السبت، 10 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزواج أو النكاح : الولاية على الزواج وشروط الولى وحكمه


الولاية على الزواج وشروط الولى وحكمه



معنى الولاية: الولاية حق شرعي، ينفذ بمقتضاه الأمر على الغير جبرا عنه.
وهي ولاية عامة، وولاية خاصة.
والولاية الخاصة ولاية على النفس، وولاية على المال.
والولاية على النفس هي المقصودة هنا. أي ولاية على النفس في الزواج.
شروط الولي: ويشترط في الولي: الحرية، والعقل، والبلوغ، سواء كان المولى عليه مسلما أو غير مسلم، فلاولاية لعبد، ولا مجنون، ولا صبي، لأنه لا ولاية لواحد من هؤلاء على نفسه، فأولى ألا تكون له ولاية على غيره.
ويزاد على هذه الشروط شرط رابع، وهو الإسلام، إذا كان المولى عليه مسلما.
فإنه لا يجوز أن يكون لغير المسلم ولاية على المسلم لقول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}.

.عدم اشتراط العدالة:
ولا تشترط العدالة في الولي، إذ الفسق لا يسلب أهلية التزويج إلا إذا خرج به الفسق إلى حد التهتك، فإن الولي في هذه الحالة لا يؤتمن على ما تحت يده، فيسلب حقه في الولاية.
اعتبار ولاية المرأة على نفسها في الزواج: ذهب كثير من العلماء إلى أن المرأة لاتزوج نفسها ولا غيرها، وإلى أن الزواج لا ينعقد بعبارتها، إذ أن الولاية شرط في صحة العقد، وأن العاقد هو الولي، واحتجوا لهذا:
1- يقول الله تعالى: {وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}.
2- وبقوله سبحانه: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} ووجه الاحتجاج بالآيتين: أن الله تعالى خاطب بالنكاح الرجال، ولم يخاطب به النساء، فكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين.
3- وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم وصححاه.
والنفي في الحديث يتجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات.
فيكون الزواج بغير ولي باطلا، كما سيأتي في حديث عائشة رضي الله عنها.
4- وروى البخاري عن الحسن قال: {فلا تعضلوهن} قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها!!.
لا والله لا تعود إليها أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية {فلا تعضلوهن} فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: «فزوجتها إياه».
قال الحافظ في الفتح: ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور في نزول هذه الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه.
5- وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن.
قال القرطبي: وهذا الحديث صحيح.
ولا اعتبار بقول ابن علية عن ابن جريج أنه قال: سألت عنه الزهري، فلم يعرفه، ولم يقل هذا أحد عن ابن جريج غير ابن علية، وقد رواه جماعة عن الزهري ولم يذكروا ذلك، ولو ثبت هذا عن الزهري لم يكن في ذلك حجة.
لأنه قد نقله عنه ثقات، منهم سليمان بن موسى، وهو ثقة إمام، وجعفر بن ربيعة، فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك لأن النسيان لا يعصم منه ابن آدم.
قال الحاكم: وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة وأم سلمة، وزينب، ثم سرد تمام ثلاثين حديثا.
وقال ابن المنذر: إنه لا يعرف عن أحد من أصحابه خلاف ذلك.
6- قالوا: ولان الزواج له مقاصد متعددة، والمرأة كثيرا ما تخضع لحكم العاطفة، فلا تحسن الاختيار، فيفوتها حصول هذه المقاصد، فمنعت من مباشرة العقد وجعل إلى وليها، لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الاكمل.
قال الترمذي: والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب «لانكاح إلا بولي» عند أهل العلم من أصحاب النبي: منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن مسعود وعائشة.
وممن ذهب إلى هذا من فقهاء التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.
وبهذا يقول سفيان الثوري، والاوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والشافعي وابن شبرمه، وأحمد، وإسحاق، وابن حزم، وابن أبي ليلى، والطبري، وأبو ثور.
وقال الطبري: في حديث حفصة - حين تأيمت، وعقد عليها عمر النكاح، ولم تعقده هي - إبطال قول من قال: إن من قال: إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع خطبة حفصة لنفسها، إذ كانت أولى بنفسها من أبيها وخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها.
ويرى أبو حنيفة وأبو يوسف: أن المرأة العاقلة البالغة لها الحق في مباشرة العقد لنفسها.
بكرا كانت أو ثيبا. ويستحب لها أن تكل عقد زواجها لوليها. صونا لها عن التبذل إذا هي تولت العقد بمحضر من الرجال الاجانب عنها.
وليس لوليها العاصب حق الاعتراض عليها، إلا إذا زوجت نفسها من غير الكفء أو كان مهرها أقل من مهر المثل.
فإن زوجت نفسها بغير كف ء، وبغير رضا وليها العاصب، فالمروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف، والمفتى به في المذهب عدم صحة زواجها، إذ ليس كل ولي يحسن المرافعة، ولاكل قاض يعدل، فأفتوا بعدم صحة الزواج سدا لباب الخصومة.
وفي رواية أن للولي حق الاعتراض بأن يطلب من الحاكم التفريق، دفعا لضرر العار ما لم تلد من زوجها، أو تحبل حبلا ظاهرا، فإنه حينئذ يسقط حقه في طلب التفريق لئلا يضيع الولد، ومحافظة على الحمل من الضياع.
وإن كان الزوج كفئا، وكان المهر أقل من مهر المثل فإن من حق الولي أن يطالب بمهر مثلها، فإن قبل الزوج لزم العقد، وإن رفض رفع الأمر للقاضي ليفسخه.
وإن لم يكن لها ولي عاصب.
بأن كانت لاولي لها أصلا، أولها ولي غير عاصب، فلاحق لاحد في الاعتراض على عقدها.
سواء زوجت نفسها من كفء أوغير كف ء، بمهر المثل، أو أقل، لأن الأمر في هذه الحالة يرجع إليها وحدها، وأنها تصرفت في خالص حقها، وليس لها ولي يناله العار لزواجها من غير كف ء، ومهر مثلها قد سقط بتنازلها عنه.
واستدل جمهور الأحناف بما يأتي:
1- قول الله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
2- وقوله سبحانه: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}.
ففي هاتين الآيتين إسناد الزواج إلى المرأة.
والاصل في الاسناد أن يكون إلى الفاعل الحقيقي.
3- ثم إنها تستقل بعقد البيع وغيره من العقود، فمن حقها أن تستقل بعقد زواجها، إذ لا فرق بين عقد وعقد.
وعقد الزواج وإن كان لاوليائها حق فيه فهو لم يلغ، إذ اعتبر في حالة ما إذا أساءت التصرف، وتزوجت من غير كف ء، إذ أن سوء تصرفها يلحق عاره أولياءها.
قالوا: وأحاديث اشتراط الولاية في الزواج تحمل على ناقصة الأهلية، كأن تكون صغيرة، أو مجنونة.
وتخصيص العام، وقصره على بعض أفراده بالقياس جائز عند كثير من أهل الاصول.
وجوب استئذان المرأة قبل الزواج: ومهما يكن من خلاف في ولاية المرأة، فإنه يجب على الولي أن يبدأ بأخذ رأي المرأة.
ويعرف رضاها قبل العقد، إذ أن الزواج معاشرة دائمة، وشركة قائمة بين الرجل والمرأة، ولا يدوم الوثام ويبقى الود والانسجام ما لم يعلم رضاها، ومن ثم منع الشرع إكراه المرأة - بكرا كانت أو ثيبا - على الزواج، وإجبارها على من لارغبة لها فيه، وجعل العقد عليه قبل استئذانها غير صحيح، ولها حق المطالبة بالفسخ إبطالا لتصرفات الولي المستبد إذا عقد عليها:
1- فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها. والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» رواه الجماعة إلا البخاري.
وفي رواية لأحمد، ومسلم، وأبي داود، والنسائي «والبكر يستأمرها أبوها». أي يطلب أمرها قبل العقد عليها.
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الايم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله: كيف إذنها؟ قال: أن تسكت».
3- وعن خنساء بنت خدام «أن أباها زوجها وهي ثيب، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها» أخرجه الجماعة إلا مسلما.
4- وعن ابن عباس: «أن جارية بكرا، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي». رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطني.
5- وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: «جاءت فتاة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شئ». رواه ابن ماجه. ورجاله رجال الصحيح.
.زواج الصغيرة:
هذا بالنسبة للبالغة، أما الصغيرة، فإنه يجوز للاب والجد تزويجها دون إذنها، إذ لا رأي لها، والاب والجد يرعيان حقها ويحافظان عليها.
وقد زوج أبو بكر رضي الله عنه ابنته عائشة أم المؤمنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة دون إذنها، إذ لم تكن في سن يعتبر فيها إذنها. وليس لها الخيار إذا بلغت.
واستحب الشافعية ألا يزوجها الاب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزواج وهي كارهة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز لغير الاب والجد من الأولياء أن يزوج الصغيرة، فإن زوجها لم يصح.
وقال أبو حنيفة والاوزاعي وجماعة من السلف: يجوز لجميع الأولياء ويصح، ولها الخيار إذا بلغت وهو الاصح، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أمامة بنت حمزة - وهي صغيرة -، وجعل لها الخيار إذا بلغت.
وإنما زوجها النبي صلى الله عليه لقربه منها، وولايته عليها، ولم يزوجها بصفته نبيا، إذ لو زوجها بصفته نبيا لم يكن لها حق الخيار إذا بلغت، لقول الله تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» وهذا المذهب قال به من الصحابة عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، رضي الله عنهم أجمعين.
ولاية الاجبار: تثبت ولاية الاجبار على الشخص الفاقد الأهلية مثل المجنون، والصبي غير المميز، كما تثبت هذه الولاية على الشخص الناقص الأهلية مثل الصبي، والمعتوه المميزين.
ومعنى ثبوت ولاية الاجبار، أن للولي حق عقد الزواج لمن له الولاية عليه من هؤلاء دون الرجوع إليهم لاخذ رأيهم.
ويكون عقده نافذا على المولى عليه دون توقف على رضاه.
وقد جعل الشارع هذه الولاية إجبارية للنظر في مصالح المولى عليه، إذ أن فاقد الأهلية، أو ناقصها عاجز عن النظر في مصالح نفسه.
وليس له من القدرة العقلية ما يستطيع بها أن يدرك مصلحته في العقود التي يعقدها، والتصرفات التي تصدر عنه بسبب الصغر أو الجنون أوالعته، ومن ثم فإن تصرفات فاقد الأهلية أو ناقصها ترجع إلى وليه.
إلا أن فاقد الأهلية إذا عقد عقد الزواج، فإن عقده يقع باطلا، إذ لا تعتبر عباراته في إنشاء العقود والتصرفات، لعدم التمييز الذي هو أصل الأهلية.
أما ناقص الأهلية إذا عقد عقد الزواج فإن عقده يقع صحيحا، متى توفرت الشروط اللازمة.
إلا أنه يتوقف على إجازة الولي، فإن شاء أجازه، وإن شاء رده.
وقال الأحناف: إن ولاية الاجبار هذه تثبت للعصبات النسبية على الصغار، والمجانين، والمعتوهين.
أما غير الأحناف، فقد فرقوا بين الصغار وبين المجانين والمعاتهة، فاتفقوا على أن الولاية على المجانين والمعاتهة تثبت للاب، والجد، والوصي، والحاكم.
واختلفوا فيمن تثبت له هذه الولاية على الصغيرة والصغير فقال الإمام مالك وأحمد: تثبت للاب، ووصيه فقط، ولا تثبت لغيرهما.
وذهب الشافعي إلى أنها تثبت للاب والجد.
من هم الأولياء؟
ذهب جمهور العلماء، منهم مالك والثوري، والليث والشافعي إلى أن الأولياء في الزواج هم العصبة، وليس للخال ولا للاخوة لام، ولا لولد الأم، ولا لاي من ذوي الارحام ولاية.
قال الشافعي: لا ينعقد نكاح امرأة إلا بعبارة الولي القريب، فإن لم يكن فبعبارة الولي البعيد، فإن لم يكن فبعبارة السلطان.
فإن زوجت نفسها بإذن الولي، أو بغير إذنه بطل الزواج، ولم يتوقف.
وعند أبي حنيفة أن لغير العصبة من الاقارب ولاية التزويج.
ولصاحب الروضة الندية تحقيق في هذا الموضوع.
قال: الذي ينبغي التعويل عليه عندي هو أن يقال: «إن الأولياء هم قرابة المرأة: الادنى فالادنى، الذين تلحقهم الغضاضة إذا تزوجت بغير كف ء، وكان المزوج لها غيرهم».
وهذا المعنى لا يختص بالعصبات، بلى قد يوجد في ذوي السهام، كالاخ لام، وذوي الارحام كإبن البنت.
وربما كانت الغضاضة معهما أشد منها مع بني الاعمام ونحوهم، فلا وجه لتخصيص ولاية النكاح بالعصابات، كما أنه لاوجه لتخصيصها بمن يرث.
ومن زعم ذلك فعليه الدليل أو النقل، بأن معنى الولي في النكاح شرعا أو لغة هو هذا.
قال: ولا ريب أن بعض القرابة أولى من بعض.
وهذه الأولوية ليست باعتبار استحقاق نصيب من المال، واستحقاق التصرف فيه حتى يكون كالميراث، أو كولاية الصغير، بل باعتبار أمر آخر، وهو ما يجده القريب من الغضاضة التي هي العار اللاصق به.
وهذا لا يختص بالعصبات، بل يوجد في غيرهم، ولاشك أن بعض القرابة أدخل في هذا الأمر من بعض.
فالآباء والابناء أولى من غيرهم، ثم الاخوة لابوين، ثم الاخوة لاب، أو لام، ثم أولاد البنين، وأولاد البنات، ثم أولاد الاخوة، وأولاد الاخوات، ثم الاعمام، والاخوال، ثم هكذا من بعد هؤلاء.
ومن زعم الاختصاص بالبعض دون البعض فليأت بحجة.
وإن لم يكن بيده إلا مجرد أقوال من تقدمه فلسنا ممن يعول على ذلك جواز تزويج الرجل نفسه من موليته: يجوز للرجل أن يزوج نفسه من المرأة التي يلي أمرها دون الاحتياج الى ولي آخر، إذا رضيت به زوجا لها.
فعن سعيد بن خالد عن أم حكيم بنت قارظ، قالت لعبد الرحمن بن عوف: إنه خطبني غير واحد، فزوجني أيهم رأيت.
قال: وتجعلين ذلك إلي؟ قالت: نعم.
قال: قد تزوجتك.
وقال مالك: لو قالت الثيب لوليها: زوجني بمن رأيت، فزوجها من نفسه، أو ممن اختار لها، لزمها ذلك، ولو لم تعليم عين الزوج.
وهذا مذهب الأحناف، والليث، والثوري، والاوزاعي.
وقال الشافعي، وداود: يزوجها السلطان، أو ولي آخر مثله، أو أقعد منه، لأن الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه.
وناقش ابن حزم رأي الشافعي، وداود، فقال: وأما قولهم: إنه لا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح، ففي هذا نازعناهم، بل جائز أن يكون الناكح هو المنكح، فدعوى كدعوى.
وأما قولهم: كما لا يجوز أن يبيع من نفسه، فهي جملة لا تصح كما ذكروا، بل جائز إن وكل ببيع شيء أن يبتاعه لنفسه إن لم يحابها بشئ، ثم ساق البرهان على صحة ما رجحه من أن البخاري روى عن أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وتزوجها وجعل عتقها صداقها، وأولم عليه بحيس».
قال: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج مولاته من نفسه وهو الحجة على من سواه، ثم قال: قال الله تعالى: «وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم» فمن أنكح أيمة من نفسه برضاها فقد فعل ما أمره الله تعالى به، ولم يمنع الله عز وجل من أن يكون المنكح لايمة هو الناكح لها، فصح أنه الواجب.
غيبة الولي: إذا كان الولي الاقرب المستوفي شروط الولاية موجودا فلا ولاية للبعيد معه، فإذا كان الاب - مثلا - حاضرا لا يكون للاخ ولاية التزويج، ولا للعم، ولا لغيرهما.
فإن باشر واحد منهما زواج الصغيرة ومن في حكمها بغير إذن الاب وتوكيله كان فضوليا، وعقده موقوف على إجازة من له الولاية، وهو الاب.
أما إذا غاب الاقرب بحيث لا ينتظر الخاطب الكفء استطلاع رأيه، فإن الولاية تنتقل إلى من يليه، حتى لا تفوت المصلحة، وليس للغائب بعد عودته أن يعترض على ما باشره من يليه، لأنه لغيبته اعتبر كالمعدوم، وصارت حق من يليه.
وهذا مذهب الأحناف وقال الشافعي: إذا زوجها من أوليائها الابعد - والاقرب حاضر - فالنكاح باطل: وإذا غاب أقرب أوليائها لم يكن للذي يليه تزويجها، ويزوجها القاضي.
وقال في بداية المجتهد: اختلف في ذلك قول مالك، فمرة قال: إن زوج الابعد مع حضور الاقرب فالنكاح مفسوخ.
ومرة قال: النكاح جائز.
ومرة قال: للاقرب أن يجيز أو يفسخ.
قال: وهذا الخلاف كله فيما عدا الاب في ابنته البكر، والوصي في محجورته.
فإنه لا يختلف قوله: إن النكاح في هذين مفسوخ أعني تزويج غير الاب البنت البكر مع حضور الاب، أو غير الوصي المحجورة مع حضور الوصي.
ويوافق الإمام مالك أبا حنيفة في انتقال الولاية إلى الولي البعيد في حالة ما إذا غاب الولي القريب.
الولي القريب المحبوس مثل البعيد: وفي المغني: وإذا كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة لاتمكن مراجعته فهو كالبعيد، فإن البعد لم يعتبر لعينه، بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره.
وهذا موجود هاهنا، ولذلك إن كان لا يعلم أقريب أم بعيد، أو يعلم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد.
عقد الوليين: إذا عقد الوليان لامرأة، فإما أن يكون العقدان في وقت واحد، أو يكون أحدهما متقدما والآخر متأخرا.
فإن كان العقدان في وقت واحد بطلا.
وإن كانا مرتبين كانت المرأة للاول منهما، سواء دخل بها الثاني أم لا.
فإن دخل بها مع علمه بأنها معقود لها على غيره قبل عقده هو، كان زانيا مستحقا للحد.
وإن كان جاهلا ردت إلى الأول، ولا يقام عليه الحد لجهله فعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة زوجها وليان فهي للاول منهما» رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي.
فعموم هذا الحديث يقتضي أنها للاول، دخل بها الثاني، أم لم يدخل.
المرأة التي لاولي لها، ولا تستطيع أن تصل إلى القاضي: قال القرطبي: وإذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه، ولا ولي لها، فإنها تصير أمرها إلى من يوثق به من جيرانها، فيزوجها، ويكون هو وليها في هذه الحال، لأن الناس لابد لهم من التزويج وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن.
وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال: إنه يزوجها من تسند أمرها إليه، لأنها ممن تضعف عن السلطان، فأشبهت من لا سلطان بحضرتها، فرجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها.
وقال الشافعي: إذا كان في الرفقة امرأة لاولي لها فولت أمرها رجلا حتى زوجها جاز، لأن هذا من قبيل التحكيم والمحكم يقوم مقام الحاكم.

.عضل الولي:
اتفق العلماء على أنه ليس للولي أن يعضل موليته، ويظلمها بمنعها من الزواج، إذا أراد أن يتزوجها كفء بمهر مثلها، فإذا منعها في هذه الحال كان من حقها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها.
ولا تنتقل الولاية في هذه الحالة إلى ولي آخر يلي هذا الولي الظالم، بل تنتقل إلى القاضي مباشرة، لأن العضل ظلم، وولاية رفع الظلم إلى القاضي.
فأما إذا كان الامتناع بسبب عذر مقبول، كأن يكون الزوج غير كف ء،
أو المهر أقل من مهر المثل، أو لوجود خاطب آخر أكفأ منه، فإن الولاية في هذه الحال لا تنتقل عنه، لأنه لا يعد عاضلا.
عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت تخطب إلي فأتاني ابن عم لي، فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، تم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها، فقلت: لا، والله لا أنكحها أبدا.
قال: ففي نزلت هذه الآية: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} الآية.
قال: فكفرت عن يميني، فأنكحتها إياه
.زواج اليتيمة:
يجوز تزويج اليتيمة قبل البلوغ.
ويتولى الأولياء العقد عليها، ولها الخيار بعد البلوغ.
وهو مذهب عائشة رضي الله عنها وأحمدو أبي حنيفة.
قال الله تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}.
قالت عائشة رضي الله عنها: «هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في نكاحها، ولا يقسط لها سنة صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لها سنة صداقهن».
وفي السنن الأربعة عنه صلى الله عليه وسلم «اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها».
وقال الشافعي: لا يصح تزويج اليتيمة إلا بعد البلوغ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام «اليتيمة تستأمر» ولا استئمار إلا بعد البلوغ، إذ لا فائدة من استئمار الصغيرة.
انعقاد الزواج بعاقد واحد:
إذا كان للشخص الواحد ولاية على الزوج والزوجة يجوز له أن يلي العقد، فللجد أن يزوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة، وكما إذا كان وكيلا.
ولاية السلطان القاضي: تنتقل الولاية إلى السلطان في حالتين: الأولى إذا تشاجر الأولياء.
الثانية إذا لم يكن الولي موجودا، ويصدق ذلك بعدمه مطلقا، أو غيبته.
فإذا حضر الكف ء، ورضيت المرأة البالغة به، ولم يكن أحد من الأولياء حاضرا، بأن كان غائبا ولو في محل قريب، إذا كان خارجا عن بلد المرأة، ومن يريد زواجها.
فإن للقاضي في هذه الحالة حق العقد إلا أن ترضى المرأة ومن يريد التزوج بها انتظار قدوم الغائب، فذلك حق لها وإن طالت المدة.
أما مع عدم الرضا فلاوجه لايجاب الانتظار.
ففي الحديث: «ثلاث لا يؤخرن وهن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والايم إذا وجدت كفئا» رواه البيهقي وغيره عن علي، وسنده ضعيف وقد ورد في الباب أحاديث كلها واهية، أمثلها هذا.