عبد الله بن الزبير
(1ـ 73هـ/622 ـ 692م)
أبو بكر أو أبو خبيب عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرّة القرشي الأسدي، صحابي عابد وفارس قريش في زمنه، ومن خطباء قريش المعدودين، أمّه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة ذات النطاقين، وجدّته لأبيه صفية بنت عبد المطلب، وعمته لأبيه خديجة بنت خويلد، وكان أشبه الناس بجده أبي بكر الصديق.
أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة في قباء بالمدينة المنورة، فرح المسلمون لمولده وكبّروا؛ لأن اليهود قالوا «سحرنا المسلمين فلن يولد لهم ولد».
شهد اليرموك مع أبيه، وشهد فتح إفريقيا مع عبد الله بن أبي سرح، أيام الخليفة عثمان عام 26هـ، وتقدم ابن الزبير إلى قفصة في تونس، وكانت الامبراطورية البيزنطية قد مدت نفوذها من طرابلس إلى طنجة، ويحكمها الملك جُرجير نائباً عن الامبراطور، وتمكن ابن الزبير من حسم المعركة لصالح المسلمين بعد أن قتل ملكهم جُرجير، وحمل البشرى بالفتح إلى الخليفة عثمان في المدينة، وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين.
دافع عبد الله بن الزبير مع الحسن والحسين عن الخليفة عثمان، عندما حوصر يوم الفتنة الكبرى، وشهد معركة الجمل مع أبيه حاملاً الراية في 23جمادى الآخرة سنة 36هـ، مقاتلاً علي بن أبي طالب. وفي أثناء مسيرتهم من المدينة الى البصرة اختلف الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله على إمامة الجيش في الصلاة، فحسمت السيدة عائشة أم المؤمنين الخلاف بأن سمت لهذه المهمة ابن أختها عبد الله بن الزبير، وقد آلت إليه قيادة الجيش بعد مقتلهما.
اعتزل حروب علي ومعاوية، وبايع معاوية بعد مقتل علي، وعندما تولى الخلافة يزيد بن معاوية رفض ابن الزبير مبايعته، وتوجه إلى مكة وعاذ ببيت الله، فأرسل إليه يزيد قائده مسلم بن عقبة، فكانت وقعة الحرّة شمال شرقي المدينة سنة 63هـ، قتل فيها أفاضل الصحابة والتابعين، وقام بإكراه الناس على البيعة ليزيد، ومات مسلم بعد الحرّة بثلاثة أيام، وتولى الحُصَينْ بن نُميرٍ السّكونيّ قيادة جيش يزيد فحاصر ابن الزبير في مكة ونصب المنجنيق على جبل أبي قبيس، ورماهم بالحجارة فأصابت الكعبة ودام الحصار 64يوماًَ حتى وفاة يزيد سنة 64هـ، فأرسل الحُصين إلى ابن الزبير يوادعه، ويطلب منه هدر الدماء التي وقعت في أثناء معركة الحَرَّة وحصار مكة، والسير إلى الشام لمبايعته بالخلافة؛ لعدم وجود من هو أحق منه بها، رفض ابن الزبير هدر الدماء فتعجب الحُصين وقال: «أدعوه للخلافة ويدعوني للحرب».
في سنة 64هـ، بويع ابن الزبير بالخلافة في الحجاز والعراق ومصر واليمن وخراسان، أما الشام فقد اضطربت الأمور فيها لعدم وجود شخصية قرشية بارزة يمكنها أن تستقطب ولاء أهلها، كما فعل معاوية في صراعه مع الخليفة علي بن أبي طالب، لذلك اتجهت الأنظار كلها إلى عبد الله بن الزبير؛ لأنه ابن حواري رسول اللهr، وابن بنت أبي بكر ذات النطاقين، فاستقامت الشام كلها لابن الزبير إلا جند الأردن، حتى مروان بن الحكم الذي كان عبدالله بن الزبير قد أخرجه مع أسرته من المدينة، رأى في بادىء الأمر أن ينطلق إلى ابن الزبير ويبايعه، ولكن قدوم عبيد الله بن زياد من العراق وموقف روح بن زنباع الجذامي، أديا إلى تغيير في الوضع، فقد أشارا عليه أن يطلب الخلافة لنفسه لأنه كبير قريش وسيدها، وابن عم أمير المؤمنين عثمان، وبويع مروان بالخلافة سنة 64هـ في مؤتمر الجابية، ودانت لمروان الشام بعد انتصاره في مرج راهط ومقتل الضحاك بن قيس الفهري وانهزام جنده.
توفي مروان سنة 65هـ بعد أن حكم عشرة أشهر، وتولى الخلافة ابنه عبد الملك، وخرج لقتال مصعب بن الزبير والي العراق فهزمه وقتله في موقعة مسكن، ثم أرسل الحجاج سنة 72هـ لقتال عبد الله بن الزبير في مكة فنزل في الطائف، وأمده عبد الملك بخمسة آلاف مقاتل وكان معه ألفان فحاصر ابن الزبير، ورمى الكعبة بالمنجنيق والنار، ومنع عن الناس الماء والطعام، واشتد على ابن الزبير الحصار وافترق عنه الأصحاب، بعد أن أمن الحجاج من يخرج إليه، أما ابن الزبير فقد قاتل قتال الأبطال، فكلما دخل قوم من باب من أبواب المسجد حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينما هو على تلك الحال وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه فصرعته، فصلبه الحجاج، فلما أُنزل بعد مقولة أمه المشهورة «أما آن لهذا الفارس أن يترجل» غسلته أمه، وكفنته، وصلت عليه، وكانت ولايته تسعة أعوامٍ وشهرين ونصف.
كان عبد الله قارئاً لكتاب الله، متتبعاً لسنة رسول الله، روى عن الرسولr ثلاثة وثلاثين حديثاً، وهو أحد العبادلة الأربعة التقاة: عبد الله ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود.