النفاق والفسق والكبيرة
النفاق
والنفاق نوعان : ـ
1ـ نفاق أكبر : وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر . فهو : اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد. وصاحبه في الدرك الأسفل من النار. ولا سبيل لنا لمعرفته والحكم به ، لأنه أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى .
2ـ نفاق أصغر : وهو النفاق العملي . وذلك باختلاف السر والعلانية في الأفعال ، ولا يخلد في النار ، ويكون في صاحبه خصال إيمان ، وخصال كفر ونفاق ، كمن إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفسق
والفسق نوعان :ـ
1ـ فسق يخرج من الإسلام : وهو الكفر . قال تعالى : { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)} [ التوبة ].
وقال تعالى : { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة /20].
2ـ فسق لا يخرج من الإسلام : وهو فعل المعاصي. فالمسلم العاصي فاسق . قال تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } [ الأنعام /121].
{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق} [ البقرة /197].
{ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4)} [النور/4].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكبيرة
الكبيرة : هي الذنب الذي فيه حد في الدنيا ، أو توعد بالنار أو اللعنة أو الغضب.
ومثالها الأمور المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : "اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (1).
وقد أوصلها الحافظ الذهبي إلى سبعين كبيرة في كتابه (الكبائر).
حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة : ـ
يرى أهل السنة أن مرتكب الكبيرة مؤمن عاص ، وأنه إن تاب عنها ، تاب الله عليه ، وإن مات بدون توبة ، فأمره مفوض إلى الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه تفضيلا منه .
أدلة أهل السنة : ـ
أولا : استدلوا على أن مرتكب الكبيرة مؤمن وليس كافرا بما يلي :
1ـ قال تعالى : { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان (178)} [ البقرة ] .
فقد جعل القاتل من المؤمنين ، وجعله أخا لولي القصاص ، والمراد بالآخرة أخوة الدين بلا شك .
2ـ وقال سبحانه : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين(9) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون(10)} [ الحجرات /9ـ10] فجعل الذين اقتتلوا من المؤمنين.
3ـ وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ ، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم . إن كان له عمل صالح ، أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات ، أخذ من سيئات صاحبه ، فحمل عليه " (2).
4ـ لو كان مرتكب الكبيرة كافرا ، لكان مرتدا يجب قتله بعد استتابته، لكن القرآن والسنة يدلان على أنه تقام عليه الحدود الشرعية. وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة على من زنى بعد رجمه فدل على أنه ليس مرتدا ، ولا كافرا بل هو مؤمن .
ثانيا : استدل أهل السنة على جواز العفو عن مرتكب الكبيرة بما يلي : ـ
1ـ قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء /48].
فعلق غفران ما دون الشرك بالمشيئة ، وغفران الصغائر موعود به ، وكذلك الكبائر بعد التوبة ، فالذي يدخل في المشيئة هو الكبائر بدون توبة.
2ـ قال تعالى : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات } [ الشورى /25] .
3ـ وقال سبحانه : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (6)} [الرعد /6].
4ـ وجاءت الأحاديث النبوية مؤكدة هذا الحكم . من ذلك :
* عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وحوله عصابة من أصحابه : " تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله ، فأمره إلى الله : إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه " قال : فبايعناه على ذلك (3).
* وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق (4).
* وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " (5).
* وسأل رجل ابن عمر : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ قال : " يدنوا أحدكم من ربه ، حتى يضع كنفه عليه فيقول : أعملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم . ويقول : عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم . فيقرره . ثم يقول : إني سترت عليك في الدنيا . وأنا أغفرها لك اليوم " (6).
مذهب الخوارج في مرتكب الكبيرة : ـ
يرى معظم فرق الخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر، وأنه في الآخرة خالد مخلد في النار.
وكفرت فرقة ( الأزارقة ) ـ إحدى فرق الخوارج ـ كل من لم يهاجر إليهم، وينضم لمبادئهم . وهذا هو : ( التكفير والهجرة ) .
أدلة الخوارج والرد عليها : ـ
أولا : استدلوا على أنه كافر بما يلي :
1ـ قال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(44) } [ المائدة ].
أجاب أهل السنة : ـ
بأن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا أكبر : يخرج عن ملة الإسلام : وقد يكون كفرا أصغر ، لا يخرج عن الإسلام
وذلك بحسب حال الحاكم بغير ما أنزل الله : لأنه إن كان منكرا له مستهينا به بعد ما عرفه وعلمه ، فهو كافر كفرا حقيقيا ..
وإن كان مقرا به معتقدا صحته ، لكنه عدل عنه مع اعترافه بتقصيره واستحقاقه عقاب الله ، فهو مسلم عاص ، ويسمى كافرا كفرا أصغر ، أو كفرا مجازيا.
قال ابن عباس في هذه الآية والآيتين بعدها : " كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق ".
وقال أحمد بن حنبل : " كفر لا ينقل عن الملة " .
وقد أشار الإمام البخاري إلى أن الكفر أنواع فقال : ( باب كفران العشير وكفر دون كفر).
2ـ قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97)} [ آل عمران ] فتارك الحج كافر خارج عن الإسلام.
أجاب أهل السنة : ـ
بأن من ترك الحج جاحدا وجوبه مستهزئا به . فهو كافر حقيقة ، أما من تركه كسلا أو بخلا أو نحو ذلك ، فهو كافر كفرا عمليا مجازيا.
3ـ استدلوا بالأحاديث النبوية التي يوهم ظاهرها كفر مرتكب الكبيرة ومن هذه الأحاديث :
• قال صلى الله عليه وسلم : " إذا كفر الرجل أخاه. فقد باء بها أحدهما " (7).
• قال صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"(8).
• قال صلى الله عليه وسلم : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " (9).
• قال صلى الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " (10).
• قال صلى الله عليه وسلم : " إن بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة " (11).
• قال صلى الله عليه وسلم : " من حلف بغير الله ، فقد كفر أو أشرك " (12).
• قال صلى الله عليه وسلم : " من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا ، فقد كفر بما أنزل على محمد " (13).
أجاب أهل السنة : ـ
بأن المقصود بالكفر في هذه الأحاديث النبوية وأشباهها الكفر الحقيقي إذا كان فاعل هذه الذنوب مستحلا لها .
أما إذا كان غير مستحل لها . فالمقصود بالكفر الكفر المجازي ، وهو كفر النعمة والإحسان ، وليس كفر الجحود الذي يخرج صاحبه من الإسلام ، ولما كانت هذه الأفعال كفعل الكفار والمشركين سماها النبي صلى الله عليه وسلم كفرا وشركا ، فيكون التعبير عنها بالكفر والشرك من باب المبالغة في التنفير عنها.
ثانيا : استدل الخوارج على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار بما يلي : ـ
الدليل الأول : قال تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93) [النساء].
أجاب أهل السنة : ـ
بأن المراد من قتل مؤمنا لإيمانه ، أو لأنه مستحل لقتله ، أو أن المراد بالخلود : المكث الطويل كما هو معناه في اللغة .
الدليل الثاني : قال تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23) } [ الجن ] .
أجاب أهل السنة : ـ
بأن المراد : ومن يعص الله ورسوله في التوحيد ؛ لأن الآيات في الحديث عن التوحيد ، وليست في مرتكب الكبيرة . ولفظ المعصية إذا أطلق دخل فيه الكفر. قال تعالى : { وتلك عاد جحدوا بءايات ربهم وعصوا رسله } [ هود/59] وقال تعالى : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15) فعصى فرعون الرسول } [المزمل 15ـ16] فهي معصية تكذيب ، فصاحبها يستحق الخلود المؤبد في النار.
الدليل الثالث : قال صلى الله عليه وسلم : " من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا فيها أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " (14).
أجاب أهل السنة : ـ
بأن العقاب المذكور لمن استحل فعل الأمور المذكورة في الحديث ؛ لأنه باستحلاله لها يصير كافرا ، والكافر مخلد في النار بلا ريب .
أما من انتحر ، وهو يعلم أنه حرام ، وكبيرة من الكبائر ، لكنه يطمع في مغفرة الله ، فهو مسلم عاص أمره مفوض إلى الله : إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ، ويكون الحديث للترهيب والتنفير عن هذه الجريمة . والعياذ بالله . وقيل : إن العقاب المذكور هو جزاؤه إن لم يتجاوز الله عنه ، ويعفو عنه.
المعاصى كبائر وصغائر
قال تعالى : * { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [ النساء /31]
• { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللم } [ النجم/32]
• { وكل صغير وكبير مستطر} [ الفمر /52]
وعن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم عند اله ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك . قال قلت له: إن ذلك لعظيم . قال قلت : ثم أي ؟ قال : ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قال قلت ثم أي ؟ قال : ثم أن تزاني حليلة جارك
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس"
مكفرات الذنوب
إذا كان من طبيعة النفس البشرية أن ترتكب بعض المعاصي ؛ لأن الإنسان ليس عقلا فقط ، وإنما هو عقل ومادة ، وغرائز وشهوات، وروح وجسد ، و " كل بني آدم خطاء" فإن الله شرع وسائل متعددة لتكفير الذنوب ، ومحو الخطايا حتى لا يظل الذنب شبحا يهدد الإنسان ، فيشل حركته ، ويميت نشاطه ، من هذه الوسائل:
1ـ الاستغفار : وهو طلب المغفرة من الله تعالى . قال عز وجل :
{ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما(110) } [ النساء 110]
وقال : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين(136)}[ آل عمران / 135ـ 136].
2ـ التوبة : وهي الندم على فعل الذنب ، والحزن على ارتكابه ، والعزم على ترك معاودته ، ورد الحقوق إلى أهلها إن أمكن ذلك .
قال تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} [المائدة /39].
وقال :{ وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى(82)} [ طه ] .
والاستغفار والتوبة إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا.
فإذا اجتمعا ، كان المقصود بالاستغفار طلب مغفرة ما مضى من الذنوب ، والمقصود بالتوبة طلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من المعاصي. كما في قوله تعالى : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود(90) } [ هود ] .
أما إذا ورد أحد اللفظين دون الآخر . فإنه يشمل كل منهما معنى الآخر . كما سبق .
3ـ فعل الحسنات : قال تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود /114] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " وأتبع السيئة الحسنة تمحها"
4ـ مصائب الدنيا : إذا تلقاها المسلم بالصبر الجميل. قال صلى الله عليه وسلم : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن . حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته "
وقال صلى الله عليه وسلم : " وما يزال البلاء بالعبد ، حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة "
===================
المراجع والهوامش :
1ـ رواه مسلم في كتاب الإيمان 1/92
2ـ روه البخاري في المظالم ـ الفتح 5/101( من كانت له مظلمة ) أي عليه فاللام بمعنى علي
3ـ رواه البخاري في مناقب الأنصار ـ الفتح 7/219 ومسلم في الحدود 3/1333
4ـ رواه مسلم في الإيمان 1/94
5ـ رواه أبو داود في كتاب السنة 5/106
6ـ رواه البخاري في التوحيد ـ الفتح 13/483
7ـ رواه مسلم في الإيمان 1/79 ( باء ) أي رجع بكلمة الكفر
8ـ رواه مسلم في الإيمان 1/81
9ـ المرجع السابق 1/82
10ـ المرجع السابق 1/82
11ـ المرجع السابق 1/88
12ـ رواه الترمذي في النذور 4/110
13ـ رواه أبو داود في الطب 4/225 والترمذي في الطهارة 1/342
14ـ رواه البخاري في الطب ـ الفتح 10/247 ومسلم في الإيمان 1/103 ( تحسى سما ) أي شربه ( يجأ ) أي يطعن ، والسم بضم السين ، وفتحها ، وكسرها ، أفصحهن الكسر .