الوكالة
تعريفها:
الوكالة: معناها التفويض، تقول: وكلت أمري إلى الله، أي فوضته إليه - وتطلق على الحفظ، ومنه قول الله سبحانه: {حسبنا الله ونعم الوكيل}.
والمراد بها هنا استنابة الإنسان غيره فيما يقبل النيابة.
.مشروعيتها:
وقد شرعها الإسلام للحاجة إليها، فليس كل إنسان قادرا على مباشرة أموره بنفسه فيحتاج إلى توكيل غيره ليقوم بها بالنيابة عنه، جاء في القرآن الكريم قول الله سبحانه في قصة أهل الكهف: {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا}.
وذكر الله عن يوسف أنه قال للملك: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}.
وجاءت الأحاديث الكثيرة تفيد جواز الوكالة، منها أنه، صلى الله عليه وسلم، وكل أبا رافع ورجلا من الانصار فزوجاه ميمونة رضي الله عنها - وثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، التوكيل في قضاء الدين، والتوكيل في إثبات الحدود واستيفائها، والتوكيل في القيام على بدنه وتقسيم جلالها وجلودها، وغير ذلك.
وأجمع المسلمون على جوازها بل على استحبابها، لأنها نوع من التعاون على البر والتقوى الذي دعا إليه القرآن الكريم وحببت فيه السنة، يقول الله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه».
وقد حكى صاحب البحر الاجماع على كونها مشروعة.
وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان: فقيل: نيابة، لتحريم المخالفة، وقيل: ولاية لجواز المخالفة إلى الاصلح، كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل.
.أركانها:
الوكالة عقد من العقود، فلا تصح إلا باستيفاء أركانها من الايجاب والقبول، ولا يشترط فيهما لفظ معين بل تصح بكل ما يدل عليهما من القول أو الفعل.
ولكل واحد من المتعاقدين أن يرجع في الوكالة ويفسخ العقد في أي حال لأنها من العقود الجائزة أي غير اللازمة.
.التنجيز والتعليق:
وعقد الوكالة يصح منجزا ومعلقا ومضافا إلى المستقبل كما يصح مؤقتا بوقت، أو بعمل معين، فالمنجز مثل: وكلتك في شراء كذا.
والتعليق مثل: إن تم كذا فأنت وكيلي، والاضافة إلى المستقبل مثل: إن جاء شهر رمضان فقد وكلتك عني، والتوقيت مثل: وكلتك مدة سنة أو لتعمل كذا.
وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، ورأى الشافعية أنه لا يجوز تعليقها بالشرط.
والوكالة قد تكون تبرعا من الوكيل وقد تكون بأجر لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عليه، وحينئذ للموكل أن يشترط عليه أن لا يخرج نفسه منها إلا بعد أجل محدود وإلا كان عليه التعويض.
وإن نص في العقد على أجرة للوكيل اعتبر أجيرا وسرت عليه أحكام الاجير.
.شروطها:
والوكالة لا تصح إلا إذا استكملت شروطها، وهذه الشروط منها شروط خاصة بالموكل ومنها شروط خاصة بالوكيل، ومنها شروط خاصة بالموكل فيه، أي محل الوكالة.
.شروط الموكل:
ويشترط في الموكل أن يكون مالكا للتصرف فيما يوكل فيه، فإن لم يكن مالكا للتصرف فلا يصح توكيله: كالمجنون والصبي غير المميز، فإنه لا يصح أن يوكل واحد منهما غيره، لأن كلا منهما فاقد الأهلية، فلا يملك التصرف ابتداء.
أما الصبي المميز فإنه يصح توكيله في التصرفات النافعة له نفعا محضا، مثل التوكيل بقبول الهبة والصدقة والوصية.
فإن كانت التصرفات ضارة به ضررا محضا مثل الطلاق والهبة والصدقة فإن توكيله لا يصح.
.شروط الوكيل:
ويشترط في الوكيل أن يكون عاقلا، فلو كان مجنونا أو معتوها أو صبيا غير مميز فإنه لا يصح توكيله.
أما الصبي المميز فإنه يجوز توكيله عند الأحناف لأنه مثل البالغ في الاحاطة بأمور الدنيا، ولان عمرو ابن السيدة أم سلمة زوج أمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صبيا لم يبلغ الحلم بعد.
شروط الموكل فيه:
ويشترط في الموكل فيه أن يكون معلوما للوكيل أو مجهولا جهالة غير فاحشة، إلا إذا أطلق الموكل كأن يقول له: اشتر لي ما شئت، كما يشترط فيه أن يكون قابلا للنيابة.
ويجري ذلك في كل العقود التي يجوز للانسان أن يعقدها لنفسه: كالبيع والشراء والاجارة وإثبات الدين والعين والخصومة والتقاضي والصلح وطلب الشفعة والهبة والصدقة والرهن والارتهان والاعارة والاستعارة والزواج والطلاق وإدارة الأموال، سواء أكان الموكل حاضرا أم غائبا وسواء أكان رجلا أم امرأة.
روي البخاري عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه، فطلبواله سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها. فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفى الله لك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خيركم أحسنكم قضاء».
قال القرطبي: فدل هذا الحديث مع صحته على جواز توكيل الحاضر الصحيح البدن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه وذلك توكيل منه لهم على ذلك، ولم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، مريضا ولا مسافرا، وهذا يرد قول أبي حنيفة وسحنون في قولهما: إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضاء الخصم، وهذا الحديث خلاف قولهما.
.ضابط ما تجوز فيه الوكالة:
وقد وضع الفقهاء ضابطا لما تجوز فيه الوكالة فقالوا: كل عقد جاز أن يعقده الإنسان لنفسه جاز أن يوكل به غيره، أما ما لا تجوز فيه الوكالة، فكل عمل لا تدخله النيابة، مثل الصلاة والحلف والطهارة، فإنه لا يجوز في هذه الحالات أن يوكل الإنسان غيره فيها لأن الغرض منها الابتلاء والاختبار وهو لا يحصل بفعل الغير.
.الوكيل أمين:
ومتى تمت الوكالة كان الوكيل أمينا فيما وكل فيه فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ويقبل قوله في التلف كغيره من الأمناء.
.التوكيل بالخصومة:
ويصح التوكيل بالخصومة في إثبات الديون والاعيان وسائر حقوق العباد، سواء أكان الموكل مدعيا أم مدعى عليه، وسواء أكان رجلا أم امرأة، وسواء رضي الخصم أم لم يرض، لأن المخاصمة حق خالص للموكل، فلهأن يتولاه بنفسه وله أن يوكل عنه غيره فيه، وهل يملك الوكيل بالخصومة الاقرار على موكله؟ وهل له الحق في قبض المال الذي يحكم به له؟ والجواب عن ذلك نذكره فيما يلي: إقرار الوكيل على موكله: إقرار الوكيل على موكله في الحدود والقصاص لا يقبل مطلقا، سواء أكان بمجلس القضاء أم بغيره.
وأما إقراره في غير الحدود والقصاص، فإن الائمة اتفقوا على أنه لا يقبل في غير مجلس القضاء، واختلفوا فيما إذا أقر عليه بمجلس القضاء فقال الائمة الثلاثة: لا يصح، لأنه إقرار فيما لا يملكه، وقال أبو حنيفة: يصح إلا إن شرط عليه ألا يقر عليه.
.الوكيل بالخصومة ليس وكيلا بالقبض:
والوكيل بالخصومة ليس وكيلا بالقبض، لأنه قد يكون كفئا للتقاضي والمخاصمة ولا يكون أمينا في قبض الحقوق، وهذا ما ذهب إليه الائمة الثلاثة، خلافا للاحناف الذين يرون أن له قبض المال الذي يحكم به لموكله، لأن هذا من تمام الخصومة ولا تنتهي إلا به، فيعتبر موكلا فيه.
.التوكيل باستيفاء القصاص:
ومما اختلف العلماء فيه التوكيل باستيفاء القصاص، فقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا إذا كان الموكل حاضرا، فإذا كان غائبا فإنه لا يجوز لأنه صاحب الحق، وقد يعفو لو كان حاضرا فلا يجوز استيفاء القصاص مع وجود هذه الشبهة، وقال مالك: يجوز ولو لم يكن الموكل حاضرا.
وهذا أصح قولي الشافعي، وأظهر الروايتين عن أحمد.
.الوكيل بالبيع:
ومن وكل غيره ليبيع له شيئا وأطلق الوكالة فلم يقيده بثمن معين ولا أن يبيعه معجلا أن مؤجلا فليس له أن يبيعه إلا بثمن المثل ولا أن يبيعه مؤجلا، فلو باعه بما لا يتغابن الناس بمثله أو باعه مؤجلا لم يجز هذا البيع إلا برضا الموكل، لأن هذا يتنافي مع مصلحته فيرجع فيه إليه، وليس معنى الاطلاق أن يفعل الوكيل ما يشاء، بل معناه الانصراف إلى البيع المتعارف لدى التجار وبما هو أنفع للموكل، قال أبو حنيفة: يجوز أن يبيع كيف شاء نقداأو نسيئة، وبدون ثمن المثل وبما لا يتغابن الناس بمثله وبنقد البلد وبغير نقده، لأن هذا هو معنى الاطلاق.
وقد يرغب الإنسان في التخلص من بعض ما يملك ببيعه ولو بغبن فاحش.
هذا إذا كانت الوكالة مطلقة، فإذا كانت مقيدة فإنه يجب على الوكيل أن يتقيد بما قيده به الموكل، ولايجوز مخالفته إلا إذا خالفه إلى ما هو خير للموكل، فإذا قيده بثمن معين فباعه بأزيد، أو قال بعه مؤجلا فباعه حالا صح هذا البيع.
فإذا لم تكن المخالفة إلى ما هو خير للموكل كان تصرفه باطلا عند الشافعي، ويرى الأحناف أن هذا التصرف يتوقف على رضا الموكل فإن أجازه صح وإلا فلا.
.شراء الوكيل من نفسه لنفسه:
وإذا وكل في بيع شيء هل يجوز له أن يشتريه لنفسه؟.
قال مالك: للوكيل أن يشتري من نفسه لنفسه بزيادة في الثمن.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في أظهر روايتيه: لا يصح شراء الوكيل من نفسه لنفسه، لأن الإنسان حريص بطبعه على أن يشتري لنفسه رخيصا، وغرض الموكل الاجتهاد في الزيادة، وبين الغرضين مضادة.
.التوكيل بالشراء:
الوكيل بالشراء إن كان مقيدا بشروط اشترطها الموكل وجب مراعاة تلك الشروط، سواء أكانت راجعة إلى ما يشترى أو إلى الثمن، فإن خالف فاشترى غير ما طلب منه شراؤه، أو اشترى بثمن أزيد مما عينه الموكل كان الشراء له دون الموكل، فإن خالف إلى ما هو أفضل جاز، فعن عروة البارقي، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعطاه دينارا يشتري به ضحية أو شاة، فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابا لربح فيه رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
وفي هذا دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك: اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشتري به شاتين بالصفة المذكورة، لأن مقصود الموكل قد حصل، وزاد الوكيل خيرا، ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو أن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم.
وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادة الروضة وإن كانت الوكالة مطلقة فليس للوكيل أن يشتري بأكثر من ثمن المثل أو بغبن فاحش، وإذا خالف كان تصرفه غير نافذ على الموكل ووقع الشراء للوكيل نفسه.
.انتهاء عقد الوكالة:
ينتهي عقد الوكالة بما يأتي:
1- موت أحد المتعاقدين أو جنونه، لأن من شروط الوكالة الحياة والعقل، فإذا حدث الموت أو الجنون فقد فقدت ما يتوقف عليه صحتها.
2- إنهاء العمل المقصود من الوكالة، لأن العمل المقصود إذا كان قد انتهى فإن الوكالة في هذه الحال تصبح لا معنى لها.
3- عزل الموكل للوكيل ولو لم يعلم.
ويرى الأحناف: أنه يجب أن يعلم الوكيل بالعزل، وقبل العلم تكون تصرفاته كتصرفاته قبل العزل في جميع الاحكام.
4- عزل الوكيل نفسه. ولا يشترط علم الموكل بعزل نفسه أو حضوره، والأحناف يشترطون ذلك حتى لا يضار.
5- خروج الموكل فيه عن ملك الموكل