حديث غريب إسناداً ومتناً.
الحديث التَّاسع عن أم سلمة -رضي الله عنها -:
روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو ابن أبي قيس ومعلى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الذهبيّ، عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن، عن أم سلمة قالت: كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر فلمَّا فقدته خارت كما يخور الثَّور حتى سمع أهل المسجد، فأتاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسكنت، هذا لفظ شريك.
وفي رواية معلى بن هلال: أنها كانت من دوم، وهذا إسناد جيد ولم يخرِّجوه.
وقد روى الإمام أحمد والنَّسائيّ من حديث عمار الذهبي عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قوائم منبري في زاوية في الجنَّة)).
وروى النَّسائيّ أيضاً بهذا الإسناد: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنَّة)).
فهذه الطُّرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفنّ، وكذا من تأمَّلها وأنعم فيها النَّظر والتَّأمل مع معرفته بأحوال الرِّجال وبالله المستعان.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد ابن أبي الحسن، ثنا عبد الرَّحمن بن محمد بن إدريس الرَّازيّ قال: قال أبي - يعني أبا حاتم الرَّازيّ -: قال عمرو بن سواد: قال لي الشَّافعيّ: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقلت له: أعطى عيسى إحياء الموتى.
فقال: أعطى محمداً الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتَّى هيء له المنبر، فلمَّا هيء له المنبر حنَّ الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك
تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام:
قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أنَّا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا الكديميّ، ثنا قريش بن أنس، ثنا صالح ابن أبي الأخضر عن الزهريّ، عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلميّ قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته كنت رجلاً أتبع خلوات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلَّم عليه، ثمَّ جلس عن يمين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ جاء عمر فسلَّم وجلس عن يمين أبي بكر، ثمَّ جاء عثمان فسلَّم ثم جلس عن يمين عمر وبين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سبع حصيات - أو قال: تسع حصيات - فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في كف أبي بكر فسبَّحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذه خلافة النبوة)).
قال البيهقيّ: وكذلك رواه محمد بن يسار عن قريش بن أنس، عن صالح بن أبي الأخضر، وصالح لم يكن حافظاً، والمحفوظ عن أبي حمزة، عن الزهريّ قال: ذكر الوليد بن سويد هذا الحديث عن أبي ذر هكذا. (ج/ص:6/147)
قال البيهقيّ: وقد قال محمد بن يحيى الذُّهليّ في الزهريات التي جمع فيها أحاديث الزهريّ: حدَّثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال: ذكر الوليد بن سويد أنَّ رجلاً من بني سليم كبير السِّن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنَّه بينما هو قاعد يوماً في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفَّان، يقول السلميّ: فأنا أظن أنَّ في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلمَّا ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلمَّا ذكره قال: لا تقل في عثمان إلا خيراً، فإني أشهد لقد رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا أنساه حتى أموت، كنت رجلاً ألتمس خلوات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأسمع منه أو لآخذ عنه، فهجَّرت يوماً من الأيام فإذا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنَّه في بيت فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من النَّاس، وكأني حينئذ أرى أنَّه في وحي، فسلَّمت عليه فردَّ السَّلام ثمَّ قال: ((ما جاء بك؟))
فقلت: جاء بي الله ورسوله، فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعاً فسلَّم عليه، فردَّ السَّلام ثم قال: ((ما جاء بك؟))
قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار بيده أن اجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبينها الطَّريق، حتى إذا استوى أبو بكر جالساً فأشار بيده، فجلس إلى جنبي عن يميني، ثمَّ جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الرَّبوة، ثمَّ جاء عثمان فسلَّم، فردَّ السَّلام وقال: ((ما جاء بك؟))
قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الرَّبوة، ثمَّ أشار بيده فقعد إلى جنب عمر، فتكلم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكلمة لم أفقه أولها غير أنَّه قال: ((قليل ما يبقين)) ثمَّ قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك، فسبَّحن في يده حتى سمع لهن حنيناً كحنين النَّخل في كفِّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ ناولهنَّ أبا بكر وجاوزني فسبَّحن في كفِّ أبي بكر كما سبحن في كف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ أخذهن منه فوضعهنَّ في الأرض فخرسن فصرن حصاً، ثمَّ ناولهنَّ عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كفِّ أبي بكر، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهن في الأرض فخرسن، ثمَّ ناولهنَّ عثمان فسبحن في كفِّه نحو ما سبَّحن في كفِّ أبي بكر وعمر، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في الأرض فخرسن.
قال الحافظ ابن عساكر: رواه صالح ابن أبي الأخضر عن الزهري فقال عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلميّ، وقول شعيب أصح.
وقال أبو نعيم في كتاب (دلائل النبوة): وقد روى داود ابن أبي هند عن الوليد بن عبد الرَّحمن الحرشيّ، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر مثله.
ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيّب عن أبي سعيد قال: وفيه عن أبي هريرة، وقد تقدَّم ما رواه البخاريّ: عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطَّعام وهو يؤكل.
حديث آخر في ذلك:
روى الحافظ البيهقيّ من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقاص قال: حدَّثني أبو أمي مالك بن حمزة ابن أبي أسيد السَّاعديّ عن أبيه، عن جده أبي أسيد السَّاعديّ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للعبَّاس بن عبد المطَّلب: ((يا أبا الفضل لا ترم منزلك غداً أنت وبنوك حتى آتيكم فإنَّ لي فيكم حاجة)).
فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال: ((السَّلام عليكم))
فقالوا: وعليك السَّلام ورحمة الله وبركاته.
قال: ((كيف أصبحتم؟))
قالوا: أصبحنا بخير نحمد الله فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؟
قال: ((أصبحت بخير أحمد الله)) فقال لهم: ((تقاربوا تقاربوا، يزحف بعضكم إلى بعض)).
حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: ((يا رب هذا عميّ وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النَّار كسترتي إيَّاهم بملاءتي هذه)).
وقال: فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين. (ج/ص:6/148)
وقد رواه أبو عبد الله بن ماجه في سننه مختصراً عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهرويّ، عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقَّاص الوقَّاصيّ الزهريّ، روى عنه جماعة وقد قال ابن معين: لا أعرفه.
وقال أبو حاتم: يروي أحاديث مشبهة.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى ابن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن طهمان، حدَّثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنِّي لأعرف حجراً بمكة كان يسلِّم عليّ قبل أن أبعث، إنِّي لأعرفه الآن)).
رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن يحيى ابن أبي بكير به.
ورواه أبو داود الطَّيالسيّ عن سليمان بن معاذ، عن سماك به.
حديث آخر:
قال التّرمذيّ: ثنا عباد بن يعقوب الكوفيّ، ثنا الوليد ابن أبي ثور عن السديّ، عن عبَّاد ابن أبي يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السَّلام عليك يا رسول الله.
ثمَّ قال: وهذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد ابن أبي ثور، وقالوا عن عباد ابن أبي يزيد منهم: فروة ابن أبي الفرا.
ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة عن السدي، عن أبي عمارة الحيواني، عن علي قال: خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجعل لا يمرّ على شجر ولا حجر إلا سلَّم عليه.
وقدَّمنا في المبعث أنَّه عليه السلام لما رجع وقد أوحي إليه جعل لا يمرّ بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال له: السَّلام عليك يا رسول الله.
وذكرنا في وقعة بدر، ووقعة حنين رميه عليه السلام بتلك القبضة من التُّراب وأمره أصحابه أن يتبعوها بالحملة الصَّادقة فيكون النَّصر والظَّفر، والتَّأييد عقب ذلك سريعاً، أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الأنفال: ((وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)) الآية.
وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الأحاديث بأسانيده وألفاظه بما أغني عن إعادته ههنا، ولله الحمد والمنة. (ج/ص:6/149)
حديث آخر:
ذكرنا في غزوة الفتح أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما دخل المسجد الحرام فوجد الأصنام حول الكعبة فجعل يطعنها بشيء في يده ويقول: ((جاء الحقّ، وزهق الباطل، إنَّ الباطل كان زهوقاً، قل: جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)).
وفي رواية أنَّه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خرَّ لقفاه، وفي رواية: إلا سقط.
وقال البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللَّخمي قالا: ثنا بشر بن بكير، أنَّا الأوزاعيّ عن ابن شهاب أنَّه قال: أخبرني القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصّديق عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا مستترة بقرام فهتكه، ثمَّ قال: ((إنَّ أشدَّ النَّاس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله)).
قال الأوزاعيّ: وقالت عائشة: أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بترس فيه تمثال عقاب فوضع عليه يده فأذهبه الله عزَّ وجل
ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النُّبوة:
قصّة البعير النَّاد وسجوده له، وشكواه إليه.
قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسين، ثنا خلف بن خليفة عن حفص - هو ابن عمر - عن عمه أنس بن مالك قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وأنَّه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وأنَّ الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالوا: إنَّه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزَّرع والنَّخل.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه: ((قوموا)) فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحوه.
فقالت الأنصار: يا رسول الله إنَّه قد صار مثل الكَلْبْ الكَلِب وإنَّا نخاف عليك صولته.
فقال: ((ليس عليَّ منه بأس)).
فلمَّا نظر الجمل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقبل نحوه حتى خرَّ ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل.
فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن أحقّ أن نسجد لك.
فقال: ((لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقِّه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصَّديد ثمَّ استقبلته فلحسته ما أدَّت حقه)).
وهذا إسناد جيد، وقد روى النَّسائيّ بعضه من حديث خلف بن خليفة به. (ج/ص:6/150)
رواية جابر في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا مصعب بن سلام سمعته من أبي مرتين، ثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النَّجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه، قال: فذكروا ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعاً مشفره إلى الأرض حتَّى برك بين يديه.
قال: فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هاتوا خطاماً)) فخطمه ودفعه إلى صاحبه.
قال: ثمَّ التفت إلى النَّاس فقال: ((إنَّه ليس شيء بين السَّماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجنّ والإنس)).
تفرَّد به الإمام أحمد، وسيأتي عن جابر من وجه أخر، بسياق آخر إن شاء الله، وبه الثِّقة.
رواية ابن عبَّاس:
قال الحافظ أبو القاسم الطَّبرانيّ: ثنا بشر بن موسى، ثنا يزيد بن مهران أخو خالد الجيار، ثنا أبو بكر ابن عيَّاش عن الأجلح، عن الذيال بن حرملة، عن ابن عبَّاس قال: جاء قوم إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله إنَّ لنا بعيراً قد ندَّ في حائط.
فجاء إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((تعال)) فجاء مطأطئاً رأسه حتى خطمه، وأعطاه أصحابه.
فقال له أبو بكر الصِّديق: يا رسول الله كأنَّه علم أنَّك نبيّ.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجنِّ والإنس)).
وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جداً، والأشبه رواية الإمام أحمد عن جابر، اللَّهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال عن جابر عن ابن عباس، والله أعلم.
طريق أخرى عن ابن عبَّاس:
قال الحافظ أبو القاسم الطَّبرانيّ: ثنا العبَّاس بن الفضل الأسفاطيّ، ثنا أبو عون الزياديّ، ثنا أبو عزة الدباغ عن أبي يزيد المدينيّ، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطاً فسدَّ عليهما الباب، ثمَّ جاء إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأراد أن يدعو له، والنَّبيّ قاعد معه نفر من الأنصار.
فقال: يا نبيَّ الله إني جئت في حاجة فإنَّ فحلين لي اغتلما، وإني أدخلتهما حائطاً وسددت عليهما الباب، فأحبّ أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي.
فقال لأصحابه: ((قوموا معنا)) فذهب حتى أتى الباب فقال: ((افتح)) فأشفق الرَّجل على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقال: إفتح ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريباً من الباب فلمَّا رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سجد له.
فقال رسول الله: ((إئت بشيء أشدّ رأسه وأمكنك منه)) فجاء بخطام فشدَّ رأسه وأمكنه منه، ثمَّ مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلمَّا رآه وقع له ساجداً.
فقال للرَّجل: ((إئتني بشيء أشدّ رأسه)) فشدَّ رأسه وأمكنه منه.
فقال: ((إذهب فإنهما لا يعصيانك)).
فلمَّا رأى أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك قالوا: يا رسول الله هذان فحلان سجدا لك أفلا نسجد لك ؟
قال: ((لا آمر أحداً أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).
وهذا إسناد غريب، ومتن غريب. (ج/ص:6/151)
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه (دلائل النبوة) عن أحمد بن حمدان السحريّ، عن عمر بن محمد بن بجير البحتريّ، عن بشر بن آدم، عن محمد بن عون أبي عون الزياديّ به.
وقد رواه أيضاً من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي الورقاء، عن عبد الله ابن أبي أوفى، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنحو ما تقدَّم، عن ابن عبَّاس.
رواية أبي هريرة:
قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه: أخبرنا أحمد بن حمدان، أنَّا عمر بن محمد بن بجير، حدَّثنا يوسف بن موسى، حدَّثنا جرير عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: انطلقنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ناحية، فأشرفنا إلى حائط فإذا نحن بناضح فلمَّا أقبل النَّاضح رفع رأسه فبصر برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع جرانه على الأرض.
فقال أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: فنحن أحقّ أن نسجد لك من هذه البهيمة.
فقال: ((سبحان الله أدون الله؟ ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد دون الله، ولو أمرت أحد أن يسجد لشيء من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).
رواية عبد الله بن جعفر في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد، ثنا مهدي بن ميمون عن محمد ابن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر.
ح، وثنا بهز وعفَّان قالا: ثنا مهدي، ثنا محمد ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم خلفه فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحبّ ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فأتى جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه.
وقال بهز وعفَّان: فلمَّا رأى رسول الله حنَّ وذرفت عيناه فمسح رسول الله سراته وذفراه فسكن فقال: ((من صاحب الجمل؟))
فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله.
فقال: ((أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنَّه شكا إلي أنَّك تجيعه وتدئبه)).
وقد رواه مسلم من حديث مهدي بن ميمون به. (ج/ص:6/152)
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك:
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصَّمد وعفَّان قالا: ثنا حماد - هو ابن سلمة - عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له.
فقال أصحابه: يا رسول الله تسجد لك البهائم والشَّجر فنحن أحقّ أن نسجد لك.
فقال: ((اعبدوا ربَّكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله)).
وهذا الإسناد على شرط السّنن.
وإنما روى ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن عفَّان، عن حماد به: ((لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) إلى آخره.
رواية يعلى بن مرة الثقفيّ أو هي قصة أخرى:
قال الإمام أحمد: ثنا أبو سلمة الخزاعيّ، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة، عن حبيب ابن أبي جبيرة، عن يعلى بن سيابة قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى، ثمَّ أمرهما فرجعتا إلى منابتهما، وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض ثمَّ جرجر حتى ابتل ما حوله.
فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتدرون ما يقول البعير؟ إنَّه يزعم أنَّ صاحبه يريد نحره)).
فبعث إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أواهبه أنت لي؟))
فقال: يا رسول الله مالي مال أحب إليَّ منه.
فقال: ((استوص به معروفاً)).
فقال: لا جرم لا أكرم مالاً لي كرامته يا رسول الله.
قال: وأتى على قبر يعذب صاحبه.
فقال: ((إنَّه يعذب في غير كبير)) فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال: ((عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة)). (ج/ص:6/153)
طريق أخرى عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزاق، أنَّا معمر عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن جعفر، عن يعلى بن مرة الثَّقفيّ قال: ثلاثة أشياء رأيتهنَّ من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلمَّا رآه البعير جرجر ووضع جرانه، فوقف عليه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أين صاحب هذا البعير؟))
فجاء فقال: ((بعنيه))
فقال: لا بل أهبه لك.
فقال: ((لا بل بعنيه)).
قال: لا بل نهبه لك إنَّه لأهل بيت مالهم معيشة غيره.
قال: ((أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى لكثرة العمل، وقلَّة العلف فأحسنوا إليه)).
قال: ثمَّ سرنا فنزلنا منزلاً فنام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته، ثمَّ رجعت إلى مكانها، فلمَّا استيقظ ذكرت له فقال: ((هي شجرة استأذنت ربها عزَّ وجل في أن تسلم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأذن لها)).
قال: فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنَّة فأخذ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمنخره فقال: ((أخرج إني محمد رسول الله)).
قال: ثمَّ سرنا فلمَّا رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجزر ولبن، فأمرها أن تردَّ الجزر، وأمر أصحابه فشربوا من اللَّبن فسألها عن الصَّبيّ.
فقالت: والذي بعثك بالحقّ ما رأينا منه ريباً بعدك.
طريق أخرى عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا عثمان بن حكيم، أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال: لقد رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثاً ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي: لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنَّا ببعض الطَّريق مررنا بامرأة جالسة معها صبيّ لها فقالت: يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة.
قال: ((ناولينيه)) فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرَّحل، ثمَّ فغر فاه فنفث فيه ثلاثاً وقال: ((بسم الله أنا عبد الله إخسأ عدو الله)) ثمَّ ناولها إيَّاه.
فقال: ((إلقينا في الرَّجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل)).
قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث.
فقال: ((ما فعل صبيك؟))
فقالت: والذي بعثك بالحقّ ما حسسنا منه شيئاً حتى السَّاعة فاجترر هذه الغنم.
قال: ((إنزل فخذ منها واحدة وردَّ البقية)).
قال: وخرجت ذات يوم إلى الجبَّانة حتى إذا برزنا قال: ((ويحك انظر هل ترى من شيء يواريني؟))
قلت: ما أرى شيئاً يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك.
قال: ((فما بقربها؟))
قلت: شجرة مثلها، أو قريب منها.
قال: ((فاذهب إليهما فقل: إنَّ رسول الله يأمركما أن تجتمعا بإذن الله)).
قال: فاجتمعتا فبرز لحاجته، ثمَّ رجع فقال: ((اذهب إليهما فقل لهما: إنَّ رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها)) فرجعت.
قال: وكنت معه جالساً ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين يديه، ثمَّ ذرفت عيناه فقال: ((ويحك أنظر لمن هذا الجمل، إنَّ له لشأناً؟))
قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه.
فقال: ((ما شأن الجمل هذا؟))
فقال: وما شأنه ؟
قال: لا أدري والله ما شأنه، عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السِّقاية، فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه.
قال: ((فلا تفعل هبه لي أو بعنيه))
قال: بل هو لك يا رسول الله، فوسمه بسمة الصَّدقة، ثمَّ بعث به. (ج/ص:6/154)
طريق أخرى عنه:
قال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا الأعمش بن المنهال عن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أتته امرأة بابن لها قد أصابه لمم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أخرج عدوَّ الله، أنا رسول الله)).
قال: فبرأ، فأهدت إليه كبشين وشيئاً من أقط، وشيئاً من سمن.
قال: فقال رسول الله: ((خذ الأقط والسَّمن وأحد الكبشين، ورد عليها الآخر)).
ثمَّ ذكر قصّة الشَّجرتين كما تقدَّم.
وقال أحمد: ثنا أسود، ثنا أبو بكر ابن عياش عن حبيب ابن أبي عمرة، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى قال: ما أظن أن أحداً من النَّاس رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا دون ما رأيت، فذكر أمر الصبيّ، والنَّخلتين، وأمر البعير إلا أنَّه قال: ((ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد نحره))
قال: صدقت والذي بعثك بالحق، قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل.
طريق أخرى عنه:
روى البيهقيّ عن الحاكم وغيره، عن الأصمّ، ثنا عبَّاس بن محمد الدوريّ، ثنا حمدان بن الأصبهانيّ، ثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده قال: رأيت من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: كنت معه في طريق مكة فمرَّ بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لمماً أشدَّ منه.
فقالت: يا رسول الله ابني هذا كما ترى.
فقال: ((إن شئت دعوت له)) فدعا له.
ثمَّ مضى فمرَّ على بعير ناد جرانه يرغو فقال: ((عليَّ بصاحب هذا البعير)) فجيء به فقال: ((هذا يقول: نتجت عندهم فاستعملوني حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحرونيّ)).
قال: ثمَّ مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي: ((إذهب فمرهما فليجتمعا لي)).
قال: فاجتمعتا فقضى حاجته.
قال: ثمَّ مضى، فلمَّا انصرف مرَّ على الصبيّ وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به وهيأت أمه أكبشاً فأهدت له كبشين وقالت: ما عاد إليه شيء من اللَّمم.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من شيء إلا ويعلم أني رسول الله إلا كفرة أو فسقة الجنّ والإنس)). (ج/ص:6/155)
فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظَّن أو القطع عند المتبحرين، أنَّ يعلى بن مرة حدَّث بهذه القصة في الجملة، وقد تفرَّد بهذا كله الإمام أحمد دون أصحاب الكتب السِّتة، ولم يرو أحد منهم شيئاً سوى ابن ماجه فإنَّه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن يحيى بن سليم، عن خيثم، عن يونس بن خبَّاب، عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد.
وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في كتابه: (دلائل النبوة) وطرقه من وجوه كثيرة، ثمَّ أورد حديث عبد الله بن قرط اليمانيّ قال: جيء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ.
وقد قدَّمت الحديث في حجَّة الوداع.
قلت: قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشَّجرتين، وذكرنا آنفاً عن غير واحد من الصَّحابة نحواً من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا، فالله أعلم.
وسيأتي حديث الصَّبيّ الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى.
وقد روى الحافظ البيهقيّ عن أبي عبد الله الحاكم وغيره، عن أبي العبَّاس الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزُّبير، عن جابر قال: خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد فنزلنا منزلاً بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر.
فقال لي: يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا، فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فأتى شجرتان بينهما أذرع فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا جابر انطلق فقل لهذه الشَّجرة: يقول لك رسول الله: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما)) ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى قضى حاجته، ثمَّ رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا الطَّير تظلنا، وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشَّيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرَّحل فقال: ((إخسأ عدوَّ الله، أنا رسول الله)) وأعاد ذلك ثلاث مرات ثمَّ ناولها إيَّاه، فلمَّا رجعنا وكنَّا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصَّبيّ تحمله.
فقالت: يا رسول الله إقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحقّ إن عاد إليه بعد.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذوا أحدهما وردُّوا الآخر)). (ج/ص:6/156)
قال: ثمَّ سرنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيننا فجاء جمل نادّ فلمَّا كان بين السماطين خرَّ ساجداً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاس من صاحب هذا الجمل؟))
فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله.
قال: ((فما شأنه؟))
قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلمَّا كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تبيعونيه؟))
قالوا: يا رسول الله هو لك.
قال: ((فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله)).
قالوا: يا رسول الله نحن أحقّ أن نسجد لك من البهائم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو كان ذلك كان النِّساء لأزواجهن)).
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي الصفراء عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد.
ثمَّ قال البيهقيّ: وحدَّثنا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو بكر بن إسحاق، أنَّا الحسين بن علي بن زياد، ثنا أبو حمنة، ثنا أبو قرة عن زياد - هو ابن سعد - عن أبي الزبير أنَّه سمع يونس بن خبَّاب الكوفيّ يحدِّث أنَّه سمع أبا عبيدة يحدِّث: عن عبد الله بن مسعود، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد.
قال: فلم يجد شيئاً يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشَّجرتين، وقصَّة الجمل بنحو من حديث جابر.
قال البيهقيّ: وحديث جابر أصحّ.
قال: وهذه الرِّواية ينفرد بها زمعة بن صالح، عن زياد - أظنه ابن سعد - عن أبي الزُّبير.
قلت: وقد يكون هذا أيضاً محفوظاً ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرة بل يشهد لهما، ويكون هذا الحديث عند أبي الزُّبير محمد بن مسلم بن تدرس المكيّ، عن جابر، وعن يونس بن خبَّاب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، والله أعلم.
وروى البيهقيّ من حديث معاوية بن يحيى الصَّيرفيّ - وهو ضعيف - عن الزهريّ، عن خارجة بن زيد، عن أسامة بن زيد حديثاً طويلاً نحو سياق حديث يعلى بن مرة، وجابر بن عبد الله، وفيه قصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فناولته.
ثمَّ قال: ((ناوليني الذِّراع)).
فقلت: كم للشَّاة من ذراع ؟
فقال: ((والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت)).
ثمَّ ذكر قصة النَّخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجماً خلف النَّخلات، وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده، وبالله المستعان. (ج/ص:6/157)
وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرَّازيّ عن شبيب بن شيبة، عن بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة قال: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرأينا عجباً، فذكر قصَّة الشَّجرتين واستتاره بهما عند الخلاء، وقصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع وقوله: ((بسم الله أنا رسول الله أخرج عدوَّ الله)) فعوفي، ثمَّ ذكر قصَّة البعيرين النَّادَّين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدَّم في البعير الواحد فلعلَّ هذه قصة أخرى، والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصَّة جمله الذي كان قد أعيي وذلك مرجعهم من تبوك، وتأخره في أخريات القوم فلحقه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فدعا له وضربه فسار سيراً لم يسر مثله حتى جعل يتقدَّم أمام النَّاس.
وذكرنا شراءه عليه السلام منه، وفي ثمنه اختلاف كثير وقع من الرُّواة لا يضرّ أصل القصَّة كما بينَّاه.
وتقدَّم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع صوتاً بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ، وركب الفرسان نحو ذلك الصَّوت فوجدوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك الأمر فلم يجد له حقيقة، وكان قد ركبه عرياً لا شيء عليه وهو متقلد سيفاً فرجع وهو يقول: ((لن تراعوا، لن تراعوا، ما وجدنا من شيء، وإن وجدناه لبحراً)).
أي: لسابقاً وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك اللَّيلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار، وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.
حديث آخر غريب في قصة البعير:
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه (دلائل النُّبوة) - وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد -: أخبرني أبو علي الفوارسيّ، حدَّثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلان القواس، حدَّثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الرَّاسبيّ، حدَّثنا عبد الرَّحمن بن عليّ البصريّ، حدَّثنا سلامة بن سعيد بن زياد ابن أبي هند الرَّازيّ، حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدِّه، حدَّثنا غنيم بن أوس - يعني: الرَّازيّ - قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فزعاً.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أيُّها البعير اسكن فإن تك صادقاً فلك صدقك، وإن تك كاذباً فعليك كذبك، مع أنَّ الله تعالى قد أمَّن عائذنا، ولا يخاف لائذنا)).
قلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟
قال: ((هذا بعير همَّ أهله بنحره فهرب منهم، فاستغاث بنبيكم)).
فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون فلمَّا نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منَّا منذ ثلاثة أيَّام فلم نلقه إلا بين يديك.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يشكو مُرَّ الشِّكاية)).
فقالوا: يا رسول الله ما يقول ؟
قال: ((يقول: إنَّه رَبِيَ في إبلكم جواراً وكنتم تحملون عليه في الصَّيف إلى موضع الكلأ، فإذا كان الشِّتاء رحلتم إلى موضع الدفء)).
فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله.
فقال: ما جزاء العبد الصَّالح من مواليه ؟
قالوا: يا رسول الله فإنَّا لا نبيعه ولا ننحره.
قال: ((فقد استغاث فلم تغيثوه وأنا أولى بالرَّحمة منكم لأنَّ الله نزع الرَّحمة من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين)).
فاشتراه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمائة درهم ثمَّ قال: ((أيُّها البعير انطلق فأنت حرٌّ لوجه الله)).
فرغا على هامة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقال رسول الله: ((آمين)).
ثمَّ رغا الثَّانية.
فقال: ((آمين)).
ثمَّ رغا الثَّالثة.
فقال: ((آمين)).
ثمَّ رغا الرَّابعة، فبكى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟
قال: يقول: جزاك الله أيُّها النَّبيّ عن الإسلام والقرآن خيراً.
قلت: ((آمين)).
قال: سكَّن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكَّنت رعبيّ.
قلت: ((آمين)).
قال: حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي.
قلت: ((آمين)).
قال: لا جعل الله بأسها بينها.
فبكيت وقلت: ((هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة، وأخبرني جبريل عن الله أنَّ فناء أمتك بالسَّيف فجرى القلم بما هو كائن)). (ج/ص:6/158)
قلت: هذا الحديث غريب جداً لم أر أحداً من هؤلاء المصنفين في (الدَّلائل) أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضاً، والله أعلم.
حديث في سجود الغنم له صلَّى الله عليه وسلَّم:
قال أبو محمد عبد الله بن حامد أيضاً: قال يحيى بن صاعد: حدَّثنا محمد بن عوف الحمصيّ، حدَّثنا إبراهيم بن العلاء الزُّبيديّ، حدَّثنا عباد بن يوسف الكنديّ أبو عثمان، حدَّثنا أبو جعفر الرَّازيّ عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: دخل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حائطاً للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار وفي الحائط غنم فسجدت له.
فقال أبو بكر: يا رسول الله كنَّا نحن أحق بالسّجود لك من هذه الغنم.
فقال: ((إنَّه لا ينبغي أن يسجد أحد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).
غريب وفي إسناده من لا يُعرف.
قصَّة الذِّئب وشهادته بالرِّسالة:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا يزيد، ثنا القاسم بن الفضل الحدانيّ عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: عدا الذِّئب على شاة فأخذها، فطلبه الرَّاعي فانتزعها منه، فأقعى الذِّئب على ذنبه.
فقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟
فقال: يا عجبي ذئب يكلِّمني كلام الأنس !
فقال الذِّئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بيثرب يخبر النَّاس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الرَّاعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمَّ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنودي: الصَّلاة جامعة ثمَّ خرج فقال للرَّاعي: ((أخبرهم)) فأخبرهم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم السَّاعة حتى يكلِّم السِّباع الأنس، ويكلِّم الرَّجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده)).
وهذا إسناد على شرط الصَّحيح، وقد صححه البيهقيّ.
ولم يروه إلا التّرمذيّ من قوله: ((والذي نفسي بيده لا تقوم السَّاعة حتى يكلِّم السِّباع الأنس)) إلى آخره عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن القاسم بن الفضل.
ثمَّ قال: وهذا حديث حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث القاسم وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثَّقه يحيى وابن مهدي. (ج/ص:6/159)
طريق أخرى عن أبي سعيد الخدريّ:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا أبو اليمان، أنَّا شعيب، حدَّثني عبد الله ابن أبي حسين، حدَّثني شهر أنَّ أبا سعيد الخدريّ حدَّثه عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا عليه ذئب فأخذ شاة من غنمه، فأدركه الأعرابي فاستنقذها منه وهجهجه فعانده الذِّئب يمشي، ثمَّ أقعى مشتذفراً بذنبه يخاطبه فقال: أخذت رزقاً رزقنيه الله.
قال: واعجباً من ذئب مستذفر بذنبه يخاطبني !
فقال: والله إن لتترك أعجب من ذلك.
قال: وما أعجب من ذلك ؟
قال: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في النَّخلتين بين الحرَّتين يحدِّث النَّاس عن أنباء ما قد سبق، وما يكون بعد ذلك.
قال: فنعق الأعرابي بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة، ثمَّ مشى إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى ضرب عليه بابه، فلمَّا صلَّى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أين الأعرابي صاحب الغنم؟))
فقام الأعرابي فقال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حدِّث النَّاس بما سمعت، وبما رأيت)).
فحدَّث الأعرابي النَّاس بما رأى من الذِّئب وما سمع منه.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك: ((صدق آيات تكون قبل السَّاعة، والذي نفسي بيده لا تقوم السَّاعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده)).
وهذا على شرط أهل السنن ولم يخرجوه.
وقد رواه البيهقيّ من حديث النفيلي قال: قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد فذكره.
ثمَّ رواه الحاكم وأبو سعيد بن عمرو عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن عبد الجيد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد فذكره.
ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الرَّحمن بن يزيد بن تميم عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي سعيد فذكره. (ج/ص:6/160)
حديث أبي هريرة في ذلك:
قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزاق، أنَّا معمر عن أشعث بن عبد الملك، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الرَّاعي حتى انتزعها منه.
قال: فصعد الذِّئب على تل فأقعى فاستذفر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عزَّ وجل انتزعته مني.
فقال الرَّجل: لله إذا رأيت كاليوم ذئباً يتكلم.
فقال الذِّئب: أعجب من هذا رجل في النَّخلات بين الحرَّتين يخبركم بما مضى، وما هو كائن بعدكم.
وكان الرجل يهودياً، فجاء إلى النَّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسلم، وخبره فصدقه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قال رسول الله: ((إنها أمارة من أمارات بين يدي السَّاعة، قد أوشك الرَّجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدِّثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده)).
تفرَّد به أحمد، وهو على شرط السنن ولم يخرجوه، ولعلَّ شهر بن حوشب قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة أيضاً، والله أعلم.
حديث أنس في ذلك:
قال أبو نعيم في (دلائل النُّبوة): ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى بن منده، ثنا علي بن الحسن بن سالم، ثنا الحسين الرفا عن عبد الملك بن عمير، عن أنس.
ح، وحدَّثنا سليمان - هو الطَّبرانيّ -، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، ثنا هشام بن يونس اللُّؤلؤيّ، ثنا حسين بن سليمان الرفا عن عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تبوك فشردت عليَّ غنمي فجاء الذِّئب فأخذ منها شاة فاشتدَّ الرعاء خلفه.
فقال: طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني ؟
قال: فبهت القوم.
فقال: ما تعجبون من كلام الذِّئب، وقد نزل الوحي على محمد فمن مصدّق ومكذّب.
ثمَّ قال أبو نعيم: تفرَّد به حسين بن سليمان عن عبد الملك.
قلت: الحسين بن سليمان الرفا هذا يقال له: الطلخي كوفي، أورد له ابن عدي عن عبد الملك بن عمير أحاديث ثمَّ قال: لا يتابع عليها.
حديث ابن عمر في ذلك:
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو سعد المالينيّ، أنَّا أبو أحمد بن عدي، ثنا عبد الله ابن أبي داود السَّجستانيّ، ثنا يعقوب بن يوسف ابن أبي عيسى، ثنا جعفر بن حسن، أخبرني أبو حسن، ثنا عبد الرَّحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذ جاء الذِّئب فأخذ شاة ووثب الرَّاعي حتى انتزعها من فيه.
فقال له الذِّئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ؟
فقال له الرَّاعي: العجب من ذئب يتكلم.
فقال الذِّئب: أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامي ذلك الرَّجل في النَّخل يخبر النَّاس بحديث الأوَّلين والآخرين أعجب من كلامي.
فانطلق الرَّاعي حتى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، وأسلم.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حدِّث به النَّاس)).
قال الحافظ ابن عدي: قال لنا أبو بكر ابن أبي داود: ولد هذا الرَّاعي يقال لهم: بنو مكلِّم الذِّئب، ولهم أموال ونعم وهم من خزاعة، واسم مكلِّم الذِّئب: أهبان قال: ومحمد بن أشعث الخزاعيّ من ولده. (ج/ص:6/161)
قال البيهقيّ: فدلَّ على اشتهار ذلك، وهذا مما يقوِّي الحديث.
وقد روى من حديث محمد بن إسماعيل البخاريّ في (التاريخ): حدَّثني أبو طلحة، حدَّثني سفيان بن حمزة الأسلميّ سمع عبد الله بن عامر الأسلميّ عن ربيعة بن أوس، عن أنس بن عمرو، عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي فكلَّمه الذِّئب وأسلم.
قال البخاري: إسناده ليس بالقوي.
ثمَّ روى البيهقيّ عن أبي عبد الرَّحمن السلميّ سمعت الحسين بن أحمد الرَّازيّ سمعت أبا سليمان المقري يقول: خرجت في بعض البلدان على حمار فجعل الحمار يحيد بي عن الطَّريق فضربت رأسه ضربات، فرفع رأسه إليَّ وقال: لي اضرب يا أبا سليمان فإنما على دماغك هو ذا يضرب.
قال: قلت له: كلَّمك كلاماً يفهم !
قال: كما تكلِّمني وأكلمك.
حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب:
وقد قال سعيد بن مسعود: ثنا حبان بن علي، ثنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأوس الحارثيّ، عن أبي هريرة قال: جاء الذِّئب فأقعى بين يدي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجعل يبصبص بذنبه.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذا وافد الذِّئاب، جاء ليسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئاً)).
قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجراً فرماه، فأدبر الذِّئب وله عواء.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الذِّئب وما الذِّئب)).
وقد رواه البيهقيّ عن الحاكم، عن أبي عبد الله الأصبهانيّ، عن محمد بن مسلمة، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل به.
ورواه الحافظ أبو بكر البزَّار عن محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل، عن مكحول، عن أبي هريرة فذكره.
وعن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأوبر، عن أبي هريرة قال: صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً صلاة الغداة ثمَّ قال: ((هذا الذِّئب وما الذِّئب جاءكم يسألكم أن تعطوه أو تشركوه في أموالكم)).
فرماه رجل بحجر فمرَّ، أو ولى وله عواء.
وقال محمد بن إسحاق عن الزّهريّ، عن حمزة ابن أبي أسيد قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع فإذا الذِّئب مفترشاً ذراعيه على الطَّريق فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذا جاء يستفرض فافرضوا له)).
قالوا: ترى رأيك يا رسول الله ؟
قال: ((من كل سائمةٍ شاة في كل عام)).
قالوا: كثير.
قال: فأشار إلى الذِّئب أن خالسهم، فانطلق الذِّئب، رواه البيهقيّ. (ج/ص:6/162)
وروى الواقديّ عن رجل سمَّاه، عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه.
فقال: ((هذا وافد السِّباع إليكم فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئاً لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه واحترزتم منه فما أخذ فهو رزقه)).
فقالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء.
فأومأ إليه بأصابعه الثَّلاث أن خالسهم قال: فولى وله عواء.
وقال أبو نعيم: ثنا سليمان بن أحمد، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، ثنا الأعمش عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أنَّ جهينة قال: أتت وفود الذِّئاب قريب من مائة ذئب حين صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأقعين.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذه وفود الذِّئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهنَّ من قوت طعامكم، وتأمنوا على ما سواه)) فشكوا إليه الحاجة.
قال: ((فأدبروهم)).
قال: فخرجن ولهنَّ عواء.
وقد تكلَّم القاضي عياض على حديث الذِّئب، فذكر عن أبي هريرة وأبي سعيد، وعن أهبان ابن أوس، وأنَّه كان يقال له: مكلِّم الذِّئب قال: وقد روى ابن وهب أنَّه جرى مثل هذا لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية مع ذئب وجداه أخذ صبياً فدخل الصَّبيّ الحرم، فانصرف الذِّئب، فعجبا من ذلك.
فقال الذِّئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنَّة، وتدعونه إلى النَّار.
فقال أبو سفيان: واللات والعزى لأن ذكرت هذا بمكة ليتركنها أهلوها.
قصة الوحش الذي كان في بيت النَّبيّ وكان يحترمه عليه السلام ويوقِّره ويجلّه:
قال الأعرابي أحمد: حدَّثنا أبو نعيم، ثنا يونس عن مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: كان لآل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحش فإذا خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحسَّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في البيت كراهية أن يؤذيه.
ورواه أحمد أيضاً عن وكيع وعن قطن كلاهما عن يونس - وهو ابن أبي إسحاق السبيعي - وهذا الإسناد على شرط الصَّحيح ولم يخرِّجوه، وهو حديث مشهور، والله أعلم.
قصة الأسد:
وقد ذكرنا في ترجمة سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثه حين انكسرت بهم السَّفينة فركب لوحاً منها حتى دخل جزيرة في البحر فوجد فيها الأسد فقال له: يا أبا الحارث إني سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال: فضرب منكبي وجعل يحاذيني حتى أقامني على الطَّريق، ثمَّ همهم ساعة، فرأيت أنَّه يودعني. (ج/ص:6/163)
وقال عبد الرَّزاق: ثنا معمر عن الحجبي، عن محمد بن المنكدر أنَّ سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخطأ الجيش بأرض الرُّوم، أو أسر في أرض الرُّوم فانطلق هارباً يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد.
فقال: يا أبا الحارث إني مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلَّما سمع صوته أهوى إليه، ثمَّ أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى أبلغه الجيش، ثمَّ رجع الأسد عنه.
رواه البيهقيّ.
حديث الغزالة:
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ رحمه الله في كتابه (دلائل النبوة): حدَّثنا سليمان بن أحمد إملاءً، ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفيّ عن صالح المريّ، عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك قال: مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط.
فقالت: يا رسول الله إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم.
فقال: ((أين صاحب هذه؟))
فقال القوم: نحن يا رسول الله.
قال: خلُّوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم.
فقالوا: من لنا بذلك ؟
قال: ((أنا)).
فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثمَّ رجعت إليهم فأوثقوها، فمرَّ بهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أين أصحاب هذه؟))
فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله.
فقال: ((تبيعونيها؟))
فقالوا: هي لك يا رسول الله.
فقال: ((خلُّوا عنها)).
فأطلقوها فذهبت.
وقال أبو نعيم: حدَّثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفيّ - من أصله - ثنا أحمد بن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة، ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد، ثنا حبان بن أغلب بن تميم، ثنا أبي عن هشام بن حبان، عن الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف: يا رسول الله، يا رسول الله.
قال: ((فالتفت فلم أر أحداً))
قال: ((فمشيت غير بعيد، فإذا الهاتف يا رسول الله، يا رسول الله، قال: ((التفت فلم أر أحداً)) وإذا الهاتف يهتف بي، فاتبعت الصَّوت وهجمت على ظبية مشدودة الوثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشَّمس.
فقالت الظَّبية: يا رسول الله إنَّ هذا الأعرابي صادني قبل ولي خشفان في هذا الجبل فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثمَّ أعود إلى وثاقي.
قال: ((وتفعلين؟))
قالت: عذَّبني الله عذاب العشار إن لم أفعل.
فأطلقها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت.
قال: فبينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوثقها إذا انتبه الأعرابي.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أصبتها قبيلاً فلك فيها من حاجة ؟
قال: قلت: ((نعم)).
قال: هي لك، فأطلَقَهَا فخرجت تعدو في الصَّحراء فرحاً وهي تضرب برجليها في الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله. (ج/ص:6/164)
قال أبو نعيم: وقد رواه آدم ابن أبي إياس فقال: حدَّثني حبي الصَّدوق نوح بن الهيثم عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به.
وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه (دلائل النبُّوة) من حديث إبراهيم بن مهدي عن ابن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن هشام بن حبان، عن الحسن بن ضبة ابن أبي سلمة به.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة، أنَّا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشَّيبانيّ، ثنا أحمد بن حازم ابن أبي عروة الغفاريّ، ثنا علي بن قادم، ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية، عن أبي سعيد قال: مرَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثمَّ أرجع فتربطني.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صيد قوم، وربيطة قوم)).
قال: فأخذ عليها فحلفت له.
قال: فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم، فوهبوها له فحلَّها.
ثمَّ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً أبداً)).
قال البيهقيّ: وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنَّا أبو علي حامد بن محمد الهرويّ، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو حفص عمر بن علي، ثنا يعلى بن إبراهيم الغزاليّ، ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير، عن يزيد بن أرقم قال: كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض سكك المدينة.
قال: فمررنا بخباء أعرابي فإذا بظبية مشدودة إلى الخباء.
فقالت: يا رسول الله إنَّ هذا الأعرابي اصطادني، وإنَّ لي خشفين في البرية وقد تعقد اللَّبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح، ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البريَّة.
فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن تركتك ترجعين؟))
قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار.
قال: فأطلقها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلم تلبث أن جاءت تلمض فشدَّها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الخباء، وأقبل الأعرابي ومعه قربة.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتبيعنيها؟))
قال: هي لك يا رسول الله.
فأطلقها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البريَّة وهي تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ورواه أبو نعيم: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر، ثنا بشر بن موسى فذكره.
قلت: وفي بعضه نكارة والله أعلم.
وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللَّبن: حديث تلك الشَّاة التي جاءت وهي في البريَّة فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحسن بن سعيد مولى أبي بكر أن يحلبها فحلبها، وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ذهب بها الذي جاء بها)).
وهو مروي من طريقين عن صحابيين كما تقدم، والله أعلم. (ج/ص:6/165)
حديث الضَّـب على ما فيه من النكارة والغرابة:
قال البيهقيّ: أنَّا أبو منصور أحمد بن علي الدَّامغانيّ من ساكني قرية نامين من ناحية بيهق - قراءة عليه من أصل كتابه - ثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ - في شعبان سنة اثنتين وثلثمائة - ثنا محمد بن الوليد السلميّ، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا معمر بن سليمان، ثنا كهمس عن داود ابن أبي هند، عن عامر بن عمر، عن عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله، فلمَّا رأى الجماعة قال: ما هذا ؟
قالوا: هذا الذي يذكر أنَّه نبي فجاء فشق النَّاس.
فقال: واللات والعزى ما شملت السَّماء على ذي لهجة أبغض إلي منك، ولا أمقت منك، ولولا أن يسميني قومي عجولاً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم.
فقال عمر بن الخطَّاب: يا رسول الله دعني فأقوم فأقتله.
قال: ((يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبياً)).
ثمَّ أقبل على الأعرابي وقال: ((ما حملك على أن قلت ما قلت غير الحق، ولم تكرمني في مجلسي؟))
فقال: وتكلمني أيضاً؟ استخفافاً برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضـَّب - وأخرج الضَّـب من كمِّه وطرحه بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا ضبّ)).
فأجابه الضَّـبّ بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعاً: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة.
قال: ((من تعبد يا ضبّ؟))
قال: الذي في السَّماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنَّة رحمته، وفي النَّار عقابه.
قال: ((فمن أنا يا ضبّ؟))
فقال: رسول رب العالمين وخاتم النَّبيّين، وقد أفلح من صدَّقك، وقد خاب من كذَّبك.
فقال الأعرابي: والله لا أتبع أثراً بعد عين، والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إليَّ منك، وإنَّك اليوم أحبّ إليَّ من والدي، ومن عيني ومنيّ، وإني لأحبك بداخلي وخارجي، وسري وعلانيتي، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله.
فقال رسول الله: ((الحمد لله الذي هداك بي، إنَّ هذا الدِّين يعلو ولا يُعلى، ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل الصَّلاة إلا بقرآن.
قال: فعلِّمني.
فعلمه ((قل هو الله أحد)).
قال: زدني فما سمعت في البسيط ولا في الوجيز أحسن من هذا.
قال: ((يا أعرابي إنَّ هذا كلام الله ليس بشعر، إنَّك إن قرأت ((قل هو الله أحد)) مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن، وإن قرأتها مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن، وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله)).
قال الأعرابي: نعم الإله إلهنا يقبل اليسير ويعطي الجزيل.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ألك مال؟))
فقال: ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه: ((أعطوه فأعطوه حتى أبطروه)).
قال: فقام عبد الرَّحمن بن عوف فقال: يا رسول الله إنَّ له عندي ناقة عشراء دون البختية وفوق الأعرى، تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك، أتقرب بها إلى الله عزَّ وجل فأدفعها إلى الأعرابي ؟
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وصفت ناقتك فأصف مالك عند الله يوم القيامة؟))
قال: نعم.
قال: ((لك ناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر، وعنقها من زبرجد أصفر، عليها هودج وعلى الهودج السّندس والاستبرق، وتمرُّ بك على الصِّراط كالبرق الخاطف، يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة)).
فقال عبد الرَّحمن: قد رضيت، فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم ألف سيف وألف رمح.
فقال لهم: أين تريدون ؟
قالوا: نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله.
قال: لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحدَّثهم الحديث.
فقالوا بأجمعهم: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثمَّ دخلوا فقيل لرسول الله فتلقَّاهم بلا رداء، ونزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا عنه وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ثمَّ قالوا: يا رسول الله مرنا بأمرك.
قال: كونوا تحت راية خالد بن الوليد.
فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم. (ج/ص:6/166)
قال البيهقيّ: قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في (المعجزات) بالإجازة عن أبي أحمد ابن عدي الحافظ.
قلت: ورواه الحافظ أبو نعيم في (الدَّلائل) عن أبي القاسم بن أحمد الطَّبرانيّ - إملاءً وقراءةً -، حدَّثنا محمد بن علي بن الوليد السلميّ البصري أبو بكر بن كنانة فذكر مثله.
ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن محمد بن علي بن الوليد السلميّ.
قال البيهقيّ: روي في ذلك عن عائشة وأبي هريرة، وما ذكرناه هو أمثل الأسانيد فيه وهو أيضاً ضعيف، والحمل فيه على هذا السلميّ، والله أعلم.
حديث الحمار:
وقد أنكره غير واحد من الحفَّاظ الكبار فقال أبو محمد بن عبد الله بن حامد: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حمدان السحركي، حدَّثنا عمر بن محمد بن بجير، حدَّثنا أبو جعفر محمد بن يزيد إملاءً، أنَّا أبو عبد الله محمد بن عقبة بن أبو الصَّهباء، حدَّثنا أبو حذيفة عن عبد الله بن حبيب الهذلي، عن أبي عبد الرَّحمن السلميّ، عن أبي منظور قال: لما فتح الله على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب وفضة، وحمار أسود ومكتل.
قال: فكلَّم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحمار، فكلمه الحمار فقال له: ((ما اسمك؟))
قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً كلَّهم لم يركبهم إلا نبي لم يبق من نسل جديّ غيريّ، ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت أتوقعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهوديّ وكنت أعثر به عمداً، وكان يجيع بطنيّ، ويضرب ظهريّ.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((سميتك يعفور، يا يعفور)).
قال: لبيك.
قال: ((تشتهي الإناث؟))
قال: لا، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرَّجل، فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدَّار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فلمَّا قُبض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن النبهان فتردَّى فيها فصارت قبره جزعاً منه على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. (ج/ص:6/167)
حديث الحمرة وهو طائر مشهور
قال أبو داود الطَّيالسيّ: ثنا المسعوديّ عن الحسن بن سعد عن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن مسعود قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، فدخل رجل غيطة فأخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترف على رسول الله وأصحابه فقال: ((أيُّكم فجع هذه؟))
فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضتها.
فقال: ((ردَّه ردَّه رحمةً بها)).
وروى البيهقيّ عن الحاكم وغيرهم عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشَّيبانيّ، عن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما.
قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي تفرش.
فقال: ((من فجع هذه بفرخيها؟))
قال: فقلنا: نحن.
قال: ((ردَّوهما)).
فرددناهما إلى موضعهما فلم ترجع.
حديث آخر في ذلك وفيه غرابة:
قال البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن الحسين بن داود العلويّ قالا: ثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب الأمويّ، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكنديّ، ثنا محمد بن الصَّلت، ثنا حبان، ثنا أبو سعيد البقَّال عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد الحاجة أبعد.
قال: فذهب يوماً فقعد تحت سمرة ونزع خفيه.
قال: ولبس أحدهما فجاء طير فأخذ الخفَّ الآخر فحلَّق به في السَّماء فانسلت منه أسود سالح.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هذه كرامة أكرمني الله بها، اللَّهم إني أعوذ بك من شرِّ ما مشى على رجليه، ومن شرِّ ما يمشي على بطنه)). (ج/ص:6/168)
حديث آخر:
قال البخاريّ: ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ حدَّثني أبي عن قتادة قال: حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رجلين من أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرجا من عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما، فلمَّا افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله.
وقال عبد الرَّزاق: أنَّا معمر عن ثابت، عن أنس أنَّ أسيد بن حضير الأنصاريّ ورجلاً آخر من الأنصار تحدَّثا عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حاجة لهما حتى ذهب من اللَّيل ساعة وهي ليلة شديدة الظلمة حتى خرجا من عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينقلبان وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصى أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطَّريق أضاءت للآخر عصاه حتى مشى في ضوئها حتى أتى كل واحد منهما ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
وقد علقه البخاريّ فقال: وقال معمر: فذكره.
وعلَّقه البخاريّ أيضاً عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أنَّ عبَّاد بن بشر، وأسيد بن حضير خرجا من عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذكر مثله.
وقد رواه النَّسائيّ عن أبي بكر ابن نافع، عن بشر بن أسيد.
وأسنده البيهقيّ من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن حماد بن سلمة به.
حديث آخر:
قال البيهقيّ: أنَّا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد الله بن موسى، أنَّا كامل بن العلاء عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنَّا نصلي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العشاء وكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً فإذا عاد عادا، فلمَّا صلَّى جعل واحداً ههنا وواحداً ههنا، فجئته فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟
قال: ((لا)) فبرقت برقة.
فقال: ((إلحقا بأمِّكما)) فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا. (ج/ص:6/169)
حديث آخر:
قال البخاري في (التَّاريخ): حدَّثني أحمد بن الحجاج، ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن يزيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتفرَّقنا في ليلة ظلماء دحمسة فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير.
ورواه البيهقيّ من حديث إبراهيم بن المنذر الحزاميّ عن سفيان بن حمزة.
ورواه الطَّبرانيّ من حديث إبراهيم ابن حمزة الزهري، عن سفيان بن حمزة به.
حديث آخر:
قال البيهقيّ: حدَّثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو محمد بن أحمد بن عبد الله المدني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرميّ، ثنا أبو كريب، ثنا يزيد بن الحباب، ثنا عبد الحميد ابن أبي عبس الأنصاريّ من بني حارثة، أخبرني ميمون بن زيد ابن أبي عبس، أخبرني أبي أنَّ أبا عبس كان يصلي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصَّلوات ثمَّ يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة مطيرة فنور له في عصاه حتى دخل دار بني حارثة.
قال البيهقيّ: أبو عبس ممن شهد بدراً.
قلت: وروينا عن يزيد بن الأسود - وهو من التَّابعين -: أنَّه كان يشهد الصَّلاة بجامع دمشق من جسرين فربما أضاءت له إبهام قدمه في اللَّيلة المظلمة.
وقد قدَّمنا في قصة إسلام الطّفيل بن عمرو الدُّوسيّ بمكة قبل الهجرة، وأنَّه سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آية يدعو قومه بها، فلمَّا ذهب إليهم وانهبط من الثنية أضاء له نور بين عينيه.
فقال: اللَّهم لا يقولوا هو مثلة فحوله الله إلى طرف سوطه حتى جعلوا يرونه مثل القنديل
حديث آخر فيه كرامة لتميم الدَّاري:
روى الحافظ البيهقيّ من حديث عفَّان بن مسلم عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار بالحرَّة فجاء عمر إلى تميم الدَّاري فقال: قم إلى هذه النَّار.
قال: يا أمير المؤمنين ومن أنا؟ وما أنا ؟
قال: فلم يزل به حتى قام معه.
قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النَّار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشِّعب، ودخل تميم خلفها.
قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثاً. (ج/ص:6/170)
حديث فيه كرامة لولي من هذه الأمة:
وهي معدودة من المعجزات لأنَّ كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه.
قال الحسن بن عروة: ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبي سبرة النخعيّ قال: أقبل رجل من اليمن فلمَّا كان ببعض الطَّريق نفق حماره، فقام فتوضأ ثمَّ صلَّى ركعتين ثمَّ قال: اللَّهم إني جئت من الدفينة مجاهداً في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنَّك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد عليَّ اليوم منة أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه.
قال البيهقيّ: هذا إسناد صحيح، ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشَّريعة.
قال البيهقيّ: وكذلك رواه محمد بن يحيى الذُّهليّ وغيره عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبيّ وكأنَّه عند إسماعيل عنهما، والله أعلم.
طريق أخرى:
قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا في كتاب (من عاش بعد الموت): حدَّثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا: ثنا محمد بن عبيد عن إسماعيل ابن أبي خالد عن الشِّعبيّ أنَّ قوماً أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله، فنفق حمار رجل منهم فأرادوه أن ينطلق معهم فأبى، فقام فتوضأ وصلَّى ثمَّ قال: اللَّهم إني جئت من الدَّفينة مجاهداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وإني أشهد أنَّك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد علي منَّة فإذاً أطلب إليك أن تبعث لي حماري، ثمَّ قام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه وألجمه، ثمَّ ركبه وأجراه فلحق بأصحابه.
فقالوا له: ما شأنك ؟
قال: شأني أنَّ الله بعث حماري.
قال الشِّعبيّ: فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة - يعني: بالكوفة -.
قال ابن أبي الدُّنيا: وأخبرني العبَّاس بن هشام عن أبيه، عن جدِّه، عن مسلم بن عبد الله بن شريك النَّخعيّ أنَّ صاحب الحمار رجل من النَّخع يقال له: نباتة بن يزيد، خرج في زمن عمر غازياً حتى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصَّة غير أنَّه قال: فباعه بعد الكناسة.
فقيل له: تبيع حمارك وقد أحياه الله لك ؟
قال: فكيف أصنع ؟
وقد قال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت:
ومنَّا الذي أحيا الإلهُ حمارَهُ * وقدْ مَاتَ منهُ كلُّ عضوٍ وَمفصلِ
وقد ذكرنا في باب رضاعه عليه السلام ما كان من حمارة حليمة السَّعدية وكيف كانت تسبق الرَّكب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو رضيع وقد كانت أدمت بالرَّكب في مسيرهم إلى مكة، وكذلك ظهرت بركته عليهم في شارفهم - وهي النَّاقة التي كانوا يحلبونها - وشياههم وسمنهم، وكثرة ألبانها - صلوات الله وسلامه عليه -. (ج/ص:6/171)
قصَّة أخرى مع قصَّة العلاء بن الحضرميّ:
قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا: حدَّثني خالد بن خداش بن عجلان المهلَّبيّ وإسماعيل بن بشار قالا: ثنا صالح المزيّ عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك قال: عدنا شاباً من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب.
وقال بعضنا لأمه: احتسبيه.
قالت: وقد مات ؟
قلنا: نعم، فمدَّت يديها إلى السَّماء وقالت: اللَّهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فإذا نزلت بي شدَّة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللَّهم لا تحمل علي هذه المصيبة.
قال: فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا.
وقد رواه البيهقيّ عن أبي سعيد الماليني، عن ابن عدي، عن محمد بن طاهر بن أبي الدميك، عن عبد الله بن عائشة، عن صالح بن بشير المزنيّ - أحد زهَّاد البصرة وعبَّادها مع لين في حديثه - عن أنس فذكر القصَّة.
وفيه أنَّ أمَّ السَّائب كانت عجوزاً عمياء