السبت، 17 مارس 2012

موسوعة الفقه : المذاهب الفقهية


المذاهب الفقهية

 
المذهب الفقهي إصطلاح ظهر خلال القرن الرابع الهجري، بعد تميز المذاهب الفقهية، وهو عند الفقهاء الإتجاه الفقهي في فهم أحكام الشريعة والطريقة التي ينهجها المجتهد أو عدد من المجتهدين في الاستنباط، وكيفية الإستدلال، والفروع التي تضاف في ضوء أصول المذهب..

وأصول المذاهب تتميز عن بعضها بسبب اختلاف أصحابها في مناهج الاجتهاد والاستنباط، وليس في الأصول الكلية أو الأدلة الإجمالية.. إذ المنهج الاجتهادي الخاص، واختيارات كل إمام فيما يأخذ به من الأدلة التبعية، هو الذي يميز بين "أصول المذهب" و"أصول الفقه".
وثمة مجموعة من العوامل والخلفيات ساهمت في ظهور المذاهب الفقهية، بحيث يمكن حصر أهم تلك العوامل والأسباب في العاملين السياسي والفكري. هذان العاملان ساهما في ظهور مناطق فراغ في المجال الفقهي، فنشأت عشرات من المذاهب الفقهية خلال القرن الثاني والثالث الهجري لسد هذه المناطق، من خلال بلورة اجتهادات واتجاهات فقهية مختلفة.. حتى أنها عدت خمسين مذهبا انقرض غالبيتها مثل مذهب الليث بن سعد، وداود بن علي الظاهري، وعبد الرحمن الأوزاعي.. ولم يبق منها إلا أربعة سنية، وأخرى غير سنية كالمذهب الجعفري والزيدي والإمامي والإباضي وغيرها من المذاهب التي تتوزع مختلف أقطار العالم الإسلامي.

مراحل تطور المذاهب السنية
مرّت المذاهب الفقهية (السنية) بعد قيامها وتبلور مناهجها بثلاث مراحل أساسية:
- مرحلة التأسيس والبناء: امتدت هذه المرحلة على ما يربو عن ثلاثة قرون حتّى سقوط بغداد (سنة 656)هـ. تميزت هذه المرحلة بتنظيم وترتيب الفقه المذهبي. كما ألفت مدونات جمعت المسائل الخلافية مع المذاهب الأخرى..
- مرحلة شيوع ظاهرة التقليد وإغلاق باب الاجتهاد: مع بداية القرن الثامن الهجري، حيث اقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث الفقهي عن طريق شرحه واختصاره أو تنظيمه، من دون إضافة جديدة. مع طغيان المباحث اللفظية والمسائل الافتراضية، فابتعد الفقه عن الحياة.
- مرحلة التجديد والانطواء: مع بداية القرن التاسع عشر، حيث أخذت الدراسات الفقهية تشق طريقها نحو التجديد والتطوير ومواكبة العصر ومشكلاته المختلفة تحت ضغط التطور الزمني، وتقدم المعارف الإنسانية، والإحتكاك بالحضارات. فظهرت نخبة من العلماء قادوا حركة التجديد وحذروا من الجمود والركود.
ثم نأتى إلى التعريف بالمذاهب الفقهية

أولا : المذاهب السنية الأربعة
وهكذا ظهرت المذاهب الفقهية الكبرى في عصر الدولة العباسية. وهذه المذاهب حسب التسلسل التاريخي في الظهور:
- المذهب الحنفي: نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان ( 80 - 150 هجرية ) -وإن كان المذهب الحنفي يشتمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ولم يكن قاصرا على منهج أبي حنيفة بالذات- نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع بمؤازرة الدولة العباسية له.
وكان مذهبه يعتمد –بالإضافة إلى الأصول النقلية المتفق عليها- على القياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، فتوسع المذهب في اعتماد الأصول العقلية وتشدد في ضوابط الأخذ بالحديث بسبب تعقد الحياة وتطور المدنية في البيئة العراقية.
ومن أهم كتب المذهب الحنفي: كتب" ظاهر الرواية" الستة، وكتب "النوادر" للإمام محمد بن الحسن، وكتاب "الكافي" للحاكم الشهيد، وكتاب "المبسوط" للسرخسي، وكتاب "بدائع الصنائع" للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة "رد المحتار على الدر المختار" وغير ذلك.
- المذهب المالكي: وهو عبارة عما ذهب إليه الإمام مالك ( 39 - 179 هجرية ) من الأحكام الاجتهادية مراعيا في ذلك أصولا معلومة وأخرى مخصوصة. ويعتمد المذهب ـإضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة ـ على عمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن أبرز المؤلفات في هذا المذهب:"الموطأ" للإمام مالك، و"المدونة الكبرى" وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي..
انتشر المذهب المالكي أكثر ما انتشر في شمال إفريقية ومصر والأندلس، وقام علماء كثيرون بنشره في العراق وبلاد خراسان..
- المذهب الشافعي: وصاحبه محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه "أبي حنيفة" قبل رحيله واستقراره قي مصر. ومن ثم جاء مذهبه وسطاً بين مذهب " أبي حنيفة" المتوسع في الرأي، ومذهب "مالك بن أنس " المعتمد على الحديث. ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير "بالرسالة"، بحيث يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أبرز علماء الشافعية في حياة الشافعي هم تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي..
ومن أشهر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه كتاب "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي، و"روضة الطالبين" و"المجموع" للنووي، و"المهذب" و"التنبيه" للشيرازي، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيثمي.
- المذهب الحنبلي: وصاحبه الإمام أحمد بن حنبل ( 164 - 241 هجرية )، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، وأنكر على أستاذه " الشافعي " أخذه بالرأي، واعتبر الحديث أفضل من الرأي. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه "المسند" الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث .
ومن أشهر رجال الحنابلة الذين قاموا بنشر المذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية . وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الأثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي. وأهم كتب مذهبه "مختصر الخرقي"، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه "المغني" وكتاب "كشاف القناع" للبهوتي، و"الفروع" لابن مفلح، و"الروض المربع" للحجاوي.
انتشر في عدد كبير من البلاد من أهمها بلاد الشام، ونجد في الجزيرة العربية


ثانيا :  المذاهب الأخرى ومن أشهرها

1 - مذهب عبد الله بن مسعود ( ت 32 هـ ) .
2 - مذهب عائشة رضي الله عنها ( ت 57 هـ ) .
3 - مذهب عبد الله بن عمر ( ت 73 هـ ) .
وهؤلاء الثلاثة من كبار الصحابة وللاستزادة ممكن الرجوع الى قول الصحابة فى صفحة مصادر التشريع وأيضا ممكن الرجوع الى صفحة الصحابة ضمن شخصيات تاريخية للتعرف على هؤلاء الصحابة
4 - مذهب عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ( ت 101 هـ ) .
.قال د . محمد بن سعيد بن شقير في " فقه عمر بن عبد العزيز " ( 1 / 106 ) :
مع أن عمر بن عبد العزيز قد بلغ القمة في العلم إلاّ أن علمه لم يُنقَل إلينا منه إلاّ القليل،
وذلك يرجع لأمرين :
أ - انشغاله بأمور تدبير الرعية وقيادة الأمة ورد المظالم والسهر على مصالح المسلمين .
ب - قرب وفاته، فقد توفّي في الأربعين من عمره؛ الأمر الذي لم يمكّن تلاميذه من نقل ما عنده من العلم .
اهـ
5 - مذهب مجاهد ( ابن جبر، توفي بعد المئة هجرية بقليل ) .
مجاهد بن جبر (21-104 هـ - 642-722م) هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي. ويعرف اختصاراً في المصادر والكتب التراثية بمجاهد. وهو أمام وفقيه وعالم ثقة وكثير الحديث, وكان بارعاً في تفسير وقراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
شيوخه ومن روى عنهم الحديث
روى مجاهد الكثير عن ابن عباس، كما عرض عليه القرآن ثلاث مرات, وكان خلال كل مرة يقف عند كل آية فيسأله عنها, كيف كانت؟ وفيم نزلت؟. كما أخذ عن ابن عباس إضافة إلى قراءة القرآن تفسيره, وكذلك أخذ عنه الفقه. وروى مجاهد عن عائشة وعن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وعن أبي سعيد الخدري.
رواته والذين أخذوا عنه
روى الحديث عن مجاهد الكثيرون ومنهم عكرمة وطاووس وعطاء بن السائب وسليمان الأعمش وعمرو بن دينار وجماعة آخرون. أما قراءة القرآن فقد قرأ عليه ثلاثة من أئمة القراءات, وهم ابن محيصن, وابن كثير, وأبو عمرو بن علاء البصري.
مناقبه
كان مجاهد من أعلم الناس بالقرآن حتى أن الإمام الثوري قال خذوا التفسير من أربعة: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك. وله كتاب في التفسير ويقول بعض المفسرين أن من منهجه في ذلك الكتاب أنه كان يسأل أهل الكتاب ويقيد فيه ما يأخذه عنهم, ووما يذكر عنه أنه كان شغوفاً بالغرائب والأعاجيب ولأجل ذلك فقد ذهب إلى بئر برهوت في حضرموت ليتقصى ما علمه عنه, كما أنه بنفس هذا الدافع ذهب إلى بابل يبحث بها عن هاروت وماروت.
6 - مذهب الشعبي ( عامر بن شراحيل، توفي بعد المئة هجرية بقليل ) .
عامر بن شراحيل الشعبي، كان الشعبي من شعب همدان، كنيته أبو عمرو، وكان علامة أهل الكوفة، كان إماماً حافظاً، ذا فنون، وقد أدرك خلقاً من الصحابة وروى عنهم وعن جماعة من التابعين، وعنه أيضاً روى جماعة من التابعين.
قال أبو مجلز: ما رأيت أفقه من الشعبي.
قال مكحول: ما رأيت أحداً أعلم بسنة ماضية منه.
قال داود الأودي: قال لي الشعبي: قم معي هاهنا حتى أفيدك علماً بل هو رأس العلم. قلت: أي شيء تفيدني؟ قال: إذا سئلت عما لا تعلم فقل: الله أعلم، فإنه عالم حسن.
قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى اليمن لحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره ما رأيت سفره ضائعاً، ولو سافر في طلب الدنيا أو الشهوات إلى خارج هذا المسجد، لرأيت سفره عقوبة وضياعاً.
قال: العلم أكثر من عدد الشعر، فخذ من كل شيء أحسنه, توفي سنة 100 هجرية
7 - مذهب عطاء ( ابن أبي رباح، ت 114 هـ ) .
أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان (27 هـ-114 هـ) مولى آل أبي خيثم الفهري القرشي من أصول نوبية، فقيه عالم محدث، من أجلاّء الفقهاء والتابعين في القرن الأول والثاني الهجريين. ولد عطاء بن أبي رباح في الجند إحدى ضواحي مدينة تعز وتتبع المناطق الوسطى لليمن وهي نفس المدينة التي مكث فيها معاذ بن جبل عندما أرسله المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لنشر تعاليم الإسلام والعمل على دعوة أهل اليمن. نشأ بمكة، وتعلم من علمائها. أخذ عن عائشة وأبي هريرة وأم سلمة وأم هانئ وابن عباس وعبد الله بن عمرو وابن عمر وجابر وابن الزبير ومعاوية وأبي سعيد وعدة من الصحابة ومن التابعين، حدث عن عبيد بن عمير ومجاهد وعروة وابن الحنفية وغيرهم كثير. وأخذ عنه الأوزاعي وابن جريج وأبو حنيفة والليث. وحدث عنه مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن دينار، وقتادة، وعمرو بن شعيب، والأعمش، وأيوب السختياني، ويحيى بن أبي كثير، وكثير غيرهم.
8 - مذهب الأعمش ( سليمان بن مهران، ت 147 أو 148 هـ ) .
أبو محمد سليمان بن مهران مولى بني كاهل من ولد أسد، المعروف بالأعمش (61هـ - 148هـ) من علماء الكوفة المشهورين.
ولد الأعمش في الكوفة وأصله من بلاد الري، لحق بأنس بن مالك وكلمه، لكنه لم يرو عنه شيء. كان عالما بالقرآن، والحديث، والفرائض حيث روى نحو (1300) حديث. التقى بسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وحفص بن غياث.
قال عنه الذهبي: «كان رأسًا في العلم النافع، والعمل الصالح» وقال السخاوي: «لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدة حاجته وفقره»
 9 -  مذهب سفيان الثوري ( 65 - 161 هجرية ) :
ولد في الكوفة ، وكان أحد تلامذة الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وهو أحد الأئمة المجتهدين ، وله مذهب لم يدم العمل به لقلة أتباعه ،
وأراد الخليفة أبو جعفر المنصور قتله ، فهرب . وبقي مذهبه معمولا " به لغاية القرن الرابع . وقد لقب بأمير المؤمنين 
10 - مذهب الليث بن سعد ( 92 - 175 هجرية ) :
 وهو فقيه مصر ، وقد برز هناك عندما تصدى للدفاع عن عثمان بن عفان لكثرة انتقاص أهل مصر له .
وقال فيه الشافعي : الليث أفقه من مالك . ويقال أن سبب انقراض مذهبه هو عدم قبوله منصب القضاء في خلافة أبي جعفر المنصور العباسي
11 -  مذهب سفيان بن عيينة ( ت 198 هـ ) .
سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي إمام ومحدث شهير وعرف بالزهد والورع. وقد ولد في الكوفة سنة 107 هـ وتوفي 198 هـ. أجمع الناس على صحة حديثه وروايته. طلب العلم وهو غلام وروى الحديث عن الكبار ومنهم: الزهري وأبي اسحق السبيعي وعمرو بن دينار ومحمد بن المكندر وأبي الزناد وعاصم بن أبي النجود المقري والأعمش وعبد الملك بن عمير وغيرهم.
و روى عنه عدد كبير من العلماء الأجلاء والأئمة الكبار. منهم: الأعمش، وابن جريج، وشعبة بن الحجاج - وهؤلاء من شيوخه - وهمام بن يحيى، والحسن بن حي، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وسعيد بن منصور، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه وغيرهم خلق كثير
12 - مذهب إسحاق ( ابن إبراهيم بن راهويه، ت 238 هـ ) .
ابن رَاهَوَيْه (161 هـ- 238 هـ / 778 - 853 م)، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخْلد الحنظلي التميمي المروزي. الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، أحد أئمة المسلمين، وعلماء الدين، اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد.
نزل نيسابور، ورحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام وعاد إلى خراسان. روى عن ابن عُليَّة، وابن عيينة، وابن مهدي، وعبدالرزاق، وغيرهم، وروت عنه الجماعة سوى ابن ماجة. قال الإمام أحمد عنه: إسحاق إمام من أئمة المسلمين. وقال نعيم بن حماد: إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه. وقال الدارمي: ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه. وقد حكى إجماع الصحابة رضي الله عنهم في كفر تارك الصلاة.
وله مصنفات منها؛ المُسْند، والتفسير. وقد أملى المسند والتفسير من حفظه، وما كان يُحدِّث إلاّ حفظاً
 13 - مذهب داوود بن علي الظاهري ( 202 - 270 هجرية ) :
ولد بالكوفة ، ونشأ ببغداد واستمر العمر بمذهبه حتى القرن السابع الهجري حتى أن بعضهم عده رابع الأئمة بدلا " من الإمام أحمد بن حنبل ومذهبه يقال له مذهب الظاهرية ولمذهب الظاهرية إمامان، الأول: داود بن علي الأصبهاني وهو منشيء المذهب. الثاني: أبو محمد ابن حزم الأندلسي وهو المجدد للمذهب الظاهري، وقد كان له الفصل في بيان المذهب وبسطه،
أما عدم شيوع مذهب الظاهرية فله عدة أسباب من أهمها قلة علماء المذهب وقلة كتبه فلم يشتهر منها إلا كتب أبي محمد ابن حزم، إلا أنه كان شديد العبارة على بعض العلماء، فكان ذلك سبباً لإعراض بعض العلماء عن كتبه وطعن بعضهم فيه فكان لذلك أكبر الأثر في خمول المذهب.
قال في الموسوعة: والحق أن بقاء مذهب ما أو انتشاره يعتمد على ثقة الناس بصاحب المذهب واطمئنانهم إليه، وعلى قوة أصحابه ودأبهم على نشره. اهـ
هذا بالإضافة إلى أنه حكيت أقوال كثيرة مكذوبة عليه، وعلى داود بن علي أدت إلى نفرة العوام والخواص عن المذهب.
أما قول بعض أهل العلم تطرف ابن حزم في رأيه وما شابه فسببه إفراطه بالقول بالظاهر مع نفيه لفحوى الخطاب والقياس الجلي والقياس مع عدم الفارق مما أوقعه في غرائب في بعض الأحيان جعلت العلماء يعجبون منها لما يعلمونه من فرط ذكائه ومعرفته بالسنة حتى قال ابن تيمية: فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح. اهـ
وقد كان رحمه الله موافقاً لأهل السنة معظماً للسلف، لكنه خلط بين أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات، مما جعله مخالفاً لأئمة أهل السنة في بعض المسائل، ولعل هذا من أسباب عدم كونه إماماً لأهل السنة كباقي الأئمة إلا أنه رأس في علوم الإسلام، ولم يخالف أبو محمد الإجماع إلا نادراً وفي مسائل محصورة، والسبب في ذلك أن ابن حزم لا يقول بحجة الإجماع الذي لا يستند إلى دليل، فكان إذا وجد إجماعاً لا دليل عليه لم يقل به وإلا فهو يقول بإجماع كل عصر خلافاً لداود بن علي، ولكن يشترط وجود الدليل، قال في الإحكام :الأصول التي لا يعرف شيء من الشارع إلا منها هي: نص القرآن ونص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مما صح عنه ونقله الثقات أو التواتر وإجماع جميع العلماء. اهـ
وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بما حاصله أن العلماء يكتفون في بعض الأحيان بذكر الإجماع عن ذكر الدليل
.14 - مذهب محمد بن جرير ( الطبري، ت 310 هـ )
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام الطبري (838-923) (224 هـ آمل ، طبرستان - 28 شوال 310 هـ) مؤرخ ومفسر وفقيه مسلم صاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ. يعتبر أكبر علماء الإسلام تأليفًا وتصنيفًا.إمام المؤرخين والمفسرين الإمام الطبري
بدأ الطبري طلب العلم بعد سنة 240هـ وأكثر الترحال ولقي نبلاء الرجال، قرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد ثم ارتحل منها إلى دمشق والمدينة المنورة ثم الري وخراسان، تفقه الطبري على الشافعي حتى أصبح من كبار الشافعية، ثم أصبح مجتهدًا مطلقًا فانفرد بمذهب مستقل لم يكتب له الدوام، وذلك لذهاب مدوناته، وتفرق أصحابه وأتباعه
تعرض الطبري لمحنة شديدة في أواخر حياته بسبب التعصب المذهبي، فلقد وقعت ضغائن ومشاحنات بين ابن جرير الطبري ورأس الحنابلة في بغداد أبي بكر بن داود أفضت إلى اضطهاد الحنابلة لابن جرير، وكان المذهب الحنبلي في هذه الفترة هو المسيطر على العراق عامةً وبغدادَ خاصةً، وتعصب العوامّ على ابن جرير ورموه بالتشيّع وغالوا في ذلك. حتى منعوا الناس من الاجتماع به، وخلطوا بينه وبين أحد علماء الشيعة واسمه متشابه مع ابن جرير، وهو «محمد بن جرير بن رستم» وكنيته أيضًا أبو جعفر، ولقد نبه الذهبي على هذا الخلط في تأريخه وفي كتابه سير أعلام النبلاء. ظل ابن جرير محاصرًا في بيته حتى تُوفّي
 15 -  مذهب عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ( المتوفى سنة 257 هجرية ): وقد انتشر هذا المذهب في الشام والأندلس ، وبقي هناك لغاية 302 هجرية قبل أن يحل مكانه مذهب الإمام الشافعي
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/117) : " كان للأوزاعي مذهب مستقل عمل به فقهاء الشام مدّة، وفقهاء الأندلس مدّة، ثم فني "، وقال عبد الباسط الفاخوري في " تحفة الأنام مختصر تاريخ الإسلام " (ص 82) : " وقد بقي أهل الشام وما يليها وأهل الأندلس يتعبّدون على مذهبه نحو مئتين وعشرين سنة
أول من أدخل مذهب الأوزاعي إلى الأندلس هو صعصعة بن سلام، قال الحميدي في ترجمته في " جذوة المقتبس " (ص 237/ ط .المكتبة العصرية) :
أندلسي، فقيه، من أصحاب الأوزاعي، وهو أول مَن أدخل الأندلس مذهب الأوزاعي، مات سنة 192 هـ ، قاله ابن حزم . اهـ
16 - مذهب ابن خزيمة :
.قال ابن القيم "و قد كان إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى له أصحاب ينتحلون مذهبه ، ولم يكن مقلدا ، بل إماما مستقلا كما ذكر البيهقي في مدخله عن يحيى بن محمد العنبري ، قال : طبقات أصحاب الحديث خمسة : المالكية ، والشافعية ، والحنبلية ، والراهوية ، والخزيمية أصحاب ابن خزيمة ".اعلام الموقعين


أسباب انتشار المذاهب الأربعة
انتشار المذاهب الأربعة وبقائها وتقليد من بعدهم لها :
إن لانتشار المذاهب الأربعة، وبقائها دون غيرها من المذاهب، وتقليد المتأخرين لها، أسبابًا كثيرة أهمها الأسباب الآتية:
1- التلاميذ:
فقد هيأ الله لكل إمام من الأئمة الأربعة تلاميذ نجباء، ذوي قوة، أعجبوا بطريقة الإمام، وتأثروا بها، ودافعوا عنها، وكان لهؤلاء التلاميذ مكانة عند الجمهور تدعوهم إلى الأخذ عنهم والعمل بفتواهم، ولما تأصلت الثقة في قلوب الجماهير بهؤلاء الأئمة كان من الصعب بعد ذلك أن يقوم قائم بمذهب جديد يدعو الناس إلى اتباعه، ولو فعل ذلك أحد لثاروا عليه، وعدوه بذلك خارجًا عن الجماعة وكادوا له، وكانت همة الفقيه -بعدهم- الذي سَمَتْ نفسه إلى الاجتهاد أن يكون في النهاية مجتهد مذهب، يفتي بمذهب إمامه، أو يرجح أحد الرأيين له في مسألة من المسائل.
2- القضاء:
فقد كان الخلفاء في الماضي يختارون قضاتهم ممن يتوسَّمُون فيهم العلم بكتاب الله وسنة رسوله، والقدرة على استنباط الأحكام، فيَكِلُون إليهم الحكم، بعد أن يأخذوا عليهم ألا يعملوا إلا بالنصوص فيما فيه نصٌّ، أو الرأي الذي هو أقرب إلى النصوص فيما لا يكون فيه نص، كما في كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء: " الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، فاعرف الأشباه وقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق " ا. هـ.
وكان جمهور الناس يثقون بهؤلاء القضاة ثقة تامة، ثم تغيّرت الحال بامتداد الزمن، فوُجِد من القضاة من لم يحافظ على سمعته وثقة الناس به، بما يظهر للناس من خطئه فظهر منهم الميل؛ لأن يكون القاضي مقيدًا في قضاءه بأحكام مذهب معيّن، حتى لا يتيسر له الشذوذ ليقضي به إذا وافق هواه وغرضه.
وهيأ الله لكل مذهب من الملوك والسلاطين من يقلده ويقصر تولية القضاء عليه، فيزداد العلماء الذين يقومون به بنشره وإشاعته، كما حصل لمذهب الشافعي من نصرة محمود بن سُبكتكين في بلاد المشرق وصلاح الدين الأيوبي في مصر وكما كان لمذهب أبي حنيفة من نصرة العنصر التركي له، وكما حصل لمذهب مالك من نصرة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل من نشره في بلاد الأندلس وكما حصل لمذهب أحمد من نصرة الدولة السعودية له في بلاد نجد والحجاز وملحقاتهما في العصر الحاضر، وكان من أنشأ مدرسة أو وقف وقفًا قصره على ذلك المذهب، فكان ذلك سببًا في انتشاره وتقليد الناس له.
3- تدوين المذاهب:
فقد وُفّق لكل مذهب مدوّنون موثوق بهم، فدوّنوا ما تلقوه عن إمامهم من الأحكام، وأخذها منهم العدد الكثير من تلاميذهم، فبثوها بين الناس الذين اتبعوهم ثقة منهم بمن يفتونهم، وبذلك قضي على المذاهب التي لم ينشط أتباعها إلى تدوينها وتهذيبها حتى يسهل تناولها، ولذلك لم ينتشر مذهب الليث بن سعد مع فقهه وورعه، حتى قال الشافعي كان الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
أي لم يُعْنَوا بتدوين آرائه وبثها بين الناس، كما فعل أتباع مالك -رحمه الله-، ومثل الليث كثير من أئمة الصحابة والتابعين الذين لهم آراء واستنباطات جيدة