سلْمانُ الفارسيُّ
(…
ـ36هـ/… ـ656م)
أبو عبد الله الفارسيّ، يُقال له سلمانُ ابنُ الإسلام، وسلمانُ الخير، أصلُه من أصبهان، من قرية يقال لها: جَيّ، واسمها اليوم شهرستان، سافر يطلب الدين إلى الشام والموصل ونصيبين وعمّورية، وأخيراً إلى أرض العرب إلى وادي القرى
.
كان قد سمع بأنَّ النبيّ
r سيبعث، فخرج في طلب ذلك، فأُسِرَ وبيع بالمدينة، فاشتغل بالرق، وقد ورد في الصحيح عنه أنه قال: «تداولني بضعة عَشَر، من ربٍّ إلى ربٍّ» حتى انتهى إلى صاحب عمورية الذي أوصاه بالخروج إلى أرض العرب قائلاً: «قد أظلّك زمانُ نبيّ مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرَّتين (أرض ذات حجارة سود)، بينهما نخل، به علاماتٌ لا تخفى، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل».
وقد أراد سلمان أن يستثبت فيما وُصِف له من رسول الله
r، فقدّم له شيئاً من الصدقة فلم يأكل رسول الله. ثم أكرمه بهدية فقبلها، ثم استدبر لينظر إلى ظهره الشريف: هل يرى خاتم النبوة الذي وصف له؟ فعرف ذلك رسول الله فألقى رداءه عن ظهره، فاتضح خاتم النبوة لسلمان، فانكبّ عليه يقبّله ويبكي.. وقد أعلن الشهادة، ثم شغل سلمان الرِّق حتى فاته مع الرسولr بدراً وأُحداً، فطلب الرسولr منه أن يكاتب صاحبه، فكاتبه على ثلاثمئة نخلة يحييها له وبأربعين أوقية. وسأل الرسول أصحابه أن يعينوه. فلما أوفى سلمان حقهم أعتقوه فشهد مع رسول الله الخندق حُرَّاً.
كان قويّ الجسم، صحيح الرأي، عالماً بالشرائع وغيرها، وهو الذي دلَّ المسلمين على حفر الخندق، في غزوة الأحزاب حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار، كلاهما يقول: سَلمان منّا، فقال رسول الله
r: «سلمان منّا أهلَ البيت!». قال سلمان: «شهدت مع رسول اللهr غزوة الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد واحد».
وأمّا زهده وورعه وعلمه فمما يضرب به المَثَل، وقد تكفّلت كتب التراجم بالحديث الواسع عن ذلك، ومن أشهر هذه الكتب: حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني وصفة الصفوة لابن الجوزي
.
من فضائله ما ذكره رسول الله
r بقوله: «السُّبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة..».
وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنّا عند عليٍّ ذات يوم، فقالوا: يا أمير المؤمنين! حدّثنا عن سلمان؟ قال: «مّنْ لكم بمثل لقمان الحكيم؟ ذاك امرؤ منّا، وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأوّل والعلم الآخر، وبحر لا ينزِف
».
وأوصى معاذ بن جبل رجلاً أن يطلب العلم من أربعةٍ، سلمان أحدهم
.
جاء رجل إلى سلمان فقال: أوصني، قال: لا تَكَلّم، قال: لا يستطيع من عاش في الناس ألاّ يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلّمْ بحقّ أو اسكت، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: إنه ليغشاني ما لا أملكه. قال: فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك. قال: زدني، قال: لا تلابس الناس، قال: لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يلابسهم. قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث، وأدِّ الأمانة
.
وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان، قال أبو بكر بن أبي داود: لسلمان ثلاث بَنات، بنت بأصبهان وبنتان بمصر