تدوين القرآن الكريم
أربعة أعمال : مجيدة , وخالدة , وهامة , في تاريخ النص القرآنى الشريف0
الأول : تدوين القرآن الكريم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم.
الثانى : جمع القرآن الكريم , وتدوينه , فى عهد أبى بكر رضى الله عنه 0
والثالث : جمع القرآن الكريم , وتدوينه , فى عهد عثمان رضى الله عنه 0
والرابع : وضع النقط والشكل فى المصحف الشريف , فى عهد التابعين رضوان الله عليهم 0
* * *
* * *
ولقد اهتم المسلمون اهتماما بالغا بتدوين القرآن الكريم , فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم , وبين يديه , وباملائه عليه الصلاة والسلام0
حتى تحقق لهم :
تدوين القرآن جميعه , فى زمان الرسول صلى الله عليه وسلم بإقرار منه 0
وبمحضر من جميع الصحابة , الذين كانوا يعرفون الكتابة جيدا , وهم كثرة يفيد نقلهم العلم الضرورى 0
- ب-
وأمن المسلمون بذلك من ضياع السند الكتابى للقرآن الكريم 0
* * *
* * *
كما اهتموا بجمع القرآن , وتدوينه , فى عهد أبى بكر رضى الله عنه , من حيث :
الدوافع 0
والاقناع والاقتناع 0
وطريقة التنفيذ 0
حتى تحقق لهم :
جمع القرآن من الصحف والقطع المتناثرة , التى كان مكتوبا فيها 0
وتدوينه فى مصحف واحد 0
وأمن المسلمون بذلك : من المخاوف التى تنبه لها البعض , وحذَّر منها حينئذ 0
* * *
* * *
كما اهتموا – ثالثا – بجمع القرآن , وتدوينه , فى عهد عثمان رضى الله عنه , من حيث :
الدوافع 0
والإقناع والإقتناع 0
- جـ -
وطريقة التنفيذ 0
حتى تحقق لهم :
نسخ المصاحف العثمانية من مصحف أبى بكر 0 وإرسالها إلى الأمصار الإسلامية العديدة 0
وأمن المسلمون بذلك : من المخاوف التى تنبه لها البعض , وحذَّر منها حينئذ 0
* * *
* * *
كما اهتموا - رابعا – بوضع النَّقْط والشكل فى المصحف الشريف , فى عهد التابعين , من حيث :
الدوافع 0
والإقناع والإقتناع 0
وطريقة التنفيذ 0
حتى تحقق لهم :
وضع النَّقْط والشكل فى المصحف الشريف , بشكل رائع ؛ يقيه من : لحن الألْسُن , وصعوبة التلاوة 0
وأمن المسلمون بذلك : من المخاوف التى تنبه لها البعض وحذَّر منها حينئذ 0
* * *
* * *
- د -
هذا 00
ولئن كان كتابنا "قصة النقط والشكل فى المصحف الشريف " قد تكفل بالحديث عن هذا العمل الرابع الرائع فى مجال خدمة النص القرآنى الشريف 0 !!
فإن هذا الكتاب : يتناول بالتفصيل والتوضيح الجهود العملاقة , التى تمت في "تدوين القرآن الكريم " فى عهوده الثلاثة 0
ويقدمها لأبناء الإسلام , فى هذا الجيل , وكل جيل 0
يدحضون بها : افتراءات أعداء الإسلام 0
ويرون فيها : ألوان الحفظ لكتاب الله تعالى ؛ إذ يقول ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )[الحجر 9] 0
ويحملون الراية بهديها لخدمة الإسلام: واعين , جادَّين (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا المصير ) صدق الله العظيم 0
............................................................................................0
* كتابه عليه الصلاة والسلام :
كان للرسول صلى الله عليه وسلم كتبة متخصصون فى الكتابة له عليه السلام 0
بل كان له كذلك منهم : متخصصون فى أنواع معينة من الكتابات ، كما سنرى على الوجه التالى :-
أولا – كتّابه عليه الصلاة والسلام على وجه العموم :
تذكر المراجع العلمية (32) أنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب : -
1- أبو بكر رضى الله عنه 22- سعيد بن العاص
2- أبى بن كعب 23- سعيد بن سعيد بن العاص
3- أبو أيوب الأنصارى 24- السجل (33)
4- أبو سلمة المخزومى 25- سعد بن أبى وقاص
5- أبو سفيان بن حرب 26- شرحبيل بن حسنة
6- أبان بن أبى سفيان 27- طلحة بن عبيد الله
7- الأرقم بن أبى الأرقم 28- عمر بن الخطاب
8- أبو رافع القبطى 29- عثمان بن عفان
9- بريدة بن الحصيب 30- على بن أبى طالب
10- ثابت بن قيس 31- عبد الله بن رواحة
11- جهيم بن الصلت 32- عبد الله بن عبيد الله بن أبى بن سلول
12- حنظلة بن الربيع 33- عبد الله بن سعد بن أبى السرح 13- حويطب بن عبد العزى 34- عبد الله بن زيد
14- الحصين بن نمير النميرى 35- عبد الله بن عبد رب الأسد 15- حذيفة بن اليمان 36- عامر بن فهيرة
16- حاطب بن عمرو 37- عمرو بن العاص
17- خالد بن الوليد 38- العلاء بن الحضرمى
18- خالد بن سعيد بن العاص 39- العلاء بن عقبة
19- خالد بن زيد 40- عبد الله بن الأرقم
20- زيد بن ثابت 41- معاوية بن أبى سفيان
21- الزبير بن العوام 42- معيقيب بن أبى فاطمة
43- المغيرة بن شعبة 44- معاذ بن جبل
45- محمد بن مسلمة 46- يزيد بن أبى سفيان 0
ثانيا - الكتَّاب المتخصصون :
وقد حظى هذا البحث بأن عثر – بفضل الله تعالى - على ما يفيد : تقدم فن الكتابة فيما قبل الإسلام وإبَّان ظهوره ؛ إذ وصل الأمر ببعض الناس من الإجادة درجة أهلته للتخصص والاشتهار بنوع من أنواعها 0
حيث نجد من كتاب رسول الله من تخصص منهم للكتابة بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم فيما يلى :-
1- فى كتابة المعاملات والمدانيات وسائر العقود : -
أ- عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهرى 0
ب- العلاء بن عقبة 0
وكانا يكتبان كذلك : فى هذه الامور بين الناس (30)0
2- كتابة مغانم رسول الله صلى الله عليه وسلم (30)
معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى 0
3- الكتابة فيما يعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حوائجه وأموره : (30)
أ- المغيرة بن شعبة 0
ب- الحصين بن نمير 0
جـ - سعيد بن العاص 0
4- كتابة أموال الصدقات : (34)
أ- الزبير بن العوام 0
ب- جهيم بن الصلت 0
5- الكتابة فى خَرْص النخل : (35)
حذيفة بن اليمان 0
6- كتابة العهود والمصالحات (36)
على بن أبى طالب 0
7- ومن كتاب الرسائل له عليه الصلاة والسلام (37)
أ – زيد بن ثابت 0
ب – عبد الله بن الأرقم الزهرى0
جـ - أبى بن كعب 0
8- وممن كان يقوم بدلا عن كل واحد ممن هؤلاء :
حنظلة بن الربيع بن صيفى الأسيدى 0
ومعنى ذلك :
أنه كان إذا غاب أحد ممن تقدم ذكرهم من الكتاب ؛ قام حنظلة هذا بكتابة ما ينفرد به هذا الغائب 0
أى أنه كان يشغل ما يشبه وظيفة " نائب الكتاب " 0
ولذا كان يسمى : حنظلة الكاتب (30)
9- وممن كان يكتب إلى الملوك والرؤساء الأجانب , باللغات الأجنبية ، بجانب قيامه باعمال الترجمة : التحريرية , والفورية له عليه الصلاة والسلام (30) - كما سبقت الاشارة إلى ذلك :
زيد بن ثابت 0
10- وممن كان يكتب الوحى :
لقد كتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانوا يحرصون على ذلك أشد الحرص – كل من تقدم ذكرهم ، وغير من تقدم0
وتشير المراجع إلى أن : أول من كتب له عليه السلام فى ذلك بمكة من قريش (38) :
عبد الله بن سعد بن أبى سرح 0
وأول من 0
كتب له حين قدم المدينة :
زيد بن ثابت (38)
وأبى بن كعب (39)
وألزمهم
له فى هذا الشأن وأخصهم به : (14)
زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبى سفيان
وملاحظاتنا على هذا التعداد الذى تحاوله المراجع :
1- انه ليس تعدادا على وجه الحصر والقطع بعدد معين , كما صرح بذلك بعض الباحثين (40) 0
ذلك : أنه لم يقم على ما نعرف من وسائل الإحصاء وسبل الحصر العلمية , التى تكشفت عنها علوم هذا العصر 0
وأيضا فإنه لم يذكر إلا من ثبت على كتابته , واتصلت أيامه فيها , وطالت مدته وصحت الرواية على ذلك من أمره , دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة ؛ إذ كان يستحق بذلك أن يسمى كاتبا , ويصاف الى جملة كتابه " (30)
ولذا فهناك غير هؤلاء كثيرون :
2- أنه إذا كان هذا هو الحال فى المسلمين , وهم بالنسبة الى جميع العرب – وقتها – لا يمثلون الغالبية 00!!
فما بالنا بأعداد الكتاب فى غير هؤلاء المسلمين 00 ؟ !! لابد وأنهم على هذا : كانوا أعدادا كثيرة , وكانوا كذلك مجيدين لأنواع الكتابات المختلفة 0
مما يؤكد لنا : أن الذين كتبوا القرآن الكريم 00 لم يكن يعتور كتابتهم الخطأ , أو يشوب معرفتهم بها أى نقص , أو خلل , كما يدعى بعض الباحثين (4) 0
* كتابه عليه الصلاة والسلام :
كان للرسول صلى الله عليه وسلم كتبة متخصصون فى الكتابة له عليه السلام 0
بل كان له كذلك منهم : متخصصون فى أنواع معينة من الكتابات ، كما سنرى على الوجه التالى :-
أولا – كتّابه عليه الصلاة والسلام على وجه العموم :
تذكر المراجع العلمية (32) أنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب : -
1- أبو بكر رضى الله عنه 22- سعيد بن العاص
2- أبى بن كعب 23- سعيد بن سعيد بن العاص
3- أبو أيوب الأنصارى 24- السجل (33)
4- أبو سلمة المخزومى 25- سعد بن أبى وقاص
5- أبو سفيان بن حرب 26- شرحبيل بن حسنة
6- أبان بن أبى سفيان 27- طلحة بن عبيد الله
7- الأرقم بن أبى الأرقم 28- عمر بن الخطاب
8- أبو رافع القبطى 29- عثمان بن عفان
9- بريدة بن الحصيب 30- على بن أبى طالب
10- ثابت بن قيس 31- عبد الله بن رواحة
11- جهيم بن الصلت 32- عبد الله بن عبيد الله بن أبى بن سلول
12- حنظلة بن الربيع 33- عبد الله بن سعد بن أبى السرح 13- حويطب بن عبد العزى 34- عبد الله بن زيد
14- الحصين بن نمير النميرى 35- عبد الله بن عبد رب الأسد 15- حذيفة بن اليمان 36- عامر بن فهيرة
16- حاطب بن عمرو 37- عمرو بن العاص
17- خالد بن الوليد 38- العلاء بن الحضرمى
18- خالد بن سعيد بن العاص 39- العلاء بن عقبة
19- خالد بن زيد 40- عبد الله بن الأرقم
20- زيد بن ثابت 41- معاوية بن أبى سفيان
21- الزبير بن العوام 42- معيقيب بن أبى فاطمة
43- المغيرة بن شعبة 44- معاذ بن جبل
45- محمد بن مسلمة 46- يزيد بن أبى سفيان 0
ثانيا - الكتَّاب المتخصصون :
وقد حظى هذا البحث بأن عثر – بفضل الله تعالى - على ما يفيد : تقدم فن الكتابة فيما قبل الإسلام وإبَّان ظهوره ؛ إذ وصل الأمر ببعض الناس من الإجادة درجة أهلته للتخصص والاشتهار بنوع من أنواعها 0
حيث نجد من كتاب رسول الله من تخصص منهم للكتابة بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم فيما يلى :-
1- فى كتابة المعاملات والمدانيات وسائر العقود : -
أ- عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهرى 0
ب- العلاء بن عقبة 0
وكانا يكتبان كذلك : فى هذه الامور بين الناس (30)0
2- كتابة مغانم رسول الله صلى الله عليه وسلم (30)
معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى 0
3- الكتابة فيما يعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حوائجه وأموره : (30)
أ- المغيرة بن شعبة 0
ب- الحصين بن نمير 0
جـ - سعيد بن العاص 0
4- كتابة أموال الصدقات : (34)
أ- الزبير بن العوام 0
ب- جهيم بن الصلت 0
5- الكتابة فى خَرْص النخل : (35)
حذيفة بن اليمان 0
6- كتابة العهود والمصالحات (36)
على بن أبى طالب 0
7- ومن كتاب الرسائل له عليه الصلاة والسلام (37)
أ – زيد بن ثابت 0
ب – عبد الله بن الأرقم الزهرى0
جـ - أبى بن كعب 0
8- وممن كان يقوم بدلا عن كل واحد ممن هؤلاء :
حنظلة بن الربيع بن صيفى الأسيدى 0
ومعنى ذلك :
أنه كان إذا غاب أحد ممن تقدم ذكرهم من الكتاب ؛ قام حنظلة هذا بكتابة ما ينفرد به هذا الغائب 0
أى أنه كان يشغل ما يشبه وظيفة " نائب الكتاب " 0
ولذا كان يسمى : حنظلة الكاتب (30)
9- وممن كان يكتب إلى الملوك والرؤساء الأجانب , باللغات الأجنبية ، بجانب قيامه باعمال الترجمة : التحريرية , والفورية له عليه الصلاة والسلام (30) - كما سبقت الاشارة إلى ذلك :
زيد بن ثابت 0
10- وممن كان يكتب الوحى :
لقد كتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانوا يحرصون على ذلك أشد الحرص – كل من تقدم ذكرهم ، وغير من تقدم0
وتشير المراجع إلى أن : أول من كتب له عليه السلام فى ذلك بمكة من قريش (38) :
عبد الله بن سعد بن أبى سرح 0
وأول من 0
كتب له حين قدم المدينة :
زيد بن ثابت (38)
وأبى بن كعب (39)
وألزمهم
له فى هذا الشأن وأخصهم به : (14)
زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبى سفيان
وملاحظاتنا على هذا التعداد الذى تحاوله المراجع :
1- انه ليس تعدادا على وجه الحصر والقطع بعدد معين , كما صرح بذلك بعض الباحثين (40) 0
ذلك : أنه لم يقم على ما نعرف من وسائل الإحصاء وسبل الحصر العلمية , التى تكشفت عنها علوم هذا العصر 0
وأيضا فإنه لم يذكر إلا من ثبت على كتابته , واتصلت أيامه فيها , وطالت مدته وصحت الرواية على ذلك من أمره , دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة ؛ إذ كان يستحق بذلك أن يسمى كاتبا , ويصاف الى جملة كتابه " (30)
ولذا فهناك غير هؤلاء كثيرون :
2- أنه إذا كان هذا هو الحال فى المسلمين , وهم بالنسبة الى جميع العرب – وقتها – لا يمثلون الغالبية 00!!
فما بالنا بأعداد الكتاب فى غير هؤلاء المسلمين 00 ؟ !! لابد وأنهم على هذا : كانوا أعدادا كثيرة , وكانوا كذلك مجيدين لأنواع الكتابات المختلفة 0
مما يؤكد لنا : أن الذين كتبوا القرآن الكريم 00 لم يكن يعتور كتابتهم الخطأ , أو يشوب معرفتهم بها أى نقص , أو خلل , كما يدعى بعض الباحثين (4) 0
............................................................................................
التدوين فى عهد الرسول
الكتاب
تتوافر المراجع العلمية : على إثبات أن مجلس النبى عليه الصلاة والسلام كان يحظى بعدد وفير من الكتاب , الذي يبتهلون فرصة نزول الوحى عليه ، لتسجيل آيات القرآن الكريم وألفاظه , بالتدوين فى صحائفهم وألواحهم , بين يديه وباملائه , صلى الله عليه وسلم 0
كما أنها تذكر كذلك : أعدادا كثيرة من الكتاب , كانت تحرص أيضا على تدوين ما كان ينزل من الوحى ؛ بالرغم من بعدها عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة نزول الوحى به 0
وهؤلاء الكتاب : كثيرون ، بلغ احصاؤهم أخيرا نيفا وأربعين كاتبا كما مر فى التمهيد (1)0
ونكتفى هنا أن نذكر – مرة أخرى - أن : ألزمهم له فى كتابة القرآن , واخصهم بذلك من بين الكتاب , كان :
زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبى سفيان
كما كان أول من كتب له القرآن عليه الصلاة والسلام بمكة من قريش هو :
عبد الله بن أبى سرح
وأن أول من كتب له القرآن حين قدم المدينة كان :
زيد بن ثابت 0
وأبى بن كعب 0
وهؤلاء جميعا : كانوا ممن برعوا فى الكتابة يومئذ , وممن وضع
فيهم النبى عليه الصلاة والسلام ثقته , لأنهم مع حذقهم فى الكتابة , جمعوا
فضائل الكتاب من :
الأمانة , والضبط وإرهاف السمع ووعى القلب (2)0
وقد كتب هؤلاء الكتاب آيات القرآن الكريم : كما أملاهاعليهم النبى صلى الله عليه وسلم ، وفى المكان الذى يحدده لهذه الآية , أو تلك 0
فقد كان صلى الله عليه وسلم "إذا نزل عليه شئ – من القرآن – دعا بعض من يكتب , فيقول : ضعوا هذه الآيات فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا ) 0 (3)
بهذا الشكل : كان النبى صلى الله عليه وسلم يملى عليهم مباشرة , فيكتبون ما نزل بحضرته , ويعرضون عليه مرة بعد اخرى حتى يقرهم 0 (4)
ولم تقتصر كتابة القرآن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم على ما كان يكتب بين يديه , ومن إملائه فقط : بل كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم يكتب ما تعلمه من القرآن ، فيما تيسر له من الصحف وغيره , بعيدا عنه ؛ نظرا لمشاغله وعدم فراغه , أو نظرا لكونه فى غزوة أو سرية منعته من كتابة مانزل وقت نزوله وبين يديه صلى الله عليه وسلم 0 (5)
ولعله لوجود فريق من الناس يكتبون القرآن بعيدا عنه صلى الله عليه وسلم : ورد عنه – حفظا للقرآن من التخليط – قوله نهيا " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن , فمن كتب عنى شيئا سوى القرآن فليمحه " 0(6)
وبهذا النهى : انصرفت همة الناس إلى كتابة القرآن الكريم وحده , آنذاك وتسجيله , حتى زمن الاختفاء فى أوائل الإسلام لم تمنعهم ظروفهم من ذلك , فكانوا يكتبون , ويتدارسون القرآن من هذه الصحائف فى البيوت , وكان المشركون يسمون هذه الدراسة إذ ذاك "الهينمة " (4) 0
ومن شواهد ذلك : حديث عمر بن الخطاب مع أخته قبل إسلامه , وهى
المشهورة بقصة اسلام عمر (7)0
وقد حفلت كتب السنة بالروايات التى تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم إهتم بكتابة القرآن 0
وأنه اتخذ كتابا –كما أشرنا – لهذا الغرض 0
وأن القرآن كتب كله فى عهده وحضرته بمكة والمدينة , بكل اتقان وضبط (8) من أوله إلى آخره , فى صحائف وقراطيس متفرقة 0
وكانت هذه الصحائف والقراطيس : أغلى من أنفسهم , وأنفس لديهم من كل نفيس , وأحب إليهم من كل حبيب وجليس 0 (4)
و ذلك : لتيقنهم أن القرآن هو السبب فى عزهم وسعادتهم , وأنه أساس دينهم وشريعتهم 0 (9)
وبهذا الشكل : كتب القرآن جميعه فى زمان الرسول صلى الله عليه وسلم : باقرار منه , وبمحضر من جميع الصحابة الذين كانوا أهلا لمعرفة الكتابة , وكيفية الرسم , وهم عدد كثير لا يحصى , يفيد نقلهم العلم الضرورى 0 (10)
قال معاذ بن جبل , وهو أحد هؤلاء الكتاب :
عرضنا القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم : فلم يعب أحدا منا0
وقد ظهر الإسلام فى جميع أنحاء جزيرة العرب : كاليمن والبحرين وعمان , ونجد وبلاد مضر , وربيعة وقضاعة والطائف ومكة , ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة عرب , إلا وقد قرئ فيها القرآن , وعلمه الصبيان والنساء , وكتب وحفظ فى الصدور
كما أنها تذكر كذلك : أعدادا كثيرة من الكتاب , كانت تحرص أيضا على تدوين ما كان ينزل من الوحى ؛ بالرغم من بعدها عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة نزول الوحى به 0
وهؤلاء الكتاب : كثيرون ، بلغ احصاؤهم أخيرا نيفا وأربعين كاتبا كما مر فى التمهيد (1)0
ونكتفى هنا أن نذكر – مرة أخرى - أن : ألزمهم له فى كتابة القرآن , واخصهم بذلك من بين الكتاب , كان :
زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبى سفيان
كما كان أول من كتب له القرآن عليه الصلاة والسلام بمكة من قريش هو :
عبد الله بن أبى سرح
وأن أول من كتب له القرآن حين قدم المدينة كان :
زيد بن ثابت 0
وأبى بن كعب 0
وهؤلاء جميعا : كانوا ممن برعوا فى الكتابة يومئذ , وممن وضع
فيهم النبى عليه الصلاة والسلام ثقته , لأنهم مع حذقهم فى الكتابة , جمعوا
فضائل الكتاب من :
الأمانة , والضبط وإرهاف السمع ووعى القلب (2)0
وقد كتب هؤلاء الكتاب آيات القرآن الكريم : كما أملاهاعليهم النبى صلى الله عليه وسلم ، وفى المكان الذى يحدده لهذه الآية , أو تلك 0
فقد كان صلى الله عليه وسلم "إذا نزل عليه شئ – من القرآن – دعا بعض من يكتب , فيقول : ضعوا هذه الآيات فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا ) 0 (3)
بهذا الشكل : كان النبى صلى الله عليه وسلم يملى عليهم مباشرة , فيكتبون ما نزل بحضرته , ويعرضون عليه مرة بعد اخرى حتى يقرهم 0 (4)
ولم تقتصر كتابة القرآن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم على ما كان يكتب بين يديه , ومن إملائه فقط : بل كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم يكتب ما تعلمه من القرآن ، فيما تيسر له من الصحف وغيره , بعيدا عنه ؛ نظرا لمشاغله وعدم فراغه , أو نظرا لكونه فى غزوة أو سرية منعته من كتابة مانزل وقت نزوله وبين يديه صلى الله عليه وسلم 0 (5)
ولعله لوجود فريق من الناس يكتبون القرآن بعيدا عنه صلى الله عليه وسلم : ورد عنه – حفظا للقرآن من التخليط – قوله نهيا " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن , فمن كتب عنى شيئا سوى القرآن فليمحه " 0(6)
وبهذا النهى : انصرفت همة الناس إلى كتابة القرآن الكريم وحده , آنذاك وتسجيله , حتى زمن الاختفاء فى أوائل الإسلام لم تمنعهم ظروفهم من ذلك , فكانوا يكتبون , ويتدارسون القرآن من هذه الصحائف فى البيوت , وكان المشركون يسمون هذه الدراسة إذ ذاك "الهينمة " (4) 0
ومن شواهد ذلك : حديث عمر بن الخطاب مع أخته قبل إسلامه , وهى
المشهورة بقصة اسلام عمر (7)0
وقد حفلت كتب السنة بالروايات التى تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم إهتم بكتابة القرآن 0
وأنه اتخذ كتابا –كما أشرنا – لهذا الغرض 0
وأن القرآن كتب كله فى عهده وحضرته بمكة والمدينة , بكل اتقان وضبط (8) من أوله إلى آخره , فى صحائف وقراطيس متفرقة 0
وكانت هذه الصحائف والقراطيس : أغلى من أنفسهم , وأنفس لديهم من كل نفيس , وأحب إليهم من كل حبيب وجليس 0 (4)
و ذلك : لتيقنهم أن القرآن هو السبب فى عزهم وسعادتهم , وأنه أساس دينهم وشريعتهم 0 (9)
وبهذا الشكل : كتب القرآن جميعه فى زمان الرسول صلى الله عليه وسلم : باقرار منه , وبمحضر من جميع الصحابة الذين كانوا أهلا لمعرفة الكتابة , وكيفية الرسم , وهم عدد كثير لا يحصى , يفيد نقلهم العلم الضرورى 0 (10)
قال معاذ بن جبل , وهو أحد هؤلاء الكتاب :
عرضنا القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم : فلم يعب أحدا منا0
وقد ظهر الإسلام فى جميع أنحاء جزيرة العرب : كاليمن والبحرين وعمان , ونجد وبلاد مضر , وربيعة وقضاعة والطائف ومكة , ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة عرب , إلا وقد قرئ فيها القرآن , وعلمه الصبيان والنساء , وكتب وحفظ فى الصدور
لماذا كتب فى هذا العهد ؟
لماذا حرص النبى عليه الصلاة والسلام على كتابة القرآن فى عهده , وبين يديه , الى هذا الحد الذى يجعل الكتاب على هذه الدرجة العالية من الحرص والتنافس والفقه والعناية في كتابته , خاصة وأن رسول الله بين ظهرانيهم يتلو عليهم ويبلغهم ؟ ؟
لابد إذا من سبب أو أسباب دفعت فطنة النبى عليه الصلاة والسلام وكتابه إلى الحرص على تسجيل النص القرآنى كلما نزل منه شئ جديد 00 !!
وهذه الأسباب – فيما يرى المرحوم الشيخ محمد فريد حامد العبادى ، ونحن معه – هى :
1- تبليغ الوحى على الوجه الأكمل , نظرا لأن الكتابة لا يتطرق إليها الشك أو النسيان 0
2- تبليغ الشاهد الغائب , وتبليغ الصحابة لمن بعدهم 0
3- معاضدة المكتوب للمحفوظ 0
4- تنبيه المسلمين إلى المحافظة على القرآن بكل الوسائل
ويمكن أن يضاف إلى هذه الأسباب :
5- تعليم الرسم الخاص بكلمات القرآن ؛ حيث إن غيره من الرسوم: لم تكن – ولا تصلح أن – تتحمل ما يتحمله هذا الرسم من وجوه الإعجاز0
لابد إذا من سبب أو أسباب دفعت فطنة النبى عليه الصلاة والسلام وكتابه إلى الحرص على تسجيل النص القرآنى كلما نزل منه شئ جديد 00 !!
وهذه الأسباب – فيما يرى المرحوم الشيخ محمد فريد حامد العبادى ، ونحن معه – هى :
1- تبليغ الوحى على الوجه الأكمل , نظرا لأن الكتابة لا يتطرق إليها الشك أو النسيان 0
2- تبليغ الشاهد الغائب , وتبليغ الصحابة لمن بعدهم 0
3- معاضدة المكتوب للمحفوظ 0
4- تنبيه المسلمين إلى المحافظة على القرآن بكل الوسائل
ويمكن أن يضاف إلى هذه الأسباب :
5- تعليم الرسم الخاص بكلمات القرآن ؛ حيث إن غيره من الرسوم: لم تكن – ولا تصلح أن – تتحمل ما يتحمله هذا الرسم من وجوه الإعجاز0
طريقة التدوين
كتب القرآن الكريم فى عهده -صلى الله عليه وسلم- جميعه , على الألواح , واللَّخاف , والعسب والعظام .. و .. و .. إلخ..
وتنقسم هذه القطع من حيث ما كتب فيها إلى قسمين : -
القسم الأول: ما كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , وبإملائه.
القسم الثانى : ما كتب بعيدا عنه عليه الصلاة والسلام .
وسنتناول لبيان طريقة الكتابة فى عهده عليه الصلاة والسلام , الحديث حسب هذا التقسيم .
القسم الاول : ما كتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- وباملائه :
كان النبى -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل عليه شئ من القرآن : دعا بعض كتبة الوحى , وأملى عليهم ما نزل عليه , ثم يستحفظ أصحابه فى هذا الذى نزل , فيحفظون , ويعرض عليهم , ويعرضون عليه , المرة بعد الأخرى , حتى يقرهم .(1)
وهكذا كان دأبه عليه الصلاة والسلام .
"إذا نزل عليه شئ دعا بعض من يكتب , فيقول ضعوا هذه الآيات , فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا " (2)
بل إنه ما من آية نزلت : إلا وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يكتب له , أن يضعها فى موضع كذا من سورة كذا ويمليها عليهم بنفسه (3)
روى البخارى عن البراء قال : (2)
لما نزلت ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين )
قال النبى -صلى الله عليه وسلم- :
ادع فلانا .
فجاء : ومعه الدواة واللوح , أو الكتف .
فقال :
أكتب (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ).
وخلف النبى -صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم .
فقال :
يا رسول الله : أنا ضرير , فهل من رخصة ؟
فنزلت مكانها :
( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) (4)
فأمر -صلى الله عليه وسلم- زيدا أن يكتبها ؛ فكتبها 0
قال زيد : كأني أنظر إلى موضعها عند صدع الكتف 0
وأثناء ذلك : كان يرشد الكتاب الى ما يجعل كتابتهم حسنة ومتقنة , ويرشدهم إلى تجويدها وتحقيقها , حتى تزداد وضوحا ولرسالتها أداءً 0 (5)
ومن الضرورى أنه كانت تعاد كتابة الآية أو الآيات : مرة أو مرات , إذا لزم الأمر إلى ذلك , كأن تعاد الكتابة من أجل الترتيب لهذه الآية , أو الآيات فى سورها 0
فقد أخرج الحاكم بسنده على شرط الشيخين , عن زيد ابن ثابت قال :
"كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , نؤلف القرآن من الرقاع" الحديث0
قال البيهقى : يشبه أن يكون المراد به : تأليف ما نزل من الآيات المفرقة فى سورها , وجمعها فيها , باشارة من النبى -صلى الله عليه وسلم.0 (6)
ومن الضرورى أيضا: أنهم كانوا يراجعون مكتوباتهم لأنفسهم أولا , ولبعضهم ثانيا , مبالغة منهم فى التثبت والدقة , وصيانة النص الشريف 0
وقد كانوا يرون خلال هذه المراجعات خطوط بعضهم البعض 0
وقد كانت بالضرورة – جميعها – متوافقة : وإلا لتناقشوا فى ذلك , ولو تناقشوا لنقل إلينا , ولكنه لم ينقل إلينا مثل هذا ؛ فدل على أن كتاباتهم كانت متفقة مع بعضها البعض , ومطابقة لإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- لهم , الذى كان يتابعهم أولا بأول , و يملى عليهم بنفسه مباشرة 0
والمسلمون مجمعون على أن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يكتبون : إلا ما كانوا يقطعون بسماعه من النبى صلى الله عليه وسلم 0 (7)
ومن الضرورى كذلك : أنهم هم الذين كتبوا بعض الكلمات فى بعض المواضع برسم , وفى بعضها الآخر برسم آخر 0 مثل كلمة : " سبحان " حيث وردت فى القرآن الكريم كله فى ثمانية عشر موضعا , (8) كتبت فيها كلها محذوفة الألف (9), إلا فى قوله تعالى ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ) (10) , فقد كتبت بالألف 0
وأنهم كانوا : يرون ذلك , ويعرفونه , ولا يتخالفون 0
وما ذلك إلا لأنه : باملاء وإرشاد من النبى -صلى الله عليه وسلم- , ولم يكن باصطلاحهم , وإلا لتناقشوا - كما قلنا – ذلك , وهم ليسوا بأقل حرصا على إتقان عملهم , ودقة كتابتهم , من الذين تناقشوا فى كلمة " التابوت " – كما سيأتى – على عهد عثمان رضى الله عنه 0
وهكذا : كانت العناية تشمل هذا المكتوب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , من حيث :
1- ترتيب آياته فى سورها 0
2- خلوه من الإبدال أو النقص والزيادة , أو التقديم والتأخير 0
3- كونه بإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- , وخاضعا لإرشاداته فى تحسين الكتابة , ورسم الكلمات 0
4- إقرار النبى -صلى الله عليه وسلم- – بعد المراجعات - لما فيها لفظا وخطا 0
القسم الثانى : ما كتب بعيدا عنه -صلى الله عليه وسلم- :
وقدمنا أن السبب فى كتابة هذه القطع : هو ما كان يحول بين أصحابها وبين كتابتهم لها بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- من شواغل حياتهم وشئون معايشهم 0
وكذلك : خروجهم فى الغزوات وفى السرايا0
ولهذا لم يكن لهذه المكتوبات : من الدقة والاصابة والمطابقة الحقيقية للفظ المنزل , ما كان للذى كتب بين يديه عليه الصلاة والسلام0
إذ كان الواحد – من الصحابة - إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كتبها , ثم خرج فى سرية , فنزل وقت تغيبه سور , فإنه كان إذا رجع , فأخذ فى حفظ ما ينزل بعد رجوعه – وكتابته – ويتبع ما فاته على حسب ما يتسهل له : يقع فيما يكتبه تقديم أوتأخير , من هذا الوجه 0
وقد كان منهم من يعتمد على حفظه فلا يكتب 0 (3)
وكذلك – أيضا – من كانت تمنعه شواغله الخاصة وشئون حياته من الكتابة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- : كان يقع فيما يكتبه من التقديم والتأخير , والزيادة والنقصان , والإبدال 0 0 ما يقع 0
وسوف نرى – فيما بعد – أن هذه هى القطع التى رفض زيد بن ثابت حين كتابة القرآن فى عهد أبى بكر رضى الله عنه اعتمادها , وأبى التعويل عليها فى جمع القرآن
لأنها :
لم تكتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- ولم تشرف بإملائه وإرشاداته النبوية 0
ولم تحظ بالمراجعات الدقيقة : التى كانت تتم بين الصحابة , وأمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , للمكتوبات بين يديه 0
ولم تكرر كتابتها مرة أو أكثر , كما كان يحدث , عند تأليف القرآن فى سورة من الرقاع 0
ولم تسلم من وقوع التقديم والتأخير , وغير ذلك فيها 0
ولم تسلم – كذلك – من خلط ما ليس بقرآن بها , كالتفسير والحديث ؛ مما دعا النبى عليه الصلاة والسلام , أول الأمر إلى أن يبادر بوقاية ألفاظ القرآن أن يختلط بها ما ليس منها , فكان أمره الشريف – كما قدمنا – " لا تكتبوا عنى , ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه " (11)0
وهذا : حتى لا يختلط الأمر , عند أمثال هؤلاء الذين يكتبون بعيدا عنه , فيكتب ما ليس من القرآن فى القرآن 0
وبهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يعمل على تقليل مظان الخلاف بين المسلمين , بعد ذلك 0
ومن الملاحظ :
أنه -صلى الله عليه وسلم- : قد أمرهم بعدم كتابة غير القرآن ؛ وقاية من الخلط المؤدى إلى الخطأ , المؤدى بالتالى إلى الخلاف والتنازع 0
ولم يأمرهم بعدم الكتابة بعيدا عنه , وقصرها على أن تكون بين يديه : إذ أن فى ذلك من المشقة والصعوبة : ما فيه 0
كما أن الخطر الذى يمكن له أن يترتب على كتابة القرآن بعيدا عنه عليه الصلاة والسلام : لا يمكن له أن يتجاوز وعد الله سبحانه وتعالى بحفظه لكتابه الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [الحجر 9] 0
وصدق الله سبحانه وتعالى : فقد عولجت هذه الثغرة بجمع القرآن من الصحف والقطع التى كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- بإرشاده وإملائه فقط , وأبعدت القطع الأخرى التى لم تكتب بين يديه , و التى لم تجزها لجنة الفرز فى الجمع البكرى
وتنقسم هذه القطع من حيث ما كتب فيها إلى قسمين : -
القسم الأول: ما كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , وبإملائه.
القسم الثانى : ما كتب بعيدا عنه عليه الصلاة والسلام .
وسنتناول لبيان طريقة الكتابة فى عهده عليه الصلاة والسلام , الحديث حسب هذا التقسيم .
القسم الاول : ما كتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- وباملائه :
كان النبى -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل عليه شئ من القرآن : دعا بعض كتبة الوحى , وأملى عليهم ما نزل عليه , ثم يستحفظ أصحابه فى هذا الذى نزل , فيحفظون , ويعرض عليهم , ويعرضون عليه , المرة بعد الأخرى , حتى يقرهم .(1)
وهكذا كان دأبه عليه الصلاة والسلام .
"إذا نزل عليه شئ دعا بعض من يكتب , فيقول ضعوا هذه الآيات , فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا " (2)
بل إنه ما من آية نزلت : إلا وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يكتب له , أن يضعها فى موضع كذا من سورة كذا ويمليها عليهم بنفسه (3)
روى البخارى عن البراء قال : (2)
لما نزلت ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين )
قال النبى -صلى الله عليه وسلم- :
ادع فلانا .
فجاء : ومعه الدواة واللوح , أو الكتف .
فقال :
أكتب (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ).
وخلف النبى -صلى الله عليه وسلم- ابن أم مكتوم .
فقال :
يا رسول الله : أنا ضرير , فهل من رخصة ؟
فنزلت مكانها :
( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) (4)
فأمر -صلى الله عليه وسلم- زيدا أن يكتبها ؛ فكتبها 0
قال زيد : كأني أنظر إلى موضعها عند صدع الكتف 0
وأثناء ذلك : كان يرشد الكتاب الى ما يجعل كتابتهم حسنة ومتقنة , ويرشدهم إلى تجويدها وتحقيقها , حتى تزداد وضوحا ولرسالتها أداءً 0 (5)
ومن الضرورى أنه كانت تعاد كتابة الآية أو الآيات : مرة أو مرات , إذا لزم الأمر إلى ذلك , كأن تعاد الكتابة من أجل الترتيب لهذه الآية , أو الآيات فى سورها 0
فقد أخرج الحاكم بسنده على شرط الشيخين , عن زيد ابن ثابت قال :
"كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , نؤلف القرآن من الرقاع" الحديث0
قال البيهقى : يشبه أن يكون المراد به : تأليف ما نزل من الآيات المفرقة فى سورها , وجمعها فيها , باشارة من النبى -صلى الله عليه وسلم.0 (6)
ومن الضرورى أيضا: أنهم كانوا يراجعون مكتوباتهم لأنفسهم أولا , ولبعضهم ثانيا , مبالغة منهم فى التثبت والدقة , وصيانة النص الشريف 0
وقد كانوا يرون خلال هذه المراجعات خطوط بعضهم البعض 0
وقد كانت بالضرورة – جميعها – متوافقة : وإلا لتناقشوا فى ذلك , ولو تناقشوا لنقل إلينا , ولكنه لم ينقل إلينا مثل هذا ؛ فدل على أن كتاباتهم كانت متفقة مع بعضها البعض , ومطابقة لإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- لهم , الذى كان يتابعهم أولا بأول , و يملى عليهم بنفسه مباشرة 0
والمسلمون مجمعون على أن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا يكتبون : إلا ما كانوا يقطعون بسماعه من النبى صلى الله عليه وسلم 0 (7)
ومن الضرورى كذلك : أنهم هم الذين كتبوا بعض الكلمات فى بعض المواضع برسم , وفى بعضها الآخر برسم آخر 0 مثل كلمة : " سبحان " حيث وردت فى القرآن الكريم كله فى ثمانية عشر موضعا , (8) كتبت فيها كلها محذوفة الألف (9), إلا فى قوله تعالى ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ) (10) , فقد كتبت بالألف 0
وأنهم كانوا : يرون ذلك , ويعرفونه , ولا يتخالفون 0
وما ذلك إلا لأنه : باملاء وإرشاد من النبى -صلى الله عليه وسلم- , ولم يكن باصطلاحهم , وإلا لتناقشوا - كما قلنا – ذلك , وهم ليسوا بأقل حرصا على إتقان عملهم , ودقة كتابتهم , من الذين تناقشوا فى كلمة " التابوت " – كما سيأتى – على عهد عثمان رضى الله عنه 0
وهكذا : كانت العناية تشمل هذا المكتوب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , من حيث :
1- ترتيب آياته فى سورها 0
2- خلوه من الإبدال أو النقص والزيادة , أو التقديم والتأخير 0
3- كونه بإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- , وخاضعا لإرشاداته فى تحسين الكتابة , ورسم الكلمات 0
4- إقرار النبى -صلى الله عليه وسلم- – بعد المراجعات - لما فيها لفظا وخطا 0
القسم الثانى : ما كتب بعيدا عنه -صلى الله عليه وسلم- :
وقدمنا أن السبب فى كتابة هذه القطع : هو ما كان يحول بين أصحابها وبين كتابتهم لها بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- من شواغل حياتهم وشئون معايشهم 0
وكذلك : خروجهم فى الغزوات وفى السرايا0
ولهذا لم يكن لهذه المكتوبات : من الدقة والاصابة والمطابقة الحقيقية للفظ المنزل , ما كان للذى كتب بين يديه عليه الصلاة والسلام0
إذ كان الواحد – من الصحابة - إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كتبها , ثم خرج فى سرية , فنزل وقت تغيبه سور , فإنه كان إذا رجع , فأخذ فى حفظ ما ينزل بعد رجوعه – وكتابته – ويتبع ما فاته على حسب ما يتسهل له : يقع فيما يكتبه تقديم أوتأخير , من هذا الوجه 0
وقد كان منهم من يعتمد على حفظه فلا يكتب 0 (3)
وكذلك – أيضا – من كانت تمنعه شواغله الخاصة وشئون حياته من الكتابة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- : كان يقع فيما يكتبه من التقديم والتأخير , والزيادة والنقصان , والإبدال 0 0 ما يقع 0
وسوف نرى – فيما بعد – أن هذه هى القطع التى رفض زيد بن ثابت حين كتابة القرآن فى عهد أبى بكر رضى الله عنه اعتمادها , وأبى التعويل عليها فى جمع القرآن
لأنها :
لم تكتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- ولم تشرف بإملائه وإرشاداته النبوية 0
ولم تحظ بالمراجعات الدقيقة : التى كانت تتم بين الصحابة , وأمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , للمكتوبات بين يديه 0
ولم تكرر كتابتها مرة أو أكثر , كما كان يحدث , عند تأليف القرآن فى سورة من الرقاع 0
ولم تسلم من وقوع التقديم والتأخير , وغير ذلك فيها 0
ولم تسلم – كذلك – من خلط ما ليس بقرآن بها , كالتفسير والحديث ؛ مما دعا النبى عليه الصلاة والسلام , أول الأمر إلى أن يبادر بوقاية ألفاظ القرآن أن يختلط بها ما ليس منها , فكان أمره الشريف – كما قدمنا – " لا تكتبوا عنى , ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه " (11)0
وهذا : حتى لا يختلط الأمر , عند أمثال هؤلاء الذين يكتبون بعيدا عنه , فيكتب ما ليس من القرآن فى القرآن 0
وبهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يعمل على تقليل مظان الخلاف بين المسلمين , بعد ذلك 0
ومن الملاحظ :
أنه -صلى الله عليه وسلم- : قد أمرهم بعدم كتابة غير القرآن ؛ وقاية من الخلط المؤدى إلى الخطأ , المؤدى بالتالى إلى الخلاف والتنازع 0
ولم يأمرهم بعدم الكتابة بعيدا عنه , وقصرها على أن تكون بين يديه : إذ أن فى ذلك من المشقة والصعوبة : ما فيه 0
كما أن الخطر الذى يمكن له أن يترتب على كتابة القرآن بعيدا عنه عليه الصلاة والسلام : لا يمكن له أن يتجاوز وعد الله سبحانه وتعالى بحفظه لكتابه الكريم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [الحجر 9] 0
وصدق الله سبحانه وتعالى : فقد عولجت هذه الثغرة بجمع القرآن من الصحف والقطع التى كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- بإرشاده وإملائه فقط , وأبعدت القطع الأخرى التى لم تكتب بين يديه , و التى لم تجزها لجنة الفرز فى الجمع البكرى
..........................................................................................
التدوين فى عهد أبى بكر الصديق
الكتاب
إذا كان القرآن الكريم , عندما كتب فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- : كان فى صحائف متفرقة عند أصحابه , وكتبة الوحى , رضوان الله عليهم 00 !!
فإن الأمر يختلف عن ذلك عند أبى بكر رضى الله عنه فى كتابته للقرآن الكريم 0
وبيان ذلك :
أن كتابته فى عهد أبى بكر رضى الله عنه , يراد بها : جمعه فى مكان واحد بعد تفرقه , وضم آياته بعضها إلى بعض بعد توزعها , كل ذلك فى صحف مجتمعة فى موضع واحد , مرتب الآيات فى سورها , على ما وقف النبى صلىالله عليه وسلم أصحابه عليه , بإرشادهم – كما مر – عند نزول كل آية أو آيات الى موضعها من سورتها , وبقراءة سور كاملة فى الصلاة وغيرها , وإقراء الصحابة , والاستماع منهم 0 (1)
إذا : فهذه كتابة لها من الأهداف والأغراض غير ما كان فى الكتابة الأولى 0
ولابد لمن يقوم بهذا العمل الشاق الهادف : من مواصفات خاصة 0
وكانت هذه المواصفات فى : -
كاتب وحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : زيد بن ثابت 0
وقد خصه أبو بكر رضى الله عنه لهذه الفضيلة , وناط به وحده تنفيذ هذه المهمة !!
لأنه : قرأ على النبى -صلى الله عليه وسلم- بعد العرضتين الأخيرتين ، وهى حاكمة على المتقدمات (2) وكان عليه الصلاة والسلام يقرئ – بهذه القراءة الأخيرة حتى مات 0 (3)
وثانيا : كان من ألزم الناس للكتابة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الوحى وغير الوحى , لا عمل له غير ذلك (4) ؛ مما مكنه أن يرى – دائما – إملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- القرآن عليه 0
ولذا كان يشاهد من أحوال القرآن : ما لا يشاهده غيره 0 (5)
ويضاف إلى ذلك ثالثا : الصفات التى قالها له أبو بكر رضى الله عنه - فى ترشيحه للقيام بهذا العمل الجليل – فى عبارته الشهيرة :
" إنك : رجل , شاب , عاقل , لانتهمك , وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "
فإن الأمر يختلف عن ذلك عند أبى بكر رضى الله عنه فى كتابته للقرآن الكريم 0
وبيان ذلك :
أن كتابته فى عهد أبى بكر رضى الله عنه , يراد بها : جمعه فى مكان واحد بعد تفرقه , وضم آياته بعضها إلى بعض بعد توزعها , كل ذلك فى صحف مجتمعة فى موضع واحد , مرتب الآيات فى سورها , على ما وقف النبى صلىالله عليه وسلم أصحابه عليه , بإرشادهم – كما مر – عند نزول كل آية أو آيات الى موضعها من سورتها , وبقراءة سور كاملة فى الصلاة وغيرها , وإقراء الصحابة , والاستماع منهم 0 (1)
إذا : فهذه كتابة لها من الأهداف والأغراض غير ما كان فى الكتابة الأولى 0
ولابد لمن يقوم بهذا العمل الشاق الهادف : من مواصفات خاصة 0
وكانت هذه المواصفات فى : -
كاتب وحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : زيد بن ثابت 0
وقد خصه أبو بكر رضى الله عنه لهذه الفضيلة , وناط به وحده تنفيذ هذه المهمة !!
لأنه : قرأ على النبى -صلى الله عليه وسلم- بعد العرضتين الأخيرتين ، وهى حاكمة على المتقدمات (2) وكان عليه الصلاة والسلام يقرئ – بهذه القراءة الأخيرة حتى مات 0 (3)
وثانيا : كان من ألزم الناس للكتابة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الوحى وغير الوحى , لا عمل له غير ذلك (4) ؛ مما مكنه أن يرى – دائما – إملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- القرآن عليه 0
ولذا كان يشاهد من أحوال القرآن : ما لا يشاهده غيره 0 (5)
ويضاف إلى ذلك ثالثا : الصفات التى قالها له أبو بكر رضى الله عنه - فى ترشيحه للقيام بهذا العمل الجليل – فى عبارته الشهيرة :
" إنك : رجل , شاب , عاقل , لانتهمك , وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "
لماذا كُتب في هذا العهد ؟
لئن كانت ردة بعض الناس عن الاسلام : هى التى أدت إلى الاشتباك بين المسلمين والمرتدين !!!
ولئن كانت موقعة اليمامة : هى التى أودت بحياة الكثيرين من قراء القرآن الكريم وحفاظه !!
ولئن كان موت هؤلاء القراء من المسلمين : هو الذى دفع بعمر رضى الله عنه إلى التفكير فى جمع القرآن !!
فإن الذى لا يخفى : أن خوف عمر رضى الله عنه , الذى عبر عنه بقوله فى رواية البخارى " وإنى أخشى أن يستمر القتل بالقراء فى المواطن , فيذهب كثير من القران " (1) كان السبب فى ذلك 0
بيد أنه : لم يكن هذا – الخوف – ناشئا عن احتمال ذهاب الحفظة 0
فإن سبعين رجلا أو سبعين ألفا لو ذهبوا من حفظته فى ذلك الوقت , لم يكن شيئا مذكورا 0
فقد قال الإمام إبن تيمية فى " فتاويه " : توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن لا يشك فى كلمة منه , أو حرف من حروفه أحد من أصحابه , بل سارت به الركبان , وشاع فى أنحاء جزيرة العرب , و تدارسه أهل الجزيرة , كلهم يتلقى ما يقرأه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , أو عن أحد أصحابه 0 (2)
وإنما خاف عمر:
أن يذهب كثير من أحرف القرآن السبعة , المحفوظة فى الصدور ؛ بذهاب حملته 0
أو يذهب كثير من صحائف القرآن المكتوبة بين يدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- , بذهاب أصحابها 0
وبذلك لا يعرف : طريق كتابته , الذى أقره النبى -صلى الله عليه وسلم- (3) 0
وحقا : ما كان يخشى – مع وعد الله بحفظ كتابه – ضياع أصل القرآن بموت القراء , وإنما يخشى ضياع بعض الأحرف دون بعض , أو ضياع الرسم 0 (3)
وبذلك : يذهب العارفون برسم المصحف الذى أقر عليه النبى -صلى الله عليه وسلم- اصحابه ؛ لما يعلم من الحروب المقبلة الطاحنة , ولما رآه من ترامى القراء على شفار السيوف 0
رأى عمر رضى الله عنه ذلك : فشدد فى جمع القرآن 0
حتى تم جمع تلك الصحف بمصحف واحد 0
وتم إعلان الناس بكيفية الرسم الذى أقره الرسول -صلى الله عليه وسلم
ولئن كانت موقعة اليمامة : هى التى أودت بحياة الكثيرين من قراء القرآن الكريم وحفاظه !!
ولئن كان موت هؤلاء القراء من المسلمين : هو الذى دفع بعمر رضى الله عنه إلى التفكير فى جمع القرآن !!
فإن الذى لا يخفى : أن خوف عمر رضى الله عنه , الذى عبر عنه بقوله فى رواية البخارى " وإنى أخشى أن يستمر القتل بالقراء فى المواطن , فيذهب كثير من القران " (1) كان السبب فى ذلك 0
بيد أنه : لم يكن هذا – الخوف – ناشئا عن احتمال ذهاب الحفظة 0
فإن سبعين رجلا أو سبعين ألفا لو ذهبوا من حفظته فى ذلك الوقت , لم يكن شيئا مذكورا 0
فقد قال الإمام إبن تيمية فى " فتاويه " : توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن لا يشك فى كلمة منه , أو حرف من حروفه أحد من أصحابه , بل سارت به الركبان , وشاع فى أنحاء جزيرة العرب , و تدارسه أهل الجزيرة , كلهم يتلقى ما يقرأه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , أو عن أحد أصحابه 0 (2)
وإنما خاف عمر:
أن يذهب كثير من أحرف القرآن السبعة , المحفوظة فى الصدور ؛ بذهاب حملته 0
أو يذهب كثير من صحائف القرآن المكتوبة بين يدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- , بذهاب أصحابها 0
وبذلك لا يعرف : طريق كتابته , الذى أقره النبى -صلى الله عليه وسلم- (3) 0
وحقا : ما كان يخشى – مع وعد الله بحفظ كتابه – ضياع أصل القرآن بموت القراء , وإنما يخشى ضياع بعض الأحرف دون بعض , أو ضياع الرسم 0 (3)
وبذلك : يذهب العارفون برسم المصحف الذى أقر عليه النبى -صلى الله عليه وسلم- اصحابه ؛ لما يعلم من الحروب المقبلة الطاحنة , ولما رآه من ترامى القراء على شفار السيوف 0
رأى عمر رضى الله عنه ذلك : فشدد فى جمع القرآن 0
حتى تم جمع تلك الصحف بمصحف واحد 0
وتم إعلان الناس بكيفية الرسم الذى أقره الرسول -صلى الله عليه وسلم
طريقة التدوين
يروى البخارى فى صحيحه : قصة الحوار ومحاولات الإقناع التى كانت بين عمر بن الخطاب , وبين أبى بكر , رضى الله عنهما 0
ثم ما كان من أمر أبى بكر لزيد بن ثابت , وتكليفه له بالقيام بهذه المهمة الشاقة التى عبر زيد عن مشقتها بقوله " والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل على مما أمرونى به من جمع القرآن " 0
وهكذا حتى آخر الحديث 0 (1)
وتبدأ قصة الكتابة فى هذا العهد : بعد هذا الحوار , وهذا الاقناع والاقتناع , وِفْقَ هذا المنهج الدقيق , الحريص , المتحرَّج , الذى أعان على وقاية القرآن الكريم من كل ما لحق النصوص الأخرى من مظنة الوضع والانتحال , وعوامل النسيان الضياع – (2)
وكانت خطة هذا المنهج – فيما نرى – وفقا للنقاط التالية : (3)
1- جمع أبو بكر الحفظة المشهود لهم بالضبط والإتقان , وكان بينهم : زيد بن ثابت , وأبى بن كعب , وعثمان , وعلى , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله ابن عباس , وعبد الله بن عمر , وعبد الله بن الزبير , وعبد الله بن السائب , وخالد ابن الوليد , وطلحة , وسعد , وحذيفة , وأبو هريرة , وأبو زيد , وأبو الدرداء , وأبو موسى الاشعرى , وعمرو بن العاص (4)0
وقد اختار أبو بكر هؤلاء الرجال ؛ لانهم مارسوا كتابة الوحى فى زمن النبى -صلى الله عليه وسلم- , إذ كتابة الوحى لها طريقة معلومة , وكيفية مخصوصة , أقر عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0(5)
2- واجتمعت هذه اللجنة : برئاسة زيد بن ثابت , فى منزل سيدنا عمر بن الخطاب 0
وتشاورت هذه اللجنة فيما بينها : وتناقشت , حتى وصلت فى اجتماعها هذا , للإتفاق على شيئين :-
أ- خطة العمل , التى سوف يسير عليها الجمع والكتابة 0
ب- تخصيص دور كل واحد منهم , والعمل المنوط به (4)
3- وبعد ذلك : انتقلت هذه اللجنة إلى مسجد المدينة , وأخذوا يوالون فيه هذه الاجتماعات , لتنفيذ الجمع والكتابة (4)
4- أحضر كل من كتب منهم مصحفا لنفسه , به , وكذلك الصحائف والقراطيس التى كتبوا فيها القرآن بحضرة النبى -صلى الله عليه وسلم- و إملائه (4)
5- وعهدوا إلى بلال رضى الله عنه أن ينادى بأنحاء المدينة مخبرا ؛ بأمر هذا الجمع , وكتابة القرآن الكريم 0
وفى هذا ما يشبه أن يكون : دعوة عامة لمن أراد أن يشهد هذا الجمع وهذه (6) الكتابة منهم 0
فهو : اجتماع عام , فى مكان عام , لخير عام 0
وحتى :
أ- يعلم الناس جميعا بأمر هذا الجمع , واعتزام أبى بكر رضى الله عنه , كتابة القرآن الكريم فى مكان واحد 0
ب- ويُحْضِرُوا ما عندهم من القطع المختلفة التى كتبوا فيها القرآن الكريم 0
جـ - يُسَلَّموا هذه القطع إلى هذه اللجنة 0 (4)
ومن الملاحظ أنه بهذا العمل تبين أنهم :
لم يكتفوا بحفظهم , ولا بالصحف والمصاحف التى كتبوها لأنفسهم , من ذاكرتهم ؛ لأنها لا تزيد عن الحفظ شيئا , بل طلبوا ما كتب بين يدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- , مما عندهم وعند غيرهم , ليكتبوا من عينه – كما سنرى – فيوافق رسمهم الرسم الذى أقره النبى -صلى الله عليه وسلم- , حينما كتب بين يديه 0 (7)
ونتيجة هذا الاعلام : جئ بعدد كثير من القطع0
6- وبدأت اللجنة عملها : بفَرْز هذه القطع , التى ما كانوا يقبلون قطعة منها حتى يتحققوا انها كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- " إذ كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين من ما كتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- " , و ما كانوا يفعلون ذلك إلا مبالغة منهم فى الاحتياط , ومغالاة في التحفظ , وأيضا فى الضبط , وكانوا يقابلون القطع المكررة بعضها ببعض , لئلا يبقى مجال شك فى تمام الضبط0
وكان من منهج هذه اللجنة فى عملية الفرز هذه أثناء الكتابة :
أولا : أنها قبلت من القطع : -
1) ما ثبت أنه عرض على النبى -صلى الله عليه وسلم- عام وفاته , دون ما كان مأذونا فيه قبلها 0 (8)
2) ما وافق رسمها الرسم الذى كتب به بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , والذى كتب به الصحابة , بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , ومنهم زيد بن ثابت 0
3) ما ثبت أنها كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , ولم يكن يكتفى لثبوت الشرط إلا بشهادة شاهدين , يشهدان – كما قال الإمام السخاوى – على أن هذا المكتوب :
أ- كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ب- أو أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن 0 (9)
ثانيا: رفضت من القطع :
1- ما نسخت تلاوته , من كلمة , أو آية , أو قراءة (7)0
2- ما لم يحفظه عدد التواتر من الصحابة 0
ولذلك : رفضت آية الرجم التى أتى بها عمر , ولم تكتب , لانه كان وحده 0 (15)
3- ما لا يوافق رسمه قرآنا متواترا متلوا 0
ومخالفة الرسم هذه قد تكون :
أ- بالتقديم والتأخير 00 مثل "اذا جاء فتح الله والنصر " (10)
ب- بالابدال 00 مثل " كالصوف المنفوش " (11)
جـ- بالنقص والزيادة 00(12) مثل " والذكر والانثى " (13)
إلى غير ذلك 0
روكان جُلُّ (14) هذا المرفوض – عند هذه اللجنة – هو مما كتب بعيدا عن النبى -صلى الله عليه وسلم- , كما بينا - آنفا – فى كتابة القرآن فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
7-ووفق هذا المنهج فى عملية فرز هذه القطع :
كانوا(7) يجلسون فى المسجد , أو غيره , ويستدعون من أقرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , أو أملى عليه سورة كذا , فيحضرون0
فيقول زيد :
من معه من الكتاب الآية الأولى من السورة , وهى قول الله عز وجل كذا 0
فيجيب الكاتبون :
فيطلب من أحدهم إبرازها , فيبرزها , ويقرؤها , ويبين كيفية رسمها بمسمع من باقى الكتاب والحفاظ 0
فإذا وافقه الجميع عليها : كتبها زيد على الرسم الذى عنده ,
وإن خالفه أحد الكتاب فى الرسم , أو أحد الحفاظ فى القراءة : كان هذا محل المقارنة والموازنة 0
فأول شئ من ذلك :
تُبْعَد القطع التى رُفِضَت , حسب منهج فرز هذه القطع كما تبين 0
وبعد هذا :
ينظر فى الرسم , أو الرسوم التى توافق ما تواتر من القراءات المتلوة فى هذه المكتوبات التى وافق عليها الجميع 0
أ- فان صلح رسم واحد منها , لجميعها : اكتفى به 0
ب- وإن لم يصلح إلا رسمان أو أكثر : كتب أحدهما بالأصل , وكتب ما يخالفه تحته , أو فوقه , أو بهامش الآية , أو بغير ذلك من الطرق التى يعرفون بها أن للكلمة رسمين أو أكثر (15)
وهذا الاحتمال وإن كان بغير دليل كما نرى : إلا أنه لا يوجد – أيضا – ما يمنع من قبوله 0
فإذا كتب زيد هذه الآية , طلب الآية الثانية التى يحفظها القراء , ويعلمون أنها الثانية , ومع بعضهم مصاحفهم ينظرون إليها , لئلا تنسى آية فى أثناء الطلب , ويفعل بالثانية ما فعل بالأولى 0
وهكذا يفعل بسائر آيات السورة : حتى إذا تمت , عرضها زيد عليهم , خوف نسيان شئ منها فى الوسط , أو فى الآخر 0
فإذا اقروا جميعا بالتمام : شرع فى سورة أخرى , وصنع بها مثل ما صنع بالأولى 0
وقد كان من بديع حفظ الله تعالى لكتابه – كما يقول الشيخ العبادى – أنه ما طلب زيد آية متواترة متلوة إلا وجدها مكتوبة عند جمع من الصحابة , الذين كتبوها باملاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- , أ 0 هـ 0
وبعد أن كتبوا ما كلفوا بكتابته :
جمع الصديق القراء 0
وقارنوا بين مافى الصحف – القطع – وبين ذلك المصحف 0
ثم أعلن الناس : بأن ما فى الصحف التى كتبت فى زمان الرسول -صلى الله عليه وسلم- , وأقر عليها , قد كتب مثلها فى مصحف مجموع ؛ خوفا من ذهاب من يعرف كيفية الرسم الذى أقر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0 (5)
وقد ترتب على هذا الجمع – وبهذه الكيفية :
إرشاد الناس إلى كيفية الرسم الذى أقر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0
حتى لو ذهب جميع القراء الذين كانوا فى زمان الرسول عليه السلام – بعد ذلك – لم يؤثر ذلك فى معرفة الرسم 0
ثم ما كان من أمر أبى بكر لزيد بن ثابت , وتكليفه له بالقيام بهذه المهمة الشاقة التى عبر زيد عن مشقتها بقوله " والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل على مما أمرونى به من جمع القرآن " 0
وهكذا حتى آخر الحديث 0 (1)
وتبدأ قصة الكتابة فى هذا العهد : بعد هذا الحوار , وهذا الاقناع والاقتناع , وِفْقَ هذا المنهج الدقيق , الحريص , المتحرَّج , الذى أعان على وقاية القرآن الكريم من كل ما لحق النصوص الأخرى من مظنة الوضع والانتحال , وعوامل النسيان الضياع – (2)
وكانت خطة هذا المنهج – فيما نرى – وفقا للنقاط التالية : (3)
1- جمع أبو بكر الحفظة المشهود لهم بالضبط والإتقان , وكان بينهم : زيد بن ثابت , وأبى بن كعب , وعثمان , وعلى , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله ابن عباس , وعبد الله بن عمر , وعبد الله بن الزبير , وعبد الله بن السائب , وخالد ابن الوليد , وطلحة , وسعد , وحذيفة , وأبو هريرة , وأبو زيد , وأبو الدرداء , وأبو موسى الاشعرى , وعمرو بن العاص (4)0
وقد اختار أبو بكر هؤلاء الرجال ؛ لانهم مارسوا كتابة الوحى فى زمن النبى -صلى الله عليه وسلم- , إذ كتابة الوحى لها طريقة معلومة , وكيفية مخصوصة , أقر عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0(5)
2- واجتمعت هذه اللجنة : برئاسة زيد بن ثابت , فى منزل سيدنا عمر بن الخطاب 0
وتشاورت هذه اللجنة فيما بينها : وتناقشت , حتى وصلت فى اجتماعها هذا , للإتفاق على شيئين :-
أ- خطة العمل , التى سوف يسير عليها الجمع والكتابة 0
ب- تخصيص دور كل واحد منهم , والعمل المنوط به (4)
3- وبعد ذلك : انتقلت هذه اللجنة إلى مسجد المدينة , وأخذوا يوالون فيه هذه الاجتماعات , لتنفيذ الجمع والكتابة (4)
4- أحضر كل من كتب منهم مصحفا لنفسه , به , وكذلك الصحائف والقراطيس التى كتبوا فيها القرآن بحضرة النبى -صلى الله عليه وسلم- و إملائه (4)
5- وعهدوا إلى بلال رضى الله عنه أن ينادى بأنحاء المدينة مخبرا ؛ بأمر هذا الجمع , وكتابة القرآن الكريم 0
وفى هذا ما يشبه أن يكون : دعوة عامة لمن أراد أن يشهد هذا الجمع وهذه (6) الكتابة منهم 0
فهو : اجتماع عام , فى مكان عام , لخير عام 0
وحتى :
أ- يعلم الناس جميعا بأمر هذا الجمع , واعتزام أبى بكر رضى الله عنه , كتابة القرآن الكريم فى مكان واحد 0
ب- ويُحْضِرُوا ما عندهم من القطع المختلفة التى كتبوا فيها القرآن الكريم 0
جـ - يُسَلَّموا هذه القطع إلى هذه اللجنة 0 (4)
ومن الملاحظ أنه بهذا العمل تبين أنهم :
لم يكتفوا بحفظهم , ولا بالصحف والمصاحف التى كتبوها لأنفسهم , من ذاكرتهم ؛ لأنها لا تزيد عن الحفظ شيئا , بل طلبوا ما كتب بين يدى الرسول -صلى الله عليه وسلم- , مما عندهم وعند غيرهم , ليكتبوا من عينه – كما سنرى – فيوافق رسمهم الرسم الذى أقره النبى -صلى الله عليه وسلم- , حينما كتب بين يديه 0 (7)
ونتيجة هذا الاعلام : جئ بعدد كثير من القطع0
6- وبدأت اللجنة عملها : بفَرْز هذه القطع , التى ما كانوا يقبلون قطعة منها حتى يتحققوا انها كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- " إذ كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين من ما كتب بين يديه -صلى الله عليه وسلم- " , و ما كانوا يفعلون ذلك إلا مبالغة منهم فى الاحتياط , ومغالاة في التحفظ , وأيضا فى الضبط , وكانوا يقابلون القطع المكررة بعضها ببعض , لئلا يبقى مجال شك فى تمام الضبط0
وكان من منهج هذه اللجنة فى عملية الفرز هذه أثناء الكتابة :
أولا : أنها قبلت من القطع : -
1) ما ثبت أنه عرض على النبى -صلى الله عليه وسلم- عام وفاته , دون ما كان مأذونا فيه قبلها 0 (8)
2) ما وافق رسمها الرسم الذى كتب به بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , والذى كتب به الصحابة , بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , ومنهم زيد بن ثابت 0
3) ما ثبت أنها كتبت بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , ولم يكن يكتفى لثبوت الشرط إلا بشهادة شاهدين , يشهدان – كما قال الإمام السخاوى – على أن هذا المكتوب :
أ- كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ب- أو أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن 0 (9)
ثانيا: رفضت من القطع :
1- ما نسخت تلاوته , من كلمة , أو آية , أو قراءة (7)0
2- ما لم يحفظه عدد التواتر من الصحابة 0
ولذلك : رفضت آية الرجم التى أتى بها عمر , ولم تكتب , لانه كان وحده 0 (15)
3- ما لا يوافق رسمه قرآنا متواترا متلوا 0
ومخالفة الرسم هذه قد تكون :
أ- بالتقديم والتأخير 00 مثل "اذا جاء فتح الله والنصر " (10)
ب- بالابدال 00 مثل " كالصوف المنفوش " (11)
جـ- بالنقص والزيادة 00(12) مثل " والذكر والانثى " (13)
إلى غير ذلك 0
روكان جُلُّ (14) هذا المرفوض – عند هذه اللجنة – هو مما كتب بعيدا عن النبى -صلى الله عليه وسلم- , كما بينا - آنفا – فى كتابة القرآن فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
7-ووفق هذا المنهج فى عملية فرز هذه القطع :
كانوا(7) يجلسون فى المسجد , أو غيره , ويستدعون من أقرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , أو أملى عليه سورة كذا , فيحضرون0
فيقول زيد :
من معه من الكتاب الآية الأولى من السورة , وهى قول الله عز وجل كذا 0
فيجيب الكاتبون :
فيطلب من أحدهم إبرازها , فيبرزها , ويقرؤها , ويبين كيفية رسمها بمسمع من باقى الكتاب والحفاظ 0
فإذا وافقه الجميع عليها : كتبها زيد على الرسم الذى عنده ,
وإن خالفه أحد الكتاب فى الرسم , أو أحد الحفاظ فى القراءة : كان هذا محل المقارنة والموازنة 0
فأول شئ من ذلك :
تُبْعَد القطع التى رُفِضَت , حسب منهج فرز هذه القطع كما تبين 0
وبعد هذا :
ينظر فى الرسم , أو الرسوم التى توافق ما تواتر من القراءات المتلوة فى هذه المكتوبات التى وافق عليها الجميع 0
أ- فان صلح رسم واحد منها , لجميعها : اكتفى به 0
ب- وإن لم يصلح إلا رسمان أو أكثر : كتب أحدهما بالأصل , وكتب ما يخالفه تحته , أو فوقه , أو بهامش الآية , أو بغير ذلك من الطرق التى يعرفون بها أن للكلمة رسمين أو أكثر (15)
وهذا الاحتمال وإن كان بغير دليل كما نرى : إلا أنه لا يوجد – أيضا – ما يمنع من قبوله 0
فإذا كتب زيد هذه الآية , طلب الآية الثانية التى يحفظها القراء , ويعلمون أنها الثانية , ومع بعضهم مصاحفهم ينظرون إليها , لئلا تنسى آية فى أثناء الطلب , ويفعل بالثانية ما فعل بالأولى 0
وهكذا يفعل بسائر آيات السورة : حتى إذا تمت , عرضها زيد عليهم , خوف نسيان شئ منها فى الوسط , أو فى الآخر 0
فإذا اقروا جميعا بالتمام : شرع فى سورة أخرى , وصنع بها مثل ما صنع بالأولى 0
وقد كان من بديع حفظ الله تعالى لكتابه – كما يقول الشيخ العبادى – أنه ما طلب زيد آية متواترة متلوة إلا وجدها مكتوبة عند جمع من الصحابة , الذين كتبوها باملاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- , أ 0 هـ 0
وبعد أن كتبوا ما كلفوا بكتابته :
جمع الصديق القراء 0
وقارنوا بين مافى الصحف – القطع – وبين ذلك المصحف 0
ثم أعلن الناس : بأن ما فى الصحف التى كتبت فى زمان الرسول -صلى الله عليه وسلم- , وأقر عليها , قد كتب مثلها فى مصحف مجموع ؛ خوفا من ذهاب من يعرف كيفية الرسم الذى أقر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0 (5)
وقد ترتب على هذا الجمع – وبهذه الكيفية :
إرشاد الناس إلى كيفية الرسم الذى أقر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- 0
حتى لو ذهب جميع القراء الذين كانوا فى زمان الرسول عليه السلام – بعد ذلك – لم يؤثر ذلك فى معرفة الرسم 0
......................................................................................
التدوين فى عهد عثمان
الكتاب
إن الهدف من تدوين القرآن الكريم فى عهد عثمان رضى الله عنه : جد مختلف عما قبله 0
إذ أن المراد من تدوينه هذه المرة : " كتابة القرآن المتواتر المتلوا , جميعه , مرتب الآيات والسور فى مصاحف , ونشرها فى الأمصار ؛ لتكون مثابة للناس عند الاختلاف " (1)0
ولهذا : كان من العسير جدا أن يتم هذا العمل بكاتب واحد , كماحدث عند تدوين القرآن فى عهد أبى بكر رضى الله عنه 0
ومن هنا :
كان من الضرورى : تكوين مجموعة من الكتاب لهذا الغرض ؛ حتى يمكن تحقيق الهدف من هذا التدوين الرسمى الثالث 0
وكونت بالفعل لجنة لهذا العمل من : (2)
زيد بن ثابت 0
وعبد الله بن الزبير 0
وسعيد بن العاص 0
وعبد الرحمن بن الحارث 0
وعلى هذا :
فاللجنة مكونة من أربعة اشخاص فقط 0
ولكن جاء فى بعض الروايات : أن عثمان لما أراد أن يكتب المصاحف , جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار , منهم أبى بن كعب , وزيد بن ثابت 0 (3)
ولا نرى تناقضا بين الروايتين فى عدد الكتاب 0
إذ أن الأمر كما يقول الحافظ بن حجر : كان لمن ذكر فى التشكيل الأول 0
ثم احتاجوا إلى من يساعد فى الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التى ترسل إلى الآفاق : فأضافوا لزيد من ذكر 0
ثم استظهروا بأبى بن كعب فى الإملاء (4)0
وربما كان القصد – كذلك – من كل هذه الجماعة المساعدة المشتهر أعضاؤها بالضبط والمعرفة : أن ينضم العدد إلى العدالة 0
إذ أن المراد من تدوينه هذه المرة : " كتابة القرآن المتواتر المتلوا , جميعه , مرتب الآيات والسور فى مصاحف , ونشرها فى الأمصار ؛ لتكون مثابة للناس عند الاختلاف " (1)0
ولهذا : كان من العسير جدا أن يتم هذا العمل بكاتب واحد , كماحدث عند تدوين القرآن فى عهد أبى بكر رضى الله عنه 0
ومن هنا :
كان من الضرورى : تكوين مجموعة من الكتاب لهذا الغرض ؛ حتى يمكن تحقيق الهدف من هذا التدوين الرسمى الثالث 0
وكونت بالفعل لجنة لهذا العمل من : (2)
زيد بن ثابت 0
وعبد الله بن الزبير 0
وسعيد بن العاص 0
وعبد الرحمن بن الحارث 0
وعلى هذا :
فاللجنة مكونة من أربعة اشخاص فقط 0
ولكن جاء فى بعض الروايات : أن عثمان لما أراد أن يكتب المصاحف , جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار , منهم أبى بن كعب , وزيد بن ثابت 0 (3)
ولا نرى تناقضا بين الروايتين فى عدد الكتاب 0
إذ أن الأمر كما يقول الحافظ بن حجر : كان لمن ذكر فى التشكيل الأول 0
ثم احتاجوا إلى من يساعد فى الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التى ترسل إلى الآفاق : فأضافوا لزيد من ذكر 0
ثم استظهروا بأبى بن كعب فى الإملاء (4)0
وربما كان القصد – كذلك – من كل هذه الجماعة المساعدة المشتهر أعضاؤها بالضبط والمعرفة : أن ينضم العدد إلى العدالة 0
لماذا دُوّن في هذا العهد ؟
ورد أن أهل الشام وأهل العراق : تنازعوا فى قراءة القرآن 0
أهل الشام:يقرأون بقراءة أبى بن كعب ؛ فيأتون بما لم يسمع أهل العراق
وأهل العراق : يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود , فيأتون بما لم يسمع أهل الشام0
وقد أدى هذا التنازع : إلى أن يكفر بعضهم بعضا 0 0
كان ذلك أيام غزو المسلمين لأرمينية وآذربيجان(عام22هـ تقريبا)(1)
وقد فزع حذيفة بن اليمان إلى المدينة : وتوجه صارخا إلى الخليفة قبل أن يدخل بيته , شاكيا له هول ما وقع , ومنبها إلى فداحة ما قد يحدث0
حيث قال " يا أمير المؤمنين : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى " (2)
وصادف ذلك:ما كان عثمان رضى الله عنه قد عرفه عن المعلمين عنده
حيث : كان المعلم يعلم قراءة الرجل , والمعلم – الآخر – يعلم قراءة الرجل ؛ فجعل الغلمان يتلقونه فيختلفون , حتى كفر بعضهم بعضا 0
فبلغ ذلك عثماناً : فتعاظم فى نفسه , فقال : أنتم عندى ؛ تختلفون فمن نأى عنى من الأمصار أشد اختلافا " (2)0
وفكر عثمان رضى الله عنه فى الأمر مليا : فوجد أن الاسباب التى دعت إلى هذا التنازع تنحصر فيما يلى : -
1- اختلاف الصحابة الذين تفرقوا فى الأمصار فى القراءة 0
ويقطع ابن الجزرى : بأن كثيرا منهم كانوا يقرأون بما يخالف رسم المصحف العثمانى – قبل الاجماع عليه – من زيادة كلمة فأكثر , وإبدال أخرى بأخرى , ونقص بعض الكلمات (3)0
2- عدم معرفة الآخذين عن هؤلاء الصحابة أن هذه الخلافات مردها إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- , مما أدى الى أن يكفر بعضهم بعضا , كما فى " فتح البارى " 0
3- اختلاف رسوم القرآن بكثرة المصاحف الخاصة , التى كتبها الصحابة لأنفسهم 0
مثل مصحف : عمر بن الخطاب , ومصحف : على بن أبى طالب ,
ومصحف : أبى بن كعب , ومصحف : عبد الله بن مسعود ,
ومصحف : عبد الله ابن عباس , ومصحف : عبد الله بن الزبير ,
ومصحف : عائشة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ومصحف : حفصة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ومصحف : أم سلمة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0 (4)
مما أدى : إلى تخالف المسلمين فى القراءة ؛ نتيجة أخذهم عن أصحاب هذه المصاحف المختلفة , والتى لم تتوفر لها مميزات الصحف البكرية 0
ولذلك :
كان قراره رضى الله عنه : بعد التشاور 0
يتضمن هذه البنود الثلاثة :
أ – أن يكتب القرآن الكريم فى عدة مصاحف 0
ب- أن ترسل من هذه المصاحف إلى الأمصار الإسلامية 0
جـ - أن يؤمر الناس بإحراق ما سوى هذه المصاحف , أو إقامة ما عندهم عليها (5)
وبذلك : يجمع الناس على مصحف واحد ؛ فلا تكون فرقة ولا اختلاف 0
أهل الشام:يقرأون بقراءة أبى بن كعب ؛ فيأتون بما لم يسمع أهل العراق
وأهل العراق : يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود , فيأتون بما لم يسمع أهل الشام0
وقد أدى هذا التنازع : إلى أن يكفر بعضهم بعضا 0 0
كان ذلك أيام غزو المسلمين لأرمينية وآذربيجان(عام22هـ تقريبا)(1)
وقد فزع حذيفة بن اليمان إلى المدينة : وتوجه صارخا إلى الخليفة قبل أن يدخل بيته , شاكيا له هول ما وقع , ومنبها إلى فداحة ما قد يحدث0
حيث قال " يا أمير المؤمنين : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى " (2)
وصادف ذلك:ما كان عثمان رضى الله عنه قد عرفه عن المعلمين عنده
حيث : كان المعلم يعلم قراءة الرجل , والمعلم – الآخر – يعلم قراءة الرجل ؛ فجعل الغلمان يتلقونه فيختلفون , حتى كفر بعضهم بعضا 0
فبلغ ذلك عثماناً : فتعاظم فى نفسه , فقال : أنتم عندى ؛ تختلفون فمن نأى عنى من الأمصار أشد اختلافا " (2)0
وفكر عثمان رضى الله عنه فى الأمر مليا : فوجد أن الاسباب التى دعت إلى هذا التنازع تنحصر فيما يلى : -
1- اختلاف الصحابة الذين تفرقوا فى الأمصار فى القراءة 0
ويقطع ابن الجزرى : بأن كثيرا منهم كانوا يقرأون بما يخالف رسم المصحف العثمانى – قبل الاجماع عليه – من زيادة كلمة فأكثر , وإبدال أخرى بأخرى , ونقص بعض الكلمات (3)0
2- عدم معرفة الآخذين عن هؤلاء الصحابة أن هذه الخلافات مردها إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- , مما أدى الى أن يكفر بعضهم بعضا , كما فى " فتح البارى " 0
3- اختلاف رسوم القرآن بكثرة المصاحف الخاصة , التى كتبها الصحابة لأنفسهم 0
مثل مصحف : عمر بن الخطاب , ومصحف : على بن أبى طالب ,
ومصحف : أبى بن كعب , ومصحف : عبد الله بن مسعود ,
ومصحف : عبد الله ابن عباس , ومصحف : عبد الله بن الزبير ,
ومصحف : عائشة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ومصحف : حفصة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
ومصحف : أم سلمة زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم- 0 (4)
مما أدى : إلى تخالف المسلمين فى القراءة ؛ نتيجة أخذهم عن أصحاب هذه المصاحف المختلفة , والتى لم تتوفر لها مميزات الصحف البكرية 0
ولذلك :
كان قراره رضى الله عنه : بعد التشاور 0
يتضمن هذه البنود الثلاثة :
أ – أن يكتب القرآن الكريم فى عدة مصاحف 0
ب- أن ترسل من هذه المصاحف إلى الأمصار الإسلامية 0
جـ - أن يؤمر الناس بإحراق ما سوى هذه المصاحف , أو إقامة ما عندهم عليها (5)
وبذلك : يجمع الناس على مصحف واحد ؛ فلا تكون فرقة ولا اختلاف 0
طريقة التدوين
سبق أن أنهينا الفقرة الخاصة ببيان السبب الذى دفع بعثمان رضى الله عنه إلى التفكير فى إعادة كتابة القرآن الكريم بما يفيد :
" أن الحل لتلاشى هذا التنازع , الذى ظهرت بوادره , والذى ارتآه لرأب هذا الصدع : هو إعادة كتابة القرآن الكريم نقلا من نسخة أبى بكر, التى كتب ما فيها مما كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , وتعميم رسمها فى البلاد " 0
ولذلك : يكون هذا الرسم بعد تعميمه , مانعا جامعا للقراءات الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 0
وكان هذا الحل : فى صورة قرار اتخذ بعد تشاور يتضمن بنودا ثلاثة كما سبق أن أشرنا وهى : -
أ- أن يكتب القرآن فى عدة مصاحف 0
ب- أن يرسل من هذه المصاحف إلى الأمصار 0
جـ - أن يحرق ما عداها , أو يقوَّم عليها 0 (1)
وكلامنا هنا : سوف يتناول بالبيان تنفيذ البند الأول من هذا القرار , الذى لولاه " لترك عثمان الناس يقرأون القرآن قراءات مختلفة , بلغات متباينة فى ألفاظها ؛ ولكان هذا مصدر فرقة لاشك فيها , ولكان من المحقق أن هذه الفرقة حول الألفاظ : ستؤدى إلى فرقة شر منها حول المعانى , بعد أن كان الفتح , و بعد أن استعرب الأعاجم , وبعد أن أخذ الأعراب يقرأون القرآن 0 (2)
وتتناول النقاط الست الآتية 00 بيان تنفيذ هذا البند :
النقطة الاولى : أول هذه النقاط التى بدأ بها عثمان هى :
أخذ الموافقة الجماعية من الصحابة ؛ حتى يكون هذا العمل شرعيا , وحتى لا يقول أحد أنه نفذ بقوة سيف الحاكم , وحتى يشاركه هؤلاء الصحابة – وهم مقتنعون – القيام بهذه المهمة الجليلة الشاقة 0
ففى " فتح البارى " : (3)
قال الصحابة – وبعد التشاور – لعثمان : فما ترى ؟
قال : أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد , فلا تكون فرقة ولا اختلاف 0
قال الصحابة : فنعم ما رأيت 0 (4)
وبهذا : حصل عثمان على الموافقة الجماعية , وأخذ فى :
النقطة الثانية : تشكيل اللجنة :
وكانت على النحو السابق تحت عنوان " الكتاب "
النقطة الثالثة : إحضار الصحف التى جمع فيها القرآن فى عهد أبى بكر , إذ أرسل عثمان إلى حفصة – وكانت هذه الصحف عندها – أن أرسلى إلينا بالصحف , ننسخها فى المصاحف , فأرسلت بها حفصة إلى عثمان 0
النقطة الرابعة : التعليمات العامة التى صدرت لهذه اللجنة :
أصدر عثمان رضى الله عنه لهذه اللجنة بعض التعليمات العامة , قبل أن تبدأ فى عملها , حتى تكون مسترشدة بها فى خطة عملها , بل فى عملها نفسه , وحتى لا يكون هناك مظان خلاف بين أعضاء هذه اللجنة فى هذا العمل الحساس الشاق , الضخم الجسامة0
من هذه التعليمات :
أ- تخصيص عمل كل واحد من أعضاء هذه اللجنة 0
فجعل الإملاء من اختصاص : سعيد بن العاص 00 بعد أن عـرف أنه أعرب الناس (5) , ويقال إنه كان أشبههم لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- 0 (6)
وجعل الكتابة من اختصاص : زيد بن ثابت 00 بعد أن سأل من أكتب الناس ؟ وقالوا له : كاتب رسول الله زيد بن ثابت (6)
وكأن عثمان رضى الله عنه بهذا السؤال : أحب أن يزيل من نفوسهم كل مظنة لتفضيل زيد على غيره ؛ بجعلهم يعترفون بسبب اختياره , وإلا فإن عثمان يعرف أنه كان كاتب الوحى , وأنه هو الذى نسخ المصحف فى عهد أبى بكر 0
وبذلك : تكون له أولية ليست لغيره (3)
وجعل عثمان – رضى الله عنه – لبقية اعضاء اللجنة , ما يناط بها من الأعمال المختلفة , التى تكون فى مثل هذا العمل عادة 0
وكذلك : ما يناط بها من المساعدة فى كتابة بعض النسخ , أو الإملاء (3)
وجعل لنفسه – رضى الله عنه – الإشراف العام 0 (7)
وليس هذا بمستكره , أو منتقد ؛ حيث إن مثل هذا العمل الجاد الخطير , لابد له من مشرف عام , يرجع إليه عند وجود أى خلاف ، أويستفسر منه عند أية غموض أو لبس فى التنفيذ , وليس أولى بهذا الإشراف : من الخليفة ,الذى يملك بسلطته إصدار القرارات وتنفيذها ,وهو ليس إشراف تشريف بقدر ما هو إشراف مسئولية 0
أ- وضع قاعدة عند اختلاف اللجنة على كتابة شئ , بهذا الرسم
أو ذاك 0
حيث قال لهم :
" إذ اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن , فاكتبوه بلسـان قريش ؛ فإنه إنما نزل بلسانهم (8) 0
أى إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ اختلافا يؤدى إلى اختلاف الكتابة : فاكتبوه بالكتابة التى توافق قراءتكم , فإن ذلك الذى تختلفون فيه نزل بلسان قريش نزولا مع استقرار , ولم ينزل بلغة غيرهم إلا مدة (1) , وكان رخصة على غير استقرار , فى قراءة القرآن بلغة غيرهم , رفعا للحرج والمشقة فى ابتداء الأمر 0
ورأى عثمان الآن : أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت , فاقتصر على لغة واحدة , وكانت هذه اللغة , هى لغة قريش , وحجته : أن القرآن نزل بلغتهم (7) 0
وقد قدر لها بالإضافة إلى هذا – كما يرى الدكتور إبراهيم مدكور – أن تسود ؛ حيث صارعت اللهجات الأخرى وتغلبت عليها , وأعانها على ذلك : ما للكعبة من قدسية , وما للقرشيين من منزلة , وما أحرزته هى من نصر فى الأسواق التجارية والأدبية 0
و إن كنا نرى أن الفضل – كل الفضل – فى تغلبها هذا , و فوزها فى هذا الصراع مع اللغات الأخرى00 يرجع بالدرجة الأولى : إلى نزول القرآن الكريم عليها 0
ويقول بعض الأجلاء : وبهذا يتم الجمع على القراءة المتواترة , المعلوم عند الجميع ثبوتها عن النبى -صلى الله عليه وسلم- , وان اختلفت وجوهها , حتى لا تكون فرقة واختلاف , حيث أن ما يعلم الجميع انه قراءة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يختلفون فيها , ولا ينكر أحد منهم ما يقرأه الآخر 0 (9)
والحمد لله تعالى : " فلم يختلفوا إلا فى كتابة كلمة " التابوت " (10) أهى تكتب " التابوه " بالهاء , أم " التابوت " بالتاء (11) ؟
جـ - جعل العمل علانية , وعلى مرأى من جميع المسلمين :
وذلك : حتى يشترك الجميع فى علم ماجمع 0
فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شئ , سواء أكان مكتوبا , كما سنرى أم محفوظا 0
ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف 0
ولا يشك أحد فى أنه جمع عن ملاء منهم (12) وذلك مثلما فعل فى جمع أبى بكر رضى الله عنه 0
الخامسة : خطة اللجنة فى عملها :
وضعت هذه اللجنة خطة سارت عليها فى هذا العمل الذى لابد فيه من 00 تخطيط دقيق , ونظام محكم , وتثبت هادف وتأن وأمانة فى كل ما يثبون وما يرفضون 0
وكان سيرهم فى عملية الكتابة وفقا للبنود التالية :
البند الأول : الاعتماد فيما يكتبون فى المصاحف على :
1) عمل اللجنة الأولى , التى قامت بالكتابة فى عهد أبى بكر رضى الله عنه , أى على مصحف أبى بكر (3)
وإنما أمرهم أن ينسخوا من هذه الصحف مع أنهم كانوا حفظة : لتكون مصاحفهم مستندة الى اصل ابى بكر المستند الى أصل النبى -صلى الله عليه وسلم- , المكتوب بين يديه , وأمره 0
و بذلك ينسد باب القالة , أو يزعم زاعم أن فى هذه الصحف قرآنا لم يكتب , أو يرى إنسان فيما كتبوا شيئا مما لم يقرأ به , فينكره 0
من أجل ذلك : كانت هذه الصحف البكرية 00 شاهدة بصحة جميع ما كتبوه (13)0
2) الصحف والقطع , التى يملكها الافراد 0
إذ طلب عثمان رضى الله عنه من كل من كان عنده من كتاب الله شئ , إلا جاء به : فكان الرجل يجئ بالورقة , والأديم فيه القرآن , حتى جمع من ذلك كثرة (6, 10)0
بشرط أن تتوافر لكل قطعة من هذه القطع : الشروط التى كانت قد وضعتها لجنة الفرز - فى جمع أبى بكر لقبولها 0
ويروى : أن عثمان رضى الله عنه , دعى من أحضروا هذه الصحف رجلا رجلا , وناشدهم " لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " وهو أملاه عليك ؟ فيقول : نعم 0(6)
وفائدة ضم هذه القطع إلى صحف أبى بكر – كما يذكر الشيخ العبادى - : الإمعان فى التأكد , وضم اليقين إلى اليقين , حيث إنه كان بين جمع أبى بكر , وجمع عثمان , زمان يقرب من أربعة عشر عاما , وقد شب فيه قوم كانوا فى أيام الجمع الأول أطفالا ,ودخل فى الإسلام قوم لم يحضروا ذلك الجمع أصلا 0
وعلى ذلك : فليطمئن هؤلاء وأولئك , ويرتفع كل وهم عندهم مما تتحدث به النفس عادة , ومما يدخله فى روعهم بعض أعداء الاسلام من نقص الجمع الأول 0
وذلك لا يكون إلا : بضم الصحف المجموعة بإشراف أكابر الصحابة , ومعها كل القطع التى كتبها الصحابة بإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- , والتى هى المصدر الأول (1)0
ولهذا الضم فائدة اخرى :
وهى أنه : قد يكون بعض الكلمات فى الصحف مكتوبا بغير لغة قريش , فإذا أرادوا كتابته بلغة قريش , لم يكن لهم بد من الرجوع إلى مستند لذلك من هذه الرقاع المكتوبة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
وبذلك : لا يكون فى المصاحف حرف مكتوب إلا وهو موافق لما كتب بين يديه وباملائه -صلى الله عليه وسلم- 0 (1)
3 - التثبت الشفاهى – بقدر الامكان – قبل كتابة الكلمة 0
بمعنى أنهم إذا اختلفوا فى كتابة كلمة : أهى ترسم هكذا أم هكذا ؟
فإنهم كانوا فى هذه الحالة : يلجئون إلى التثبت الشفاهى ؛حيث: يسألون : من أقرأها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ؟
فيقال : فلان
فيتركون مكانها خاليا 0
ثم يرسل إليه , وإن كان على رأس ثلاث من المدينة , حتى إذا أتى00 سألوه :
كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا ؟
فيقول كذا وكذا 0
فيكتبونها 0 (7)
ولم ينقل إلينا أنهم اختلفوا فى شئ إلا – كما تقدم – فى كتابة " التابوت "
البند الثاني : الامتناع عن كتابة :
1- ما نسخت تلاوته 0 (14)
فلا يكتب إلا ما استمر متلوًّا طول حياته -صلى الله عليه وسلم- , دون ما نسخت تلاوته بتوقيف منه فى العرضة الاخيرة أو غيرها
حيث إن ما نسخت تلاوته : ليس بقرآن , وإن بقى حكمه (1)
2- ما لم يثبت من القراءات , وما كانت روايته آحادا (7) , مهما كانوا ثقاتا حفاظا 0
حيث إن الواحد 0
يجوز : أن يسمع من النبى -صلى الله عليه وسلم- , تفسير الكلمة القرآنية : فيعتقد أنه قرآن 0
ويجوز : أن يسمع منه ذكرا على هيئة خاصة : فيعتقد أنه قرآن0 ويجوز : أن يسمع قرآنا ثم يرفع وينسخ وهو غائب لم يدر بنسخه : فيستمر على اعتقاد أنه قرآن 0
فلهذا : لا يكتفى فى القرآن بنقل الآحاد , بل لابد من التواتر الذى تتيقن معه القرآنية 0 (1)
3- ما لم تعلم قرآنيته , أو ما ليس بقرآن 0
كالذى كان يكتبه بعض الصحابة فى مصاحفهم الخاصة : شرحا لمعنى , أو بيانا لناسخ أو منسوخ , أو نحو ذلك (14)
ولهذه النقاط الثلاث ، كما يقول الشيخ العبادى :
لم يكتبوا " فامضوا إلى ذكر الله " بدل ( فاسعوا )(15)
ولم يكتبوا كل سفينة صالحة " غصبا " بزيادة كلمة "صالحة" (16)
إلى غير ذلك , مما روى من قراءة بعض الصحابة لكونه تفسيرا , أو منسوخا لعدم تواتره , الذى يحتمل معه ذلك (1)
البند الثالث : أن يكتب القرآن كله فى كل نسخ هذا المصحف 0
مرتب الآيات – كما فى مصحف أبى بكر – ويعتبر توقيفيا (17)
ومرتب السور على ما نشاهده اليوم فى المصاحف, وهذا - أى : ترتيب السور - إما بتوقيف وإما باجتهاد وإما بهما , على خلاف فى ذلك بين العلماء (17) ليس هذا محله 0
البند الرابع : أن تكتب المصاحف بالرسم الذى كتبت به الكلمات بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , بطريقة تجعلها صالحة لجمع وتحمل جميع القراءات الثابتة المتواترة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- (18)0
وهذه الطريقة : هى التى جعلت هذا الرسم ينسب إلى عثمان رضى الله عنه , فيقال الرسم العثمانى 0
وما هو فى الحقيقة من وضع عثمان 0
بل إن هذه الطريقة التى تخالفت بها المصاحف العثمانية فى رسومها , هى التى من وضع عثمان وابتكاره 0
وهذا البند – أى هذه الطريقة – سوف نتحدث عنها فى الفصل التالى تحت عنوان " طريقة عثمان فى رسم المصاحف " فلنؤجل الحديث عن ذلك حتى نصل إليها بإذن الله 0
النقطة السادسة : أن تكتب مصاحف متعددة , ليرسل إلى كل مصر مصحف منها للرجوع إليه (19) 0
النقطة السابعة : مراجعة هذه المصاحف 0
وذلك : بعد الفراغ من كتابتها , وقبل حمل الناس على كتابة مصاحفهم على نمطها0
يراجعها زيد بن ثابت ثلاث مرات ,ثم يراجعها خليفة المسلمين بنفسه, كل هذا أمان من النسيان والخطأ (20)
والآن :
وبعد انتهاء هذه اللجنة من عملها : نرى أنه مما ترتب على ما قامت به بخصوص الرسم النتائج التالية : -
1- إعادة كتابة القرآن الكريم - فى موضع واحد للمرة الثانية - كتابة توافق الرسم الذى كتبت به صحف حفصة , التى يوافق رسمها الرسم الذى كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- وباملاءه 0 (14)
2- أنها لم تخالف فى شئ من الرسم أثناء الكتابة , وكانت فى ذلك متبعة لا مبتدعة 0
وأن ما نسب اليها فى الاختلاف عند كتابة كلمة " التابوت " لم يكن أمر الخلاف فيها على الرسم أساسا , بل كان على القراءة والرسم جاء بالتبعية (21)
3- تعميم رسم المصحف , بالطريقة العثمانية ,
ولذلك 00 نسب إليه تعبير " الرسم العثمانى "
وليس المراد بها : نفس رسم المصحف 0
بل المراد 00 طريقة توزيع هذا الرسم على المصاحف ؛ بحيث يتحمل كل القراءات القرآنية المتواترة 0
ولذلك : نسب إليه لهذا السبب – لا لابتكارهم له , ولا لمخالفتهم به رسما تم بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
وأيضا : لأن الفضل يرجع إلى نسخهم التى عممته وأذاعته , ومسحت كل رسم يخالفه , بعد وصولها إلى الأمصار والأقطار 0
4- أنه بعمل اللجنة هذه : تم إجماع المسلمين للمرة الثالثة , فى التدويـن
الثالث للقرآن الكريم 0
وذلك: على هذا الرسم الذى كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- ,
وكتب فى صحف أبى بكر , و نسخ فى مصاحف عثمان , تحت الإشراف الدقيق , والتنفيذ الأمين الجاد المتأنى من كل من اشترك فى كتابة القرآن الكريم , واستمتع بالكتابة بين يديه -صلى الله عليه وسلم- , واستمع إلى إملاءه الشريف0
وكذلك كل من اشترك فى مرتى التدوين , فى عهدى أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما , أو فى إحداهما
" أن الحل لتلاشى هذا التنازع , الذى ظهرت بوادره , والذى ارتآه لرأب هذا الصدع : هو إعادة كتابة القرآن الكريم نقلا من نسخة أبى بكر, التى كتب ما فيها مما كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , وتعميم رسمها فى البلاد " 0
ولذلك : يكون هذا الرسم بعد تعميمه , مانعا جامعا للقراءات الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 0
وكان هذا الحل : فى صورة قرار اتخذ بعد تشاور يتضمن بنودا ثلاثة كما سبق أن أشرنا وهى : -
أ- أن يكتب القرآن فى عدة مصاحف 0
ب- أن يرسل من هذه المصاحف إلى الأمصار 0
جـ - أن يحرق ما عداها , أو يقوَّم عليها 0 (1)
وكلامنا هنا : سوف يتناول بالبيان تنفيذ البند الأول من هذا القرار , الذى لولاه " لترك عثمان الناس يقرأون القرآن قراءات مختلفة , بلغات متباينة فى ألفاظها ؛ ولكان هذا مصدر فرقة لاشك فيها , ولكان من المحقق أن هذه الفرقة حول الألفاظ : ستؤدى إلى فرقة شر منها حول المعانى , بعد أن كان الفتح , و بعد أن استعرب الأعاجم , وبعد أن أخذ الأعراب يقرأون القرآن 0 (2)
وتتناول النقاط الست الآتية 00 بيان تنفيذ هذا البند :
النقطة الاولى : أول هذه النقاط التى بدأ بها عثمان هى :
أخذ الموافقة الجماعية من الصحابة ؛ حتى يكون هذا العمل شرعيا , وحتى لا يقول أحد أنه نفذ بقوة سيف الحاكم , وحتى يشاركه هؤلاء الصحابة – وهم مقتنعون – القيام بهذه المهمة الجليلة الشاقة 0
ففى " فتح البارى " : (3)
قال الصحابة – وبعد التشاور – لعثمان : فما ترى ؟
قال : أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد , فلا تكون فرقة ولا اختلاف 0
قال الصحابة : فنعم ما رأيت 0 (4)
وبهذا : حصل عثمان على الموافقة الجماعية , وأخذ فى :
النقطة الثانية : تشكيل اللجنة :
وكانت على النحو السابق تحت عنوان " الكتاب "
النقطة الثالثة : إحضار الصحف التى جمع فيها القرآن فى عهد أبى بكر , إذ أرسل عثمان إلى حفصة – وكانت هذه الصحف عندها – أن أرسلى إلينا بالصحف , ننسخها فى المصاحف , فأرسلت بها حفصة إلى عثمان 0
النقطة الرابعة : التعليمات العامة التى صدرت لهذه اللجنة :
أصدر عثمان رضى الله عنه لهذه اللجنة بعض التعليمات العامة , قبل أن تبدأ فى عملها , حتى تكون مسترشدة بها فى خطة عملها , بل فى عملها نفسه , وحتى لا يكون هناك مظان خلاف بين أعضاء هذه اللجنة فى هذا العمل الحساس الشاق , الضخم الجسامة0
من هذه التعليمات :
أ- تخصيص عمل كل واحد من أعضاء هذه اللجنة 0
فجعل الإملاء من اختصاص : سعيد بن العاص 00 بعد أن عـرف أنه أعرب الناس (5) , ويقال إنه كان أشبههم لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- 0 (6)
وجعل الكتابة من اختصاص : زيد بن ثابت 00 بعد أن سأل من أكتب الناس ؟ وقالوا له : كاتب رسول الله زيد بن ثابت (6)
وكأن عثمان رضى الله عنه بهذا السؤال : أحب أن يزيل من نفوسهم كل مظنة لتفضيل زيد على غيره ؛ بجعلهم يعترفون بسبب اختياره , وإلا فإن عثمان يعرف أنه كان كاتب الوحى , وأنه هو الذى نسخ المصحف فى عهد أبى بكر 0
وبذلك : تكون له أولية ليست لغيره (3)
وجعل عثمان – رضى الله عنه – لبقية اعضاء اللجنة , ما يناط بها من الأعمال المختلفة , التى تكون فى مثل هذا العمل عادة 0
وكذلك : ما يناط بها من المساعدة فى كتابة بعض النسخ , أو الإملاء (3)
وجعل لنفسه – رضى الله عنه – الإشراف العام 0 (7)
وليس هذا بمستكره , أو منتقد ؛ حيث إن مثل هذا العمل الجاد الخطير , لابد له من مشرف عام , يرجع إليه عند وجود أى خلاف ، أويستفسر منه عند أية غموض أو لبس فى التنفيذ , وليس أولى بهذا الإشراف : من الخليفة ,الذى يملك بسلطته إصدار القرارات وتنفيذها ,وهو ليس إشراف تشريف بقدر ما هو إشراف مسئولية 0
أ- وضع قاعدة عند اختلاف اللجنة على كتابة شئ , بهذا الرسم
أو ذاك 0
حيث قال لهم :
" إذ اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن , فاكتبوه بلسـان قريش ؛ فإنه إنما نزل بلسانهم (8) 0
أى إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ اختلافا يؤدى إلى اختلاف الكتابة : فاكتبوه بالكتابة التى توافق قراءتكم , فإن ذلك الذى تختلفون فيه نزل بلسان قريش نزولا مع استقرار , ولم ينزل بلغة غيرهم إلا مدة (1) , وكان رخصة على غير استقرار , فى قراءة القرآن بلغة غيرهم , رفعا للحرج والمشقة فى ابتداء الأمر 0
ورأى عثمان الآن : أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت , فاقتصر على لغة واحدة , وكانت هذه اللغة , هى لغة قريش , وحجته : أن القرآن نزل بلغتهم (7) 0
وقد قدر لها بالإضافة إلى هذا – كما يرى الدكتور إبراهيم مدكور – أن تسود ؛ حيث صارعت اللهجات الأخرى وتغلبت عليها , وأعانها على ذلك : ما للكعبة من قدسية , وما للقرشيين من منزلة , وما أحرزته هى من نصر فى الأسواق التجارية والأدبية 0
و إن كنا نرى أن الفضل – كل الفضل – فى تغلبها هذا , و فوزها فى هذا الصراع مع اللغات الأخرى00 يرجع بالدرجة الأولى : إلى نزول القرآن الكريم عليها 0
ويقول بعض الأجلاء : وبهذا يتم الجمع على القراءة المتواترة , المعلوم عند الجميع ثبوتها عن النبى -صلى الله عليه وسلم- , وان اختلفت وجوهها , حتى لا تكون فرقة واختلاف , حيث أن ما يعلم الجميع انه قراءة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يختلفون فيها , ولا ينكر أحد منهم ما يقرأه الآخر 0 (9)
والحمد لله تعالى : " فلم يختلفوا إلا فى كتابة كلمة " التابوت " (10) أهى تكتب " التابوه " بالهاء , أم " التابوت " بالتاء (11) ؟
جـ - جعل العمل علانية , وعلى مرأى من جميع المسلمين :
وذلك : حتى يشترك الجميع فى علم ماجمع 0
فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شئ , سواء أكان مكتوبا , كما سنرى أم محفوظا 0
ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف 0
ولا يشك أحد فى أنه جمع عن ملاء منهم (12) وذلك مثلما فعل فى جمع أبى بكر رضى الله عنه 0
الخامسة : خطة اللجنة فى عملها :
وضعت هذه اللجنة خطة سارت عليها فى هذا العمل الذى لابد فيه من 00 تخطيط دقيق , ونظام محكم , وتثبت هادف وتأن وأمانة فى كل ما يثبون وما يرفضون 0
وكان سيرهم فى عملية الكتابة وفقا للبنود التالية :
البند الأول : الاعتماد فيما يكتبون فى المصاحف على :
1) عمل اللجنة الأولى , التى قامت بالكتابة فى عهد أبى بكر رضى الله عنه , أى على مصحف أبى بكر (3)
وإنما أمرهم أن ينسخوا من هذه الصحف مع أنهم كانوا حفظة : لتكون مصاحفهم مستندة الى اصل ابى بكر المستند الى أصل النبى -صلى الله عليه وسلم- , المكتوب بين يديه , وأمره 0
و بذلك ينسد باب القالة , أو يزعم زاعم أن فى هذه الصحف قرآنا لم يكتب , أو يرى إنسان فيما كتبوا شيئا مما لم يقرأ به , فينكره 0
من أجل ذلك : كانت هذه الصحف البكرية 00 شاهدة بصحة جميع ما كتبوه (13)0
2) الصحف والقطع , التى يملكها الافراد 0
إذ طلب عثمان رضى الله عنه من كل من كان عنده من كتاب الله شئ , إلا جاء به : فكان الرجل يجئ بالورقة , والأديم فيه القرآن , حتى جمع من ذلك كثرة (6, 10)0
بشرط أن تتوافر لكل قطعة من هذه القطع : الشروط التى كانت قد وضعتها لجنة الفرز - فى جمع أبى بكر لقبولها 0
ويروى : أن عثمان رضى الله عنه , دعى من أحضروا هذه الصحف رجلا رجلا , وناشدهم " لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " وهو أملاه عليك ؟ فيقول : نعم 0(6)
وفائدة ضم هذه القطع إلى صحف أبى بكر – كما يذكر الشيخ العبادى - : الإمعان فى التأكد , وضم اليقين إلى اليقين , حيث إنه كان بين جمع أبى بكر , وجمع عثمان , زمان يقرب من أربعة عشر عاما , وقد شب فيه قوم كانوا فى أيام الجمع الأول أطفالا ,ودخل فى الإسلام قوم لم يحضروا ذلك الجمع أصلا 0
وعلى ذلك : فليطمئن هؤلاء وأولئك , ويرتفع كل وهم عندهم مما تتحدث به النفس عادة , ومما يدخله فى روعهم بعض أعداء الاسلام من نقص الجمع الأول 0
وذلك لا يكون إلا : بضم الصحف المجموعة بإشراف أكابر الصحابة , ومعها كل القطع التى كتبها الصحابة بإملاء النبى -صلى الله عليه وسلم- , والتى هى المصدر الأول (1)0
ولهذا الضم فائدة اخرى :
وهى أنه : قد يكون بعض الكلمات فى الصحف مكتوبا بغير لغة قريش , فإذا أرادوا كتابته بلغة قريش , لم يكن لهم بد من الرجوع إلى مستند لذلك من هذه الرقاع المكتوبة بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
وبذلك : لا يكون فى المصاحف حرف مكتوب إلا وهو موافق لما كتب بين يديه وباملائه -صلى الله عليه وسلم- 0 (1)
3 - التثبت الشفاهى – بقدر الامكان – قبل كتابة الكلمة 0
بمعنى أنهم إذا اختلفوا فى كتابة كلمة : أهى ترسم هكذا أم هكذا ؟
فإنهم كانوا فى هذه الحالة : يلجئون إلى التثبت الشفاهى ؛حيث: يسألون : من أقرأها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ؟
فيقال : فلان
فيتركون مكانها خاليا 0
ثم يرسل إليه , وإن كان على رأس ثلاث من المدينة , حتى إذا أتى00 سألوه :
كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا ؟
فيقول كذا وكذا 0
فيكتبونها 0 (7)
ولم ينقل إلينا أنهم اختلفوا فى شئ إلا – كما تقدم – فى كتابة " التابوت "
البند الثاني : الامتناع عن كتابة :
1- ما نسخت تلاوته 0 (14)
فلا يكتب إلا ما استمر متلوًّا طول حياته -صلى الله عليه وسلم- , دون ما نسخت تلاوته بتوقيف منه فى العرضة الاخيرة أو غيرها
حيث إن ما نسخت تلاوته : ليس بقرآن , وإن بقى حكمه (1)
2- ما لم يثبت من القراءات , وما كانت روايته آحادا (7) , مهما كانوا ثقاتا حفاظا 0
حيث إن الواحد 0
يجوز : أن يسمع من النبى -صلى الله عليه وسلم- , تفسير الكلمة القرآنية : فيعتقد أنه قرآن 0
ويجوز : أن يسمع منه ذكرا على هيئة خاصة : فيعتقد أنه قرآن0 ويجوز : أن يسمع قرآنا ثم يرفع وينسخ وهو غائب لم يدر بنسخه : فيستمر على اعتقاد أنه قرآن 0
فلهذا : لا يكتفى فى القرآن بنقل الآحاد , بل لابد من التواتر الذى تتيقن معه القرآنية 0 (1)
3- ما لم تعلم قرآنيته , أو ما ليس بقرآن 0
كالذى كان يكتبه بعض الصحابة فى مصاحفهم الخاصة : شرحا لمعنى , أو بيانا لناسخ أو منسوخ , أو نحو ذلك (14)
ولهذه النقاط الثلاث ، كما يقول الشيخ العبادى :
لم يكتبوا " فامضوا إلى ذكر الله " بدل ( فاسعوا )(15)
ولم يكتبوا كل سفينة صالحة " غصبا " بزيادة كلمة "صالحة" (16)
إلى غير ذلك , مما روى من قراءة بعض الصحابة لكونه تفسيرا , أو منسوخا لعدم تواتره , الذى يحتمل معه ذلك (1)
البند الثالث : أن يكتب القرآن كله فى كل نسخ هذا المصحف 0
مرتب الآيات – كما فى مصحف أبى بكر – ويعتبر توقيفيا (17)
ومرتب السور على ما نشاهده اليوم فى المصاحف, وهذا - أى : ترتيب السور - إما بتوقيف وإما باجتهاد وإما بهما , على خلاف فى ذلك بين العلماء (17) ليس هذا محله 0
البند الرابع : أن تكتب المصاحف بالرسم الذى كتبت به الكلمات بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- , بطريقة تجعلها صالحة لجمع وتحمل جميع القراءات الثابتة المتواترة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- (18)0
وهذه الطريقة : هى التى جعلت هذا الرسم ينسب إلى عثمان رضى الله عنه , فيقال الرسم العثمانى 0
وما هو فى الحقيقة من وضع عثمان 0
بل إن هذه الطريقة التى تخالفت بها المصاحف العثمانية فى رسومها , هى التى من وضع عثمان وابتكاره 0
وهذا البند – أى هذه الطريقة – سوف نتحدث عنها فى الفصل التالى تحت عنوان " طريقة عثمان فى رسم المصاحف " فلنؤجل الحديث عن ذلك حتى نصل إليها بإذن الله 0
النقطة السادسة : أن تكتب مصاحف متعددة , ليرسل إلى كل مصر مصحف منها للرجوع إليه (19) 0
النقطة السابعة : مراجعة هذه المصاحف 0
وذلك : بعد الفراغ من كتابتها , وقبل حمل الناس على كتابة مصاحفهم على نمطها0
يراجعها زيد بن ثابت ثلاث مرات ,ثم يراجعها خليفة المسلمين بنفسه, كل هذا أمان من النسيان والخطأ (20)
والآن :
وبعد انتهاء هذه اللجنة من عملها : نرى أنه مما ترتب على ما قامت به بخصوص الرسم النتائج التالية : -
1- إعادة كتابة القرآن الكريم - فى موضع واحد للمرة الثانية - كتابة توافق الرسم الذى كتبت به صحف حفصة , التى يوافق رسمها الرسم الذى كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- وباملاءه 0 (14)
2- أنها لم تخالف فى شئ من الرسم أثناء الكتابة , وكانت فى ذلك متبعة لا مبتدعة 0
وأن ما نسب اليها فى الاختلاف عند كتابة كلمة " التابوت " لم يكن أمر الخلاف فيها على الرسم أساسا , بل كان على القراءة والرسم جاء بالتبعية (21)
3- تعميم رسم المصحف , بالطريقة العثمانية ,
ولذلك 00 نسب إليه تعبير " الرسم العثمانى "
وليس المراد بها : نفس رسم المصحف 0
بل المراد 00 طريقة توزيع هذا الرسم على المصاحف ؛ بحيث يتحمل كل القراءات القرآنية المتواترة 0
ولذلك : نسب إليه لهذا السبب – لا لابتكارهم له , ولا لمخالفتهم به رسما تم بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- 0
وأيضا : لأن الفضل يرجع إلى نسخهم التى عممته وأذاعته , ومسحت كل رسم يخالفه , بعد وصولها إلى الأمصار والأقطار 0
4- أنه بعمل اللجنة هذه : تم إجماع المسلمين للمرة الثالثة , فى التدويـن
الثالث للقرآن الكريم 0
وذلك: على هذا الرسم الذى كتب بين يدى النبى -صلى الله عليه وسلم- ,
وكتب فى صحف أبى بكر , و نسخ فى مصاحف عثمان , تحت الإشراف الدقيق , والتنفيذ الأمين الجاد المتأنى من كل من اشترك فى كتابة القرآن الكريم , واستمتع بالكتابة بين يديه -صلى الله عليه وسلم- , واستمع إلى إملاءه الشريف0
وكذلك كل من اشترك فى مرتى التدوين , فى عهدى أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما , أو فى إحداهما
..............................................................................
المصاحف من بعد عثمان إلى يومنا هذا
نسْخُ المصاحف
ما كاد عثمان رضى الله عنه يرسل المصاحف – التى نسخها من الصحف البكرية - إلى الآفاق الإسلامية : حتى أقبلت عليها الأمة من كل صوب وحدب , وكأنها أشبه بماء نزل من السماء , فأصاب أرضا خصبة صالحة , ولكنها ظامئة متعطشة , فما كاد يصل إليها الماء حتى اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 0
فقد اجتمعت على هذه المصاحف : الكلمة فى الشرق والغرب , ونسخت على غرارها الآلآف المؤلفة من المصاحف المقدسة فى كل جيل وقبيل. (1)
فنحن نجد – وعلى سبيل المثال – أنه بعد سبع سنين , وفى موقعة "صفين " التى كانت بين "على ومعاوية " : أنه لما أشار عمرو بن العاص – حين أحس ظهور علي على معاوية - برفع المصاحف , قد رفع من عسكر معاوية فقط نحوا من خمسمائة مصحف 0 (2)
ويعلق الأستاذ إبراهيم الإبيارى على هذه الحادثة فيقول :
وما نظن هذا العدد , الذى رفع من المصاحف فى معسكر معاوية , كان كل ما يملكه المسلمون حينذاك 00 !!
والذى نظنه : ما أنه كان بين أيدى المسلمين ما يربو على هذا العدد بكثير (3) 0
ومما يرشدنا إلى عظمة المسلمين واهتمامهم بكتابهم المقدس وحرصهم على كتابته ونسخه : أن المصاحف كانت لاتباع أول الأمر , بالرغم من صعوبة الكتابة وندرة أدواتها 0
ولأن قلوبهم كانت عامرة بالتقوى , ممتلئة إيمانا ويقينا , وكانوا أكثر تلاوة للقرآن , وأشد تمسكا بأحكامه : فقد كانوا أكثر رغبة وتنافسا فى نسخه وكتابته , وإهدائه لبعضهم البعض , وجعله فى المساجد ودور العلم والتدريس , رجاء الأجر والثواب 0
فقد روى عن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه , أنه كان يقول :
كانت المصاحف لاتباع , إنما يأتى الرجل بورقة عند المنبر , فيقوم الرجل المحتسب , فيكتب له من أول البقرة , ثم يجئ غيره فيكمل الكتابة , وهكذا غيره , حتى تتم كتابة المصحف (4)0
هكذا كان فى ابتداء الاسلام 0
ثم صار كثير من الناس يتفرغون لكتابة المصاحف , لعدم وجود المطابع فى ذلك الزمان 0
فكان بعضهم يكتب مائة مصحف , وبعضهم مائتين , وبعضهم أقل أو اكثر 0
وتقاضى بعضهم على ذلك الأجر 0
ومن هؤلاء على سبيل المثال :
خالد بن أبى الهياج 0
ومالك بن دينار مولى أسامة بن لؤى بن غالب (3)
وكانت المصاحف فى العهد الأول : تكتب بأنواع متعددة بالخط الكوفى , إلى القرن الخامس تقريبا 0
ثم لما تنوعت الخطوط : صاروا يكتبونها بخط الثلث , إلى القرن الثامن أو التاسع 0
ولما ظهر خط النسخ : الذى هو أجمل الخطوط , صاروا يكتبونها به إلى عصرنا الحاضر 0
والحق يقال : أن جمال المصاحف لا يظهر إلا اذا كتبت بخط النسخ فقط , أما بقية أنواع الخطوط 00 فلا يستحسن كتابتها بها , كخط الرقعة , والديوانى , وسياقت , وشكسته , لأن قاعدة هذه الخطوط عدم تشكيلها ؛ والمصاحف يجب تشكيلها , صيانة للقارئ من اللحن 0
بل قد يحرم كتابتها ببعض هذه الخطوط , كخط سياقت وشكسته ؛ فان هذين الخطين لا يعرفهما أحد فى جميع البلدان العربية , ويندر جدا من يعرفهما فى بلاد الترك والعجم
فقد اجتمعت على هذه المصاحف : الكلمة فى الشرق والغرب , ونسخت على غرارها الآلآف المؤلفة من المصاحف المقدسة فى كل جيل وقبيل. (1)
فنحن نجد – وعلى سبيل المثال – أنه بعد سبع سنين , وفى موقعة "صفين " التى كانت بين "على ومعاوية " : أنه لما أشار عمرو بن العاص – حين أحس ظهور علي على معاوية - برفع المصاحف , قد رفع من عسكر معاوية فقط نحوا من خمسمائة مصحف 0 (2)
ويعلق الأستاذ إبراهيم الإبيارى على هذه الحادثة فيقول :
وما نظن هذا العدد , الذى رفع من المصاحف فى معسكر معاوية , كان كل ما يملكه المسلمون حينذاك 00 !!
والذى نظنه : ما أنه كان بين أيدى المسلمين ما يربو على هذا العدد بكثير (3) 0
ومما يرشدنا إلى عظمة المسلمين واهتمامهم بكتابهم المقدس وحرصهم على كتابته ونسخه : أن المصاحف كانت لاتباع أول الأمر , بالرغم من صعوبة الكتابة وندرة أدواتها 0
ولأن قلوبهم كانت عامرة بالتقوى , ممتلئة إيمانا ويقينا , وكانوا أكثر تلاوة للقرآن , وأشد تمسكا بأحكامه : فقد كانوا أكثر رغبة وتنافسا فى نسخه وكتابته , وإهدائه لبعضهم البعض , وجعله فى المساجد ودور العلم والتدريس , رجاء الأجر والثواب 0
فقد روى عن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه , أنه كان يقول :
كانت المصاحف لاتباع , إنما يأتى الرجل بورقة عند المنبر , فيقوم الرجل المحتسب , فيكتب له من أول البقرة , ثم يجئ غيره فيكمل الكتابة , وهكذا غيره , حتى تتم كتابة المصحف (4)0
هكذا كان فى ابتداء الاسلام 0
ثم صار كثير من الناس يتفرغون لكتابة المصاحف , لعدم وجود المطابع فى ذلك الزمان 0
فكان بعضهم يكتب مائة مصحف , وبعضهم مائتين , وبعضهم أقل أو اكثر 0
وتقاضى بعضهم على ذلك الأجر 0
ومن هؤلاء على سبيل المثال :
خالد بن أبى الهياج 0
ومالك بن دينار مولى أسامة بن لؤى بن غالب (3)
وكانت المصاحف فى العهد الأول : تكتب بأنواع متعددة بالخط الكوفى , إلى القرن الخامس تقريبا 0
ثم لما تنوعت الخطوط : صاروا يكتبونها بخط الثلث , إلى القرن الثامن أو التاسع 0
ولما ظهر خط النسخ : الذى هو أجمل الخطوط , صاروا يكتبونها به إلى عصرنا الحاضر 0
والحق يقال : أن جمال المصاحف لا يظهر إلا اذا كتبت بخط النسخ فقط , أما بقية أنواع الخطوط 00 فلا يستحسن كتابتها بها , كخط الرقعة , والديوانى , وسياقت , وشكسته , لأن قاعدة هذه الخطوط عدم تشكيلها ؛ والمصاحف يجب تشكيلها , صيانة للقارئ من اللحن 0
بل قد يحرم كتابتها ببعض هذه الخطوط , كخط سياقت وشكسته ؛ فان هذين الخطين لا يعرفهما أحد فى جميع البلدان العربية , ويندر جدا من يعرفهما فى بلاد الترك والعجم
طبع المصاحف
ولما ظهرت المطابع أول اختراعها فى ألمانيا عام ( 835هـ - 1431م ) 0
وظهرت – تبعا لذلك – أول طبعة للمصحف الشريف بالخط العربى عام (1113 هـ - 1692م) , وكان ذلك بمدينة همبرج بألمانيا (1)
ويوجد من هذه الطبعة : مصحف بدار الكتب العربية بالقاهرة 0
وبعد سنة(922هـ - 1516م ) طبع المصحف أيضا : فى مدينة البندقية بإيطاليا 0
والسبب فى طبع المصحف الشريف بمدينتى همبرج والبندقية , دون غيرهما من البلاد : هو وجود المطابع فيهما دون غيرهما من البلاد عامة والبلاد الاسلامية خاصة , كما هو ظاهر (2 , 3)0
وقد مضت – بحكم الضرورة – مدة طويلة , حتى أتقنت المطابع صناعتها , وظهرت صلاحيتها , وانتقلت بعد ذلك إلى البلاد الأخرى0
فدخلت أولا إلى إيطاليا , ثم إلي فرنسا , ثم إلى انجلترا , ثم انتشرت فى جميع البلدان , ومنها البلاد العربية 0
هذا 00
رولما دخلت المطبعة إلى تركيا فى زمن السلطان أحمد الثالث : أفتت مشيخة الاسلام بجواز استعمالها , وعدم جواز طبع المصحف0
وفيما بعد سنة (1141 هـ - 1729م ) استصدرت فتوى بطبع كتب الدين فقط ,مع جواز تجليد القرآن الكريم 0
و دخلت المطابع - كذلك - إلى البلاد العربية0
وقد دخلت حلب سنة 1110 هـ - 1698م 0
ودخلت لبنان سنة 1146 هـ - 1733م 0
ودخلت تونس بعد سنة 1271 هـ - 1854م 0
و دخلت مكة المكرمة سنة 1303 هـ - 1885م 0
ودخلت جدة سنة 1329 هـ - 1911م 0
ودخلت المدينة المنورة سنة 1355 هـ - 1936م 0
وأما بمصر :
فقد ظهرت أول مطبعة بها , مطبعة الحملة الفرنسية : وجاء بها بونابرت سنة (1213هـ - 1798م ) لطبع المنشورات والأوامر باللغة العربية 0
وقد سميت بالمطبعة الأهلية 0
وكانت بالقاهرة إلى يونيو(1216هـ- 1801 م ) حين انسحب الفرنسيون من مصر 0
وبعد ذلك : ظلت مصر نحوا من عشرين عاما بغير مطبعة 0
حتى استقر الأمر لمحمد على باشا فأنشا المطبعة الأهلية سنة (1237هـ - 1821م ) وتعرف بمطبعة بولاق , لأنها وضعت أخيرا فى بولاق (3)
وكانت المطابع منذ ظهورها , والإفتاء بطبع المصاحف بها: تتسابق فى إبراز المصحف فى أبهى صورة , وأروع منظر , وأبدع تننسيق , وذلك على أشكال شتى , وألوان متعددة , وأحجام مختلفة (4) 0
إلى غير ذلك : من ضروب التجويد , والصقل , والتحسين , التى أخذت تتناول المصاحف , على ألوان شتى , وضروب متنوعة 0
وكانت هذه التحسينات على قسمين :
أ- تحسينا مادية أو شكلية : ترجع إلى النسخ , والطبع , والحجم , والورق , و التجليد , و التذهيب , ونحو ذلك 0
وهذه : لا تعنينا كثيرا , لأن أمرها هين , وإن كان فيها بعض التيسير , أو التشويق لقراءة القرآن الكريم 0
ب- وهناك تحسينات معنوية , أو جوهرية : ترجع إلى تقريب نطق الحروف , وتمييز الكلمات , وتحقيق الفروق بين المتشابهات (5)
وذلك عن طريق : طبع المصحف موافقا للرسم العثمانى , ومعجما , ومشكولا0
كل ذلك بخط واضح , وطبع جيد 0
غير أنه مما يلفت النظر هنا بالذات : أن هذه المطابع – على كثرة عنايتها الفائقة بطبع المصحف – لم تراع فى طبعه أن يكون على قواعد الرسم العثمانى , التى كتب عليها فى عهد عثمان رضى الله عنه , وفى عهد بقية الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين 0
بل طبعته مطابقا لقواعد الإملاء الحديثة , اللهم إلا فى النزر اليسير من الكلمات , كتبته على مقتضى الرسم العثمانى (4)
وهذا فى رأينا – يرجع إلى : -
أ- أن االقائمين على شئون الطبع حينذاك لم تكن لهم الدراية الكافية بسمات رسم المصحف ؛ مما جعلهم يحيدون عنه 0
ب - عدم توقف طبع المصحف على تصريح من الهيئات الدينية كما هو الحال الآن 0
وقد ظلت المصاحف - هكذا – زمنا غير قصير , حتى قيض الله تعالى لها علما من أعلام القرآن , وجهبذا من جهابذته 0
وهو العلامة المحقق المغفور له : الشيخ رضوان بن محمد الشهير " بالمخللاتى "0
حيث كتب مصحفا , جليل الشأن , عظيم الخطر 0
عنى فيه : بكتابة الكلمات القرآنية على قوانين الرسم العثمانى 0
كما عنى فيه : ببيان عدد آى كل سورة فى أولها , عند علماء العدد المشهورين , على اختلاف مذاهبهم , واضعا على الفاصلة المختلف فيها , اسم من يعدها 0
كذلك : بين أماكن الوقوف , ووضع على كل موضع منها العلامة الدالة على نوع الوقف 0
وبعد الاستقراء والتتبع , تبين أن الوقوف عنده , ستة أقسام : التام , الكافى , الحسن , الصالح , الجائز , المفهوم 0
وقد أشار إلى التام : بالتاء , وإلى الكافى : بالكاف , وإلى الحسن بالحاء , والى الصالح بالصاد , والى الجائز : بالجيم , وإلى المفهوم بالميم 0 (6)
وقد صدَّر – الشيخ المخللاتى – هذا المصحف بمقدمة جليلة (7) أبان فيها : أن هذا المصحف , حرر رسمه وضبطه , على ما فى كتاب "المقنع " للأمام الدانى , وكتاب " التنزيل " لأبى داود 0
ولخص فيها أيضا تاريخ كتابة القرآن فى العهد النبوى , وجمعه فى عهدى أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما 0
كما لخص فيها : مباحث الرسم والضبط وبين فيها : علماء العدد المشهورين 0
وعرف فيها : معنى السورة والآية 0
كل ذلك : فى عبارة وجيزة مفيدة , وتركيب سهل بديع 0
وقد طبع هذا المصحف (8) فى " المطبعة البهية " فى القاهرة لصاحبها الشيخ محمد أبى زيد سنة (1308 هـ - 1890م )0 (4)
وكان هذا المصحف : هو المتداول بين اهل العلم , وعلماء القراءات , المُعَوَّل عليه عندهم , المقدم على سائر المصاحف , لما اشتمل عليه من هذه المزايا المذكورة 0
بَيْد أنه لم يبرز فى صورة حسنة , تروق الناظر , وتنشط القارئ ؛ لرداءة ورقه , وسوء طبعه 0
إذ أنه طبع فى مطبعة حجرية (4) 0
ويلاحظ أنه كانت تطبع بجواره , وفى وجوده , المصاحف بالخط الإملائى ؛ متابعة فى ذلك الدولة العثمانية 0
وظل ذلك : لمدة سبع وخمسين سنة , حتى أصدرت مشيخة الأزهر فى عام( 1336هـ- 1917م ) قرارا بتحريم طبع وتداول , بل مصادرة أي مصحف فى مصر مطبوعا بغير الخط العثمانى (9)
وحسنا : ما فعلت 00 !!
وما زالت إدارة الثقافة والنشر بمجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة : تعمل جاهدة على تنفيذ هذا القرار ؛ حيث لا تمنح تصاريحها لأى ناشر يرغب فى طبع المصحف إلا إذا كان مكتوبا بالرسم العثمانى 0
وقد وجهت مشيخة الأزهر – منذ قديم – عنايتها إلى المصحف : فأمرت بتكوين لجنة من أساطين العلم , ونوابغ الأدب وهم : -
1- المغفور له العلامة الشيخ محمد على خلف الحسينى الشهير بالحداد , شيخ المقارئ المصرية الأسبق , وهو الذى كتبه بخطه 0 (10)
2- والمرحوم الأستاذ حفنى ناصف 0
3- والمرحوم الأستاذ مصطفى عنانى 0
4- والمرحوم الأستاذ أحمد الاسكندرى 0
كونت هذه اللجنة : للنظر فى المصحف , فى رسمه وضبطه , وفيما يجب أن يكون عليه في الطبع 0
فاضطلعت اللجنة : بهذه المهمة الشاقة , وقامت – أحسن الله جزاءها – بما أسند إليها , على أتم وجه وأكمله 0
فكتبت القرآن كله : على حسب قواعد الرسم العثمانى , وضبطته على مايوافق رواية حفص بن سليمان الكوفى , أحد راويي قراءة عاصم بن أبى النجود , وبيَّنت فى ترجمة كل سورة عدد آيها على مذهب الامام حفص المذكور , وأنها مكية أو مدنية , وأنها نزلت بعد سورة كذا , ووضعت لكل آية رقمها الخاص بها , كما وضعت علامات للوقوف والأجزاء , والأحزاب , والأرباع , والسجدات , والسكتات 0
ثم قسمت الوقف إلى ستة أقسام : (4)
الأول :
ما يلزم الوقف عليه , ولا يصح وصله بما بعده 0
ووضعت له علامة : هى الميم المفردة , هكذا " م "0
الثانى : ما يصح الوقف عليه , والابتداء بما بعده , كما يصح وصله بما بعده , غير أن الوقف عليه أحسن من وصله بما بعده 0
ووضعت له هذه العلامة : قلى" وهى كلمة منحوتة , وأصلها : الوقف أولى 0
الثالث : كالثانى , غير أن وصله بما بعده أرجح من الوقف عليه 0 ووضعت له هذه العلامة : " صلى " وهى كلمة منحوتة , وأصلها : الوصل أولى 0
الرابع : ما يجوز فيه الوقف والوصل على السواء , من غير ترجيح أحدهما على الآخر 0
ووضعت له هذه العلامة : " ج " 0
الخامس : ما لا يصح الوقف عليه والابتداء بما بعده , فإذا وقف عليه ؛ لانقطاع نفس , أو استراحة , أو نحو ذلك : تعين عيه أن يرجع فيصله بما بعده 0
ووضعت له هذه العلامة : " لا " 0
السادس : وقف المعانقة , وهو أن يكون هناك موضعان يصح الوقوف على كل منهما , ولكن إذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر 0
ووضعت لهما هاتين العلامتين : هكذا :. :.
ومثلت لكل قسم من الأقسام 0
وقد ذكرت هذه اللجنة الموقرة فى ذلك المصحف , تحت عنوان " تعريف بهذا المصحف الشريف " : النهج الذى سارت عليه فى كتابة المصحف , من حيث : رسمه , وضبطه , وعد آياته , وبيان أجزائه وأحزابه وأرباعه , وبيان مكية ومدنية , وبيان وقوفه وعلاماتها , وبيان سجداته ومواضعها وعلاماتها , وبيان سكتاته ومواضعها وعلاماتها 0 (4)
ثم توالت طبعات المصحف الشريف : وكلها حسب هذا النظام ,بل زادت عليه دقة وضبطا , وتلافيا لما قد يكون قد وقع فيه من هنات بسيطة فى الرسم أوالضبط 0
هذا هو حال المصحف وطبعه فى مصر 0
أما فى بقية بلاد العالم , الإسلامى منها وغير الاسلامى : فقد أصبح رسم المصحف فيها أنواعا شتى وأصبح المسلم عندما ينتقل من بلده إلى بلد آخر : لا يكاد يعرف , أولا يعرف بالمرة كيف يتلو فى كتاب الله تعالى , فى مصاحف أهل هذا البلد الآخر (5) الذى هو تنزيل رب العالمين , لكل الناس فى الأولين والآخرين 00!!!
ولكن 00 لم لا يعرف ؟
ذلك : لأن أعداء الوحدة الإسلامية الصحيحة , أدركوا أن سبيل تحقيق بغيتهم , هو أن لا يجتمع العرب والمسلمون على ذلك الكتاب , وذلك اللسان , وأن تنشأ النابتة العربية المسلمة على غير اللغة العربية , فينسلخوا تلقائيا من قوميتهم 0
لذلك : رأوا أن تقطيع أوصال العرب والمسلمين , لا يمكن أن يتم : ما دامت هناك لغة واحدة يتكلمها العرب , ويعبر بها العرب والمسلمون عن آرائهم , وما دام هناك حرف عربى يربط حاضر المسلمين إلى ترائهم الماضى (11)
ولذلك : عمل المستعمرون , والمبشرون على تفتيت وحدة المسلمين بشتى الطرق , وعملوا لهذا الهدف بكل الوسائل 0
وكان مما يقربهم لهذا الهدف : العمل على تنويع رسم المصحف , والمساعدة على تخالفه بين البلاد الاسلامية وبعضها البعض 0
وظهرت – تبعا لذلك – أول طبعة للمصحف الشريف بالخط العربى عام (1113 هـ - 1692م) , وكان ذلك بمدينة همبرج بألمانيا (1)
ويوجد من هذه الطبعة : مصحف بدار الكتب العربية بالقاهرة 0
وبعد سنة(922هـ - 1516م ) طبع المصحف أيضا : فى مدينة البندقية بإيطاليا 0
والسبب فى طبع المصحف الشريف بمدينتى همبرج والبندقية , دون غيرهما من البلاد : هو وجود المطابع فيهما دون غيرهما من البلاد عامة والبلاد الاسلامية خاصة , كما هو ظاهر (2 , 3)0
وقد مضت – بحكم الضرورة – مدة طويلة , حتى أتقنت المطابع صناعتها , وظهرت صلاحيتها , وانتقلت بعد ذلك إلى البلاد الأخرى0
فدخلت أولا إلى إيطاليا , ثم إلي فرنسا , ثم إلى انجلترا , ثم انتشرت فى جميع البلدان , ومنها البلاد العربية 0
هذا 00
رولما دخلت المطبعة إلى تركيا فى زمن السلطان أحمد الثالث : أفتت مشيخة الاسلام بجواز استعمالها , وعدم جواز طبع المصحف0
وفيما بعد سنة (1141 هـ - 1729م ) استصدرت فتوى بطبع كتب الدين فقط ,مع جواز تجليد القرآن الكريم 0
و دخلت المطابع - كذلك - إلى البلاد العربية0
وقد دخلت حلب سنة 1110 هـ - 1698م 0
ودخلت لبنان سنة 1146 هـ - 1733م 0
ودخلت تونس بعد سنة 1271 هـ - 1854م 0
و دخلت مكة المكرمة سنة 1303 هـ - 1885م 0
ودخلت جدة سنة 1329 هـ - 1911م 0
ودخلت المدينة المنورة سنة 1355 هـ - 1936م 0
وأما بمصر :
فقد ظهرت أول مطبعة بها , مطبعة الحملة الفرنسية : وجاء بها بونابرت سنة (1213هـ - 1798م ) لطبع المنشورات والأوامر باللغة العربية 0
وقد سميت بالمطبعة الأهلية 0
وكانت بالقاهرة إلى يونيو(1216هـ- 1801 م ) حين انسحب الفرنسيون من مصر 0
وبعد ذلك : ظلت مصر نحوا من عشرين عاما بغير مطبعة 0
حتى استقر الأمر لمحمد على باشا فأنشا المطبعة الأهلية سنة (1237هـ - 1821م ) وتعرف بمطبعة بولاق , لأنها وضعت أخيرا فى بولاق (3)
وكانت المطابع منذ ظهورها , والإفتاء بطبع المصاحف بها: تتسابق فى إبراز المصحف فى أبهى صورة , وأروع منظر , وأبدع تننسيق , وذلك على أشكال شتى , وألوان متعددة , وأحجام مختلفة (4) 0
إلى غير ذلك : من ضروب التجويد , والصقل , والتحسين , التى أخذت تتناول المصاحف , على ألوان شتى , وضروب متنوعة 0
وكانت هذه التحسينات على قسمين :
أ- تحسينا مادية أو شكلية : ترجع إلى النسخ , والطبع , والحجم , والورق , و التجليد , و التذهيب , ونحو ذلك 0
وهذه : لا تعنينا كثيرا , لأن أمرها هين , وإن كان فيها بعض التيسير , أو التشويق لقراءة القرآن الكريم 0
ب- وهناك تحسينات معنوية , أو جوهرية : ترجع إلى تقريب نطق الحروف , وتمييز الكلمات , وتحقيق الفروق بين المتشابهات (5)
وذلك عن طريق : طبع المصحف موافقا للرسم العثمانى , ومعجما , ومشكولا0
كل ذلك بخط واضح , وطبع جيد 0
غير أنه مما يلفت النظر هنا بالذات : أن هذه المطابع – على كثرة عنايتها الفائقة بطبع المصحف – لم تراع فى طبعه أن يكون على قواعد الرسم العثمانى , التى كتب عليها فى عهد عثمان رضى الله عنه , وفى عهد بقية الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين 0
بل طبعته مطابقا لقواعد الإملاء الحديثة , اللهم إلا فى النزر اليسير من الكلمات , كتبته على مقتضى الرسم العثمانى (4)
وهذا فى رأينا – يرجع إلى : -
أ- أن االقائمين على شئون الطبع حينذاك لم تكن لهم الدراية الكافية بسمات رسم المصحف ؛ مما جعلهم يحيدون عنه 0
ب - عدم توقف طبع المصحف على تصريح من الهيئات الدينية كما هو الحال الآن 0
وقد ظلت المصاحف - هكذا – زمنا غير قصير , حتى قيض الله تعالى لها علما من أعلام القرآن , وجهبذا من جهابذته 0
وهو العلامة المحقق المغفور له : الشيخ رضوان بن محمد الشهير " بالمخللاتى "0
حيث كتب مصحفا , جليل الشأن , عظيم الخطر 0
عنى فيه : بكتابة الكلمات القرآنية على قوانين الرسم العثمانى 0
كما عنى فيه : ببيان عدد آى كل سورة فى أولها , عند علماء العدد المشهورين , على اختلاف مذاهبهم , واضعا على الفاصلة المختلف فيها , اسم من يعدها 0
كذلك : بين أماكن الوقوف , ووضع على كل موضع منها العلامة الدالة على نوع الوقف 0
وبعد الاستقراء والتتبع , تبين أن الوقوف عنده , ستة أقسام : التام , الكافى , الحسن , الصالح , الجائز , المفهوم 0
وقد أشار إلى التام : بالتاء , وإلى الكافى : بالكاف , وإلى الحسن بالحاء , والى الصالح بالصاد , والى الجائز : بالجيم , وإلى المفهوم بالميم 0 (6)
وقد صدَّر – الشيخ المخللاتى – هذا المصحف بمقدمة جليلة (7) أبان فيها : أن هذا المصحف , حرر رسمه وضبطه , على ما فى كتاب "المقنع " للأمام الدانى , وكتاب " التنزيل " لأبى داود 0
ولخص فيها أيضا تاريخ كتابة القرآن فى العهد النبوى , وجمعه فى عهدى أبى بكر وعثمان رضى الله عنهما 0
كما لخص فيها : مباحث الرسم والضبط وبين فيها : علماء العدد المشهورين 0
وعرف فيها : معنى السورة والآية 0
كل ذلك : فى عبارة وجيزة مفيدة , وتركيب سهل بديع 0
وقد طبع هذا المصحف (8) فى " المطبعة البهية " فى القاهرة لصاحبها الشيخ محمد أبى زيد سنة (1308 هـ - 1890م )0 (4)
وكان هذا المصحف : هو المتداول بين اهل العلم , وعلماء القراءات , المُعَوَّل عليه عندهم , المقدم على سائر المصاحف , لما اشتمل عليه من هذه المزايا المذكورة 0
بَيْد أنه لم يبرز فى صورة حسنة , تروق الناظر , وتنشط القارئ ؛ لرداءة ورقه , وسوء طبعه 0
إذ أنه طبع فى مطبعة حجرية (4) 0
ويلاحظ أنه كانت تطبع بجواره , وفى وجوده , المصاحف بالخط الإملائى ؛ متابعة فى ذلك الدولة العثمانية 0
وظل ذلك : لمدة سبع وخمسين سنة , حتى أصدرت مشيخة الأزهر فى عام( 1336هـ- 1917م ) قرارا بتحريم طبع وتداول , بل مصادرة أي مصحف فى مصر مطبوعا بغير الخط العثمانى (9)
وحسنا : ما فعلت 00 !!
وما زالت إدارة الثقافة والنشر بمجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة : تعمل جاهدة على تنفيذ هذا القرار ؛ حيث لا تمنح تصاريحها لأى ناشر يرغب فى طبع المصحف إلا إذا كان مكتوبا بالرسم العثمانى 0
وقد وجهت مشيخة الأزهر – منذ قديم – عنايتها إلى المصحف : فأمرت بتكوين لجنة من أساطين العلم , ونوابغ الأدب وهم : -
1- المغفور له العلامة الشيخ محمد على خلف الحسينى الشهير بالحداد , شيخ المقارئ المصرية الأسبق , وهو الذى كتبه بخطه 0 (10)
2- والمرحوم الأستاذ حفنى ناصف 0
3- والمرحوم الأستاذ مصطفى عنانى 0
4- والمرحوم الأستاذ أحمد الاسكندرى 0
كونت هذه اللجنة : للنظر فى المصحف , فى رسمه وضبطه , وفيما يجب أن يكون عليه في الطبع 0
فاضطلعت اللجنة : بهذه المهمة الشاقة , وقامت – أحسن الله جزاءها – بما أسند إليها , على أتم وجه وأكمله 0
فكتبت القرآن كله : على حسب قواعد الرسم العثمانى , وضبطته على مايوافق رواية حفص بن سليمان الكوفى , أحد راويي قراءة عاصم بن أبى النجود , وبيَّنت فى ترجمة كل سورة عدد آيها على مذهب الامام حفص المذكور , وأنها مكية أو مدنية , وأنها نزلت بعد سورة كذا , ووضعت لكل آية رقمها الخاص بها , كما وضعت علامات للوقوف والأجزاء , والأحزاب , والأرباع , والسجدات , والسكتات 0
ثم قسمت الوقف إلى ستة أقسام : (4)
الأول :
ما يلزم الوقف عليه , ولا يصح وصله بما بعده 0
ووضعت له علامة : هى الميم المفردة , هكذا " م "0
الثانى : ما يصح الوقف عليه , والابتداء بما بعده , كما يصح وصله بما بعده , غير أن الوقف عليه أحسن من وصله بما بعده 0
ووضعت له هذه العلامة : قلى" وهى كلمة منحوتة , وأصلها : الوقف أولى 0
الثالث : كالثانى , غير أن وصله بما بعده أرجح من الوقف عليه 0 ووضعت له هذه العلامة : " صلى " وهى كلمة منحوتة , وأصلها : الوصل أولى 0
الرابع : ما يجوز فيه الوقف والوصل على السواء , من غير ترجيح أحدهما على الآخر 0
ووضعت له هذه العلامة : " ج " 0
الخامس : ما لا يصح الوقف عليه والابتداء بما بعده , فإذا وقف عليه ؛ لانقطاع نفس , أو استراحة , أو نحو ذلك : تعين عيه أن يرجع فيصله بما بعده 0
ووضعت له هذه العلامة : " لا " 0
السادس : وقف المعانقة , وهو أن يكون هناك موضعان يصح الوقوف على كل منهما , ولكن إذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر 0
ووضعت لهما هاتين العلامتين : هكذا :. :.
ومثلت لكل قسم من الأقسام 0
وقد ذكرت هذه اللجنة الموقرة فى ذلك المصحف , تحت عنوان " تعريف بهذا المصحف الشريف " : النهج الذى سارت عليه فى كتابة المصحف , من حيث : رسمه , وضبطه , وعد آياته , وبيان أجزائه وأحزابه وأرباعه , وبيان مكية ومدنية , وبيان وقوفه وعلاماتها , وبيان سجداته ومواضعها وعلاماتها , وبيان سكتاته ومواضعها وعلاماتها 0 (4)
ثم توالت طبعات المصحف الشريف : وكلها حسب هذا النظام ,بل زادت عليه دقة وضبطا , وتلافيا لما قد يكون قد وقع فيه من هنات بسيطة فى الرسم أوالضبط 0
هذا هو حال المصحف وطبعه فى مصر 0
أما فى بقية بلاد العالم , الإسلامى منها وغير الاسلامى : فقد أصبح رسم المصحف فيها أنواعا شتى وأصبح المسلم عندما ينتقل من بلده إلى بلد آخر : لا يكاد يعرف , أولا يعرف بالمرة كيف يتلو فى كتاب الله تعالى , فى مصاحف أهل هذا البلد الآخر (5) الذى هو تنزيل رب العالمين , لكل الناس فى الأولين والآخرين 00!!!
ولكن 00 لم لا يعرف ؟
ذلك : لأن أعداء الوحدة الإسلامية الصحيحة , أدركوا أن سبيل تحقيق بغيتهم , هو أن لا يجتمع العرب والمسلمون على ذلك الكتاب , وذلك اللسان , وأن تنشأ النابتة العربية المسلمة على غير اللغة العربية , فينسلخوا تلقائيا من قوميتهم 0
لذلك : رأوا أن تقطيع أوصال العرب والمسلمين , لا يمكن أن يتم : ما دامت هناك لغة واحدة يتكلمها العرب , ويعبر بها العرب والمسلمون عن آرائهم , وما دام هناك حرف عربى يربط حاضر المسلمين إلى ترائهم الماضى (11)
ولذلك : عمل المستعمرون , والمبشرون على تفتيت وحدة المسلمين بشتى الطرق , وعملوا لهذا الهدف بكل الوسائل 0
وكان مما يقربهم لهذا الهدف : العمل على تنويع رسم المصحف , والمساعدة على تخالفه بين البلاد الاسلامية وبعضها البعض 0
رسوم المصاحف
وظهرت المصاحف بالرسوم المختلفة التالية :
1- الرسم العثمانى : وهو ما يعرف برسم المصحف , وهو الذى نقرؤه فى مصاحفنا الآن فى مصر 0
وهذا الرسم : لا يخضع فى بعض كلماته لقواعد الإملاء الحديثة , بل ينهج فى رسمها سبيلاً آخراً.
ويرجع هذا الرسم تسمية : إلى سيدنا عثمان رضى الله عنه 0
وشرعيا : إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
والمصاحف العثمانية : تطبع فى : مصر , وكثير البلاد الاسلامية 0
2- الرسم العثمانى (بالخط المغربى ) : وهو نفس الرسم العثمانى المعروف 0
ولكن 0 0 مع تصرف فى رسم بعض الحروف 0
مثل : القاف : إذ تكتب بنقطة واحدة من فوق , والفاء : إذ تكتب بنقطة واحدة من تحت , والنون : إذ تكتب خالية من النقطة اذا لم تكن متصلة بما بعدها فى الكتابة (1)
وهذا المصحف : هو الذى يطبع فى بلاد المغرب العربى"ليبيا, وتونس, والجزائر، ومراكش "0
3- الرسم الاملائى : وهو الرسم المشهور فى الكتابة العادية التى نستعملها
وهذا الرسم : هو الذى وضع علماء البصرة والكوفة , قواعده , مستمدين ذلك من الرسم العثمانى , ومن علمى النحو والصرف 0 (2)
وهذا المصحف : هو الذى يطبع ويتداول فى : لبنان , والعراق , وتركيا0
1- الرسم العثمانى : وهو ما يعرف برسم المصحف , وهو الذى نقرؤه فى مصاحفنا الآن فى مصر 0
وهذا الرسم : لا يخضع فى بعض كلماته لقواعد الإملاء الحديثة , بل ينهج فى رسمها سبيلاً آخراً.
ويرجع هذا الرسم تسمية : إلى سيدنا عثمان رضى الله عنه 0
وشرعيا : إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
والمصاحف العثمانية : تطبع فى : مصر , وكثير البلاد الاسلامية 0
2- الرسم العثمانى (بالخط المغربى ) : وهو نفس الرسم العثمانى المعروف 0
ولكن 0 0 مع تصرف فى رسم بعض الحروف 0
مثل : القاف : إذ تكتب بنقطة واحدة من فوق , والفاء : إذ تكتب بنقطة واحدة من تحت , والنون : إذ تكتب خالية من النقطة اذا لم تكن متصلة بما بعدها فى الكتابة (1)
وهذا المصحف : هو الذى يطبع فى بلاد المغرب العربى"ليبيا, وتونس, والجزائر، ومراكش "0
3- الرسم الاملائى : وهو الرسم المشهور فى الكتابة العادية التى نستعملها
وهذا الرسم : هو الذى وضع علماء البصرة والكوفة , قواعده , مستمدين ذلك من الرسم العثمانى , ومن علمى النحو والصرف 0 (2)
وهذا المصحف : هو الذى يطبع ويتداول فى : لبنان , والعراق , وتركيا0