السبت، 10 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزواج أو النكاح : المحرمات من النساء


المحرمات من النساء

ليست كل امرأة صالحة للعقد عليها، بل يشترط في المرأة التي يراد العقد عليها أن تكون غير محرمة على من يريد التزوج بها، سواء أكان هذا التحريم مؤبدا أم مؤقتا.
والتحريم المؤبد يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الاوقات.
والتحريم المؤقت يمنع المرأة من التزوج بها مادامت على حالة خاصة قائمة بها، فان تغير الحال وزال التحريم الوقتي صارت حلالا.
وأسباب التحريم المؤبدة هي:
1- النسب.
2- المصاهرة.
3- الرضاع.
وهي المذكورة في قول الله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف}.
والمؤقتة تنحصر في أنواع.
وهذا بيان كل منها:

.المحرمات من النسب:
هن:
1- الأمهات.
2- البنات.
3- الاخوات.
4- العمات.
5- الخالات.
6- بنات الاخ.
7- بنات الاخت.
والأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة.
فيدخل في ذلك الأم، وأمهاتها، وجداتها، وأم الاب، وجداته، وإن علون.
البنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة، أو كل أنثى يرجع نسبها اليك بالولادة بدرجة أو درجات.
فيدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها.
والاخت: اسم لكل أنثى جاورتك في أصليك أو في أحدهما.
والعمة: اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه.
أو في احدهما.
وقد تكون العمة من جهة الأم، وهي أخت أبي أمك.
والخالة: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما.
وقد تكون من جهة الاب.
وهي أخت أم أبيك.
وبنت الخ: اسم لكل أنثى لاخيك عليها ولادة بواسطة أو مباشرة، وكذلك بنت الاخت.

.المحرمات بسبب المصاهرة:
المحرمات بسبب المصاهرة هن:
1- أم زوجته، وأم أمها، وأم أبيها، وان علت.
لقول الله تعالى {وأمهات نسائكم}.
ولا يشترط في تحريمها الدخول بها، بل مجرد العقد عليها يحرمها.
2- وابنة زوجته التي دخل بها.
ويدخل في ذلك بنات بناتها، وبنات أبنائها، وان نزلن، لأنهن من بناتها لقول الله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم}.
والربائب: جمع ربيبة، وربيب الرجل ولد امرأته من غيره.
سمي ربيبا له، لأنه يربه كما يرب ولده أي يسوسه.
وقوله: {اللاتي في حجوركم} وصف لبيان الشأن الغالب في الربيبة، وهو أن تكون في حجر زوج أمها، وليس قيدا.
وعند الظاهرية أنه قيد، وأن الرجل لا تحرم عليه ربيبته - أي ابنة امرأته - إذا لم تكن في حجره.
وروي هذا عن بعض الصحابة.
فعن مالك بن أوس قال: كان عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي.
فوجدت فلقيني علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة.
فقال: ألها بنت؟ قلت: نعم، وهي بالطائف قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا قال: انكحها.
قلت: فأين قول الله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم}؟! قال: انها لم تكن في حجرك، انما ذلك إذا كانت في حجرك.
ورد جمهور العلماء هذا الرأي وقالوا: أن حديث علي هذا لا يثبت، لأن رواية ابراهيم بن عبيد، عن مالك بن أوس، عن علي رضي الله عنه. وابراهيم هذا لا يعرف، وأكثر أهل العلم قد تلقوه بالدفع والخلاف.
3- زوجة الابن، وابن ابنه، وابن بنته وان نزل لقول الله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}.
و الحلائل جمع حليلة، وهي الزوجة، والزوج حليل.
4- زوجة الاب: يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه، بمجرد عقد الاب عليها، ولم يدخل بها.
وكان هذا النوع من الزواج فاشيا في الجاهلية، وكانوا يسمونه زواج المقت وسمي الولد منها مقيتا، أو مقتيا، وقد نهى الله عنه وذمه ونفر منه.
قال الإمام الرازي: مراتب القبح ثلاث: القبح العقلي، والقبح الشرعي، والقبح العادي.
وقد وصف الله هذا النكاح بكل ذلك، فقوله سبحانه: {فاحشة} إشارة الى مرتبة قبحه العقلي، وقوله تعالى: {ومقتا} إشارة الى مرتبة قبحه الشرعي، وقوله تعالى: {وساء سبيلا} اشارة الى مرتبة قبحه العادي.
وقد روى ابن سعد عن محمد بن كعب سبب نزول هذه الآية، قال: كان الرجل إذا توفي عن امرأته، كان ابنه أحق بها أن ينكحها أن شاء، أن لم تكن أمه، أو ينكحها من شاء.
فلما مات أبو قيس بن الاسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم ينفق عليها ولم يورثها من المال شيئا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا» فنزلت الآية: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا}.
ويرى الأحناف أن من زنى بامرأة، أو لمسها، أو قبلها، أو نظر الى فرجها بشهوة، حرم عليه أصولها وفروعها، وتحرم هي على أصوله وفروعه إذ أن حرمة المصاهرة تثبت عندهم بالزنا، ومثله مقدماته ودواعيه، قالوا: ولو زنا الرجل بأم زوجته، أو بنتها حرمت عليه حرمة مؤبدة.
ويرى جمهور العلماء أن الزنا لا تثبت به حرمة المصاهرة، واستدلوا على هذا بما يأتي:
1- قول الله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} فهذا بيان عما يحل من النساء بعد بيان ما حرم منهن، ولم يذكر أن الزنا من أسباب التحريم.
2- روت عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة.
فأراد أن يتزوجها أو ابنتها. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم الحرام الحلال، إنما يحرم ما كان بنكاح» رواه ابن ماجه عن ابن عمر.
3- أن ما ذكروه من الاحكام في ذلك هو مما تمس إليه الحاجة، وتعم به البلوى أحيانا، وما كان الشارع ليسكت عنه، فلا ينزل به قرآن، ولا تمضي به سنة، ولا يصح فيه خبر، ولا أثر عن الصحابة، وقد كانوا قريبي عهد بالجاهلية التي كان الزنا فيها فاشيا بينهم.
فلو فهم أحد منهم أن لذلك مدركا في الشرع أو تدل عليه علة وحكمة لسألوا عن ذلك، وتوفرت الدواعي على نقل ما يفتنون به.
4- ولأنه معنى لا تصير به المرأة فراشا، فلم يتعلق به تحريم المصاهرة، كالمباشرة بغير شهوة.

.المحرمات بسبب الرضاع:
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والذي يحرم من النسب: الأم، والبنت، والاخت، والعمة، والخالة، وبنات الاخ، وبنات الاخت.
وهي التي بينها الله تعالى في قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}.
وعلى هذا، فتنزل المرضعة منزلة الأم، وتحرم على المرضع، هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب فتحرم:
1- المرأة المرضعة، لأنها بارضاعها تعد أما للرضيع.
2- أم المرضعة، لأنها جدة له.
3- أم زوج المرضعة - صاحب اللبن - لأنها جدة كذلك.
4- أخت الأم، لأنها خالة الرضيع.
5- أخت زوجها - صاحب اللبن - لأنها عمته.
6- بنات بنيها وبناتها، لأنهن بنات اخوته وأخواته.
7- الاخت، سواء أكانت أختا لأب وأم.
أو أختا لأم، أو أختا لأب.

.الرضاع الذي يثبت به التحريم:
الظاهر أن الأرضاع الذي يثبت به التحريم، هو مطلق الأرضاع.
ولا يتحقق إلا برضعة كاملة، وهي أن يأخذ الصبي الثدي ويمتص اللبن منه، ولا يتركه إلا طائعا من غير عارض يعرض له، فلو مص مصة أو مصتين، فان ذلك لا يحرم لأنه دون الرضعة، ولا يؤثر في الغذاء.
قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم المصة ولا المصتان» رواه الجماعة إلا البخاري.
والمصة هي الواحدة من المص.
وهو أخذ اليسير من الشئ، يقال أمصه ومصصته، أي شربته شربا رقيقا. هذا هو الأمر الذي يبدو لنا راجحا.
وللعلماء في هذه المسألة عدة آراء نجملها فيما يأتي:
1- أن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم أخذا بإطلاق الأرضاع في الآية.
ولما رواه البخاري، ومسلم، عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجرت أمة سوداء فقالت: «قد أرضعتكما».
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: «وكيف، وقد قيل؟ دعها عنك».
فترك الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال عن عدد الرضعات، وأمره بتركها دليل على أنه لا اعتبار إلا بالأرضاع، فحيث وجد اسمه وجد حكمه.
ولأنه فعل يتعلق به التحريم، فيستوي قليله وكثيره، كالوطء الموجب له.
ولان إنشاز العظم، وإنبات اللحم، يحصل بقليله وكثيره.
وهذا مذهب علي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري والزهري وقتادة وحماد والاوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد.
2- أن التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات.
لما رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة قالت: «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن».
وهذا تقييد لاطلاق الكتاب والسنة، وتقييد المطلق بيان، لانسخ ولا تخصيص.
ولو لم يعترض على هذا الرأي، بأن القرآن لا يثبت الا متواترا، وأنه لو كان كما قالت عائشة لما خفي على المخالفين.
ولاسيما الإمام علي وابن عباس، نقول: لو لم يوجه إلى هذا الرأي هذه الاعتراضات لكان أقوى الاراء، ولهذا عدل الإمام البخاري عن هذه الرواية.
وهذا مذهب عبد الله بن مسعود، وإحدى الروايات عن عائشة، وعبد الله بن الزبير، وعطاء، وطاووس، والشافعي، وأحمد في ظاهر مذهبه، وابن حزم، وأكثر أهل الحديث.
3- أن التحريم يثبت بثلاث رضعات فأكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان».
وهذا صريح في نفي التحريم بما دون الثلاث، فيكون التحريم منحصرا فيما زاد عليهما.
وإلى هذا ذهب أبو عبيد، وأبو ثور، وداود الظاهري، وابن المنذر، ورواية عن أحمد.
لبن المرضعة يحرم مطلقا:
التغذية بلبن المرضعة محرم، سواء أكان شربا أو وجورا أو سعوطا، حيث كان يغذي الصبي ويسد جوعه، ويبلغ قدر رضعة، لأنه يحصل به ما يحصل بالأرضاع من انبات اللحم، وانشاز العظم، فيساويه في التحريم.
اللبن المختلط لبن المرأة بطعام، أو شراب، أو دواء، أو لبن شاة أو غيره، وتناوله الرضيع فان كان الغالب لبن المرأة حرم، وان لم يكن غالبا فلا يثبت به التحريم.
وهذا مذهب الأحناف، والمزني، وأبي ثور قال ابن القاسم من المالكية: إذا استهلك اللبن في ماء أو غيره، ثم سقيه الطفل لم تقع به الحرمة.
ويرى الشافعي، وابن حبيب، ومطرف، وابن الماجشون من أصحاب مالك: انه تقع به الحرمة بمنزلة مالو انفرد اللبن، أو كان مختلطا لم تذهب عينه.
قال ابن رشد.
وسبب اختلافهم: هل يبقى للتبن حكم الحرمة إذا اختلط بغيره، أم لا يبقى به حكمها؟ كالحال في النجاسة إذا خالطت الحلال الطاهر.
والاصل المعتبر في ذلك انطلاق اسم اللبن عليه كالماء، هل يطهر إذا خالطه شيء من الطاهر؟.
صفة المرضعة: والمرضعة التي يثبت بلبنها التحريم، هي كل امرأة در اللبن من ثدييها، سواء أكانت بالغة أم غير بالغة، وسواء أكانت يائسة من المحيض أم غير يائسة، وسواء أكان لها زوج أم لم يكن.
وسواء أكانت حاملا أم غير حامل.

.سن الرضاع:
الرضاع المحرم للزواج ما كان في الحولين.
وهي المدة التي بينها الله تعالى وحددها في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}.
لان الرضيع في هذه المدة يكون صغيرا يكفيه اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير جزءا من المرضعة.
فيشترك في الحرمة مع أولادها.
روى الدار قطني، وابن عدي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا رضاع إلا في الحولين.
وروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «لا رضاع إلا ما أنشز العظم، وأنبت اللحم» رواه أبو داود.
وإنما يكون ذلك لمن هو في سن الحولين، ينمو باللبن عظمه، وينبت عليه لحمه.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام» رواه الترمذي وصححه.
وقال ابن القيم: هذا حديث منقطع.
ولو فطم الرضيع قبل الحولين واستغنى بالغذاء عن اللبن ثم أرضعته امرأة، فان ذلك الرضاع تثبت به الحرمة عند أبي حنيفة والشافعي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة».
وقال مالك: ما كان من الرضاعة بعد الحولين كان قليله وكثيره لا يحرم شيئا، إنما هو بمنزلة الماء.
وقال: إذا فصل الصبي قبل الحولين، أو استغنى بالفطام عن الرضاع، فما ارتضع بعد ذلك لم يكن للارضاع حرمة.

.رضاع الكبير:
وعلى هذا فرضاع الكبير لا يحرم في رأي جماهير العلماء للأدلة المتقدمة.
وذهبت طائفة من السلف والخلف إلى أنه يحرم - ولو أنه شيخ كبير - كما يحرم رضاع الصغير، وهو رأي عائشة رضي الله عنها.
ويروى عن علي كرم الله وجهه، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح وهو قول الليث ابن سعد، وابن حزم، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاع الكبير فقال: أخبرني عروة بن الزبير بحديث: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل برضاع سالم ففعلت، وكانت تراه ابنا لها».
قال عروة: فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال.
فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال.
وروى مالك، وأحمد: أن أبا حذيفة تبنى سالما.
وهو مولى لامرأة من الانصار، كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا.
وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث من ميراثه، حتى أنزل الله عز وجل: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}.
فردوا الى آبائهم فمن لم يعلم له أب، فمولى وأخ في الدين، فجاء، سهلة.
فقالت: يارسول الله كنا نرى سالما ولدا يأوي معي ومع أبي حذيفة، ويراني فضلا، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه خمس رضعات»، فكان بمنزلة ولده من الرضاعة.
وعن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها قالت: قالت أم سلمة لعائشة رضي الله عنها: إنه يدخل عليك الغلام الايفغ الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت عائشة رضيا لله عنها: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟.
فقالت: إن امرأة أن حذيفة قالت: يا رسول الله صلى أن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شئ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه حتى يدخل عليك».
والمختار من هذين القولين ما حققه ابن القيم.
قال: إن حديث سهلة ليس بمنسوخ ولا مخصوص ولاعام في حق كل واحد، وإنما هو رخصة للحاجة، لمن لا يستغنى عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة.
فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، والأحاديث النافية للرضاع في الكبير: إما مطلقة فتفيد بحديث سهلة، أو عامة في كل الاحوال فتخصص هذه الحال من عمومها.
وهذا أولى من النسخ، ودعوى التخصيص لشخص بعينه، وأقرب الى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين وقواعد الشرع تشهد له.
انتهى.
الشهادة على الرضاع:
شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع - إذا كانت مرضية - لما رواه عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: «قد أرضعتكما»، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال: «وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟» فنهاه عنها.
احتج بهذا الحديث: طاووس، والزهري، وابن أبي ذئب، والاوزاعي، ورواية عن أحمد، على أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع.
وذهب الجمهور الى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة، لأنها شهادة على فعل نفسها.
وقد أخرج أبو عبيد عن عمر، والمغيرة بن شعبة، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس انهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك.
فقال عمر رضي الله عنه: ففرق بينهما أن جاءت بينة، وإلا فخل بين الرجل وامرأته، إلا أن ينتزها.
ولو فتح هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين زوجين إلا فعلت.
ومذهب الأحناف أن الشهادة على الرضاع لابد فيها من شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، ولا يقبل فيها شهادة النساء وحدهن، لقول الله عزوجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}.
وروى البيهقي: أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأدة شهدت على رجل وامرأته أنها أرضعتهما، فقال: لا: حتى يشهد رجلان أو رجل وامرأتان.
وعن الشافعي رضي الله عنه: أنه يثبت بهذا، وبشهادة أربع من النساء، لأن كل امرأتين كرجل، ولان النساء يطلعن على الرضاع غالبا كالولادة.
وعند مالك: تقبل فيه شهادة امرأتين بشرط فشو قولهما بذلك قبل الشهادة.
قال ابن رشد: وحمل بعضهم حديث عقبة بن الحارث على الندب جمعا بينه وبين الاصول، وهو أشبه، وهي رواية عن مالك.

.أبوة زوج الموضع للرضيع:
إذا أرضعت امرأة رضيعا صار زوجها أبا للرضيع وأخوه عما له، لما تقدم من حديث حذيفة، ولحديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ائذني لافلح أخي أبي القعيس فانه عمك».
وكانت امرأته أرضعت عائشة رضي الله عنها.
وسئل ابن عباس عن رجل له جاريتان أرضعت احداهما جارية والاخرى غلاما: أيحل للغلام أن يتزوج الجارية؟ قال: لا اللقاح واحد.
وهذا رأي الائمة الأربعة: والاوزاعي، والثوري.
وممن قال به من الصحابة علي، وابن عباس رضي الله عنهما.

.التساهل في أمر الرضاع:
كثير من النساء يتساهل في أمر الرضاع فيرضعون الولد من امرأة، أو من عدة نسوة، دون عناية بمعرفة أولاد المرضعة وإخوانها، ولا أولاد زوجها - من غيرها - وإخوته، ليعرفوا ما يترتب عليهم في ذلك من الاحكام، كحرمة النكاح، وحقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب.
فكثيرا ما يتزوج الرجل أخته، أو عمته، أو خالته من الرضاعة، وهو لا يدري.
والواجب الاحتياط في هذا الأمر، حتى لا يقع الإنسان في المحظور.

.حكمة التحريم:
قال في تفسير المنار: إن الله تعالى جعل بين الناس ضروبا من الصلة يتراحمون بها، ويتعاونون على دفع المضار وجلب المنافع، وأقوى هذه الصلات صلة القرابة وصلة الصهر، ولكل واحدة من هاتين الصلتين درجات متفاوتة.
فأما صلة القرابة فأقواها ما يكون بين الأولاد والوالدين من العاطفة والاريحية.
فمن اكتنه السر في عطف الاب على ولده يجد في نفسه داعية فطرية تدفعه الى العناية بتربيته الى أن يكون رجلا مثله.
فهو ينظر إليه كنظره الى بعض أعضائه، ويعتمد عليه في مستقبل أيامه، ويجد في نفس الولد شعورا بأن أباه كان منشأ وجوده، وممد حياته وقوام تأديبه، وعنوان شرفه.
وبهذا الشعور يحترم الابن أباه، وبتلك الرحمة والاريحية يعطف الاب على ابنه، وبساعده.
هذا ماقاله الاستاذ الإمام محمد عبده.
ولا يخفى على إنسان أن عاطفة الأم الوالدية أقوى من عاطفة الأب، ورحمتها أشد من رحمته، وحنانها أرسخ من حنانه، لأنها أرق قلبا، وأدق شعورا.
وأن الولد يتكون جنينا من دمها الذي هو قوام حياتها.
ثم يكون طفلا يتغذى من لبنها، فيكون له مع كل مصة من ثديها عاطفة جديدة، يستلها من قلبها، والطفل لا يحب أحدا في الدنيا قبل أمه.
ثم انه يحب أباه، ولكن دون حبه لامه، وان كان يحترمه أشد مما يحترمها.
أفليس من الجنابة على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حب استمتاع الشهوة - فيزحمه ويفسده - وهو خير ما في هذه الحياة!!
بلى: ولاجل هذا كان تحريم نكاح الأمهات هو الاشد المقدم في الآية، ويليه تحريم البنات.
ولو لا ما عهد في الإنسان من الجناية على الفطرة والعبث بها والافساد فيها، لكان لسليم الفطرة أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات، لأن فطرته تشعر أن النزوع الى ذلك من قبيل المستحيلات.
وأما الاخوة والاخوات، فالصلة بينهما تشبه الصلة بين الوالدين والأولاد من حيث أنهم كأعضاء الجسم الواحد، يفان الاخ والأخت من أصل واحد يستويان في النسة إليه من غير تفاوت بينهما.
ثم انهما ينشآن في حجر واحد، على طريقة واحدة في الغالب، وعاطفة الاخوة بينهما متكافئة، ليست أقوى في إحداهما منها في الاخرى، كقوة عاطفة الأمومة والابوة على عاطفة البنوة.
فلهذه الاسباب يكون أنس أحدهما بالآخر أنس مساواة لا يضاهيه أنس لآخر.
إذ لا يوجد بين البشر صلة أخرى فيها هذا النوع من المساواة الكاملة، وعواطف الود والثقة المتبادلة.
ويحكى أن امرأة شفعت عند الحجاج في زوجها وابنها وأخيها، وكان يريد قتلهم، وفشفعها في واحد مبهم منهم، وأمرها أن تختار من يبقى، فاختارت أخاها، فسألها عن سبب ذلك فقالت: أن الأخ لا عوض عنه، وقد مات الوالدان، وأما الزوج والولد فيمكن الاعتياض عنهما بمثلهما.
فأعجبه هذا الجواب وعفا عن الثلاثة.
وقال: لو اختارت الزوجة غير الاخ لما أبقيت لها أحدا.
وجملة القول: إن صلة الاخوة صلة فطرية قوية، وأن الاخوة والاخوات لا يشتهي بعضهم التمتع ببعض، لأن عاطفة الاخوة تكون هي المسؤولية على النفس بحيث لا يبقى لسواها معها موضع ما سلمت الفطرة.
فقضت حكمة الشريعة بتحريم نكاح الأخت حتى يكون لمعتلي الفطرة منفذ لاستبدال داعية الشهوة بعاطفة الاخوة.
وأما العمات والخالات فهن من طينة الأب والأم وفي الحديث: «عم الرجل صنو أبيه».
أي هما كالصنوان يخرجان من أصل النخلة.
ولهذا المعنى - الذي كانت به صلة العمومة من صلة الابوة، وصلة الخؤولة من صلة الأمومة - قالوا: إن تحريم الجدات مندرج في تحريم الأمهات وداخل فيه، فكان من محاسن دين الفطرة المحافة على عاطفة صلة العمومة والخؤولة، والتراحم والتعاون بها، وأن لاتنزو الشهوة عليها، وذلك بتحريم نكاح العمات والخالات.
وأما بنات الاخ وبنات الاخت، فهما من الإنسان بمنزلة بناته، حيث أن أخاه وأخته كنفسه، وصاحب الفطرة السليمة يجد لهما هذه العاطفة يمن نفسه، وكذا صاحب الفطرة السقيمة، إلا أن عاطفة هذا تكون كفطرته في سقهما.
نعم إن عطف الرجل على بنته يكون أقوى لكونها بضعة منه، نمت وترعرعت بعنايته ورعايته.
وأنسه بأخيه وأخته يكون أقوى من أنسه ببناتهما لما تقدم.
وأما الفرق بين العمات والخالات، وبين بنات الاخوة والاخوات، فهو أن الحب لهؤلاء حب عطف وحنان، والحب لاولئك حب تكريم واحترام.
فهما - من حيث البعد عن مواقع الشهوة - متكافآن.
وانما قدم في النظم الكريم ذكر العمات والخالات، لأن الادلاء بهما من الآباء والأمهات، فصلتهما أشرف وأعلى من صلة الاخوة والاخوات.
هذه أنواع القرابة القريبة التي يتراحم الناس ويتعاطفون ويتوادون ويتعاونون بها وبما جعل الله لها في النفوس من الحب والحنان والعطف والاحترام! فحرم الله فيها النكاح لاجل أن تتوجه عاطفة الزوجية ومحبتها الى من ضعفت الصلة الطبيعية أو النسبة بينهم، كالغرباء والاجانب، والطبقات البعيدة من سلالة الاقارب، كأولاد الاعمام والعمات والاخوال والخالات.
وبذلك تتجدد بين البشر قرابة الصهر التي تكون في المودة والرحمة كقرابة النسب، فتتسع دائرة المحبة والرحمة بين الناس.
فهذه حكمة الشرع الروحية في محرمات القرابة.
ثم قال: إن هنالك حكمة جسدية حيوية عظيمة جدا.
وهي أن تزوج الاقارب بعضهم ببعض يكون سببا لضعف النسل.
فإذا تسلسلت واستمرت بتسلسل الضعف والضوى فيه إلى أن ينقطع، ولذلك سببان: أحدهما وهو الذي أشار إليه الفقهاء - أن قوة النسل تكون على قدر قوة داعية التناسل في الزوجين، وهي الشهوة.
وقد قالوا: إنها تكون ضعيفة بين الاقارب.
وجعلوا ذلك علة لكراهية تزوج بنات العم وبنات العمة، الى آخره.
وسبب ذلك، أن هذه الشهوة شعور في النفس، يزاحمه شعور عواطف القرابة المضاد له، فإما أن يزيله، وإما أن يزلزله ويضعفه.
والسبب الثاني يعرفه الاطباء، وإنما يظهر للعامة بمثال تقريبي معروف عند الفلاحين، وهو أن الأرض التي يتكرر زرع نوع واحد من الحبوب فيها، يضعف هذا الزرع فيها مرة بعد أخرى، الى أن ينقطع، لقلة المواد التي هي قوام غذائه، كثرة المواد الاخرى التي لا يتغذى منها، ومزاحمتها لغذائه أن يخلص له.
ولو زرع ذلك الحب في أرض أخرى وزرع في هذه الأرض نوع آخر من الحب لمناكل منهما.
بل ثبت عند الزراع أن اختلاف الصنف من النوع الواحد من أنواع البذار يفيد.
فإذا زرعوا حنطة في أرض، وأخذوا بذرا من غلتها فزرعوه في تلك الأرض يكون نموه ضعيفا وغلته قليلة.
وإذا أخذوا البذر من حنطة أخرى وزرعوه في تلك الأرض نفسها يكون أنمى وأزكى.
كذلك النساء حرث - كالأرض - يزرع فيهن الولد.
وطوائف الناس كأنواع البذار وأصنافه.
فينبغي أن يتزوج أفراد كل عشيرة من أخرى ليزكو الولد وينجب.
فان الولد يرث من مزاج أبويه ومادة أجسادهما، ويرث من أخلاقهما وصفاتهما الروحية وبياينهما في شيء من ذلك.
فالتوارث والتباين سنتان من سنن الخليقة، ينبغي أن تأخذ كل واحدة منهما حظها لاجل أن ترتقي السلائل البشرية ويتقارب الناس بعضهم من بعض، ويستمد بعضهم القوة والاستعداد من بعض، والتزوج من الاقربين ينافي ذلك.
فثبت بما تقدم كله أنه ضار بدنا ونفسا، مناف للفطرة، مخل بالروابط الاجتماعية، عائق لارتقاء البشر.
وقد ذكر الغزالي في الاحياء: أن الخصال التي تطلب مراعاتها في المرأة، ألا تكون من القرابة القريبة.
قال: فان الوليد يخلق ضاويا.
وأورد في ذلك حديث لا يصح.
ولكن روى ابراهيم الحربي في غريب الحديث أن عمر قال لآل السائب: «اغتربوا لا تضووا» أي تزوجوا الغرائب لئلا تجئ أولادكم نحافا ضعافا.
وعلل الغزالي ذلك بقوله: إن الشهوة إنما تنبعث بقوة الاحساس بالنظر أو اللمس وإنما يقوي الاحساس بالأمر الغريب الجديد.
فأما المعهود الذي دام النظر إليه، فإنه يضعف الحس عن تمام ادراكه والتأثر به، ولا ينبعث به الشهوة.
قال: وتعليله لا ينطبق على كل صورة، والعمدة ما قلنا.
حكمة التحريم بالرضاع:
وأما حكمة التحريم بالرضاعة، فمن رحمته تعالى بنا أن وسع لنا دائرة القرابة بإلحاق الرضاع بها، وأن بعض بدن الرضيع يتكون من لبن المرضع، وأنه بذلك يرث منها كما يرث ولدها الذي ولدته.
حكمة التحريم بالمصاهرة:
وحكمة تحريم المحرمات بالمصاهرة أن بنت الزوجة وأمها أولى بالتحريم، لأن زوجة الرجل شقيقة روحه، بل مقومة ماهيته الإنسانية ومتممتها.
فينبغي أن تكون أمها بمنزلة أمه في الاحترام.
ويقبح جدا أن تكون ضرة لها فإن لحمة المصاهرة كلحمة النسب.
فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها، وتجددت في نفسه عاطفة مودة جديدة لهم.
فهل يجوز أن يكون سببا للتغاير والضرار بين الأم وبنتها؟ كلا.
إن ذلك ينافي حكمة المصاهرة والقرابة ويكون سبب فساد العشيرة.
فالموافق للفطرة، الذي تقوم به المصلحة، هو أن تكون أم الزوجة كأم الزوج، وبنتها التي في حجره كبنته من صلبه.
وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزل ابنته، ويوجه إليها العاطفة يالتي يجدها لبنته، كما ينزل الابن امرأة أبيه منزلة أمه.
وإذا كان من رحمة الله وحكمته أن حرم الجمع بين الاختين وما في معناهما لتكون المصاهرة لحمة مودة غير مشوبة بسبب من أسباب الضرار والنفرة، فكيف يعقل أن يبيح نكاح من هي أقرب إلى الزوجة، كأمها أو بنتها، أو زوجة الوالد للولد، وزوجة الولد للوالد؟ وقد بين لنا أن حكمة الزواج هي سكون نفس كل من الزوجين إلى الآخره، والمودة والرحمة بينهما وبين من يلتحم معهما بلحمة النسب فقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
فقيد سكون النفس الخاص بالزوجية، ولم يقيد المودة والرحمة، لأنها تكون بين الزوجين ومن يلتحم معهما بلحمة النسب، وتزداد وتقوى بالولد. اه.

.المحرمات مؤقتا:
.1- الجمع بين المحرمين:
يحرم الجمع بينا الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، كما يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة، لو كانت إحداهما رجلا لم يجزله التزوج بالاخرى.
ودليل ذلك:
1- قول الله تعالى: {وأن تجمعوا بين الاختين إلاما قد سلف}.
2- وما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها».
3- وما رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه، عن فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلق أيتهما شئت».
4- عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الرجل المرأة على العمة أو على الخالة وقال: «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم». قال القرطبي: ذكره أبو محمد الاصيلي في فوائده، وابن عبد البر، وغيرهما.
5- ومن مراسيل بي داود، عن حسين بن طلحة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على أخواتها مخافة القطيعة.
وفي حديث ابن عباس، وحسين بن طلحة التنبيه على المعنى الذي من أجله حرم هذا الزواج، وهو الاحتراز عن قطع الرحم بين الاقارب، فان الجمع بينهما يولد التحاسد ويجر الى البغضاء، لأن الضرتين قلما تسكن عواصف الغيرة بينهما.
وهذا الجمع بين المحارم كما هو ممنوع في الزواج فهو ممنوع في العدة.
فقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فلا يجوز له أن يتزوج أختها، أو أربعا سواها حتى تنقضي عدتها، لأن الزواج قائم وله حق الرجعة في أي وقت.
واختلفوا فيما إذا طلقها طلاقا بائنا لا يملك معه رجعتها.
فقال علي، وزيد بن ثابت، ومجاهد، والنخعي، وسفيان الثوري، والأحناف وأحمد: ليس له أن يتزوج أختها ولا أربعة حتى تنقضي عدتها، لأن العقد أثناء العدة باق حكما حتى تنقضي، بدليل أن لها نفقة العدة.
قال ابن المنذر،: ولا أحسبه إلا قول مالك، وبه نقول، أن له أن يتزوج أختها أو أربعا سواها.
وقال سعيد بن المسيب، والحسن، والشافعي: لأن عقد الزواج قد انتهى بالبينونة، فلم يوجد الجمع المحرم.
ولو جمع رجل بين المحرمات فتزوج الاختين مثلا، فاما أن يتزوجهما بعقد واحد أو بعقدين، فان تزوجهما بعقد واحد وليس بواحدة منهما مانع فسد عقده عليهما، وتجري على هذا العقد أحكام الزواج الفاسد.
فيجب الافتراق عن المعاقدين، وإلا فرق بينهما القضاء.
وإذا حصل التفريق قبل الدخول فلا مهر لواحدة منهما، ولا يترتب على مجرد هذا العقد أثر.
وان حصل بعد الدخول فللمدخول بها مهر المثل، أو الاقل من مهر المثل، والمسمى.
ويترتب على الدخول بها سائر الآثار التي تترتب على الدخول بعد الزواج الفاسد.
أما إذا كان باحداهما مانع شرعي، بأن كانت زوجة غيره، أو معتدته مثلا، والاخرى ليس بها مانع، فان العقد بالنسبة للخالية من المانع صحيح، وبالنسبة للأخرى فاسد تجري عليه أحكامه.
وإن تزوجهما بعقدين متعاقبين، واستوفى كل واحد من العقدين أركانه وشروطه، وعلم أسقهما فهو الصحيح، واللاحق فاسد.
وان استوفى أحدهما فقط شروط صحته فهو الصحيح سواء كان السابق أو اللاحق.
وان لم يعلم أسبقهما، أو علم ونسي، كأن يوكل رجلين بتزويجه فيزوجانه من اثنتين، ثم يتبين أنهما أختان، ولا يعلم أسبق العقدين، أو علم ونسي، فالعقدان غير صحيحين لعدم المرجح، وتجري عليهما أحكام الزواج الفاسد.

.2 و3- زوجة الغير ومعتدته:
يحرم على المسلم أن يتزوج زوجة الغير، أو معتدته رعاية لحق الزوج، لقول الله تعالى: {والمحصنات من النساء يإلا ما ملكت أيمانكم}.
أي حرمت عليكم المحصنات من النساء، أي المتزوجات منهن إلا المسبيات، فان المسبية تحل لسابيها بعد الاستبراء، وإن كانت متزوجة، لما رواه مسلم وابن أبي شيبة، عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه سولم بعث جيشا الى لوطاس، فلقي عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكان ناس من أصحاب رسول الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، والاستبراء يكون بحيضة.
قال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبرئون المسبية بحيضة، وأما المعتدة فقد سبق الكلام عليها في باب الخطبة.

.4- المطلقة ثلاثا:
المطلقة ثلاثا لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا.

.5- عقد المحرم:
يحرم على المحرم، أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية، أو وكالة، ويقع العقد باطلا، لاتترتب عليه آثاره الشرعية.
لما رواه مسلم وغيره، عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» رواه الترمذي وليس فيه ولا يخطب.
وقال حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، واسحق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل، وما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة وذهب الأحناف إلى جواز عقد النكاح للمرحم.
لان الاحرام لايمنع صلاحية المرأة للعقد عليه، وإنما يمنع صحية الجماع لاصحية العقد.

.6- زواج الأمة مع القدرة على الزواج بالحرة:
اتفق العلماء على أنه يجوز للعبد أن يتزوج الأمة، وعلى أنه يجوز للحرة أن تتزوج العبد إذا رضيت بذلك هي وأولياؤها كما اتتفقوا على أنه لا يجوز أن تتزوج من ملكته، وأنه إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح.
واختلفوا في زواج الحر بالأمة.
فرأي الجمهور أنه لا يجوز زواج الحر بالأمة إلا بشرطين: أولهما عدم القدرة على نكاح الحرة.
وثانيهما خوف العنت.
واستدلوا على هذا بقول الله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}.
إلى قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم}.
قال القرطبي: الصبر على العزبة خير من نكاح الأمة، لأنه يفضي إلى إرقاق الولد، والغض من النفس، والصبر على مكارم الاخلاق أولى من البذالة روي عن عمر أنه قال: أيما حر تزوج أمة فقد أرق نصفه وعن الضحاك بن مزاحم قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر» رواه ابن ماجه، وفي إسناده ضعف.
وذهب أبو حنيفة إلى أن للحر أن يتزوج أمة، ولو مع طول حرة، إلا أن يكون تحته حرة.
فان كان في عصمته زوجة حرة حرم عليه أن يتزوج عليها محافظة على كرامة الحرة.

.7- زواج الزانية:
لا يحل للرجل أن يتزوج بزانية، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزان، إلا أن يحدث كل منهما توبة.
ودليل هذا:
1- أن الله جعل العفاف شرطا يجب توفره في كل من الزوجين قبل الزواج.
فقال تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتو الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان}.
أي أن الله كما أحل الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى، أحل زواج العفيفات من المؤمنات، والعفيفات من أهل الكتاب، في حال كون الازواج أعفاء غير مسافحين ولا متخذي أخدان.
2- وذكر ذلك في زواج الإماء عند العجز عن طول الحرة فقال: {فالنكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخذان}.
3- يؤيد هذا ما جاء صريحا في قول الله تعالى: {الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين}.
ومعنى ينكح: يعقد.
وحرم ذلك، أي وحرم على المؤمنين أن يتزوجوا من هو متصف بالزنا أو بالشرك، فانه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك.
4- ما رواه عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الاسارى بمكة، وكان بمكة يبغي يقال لها عناق، وكانت صديقته.
قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أأنكح عناقا؟ قال: فسكت عني.
فنزلت: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}.
فدعاني فقرأها علي وقال: {لا تنكحها} رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
5- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله» رواه أحمد وأبو داود.

قال الشوكاني: هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا.
وفيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا.
وكذلك لا يحل للمرأة أن تتزوج بمن ظهر منه الزنا.
ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب الكريم، لأن في آخرها: {وحرم ذلك على المؤمنين} فانه صريح في التحريم.
8- زواج الملاعنة:
لا يحل للرجل أن يتزوج المرأة التي لاعنها، فانها محرمة عليه حرمة دائمة بعد اللعان.
يقول الله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}.

.9- زواج المشركة:
اتفق العلماء على أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية، ولاالزنديقة، ولاا لمرتدة عن الإسلام، ولا عابدة البقر، ولا المعتقدة لمذهب الاباحة - كالوجودية ونحوها من مذاهب الملاحدة - ودليل ذلك قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة بإذنه}.
سبب نزول هذه الآية:
1- قال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي، وقيل: في مرثد بن أبي مرثد، واسمه كناز بن حصين الغنوي.
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة سرا ليخرج رجلا من أصحابه، وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية، يقال لها عناق فجاءته فقال لها: إن الإسلام حرم ماكان في الجاهلية، قالت: فتزوجني. قال: حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى رسول الله فاستأذنه، فنهاه عن التزوج بها لأنه مسلم، وهي مشركة.
2- وروى السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء، وأنه غضب عليها فالطمها. ثم انه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ماهي يا عبد الله؟».
قال: هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال: «يا عبد الله هي مؤمنة».
قال عبد الله فوالذي بعثك بالحق لاعتقنها ولاتزوجنها، ففعل. فطعن عليه ناس من المسلمين، فقالوا نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فأنزل الله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}. الآية.
قال في المغني: وسائر الكفار غير أهل الكتاب - كمن عبد ما استحسن من الاصنام والاحجار والشجر والحيوان - فلاخلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم.
قال: والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت

.10- الزيادة على الأربع:
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع روجات في وقت واحد، إذ أن في الأربع الكفاية، وفي الزيادة عليها تفويت الاحسان الذي شرعه الله لصلاح الحياة الزوجية، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}.
سبب نزول هذه الآية: روى البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}.
فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: قالت عائشة: ثم أن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله عزوجل: {يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}.
قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله سبحانه فيها: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}.
قالت عائشة: وقول الله عز وجل في الآية الاخرى: {وترغبون أن تنكحوهن}.
هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال.
فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء، إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إن كن قليلات المال والجمال.
معنى الآية: ويكون معنى الآية على هذا أن الله سبحانه وتعالى يخاطب أولياء اليتامى فيقول: إذا كانت اليتيمة في حجر أحدكم وتحت ولايته، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل عنها إلى غيرها من النساء، فانهن كثيرات، ولم يضيق الله عليه فأحل له من واحدة الى أربع.
فان خاف أن يجور إذا تزوج أكثر من واحدة، فواجب عليه أن يقتصر على واحدة، أو ما ملكت يمينه من الإماء.
افادتها الاقتصار على الأربع:
قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لاحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة.
وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع نسوة، وقال بعضهم بلا حصر.
وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح.
وقد رد الإمام القرطبي على هؤلاء فقال: اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة.
وعضد ذلك بأن النبي نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة، الرافضة وبعض أهل الظاهر، فجعلوا مثنى مثل اثنين اثنين. وكذلك ثلاث، ورباع.
وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشرة تمسكا منه بأن العدد في تلك الصيغ يفيد التكرار، والواو للجمع. فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين، وكذلك ثلاث ورباع.
وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لاجماع الأمة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع.
وأخرج مالك في الموطأ، والنسائي، والدارقطني، في سننها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة: «اختر منهن أربعا، وفارق سائرهن».
وفي كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهن أربعا».
وقال مقاتل: أن قيس بن الحارث كان عنده ثماني نسوة حرائر، فلما نزلت الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعا، ويمسك أربعا، كذا قال قيس بن الحارث.
والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الاسدي كما ذكر أبو داود.
وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير، أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء.
وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من خصوصياته.
وأما قولهم: أن الواو جامعة، فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات.
والعرب لا تدع أن تقول تسعة، وأن تقول اثنين وثلاثة، وأربعة.
وكذلك تستقبح ممن يقول أعط فلانا أربعة، ستة، ثمانية، ولا يقول، ثمانية عشر.
وإنما الواو في هذا الموضع بدل، أي أنكحوا ثلاثة بدلا من مثنى، ورباعا بدلا من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو.
ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع.
وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اثنين، وثلاث ثلاثا، ورباع أربعا فتحكم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه، وجهالة منهم.
وكذلك جهله الاخرون لأن مثنى تقتضي اثنين اثنين، وثلاث: ثلاثا ثلاثا، ورباع: أربعا أربعا.
ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، حصر للعدد. ومثنى وثلاث ورباع بخلافها.
ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الاصل.
وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجة.
قال الجوهري: وكذلك معدول العدل.
وقال غيره فإذا قالت: جاءني قوم مثنى أو ثلاث، أو آحاد، أو عشار،
فإنما تريد أنهم جاءوك واحدا واحدا أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو عشرة عشرة.
وليس هذا المعنى في الاصل لانك إذا قلت: جاءني قوم ثلاثة ثلاثة، أو قوم عشرة عشرة، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثلاثة وعشرة.
فإذا قلت جاءوني ثناء ورباع، فلم تحصر عدتهم، وإنما تريد أنهم جاءوك اثنين اثنين، أو أربعة أربعة، سواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب.
فقصرهم كل صيغة على أقل مما تقتضيه بزعمهم تحكم. انتهى