الخميس، 19 يناير 2012

الصحابة : أم المؤمنين صفية بنت حيى بن الأخطب


نسبها
أبوها عدو الله ورسوله، وسيد بني النضير: حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي الحبيب بن النضير بن النحام بن ناحوم من ذرية نبي الله هارون بن عمران بن قاهات بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن آزر
.
أمها : برة بنت سموأل من بني قريظة من ذرية نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن آزر. وبرة هذه أخت الصحابي الجليل رفاعة بن سموأل
.
كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة، فلما أجلى رسول الله بني النضير ساروا إلى خيبر، وقتل رسول الله أبوها مع من قتل مِن بني قريظة
.
بمن تزوجت
تزوجها قبل إسلامها سلامه بن مكشوح القرظي– وقيل سلام بن مشكم – فارس قومها ومن كبار شعرائهم، ثم تزوّجها كنانة بن أبي الحقيق، وقتل كنانة يوم خيبر، وأُخذت هي مع الأسرى، فاصطفاها رسول الله لنفسه، وخيّرها بين الإسلام والبقاء على دينها قائلاً لها: (اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي – أي: تزوّجتك -، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك)، فقالت: " يا رسول الله، لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني، حيث صرت إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إليّ من العتق وأن أرجع إلى قومي
".
ثم إن رسول الله أعتقها وتزوّجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها، وعطرتها، وهيّأتها للقاء النبي . أصل هذه القصة ما ورد في الصحيح عن أنس قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن ذُكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فأعتقها النبي وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق جهّزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي عروساً فقال: من كان عنده شيء فليأتِ به، فجعل الرجل يجيء بالتمر، وآخر يجيء بالسمن، وثالثٌ بالسويق، فكانت تلك وليمة رسول الله على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة. قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحوِّي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) رواه البخاري
.
وجد رسول الله بخدها لطمة فقال: (ما هذه؟)، فقالت: إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري، فقصصت المنام على ابن عمي ابن أبي حقيق فلطمني، وقال: تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب، فهذه من لطمته. وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها، ويضاف إلى ذلك إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفّف عداءهم، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها
.
خلقها وحسن إسلامها
أدركت صفية ا ذلك الهدف العظيم لرسول الله ، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام، وذاقت حلاوة الإيمان، وتأثّرت بخلق سيد الأنام، حتى نافس حبّه حب أبيها وذويها والناس أجمعين، ولما مرض رسول الله تأثّرت لمرضه، وتمنت أن لو كانت هي مكانه، فقد أورد ابن حجر في الإصابة وابن سعد في الطبقات، عن زيد بن أسلم قال: "اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددتُ أنّ الذي بك بي، فتغامزت زوجات النبي ، فقال : والله إنها لصادقة
.
ما جرى بينها وبين امهات المؤمنين
كانت امرأة شريفة، عاقلة، ذات حسب أصيل، وجمال ورثته من أسلافها، وكان من شأن هذا الجمال أن يؤجّج مشاعر الغيرة في نفوس نساء النبي ، وقد عبّرت زينب بنت جحش عن ذلك بقولها: "ما أرى هذه الجارية إلا ستغلبنا على عهد رسول الله ". في ضوء ذلك، يمكن أن نفهم التنافس الذي حصل بين صفية وبين بقيّة أمهات المؤمنين، ومحاولاتهن المتكرّرة للتفوّق عليها، ولم يَفُتْ ذلك على النبي ، فكان يسلّيها ويهدئ ما بها. تقول صفيّة: "دخلت على النبي وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فقلت له: بلغني أن عائشة وحفصة تقولان نحن خير من صفية، نحن بنات عم رسول الله وأزواجه، فقال: (ألا قلت: وكيف تكونان خيراً مني؟ وزوجي محمد وأبي هارون وعمّي موسى
).
مواقفٌ لها
من مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كُتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث عمر يسألها، فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ماحملكِ على ما صنعت؟ قالت: الشيطان قالت: اذهبي فأنت حرة
.
لم تكن تدّخر جهداً في النصح وهداية الناس، ووعظهم وتذكيرهم بالله عز وجل، ومن ذلك أن نفراً اجتمعوا في حجرتها، يذكرون الله ويتلون القرآن، حتى تُليت آية كريمة فيها موضع سجدة، فسجدوا، فنادتهم من وراء حجاب قائلة: " هذا السجود وتلاوة القرآن، فأين البكاء؟ ". ولقد عايشت عهد الخلفاء الراشدين، حتى أدركت زمن معاوية، ثم كان موعدها مع الرفيق الأعلى سنة خمسين للهجرة، لتختم حياة قضتها في رحاب العبادة، ورياض التألّه، دون أن تنسى معاني الأخوة والمحبة التي انعقدت بينها وبين رفيقاتها على الدرب، موصيةً بألف دينار لعائشة بنت الصدّيق، وقد دفنت بالبقيع، عفا الله عنها وعن سائر أمهات المؤمنين
 
صفية بنت حيى بن الأخطب