الخميس، 15 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الدعاوى والبينات : اليمين

اليمين

اليمين عند العجز عن الشهادة:
إذا عجز المدعي بحق على آخر عن تقديم البينة وأنكر المدعى عليه هذا الحق فليس له إلا يمين المدعى عليه، وهذا خاص بالأموال والعروض ولايجوز في دعاوى العقوبات والحدود وفي الحديث الذي رواه البيهقي والطبراني بإسناد صحيح: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
ولما رواه البخاري ومسلم عن الاشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «شاهداك أو يمينه».
فقلت: إنه يحلف ولايبالي، فقال: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان»، وأخرج مسلم من حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للكندي: ألك بينة؟ قال: لا قال: فلك يمينه فقال: يا رسول الله، الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف، وليس يتورع من شيء فقال: ليس لك منه إلا ذلك.
واليمين لا تكون إلا بالله أو باسم من أسمائه، وفي الحديث: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لرجل حلفه: «احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شئ» رواه أبو داود والنسائي.

.هل تقبل البينة بعد اليمين؟
ومتى حلف المدعى عليه اليمين ردت دعوى المدعي بلا خلاف.
فإذا عاد المدعي بعد يمين المدعى عليه وعرض البينة فهل تقبل دعواه؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: لاتقبل.
ومنهم من قال: تقبل.
ومنهم من فصل.
فالذين رأوا أنها لا تقبل هم الظاهرية وابن أبي ليلى وأبو عبيد، ورجح الشوكاني هذا الرأي فقال: وأما كونها لاتقبل البينة بعد اليمين فلما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم «شاهداك أو يمينه».
فاليمين إذا كانت تطلب من المدعى عليه فهي مستند للحكم الصحيح، ولا يقبل المستند المتخالف لها بعد فعلها، لأنه لا يحصل لكل واحد منهما إلا مجرد ظن. ولا ينقض الظن بالظن.
والذين رأوا أنها تقبل هم الحنفية والشافعية والحنابلة وطاوس وابراهيم النخعي وشريح فقد قالوا: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة وهو رأي عمر ابن الخطاب، وحجتهم أن اليمين حجة ضعيفة لا تقطع النزاع فتقبل البينة بعدها، لأنها هي الاصل واليمين هي الخلف ومتى جاء الاصل انتهى حكم الخلف.
وأما مالك والغزالي من الشافعية فقد قالوا: بجواز تقديم المدعي البينة على صدق دعواه بعد يمين المدعى عليه متى كان جاهلا وجود البينة قبل عرض اليمين.
أما إذا فقد هذا الشرط بأن كان عالما بأن له بينة واختار تحليف المدعى عليه اليمين، ثم رأى بعد حلفها تقديم بينته، فلا يقبل منه ذلك، لأن حكم بينته قد سقط بالتحليف.

.النكول عن اليمين:
إذا عرضت اليمين على المدعى عليه لعدم وجود بينة المدعي فنكل ولم يحلفها اعتبر نكوله هذا مثل إقراره بالدعوى، لأنه لو كان صادقا في إنكاره لما امتنع عن الحلف.
والنكول يكون صراحة أو دلالة بالسكوت.
وفي هذه الحال لاترد اليمين على المدعي فلا يحلف على صدق الدعوى التي يدعيها، لأن اليمين تكون على النفي دائما، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
وهذا مذهب الأحناف وإحدى الروايتين عن أحمد.
وعند مالك والشافعي والرواية الثانية عن أحمد: أن النكول وحده لا يكفي للحكم على المدعى عليه، لأنه حجة ضعيفة يجب تقويتها بيمين المدعي على أنه صادق في دعواه وإن لم يطلب المدعى عليه ذلك، فإذا حلف حكم له بالدعوى وإلا ردت.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق. ولكن في اسناد هذا الحديث مسروق وهو غير معروف. وفي إسناده اسحاق بن الفرات وفيه مقال.
وقد قصر مالك هذا الحكم على دعوى المال خاصة.
وقال الشافعي: هو عام في جميع الدعاوى.
وذهب أهل الظاهر وابن أبي ليلى إلى عدم الاعتداد بالنكول وأنه لا يقضى به في شيء قط، وأن اليمين لاترد على المدعي وأن المدعى عليه إما أن يقر بحق المدعي وإما أن ينكر ويحلف على براءة ذمته.
ورجح هذا الشوكاني فقال: وأما النكول فلا يجوز الحكم به، لأن غاية ما فيه أن من عليه اليمين بحكم الشرع لم يقبلها ويفعلها، وعدم فعله لها ليس بإقرار بالحق، بل ترك لما جعله الشارع عليه بقوله.
ولكن اليمين على المدعى عليه فعلى القاضي أن يلزمه بعد النكول عن اليمين بأحد أمرين: إما اليمين التي نكل عنها أو الاقرار بما ادعاه المدعي، وأيهما وقع كان صالحا للحكم به ا.هـ.

اليمين على نية المستحلف:
اذا حلف أحد المتقاضين كانت اليمين على نية القاضي وعلى نية المستحلف الذي تعلق حقه فيها لا على نية الحالف لما تقدم في باب الايمان قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اليمين على نية المستحلف».
فإذا ورى الحالف بأن أضمر تأويلا يختلف عن اللفظ الظاهر كان ذلك غير جائز.
وقيل: تجوز التورية إذا اضطر إليها بأن كان مظلوما.

.الحكم بالشاهد مع اليمين:
إذا لم تكن للمدعي بينة سوى شاهد واحد فإنه يحكم في الدعوى بشهادة هذا الشاهد ويمين المدعي لما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الحق بشاهدين فإن جاء بشاهدين أخذ حقه.
وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده، وإنما يحكم بالشاهد مع اليمين في جميع القضايا إلا الحدود والقصاص.
وقصر بعض العلماء الحكم بالشاهد واليمين في الأموال وما يتعلق بها، وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وعشرون شخصا.
قال الشافعي: القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لايمنع أن يجوز أقل مما نص عليه.
وبهذا قضى أبو بكر وعلي وعمر بن عبد العزيز وجمهور السلف والخلف ومنهم مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد وأسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود وهو الذي لا يجوز خلافه.
ومنع من ذلك الأحناف والاوزاعي وزيد بن علي والزهري والنخعي وابن شبرمة وقالوا: لا يحكم بشاهد ويمين أبدا.
والأحاديث التي وردت في هذا حجة عليهم.