السبت، 21 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : تهكم المشركين بالمستضعفين ، وما نزل في ذلك

تهكم المشركين بالمستضعفين ، وما نزل في ذلك


قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد ، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه ‏‏:‏‏ خباب ، وعمار ، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب ، وأشباههم من المسلمين ، هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ هؤلاء أصحابه كما ترون ، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ‏‏!‏‏ لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، وما خصهم الله به دوننا ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ما عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، أليس الله بأعلم بالشاكرين ‏‏.‏‏ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ، فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه ‏الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 ادعاء المشركين على النبي أنه يعلمه بشر ، ورد القرآن عليهم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مَبْيَعة غلام نصراني ، يقال له ‏‏:‏‏ جبر ، عبد لبني الحضرمي ، فكانوا يقولون ‏‏:‏‏ والله ما يُعلِّم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بنى الحضرمي ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يلحدون إليه ‏‏:‏‏ يميلون إليه ‏‏.‏‏ والإلحاد ‏‏:‏‏ الميل عن الحق ‏‏.‏‏
قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
إذا تبع الضحاك كل ملحد *
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعني الضحاك الخارجي ، وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏
 سبب نزول سورة الكوثر
نزول سورة الكوثر في العاص بن وائل
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ دعوه ، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له ، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه ، فأنزل الله في ذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنا أعطيناك الكوثر ‏‏)‏‏ ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ‏‏.‏‏ والكوثر ‏‏:‏‏ العظيم ‏‏.‏‏
معنى الكوثر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال لبيد بن ربيعة الكلابي ‏‏:‏‏
وصاحب ملحوب فجعنا بيومه * وعند الرداع بيت آخر كوثر
يقول ‏‏:‏‏ عظيم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وصاحب ملحوب ‏‏:‏‏ عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بملحوب ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وعند الرداع بيت آخر كوثر ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ يعني شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بالرداع ‏‏.‏‏ وكوثر ‏‏:‏‏ أراد الكثير ‏‏.‏‏ ولفظه مشتق من لفظ الكثير ‏‏.‏‏ قال الكميت بن زيد يمدح هشام بن عبدالملك بن مروان ‏‏:‏‏
وأنت كثير ياابن مروان طيب * وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي يصف حمار وحش ‏‏:‏‏ ‏
يحامي الحقيق إذا ما احتدمن * وحمحمن في كوثر كالجلال
يعني بالكوثر ‏‏:‏‏ الغبار الكثير ، شبهه لكثرته عليه بالجلال ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ما هو ‏‏؟‏‏ فأجاب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري - عن عبدالله بن مسلم أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، ما الكوثر الذي أعطاك الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نهر كما بين صنعاء إلى أيلة ، آنيته كعدد نجوم السماء ، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ يقول عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ إنها يا رسول الله لناعمة ؛ قال ‏‏:‏‏ آكلها أنعم منها ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من شرب منه لا يظمأ أبدا ‏‏.‏‏
نزول ‏‏(‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ‏‏)‏‏
مقالة زمعة و صحبه ، و نزول هذه الآية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام ، وكلمهم فأبلغ إليهم ، فقال له زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث ، والأسود بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل ‏‏:‏‏ لو جُعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويُرى معك ‏‏!‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

نزول ‏‏(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ‏‏)‏‏
مقالة الوليد و صحبه ، و نزول هذه الآية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - بالوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وبأبي جهل بن هشام ، فهمزوه واستهزءوا به ، فغاظه ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون ‏‏)‏‏ ‏‏.