أدب الطفل
أدب الطفل هو نوع من الفن الأدبي يشمل أساليب مختلفة من النثر والشعر المؤلفة بشكل خاص للأطفال والأولاد دون عمر المراهقة. بدأ تطور هذا النوع الأدبي في القرن السابع عشر في أوروبا، وأخذ يزدهر في منتصف القرن العشرين مع تحسين أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، مما زاد من طلب المؤلفات المخصصة للأطفال بلغات مختلفة، ومع ظهور أدباء يكرسون معظم وقتهم لكتابة مؤلفات للأطفال.
.
ونحن ماذا نريد من أدب الطفل؟ إننا نريد منه أن يحقق لنا عدداً من الأهداف الكثيرة التي تدخل تحت أربعة أهداف رئيسة هي:
1 -
أهداف عقدية.
2 -
أهداف تعليمية.
3 -
أهداف تربوية.
4 - أهداف ترفيهية.
وذلك التقسيم لكيلا تتداخل الأفكار، وإلا فكل الأهداف تدخل تحت الهدف العقدي؛ لأننا أمَّةٌ عقيدتنا تشمل جميع شؤون الحياة الكبيرة منها والصغيرة.
1 - الهدف العقدي:
أهل كُل أمَّة كتبوا أدبهم مستمدين ذلك من عقائدهم، فتجد آثار تلك العقائد ظاهرة في آدابهم جليَّة، وبما أن ديننا الإسلام خاتم الأديان والمهيمن عليها وجب علينا أن يكون هذا الأدب معبراً عن تلك الحقيقة، فنجعل عقيدتنا تصل إلى الأطفال عن طريق الربط بينها وبين جميع حواسهم وملاحظاتهم ومداركهم؛ لأنه لا خوف من ذلك؛ فعقيدتنا لا تصطدم بشيءٍ من الحقائق العقلية، فتكون كلمة التوحيد موجودة في ذلك الأدب حتى تنمو معه. ولقد حرص الإسلام على أن يكون أولَ ما يطرق سمع الصبي الشهادتان، وكان سلفنا أول ما يحرصون عليه أن يتكلم الطفل بالشهادة، فتنمو معه ويزداد حبُّه لها.
يقول الغزالي: «اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه ليحفظه حفظاً لا يزال ينكشف له معناه في كِبَرِه شيئاً فشيئاً»
لا بد من ترسيخ حب الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعرفة قدرته، وأنه خالق الإنسان ومسيِّر الكون، وأن المرجع والمآل إليه، فينشأ الطفل غير مشوش التصور وضعيفه، تهزُّه أول كلمة شك، أو ينساق وراء الجهل، فيقع في الشرك أو البدع المهلكة.
وما أجمل تلك الأناشيد التي تمجد الخالق وتحث على التدبر في مخلوقاته، أو تلك القصص والصور التي تزيد الطفل يقيناً بعظمة الخالق وقدرته، فيزداد حباً لربه ويقيناً بعقيدته التي تدعوه إلى التضحية في سبيل الله كما فعل سلفه الصالح.
ومن تلك الأهداف العقدية محبة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - والأنبياء والرسل، وذلك عن طريق السيرة النبوية وقصص الأنبياء المستمدة من القرآن الكريم والسنة الكريمة لا من الإسرائيليات، فما أروع تلك القصص عندما تكون تفسيراً مبسطاً لقصص الأنبياء والمرسلين التي وردت في القرآن، فيزداد ارتباطه بالقرآن، ويعلم علم اليقين أنه المصدر السابق لتلك القصص، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون ذلك درعاً للدفاع عندما يصل إليه المشككون، كما يصبح له ذلك طريقاً لتعلم القرآن وقراءته ومحبته والارتباط به. ومن الأهداف كذلك تحبيب الأطفال بالرسول - صلى الله عليه و سلم -، ومعرفة حقه، ووجوب طاعته؛ ففي عرض سيرته مجملة أو مقسمة خير مرسخ لتلك المحبة، والتركيز على صلته بأصحابه وعرض محبتهم له وفدائهم له، وما أكثر تلك المواقف القصصية في سيرته وسيرهم.
كما تعرض لهم علاقته مع أهل بيته، وليكون الطفل على دراية بدور الأم والأب والأولاد، فلا يكون ذلك غرضاً يرمى به عند الأقلام المسمومة.
ولا بد في أدب الطفل من استلهام كل أمرٍ عقدي من القرآن الكريم؛ حتى يعرف الطفل عن طريق تلك الآداب أن القرآن مصدر عقيدته لا يدخله شك ولا شبهة ليكون ذلك خير دفاع في نفسه في وجه تيارات الكفر والضلال، فينشأ الطفل قادراً على التكيف لا تتنازعه الأهواء، ويكون أكثر اتزاناً؛ لأن العقيدة الصحيحـة غُـرسـت في قلبه وفكــره بتمثلهـم لها عـن طـريق تلك الآداب.
يقول الإمام الغزالي: «ويرسل إلى المكتب مبكراً فيتعلم القرآن وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار ليُغرَس في نفسه حب الصالحين»
وليس الأمر في ذلك بحشو أدب الطفل بتلك الأسس حشواً، بل تكون أسساً يركز عليها ذلك الأدب. فقد تكون القصة أو التلوين أو الفيلم أو الأنشودة في بابها أو تحوي بين ثناياها تلك الأسس لتصل إلى الطفل مقرونة بشيء من المحسوسات؛ لتكون أسرع رسوخاً في ذهن الطفل، مبسطة حتى يمكن لعقل الصغير إدراكها، وفي القرآن الكريم أمثال لذلك من ضرب الأمثال على التوحيد، وعظمة الخالق، وقصص النبيين.
2 - الهدف التعليمي:
لا بد أن يضيف الأدب إلى أهله شيئاً قد يكون مفيداًَ أو ضاراً؛ وأُمَّـةُ الإسلام يجب أن يضيف أدبها ـ أيًّا كان نوعه ـ ما يفيد سوادها ـ ومن ذلك أدب الأطفال الذي يجب أن يستغل حب الأطفال للاستطلاع والمعرفة. يقول عبد الفتاح أبو مِعال «ولما كان الإحساس بالحاجة إلى المعرفة عند الأطفال جزءاً من تكوينهم الفطري لأن غريزة حب الاستطلاع تنشأ مع الطفل وتنمو معه، ومحاولة الطفل التعرف على بيئته تعتبر من العوامل الهامة التي إذا عولجت بحكمة؛ فإن ذلك يؤدي إلى تنمية ما يمكن أن يكون لديه من إمكانات وقدرات».
ومن ذلك أن يكون هذا الأدب يدرب الطفل على قراءة القرآن، وإجادة تلك القراءة مع فهم مبسط لمعاني ما يقرأ لكي يتذوق القرآن ويفهم ما يقرأ. وفي القرآن رصيد ضخم للمعارف بأنواعها مما يفتح عقل الطفل ويزيد تعلقه بكتابه؛ ففي بعض سور القرآن كسورة الفيل، والمسد، والشمس، قصص مبسطة وقصيرة تناسب الأطفال. وكلما تقدم الطفل كان الأدب مراعياً لذلك التقدم، كما يتعلم عن طريق الأدب ما يُقوّم لسانه من لغته العربية، فيزداد تعلقاً بها ومحبة لها، مع مراعاة القاموس اللفظي للطفل، ولذلك لا يستطيع كل أديب الكتابة للأطفال.
وليكن الأدب محفزاً الطفل على اكتشاف كل جديد، ومعرفة خفاياه من علوم دنيوية تحيط به كمكونات جسم الإنسان وآليته، وخلق الحيوانات والأرض والأفلاك وغيرها، ليعرف إبداع الخالق وعظمته مع ربط ذلك بالقرآن الكريم الذي يحوي الكثير منها. كما يعلمه الأدب علوم الإنسان كالتاريخ والجغرافيا والفيزياء والحاسب الآلي والأقمار الصناعية؛ ليشبع في نفسه حب المعرفة ولتنمية ما لديه من هوايات لتصبح مهارات يتميز بها. قال محمد بريغش: «وأدب الطفل يعين على اكتشاف الهوايات والحصول على المهارات الجديدة، ويعمل على تنمية الاهتمامات الشخصية عند الطفل».
ويمكن تشجيعه على استعمال تلك المعارف في حديثه مع غيره، وفي إلقائه ومخاطبته للجمهور، ولنعلم مدى فائدة تلك الآداب للطفل لننظر إلى الأفلام المتحركة المدبلجة أو المنتجة؛ فلغتها الفصحى علمت أكثر الأطفال هذه اللغة المحببة، وأصبح السواد الأعظم من أطفالنا المتابعين لها يعون ويفهمون لغتهم الفصحى وإن لم يستطيعوا الكلام بها بشكل جيد، وظهر أثر ذلك في كتاباتهم، فزادت مفردات الفصحى وأساليبها، وأثَّرت في حديثه وكتابته.
3 - أهداف تربوية:
إن التربية التي يتلقاها الطفل عن طريق الأدب ليست بأقل مما يتلقاها في مدرسته أو على يد والديه أو عن طريق مجتمعه؛ لأن الطفل عندما تكون هذه التربية بالأدب أياً كان نوعه يقرؤها أو يسمعها أو يراها؛ فإنها ترسخ في ذهنه؛ فابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عندما أوصاه الرسول - صلى الله عليه و سلم - بالوصية الجامعة كان غلاماً، ورغم ذلك طبق تلك النصيحة ونقلها إلى غيره من الناس، وطبعت حياته بطابعها الإيماني.
فالطفل بطبعه ميال إلى تقليد غيره من الكفار بالحسن وبالقبيح؛ فالتربية لا بد أن تراعي ذلك الجانب؛ فإنه عندما يرى فيلماً أو يقرأ أو يسمع قصة يتمثل أو يحاول أن يتمثل دور البطل أو الشخصية التي تناسبه فيها، فيحاول قدر الإمكان تقليدها؛ لذلك وجب علينا أن نستفيد من ذلك وخاصة في الأدب المرئي للطفل؛ لأنه أســهل طريــق للتربية لا يحتاج إلى كبير جهـد وعناء.
إذن يجب أن يكون هذا الأدب مربياً للطفل على الأخلاق الحسنة الفاضلة متصفاً بالتوحيد؛ فما أحسن تلك الأفلام المتحركة أو غيرها التي تصور طفلاً ينشأ على الفطرة الإلهية موحداً متصفاً بأخلاق حسنة وصفات نبيلة يتمثلها الطفل ويعجب بها أيما إعجاب، وما أكثر ما بلينا بتقليد أطفالنا لكل بطل أجنبي بسبب قصور أدب الطفل المرئي لدينا، إن لم نقل انعدامه، فجلب لنا جيلاً منفصلاً عن أمته، بل وعن محيطه الصغير ممن هم أكبر منه سناً، وما أعظم تأثير قصص أبناء الصحابة والصغار الصالحين؛ لأنه سيتمثل تلك المواقف لتصبح جزءاً من تكوينه.
لا بد أن تكون الأهداف التربوية في هذا الأدب أهدافاً سامية منتقاة من تاريخ أمتنا، لا بد أن ننمي فيهم عن طريق أدبهم روح الجهاد وبذل النفس والمال في سبيل ديننا؛ لأن التربية الأنانية وحب الذات قادنا لنكون أمة كغثاء السيل الذي أخبرنا به النبي - صلى الله عليه و سلم -، كما ننمي فيهم روح المبادرة والقيام بالأعمال المفيدة، بل أن ننمي فيهم انتظار المعجزات التي لن تكون، ونربي بهذا الأدب الاعتماد على القرآن والسنة لتصديق أمر ما بدلاً من تحكيم غيرنا الذي قادنا لنؤمن بالخرافات والخزعبلات، فانتشر كثير من المسلمين بين القبور والقباب، وضاعت هممهم بين الأناشيد والأذكار الصوفية، ونجعل هذا الأدب يطبعهم بطابع العزة والأنفة وعدم الانحناء أمام ملذات الدنيا، ويصور لهم أن الحياة خير وشر وسعادة وعناء، حتى نبعدهم عن اليأس والضغوط والتشاؤم، ولا زلنا نتذكر تلك القصص المفزعة عن السحالي والوحوش والعفاريت التي جبلتنا على الخوف والرهبة من كل شيء، فلا بد أن يكون هذا الأدب منمياً لأطفالنا على حب الجهاد وعدم الخوف؛ لأن تلك التربية قادت المسلمين لأن يكونوا أيتاماً على مأدبة اللئام.
4 - الهدف الترفيهي:
لا بد أن يكون هذا الهدف داخلاً في الأهداف السابقة؛ لأن الطفل يحب التسلية والترفيه ويمل من الجد؛ فعندما نقدم له العقيدة والتعليم والتربية عن طريق الترفيه فلا بد أنه سيُقبل عليها وتنغرس في ذهنه أكثر مما لو كانت خالية من التسلية والترفيه. ولا أدل على ذلك من تعلق التلاميذ بالأفلام المتحركة، رغم أهميتها في التعليم والتربية إلا أننا نجعلها للترفيه. قال عبد الفتاح أبو مِعال: «والفيلم المصور المسجل بالصوت والمصاحب للحركة يساعد الأطفال على إيصال المادة التعليمية إلى جميع فئات الأطفال؛ فهذه العناصر: الصوت والصورة والحركة، تقوي سرعة البديهة والذاكرة، وتغرز القدرة على الفهم والحفظ»
لكن طلب تلك التسلية والترفيه للطفل لا يصرف هذا الأدب إليه خاصة بدون نظر إلى الأهداف السابقة؛ لأنها المهمة وهو الوسيلة، لننظر إلى واقعنا حينما صرفنا أطفالنا نحو التسلية؛ فكثير من آداب الطفل نقصد بها التسلية والترفيه لكنها غرست في نفوسهم ما يصادم الدين والأخلاق؛ لأنه لا يوجد أدب ترفيهي منعزل عن الأهداف الأخرى؛ فالطفل عندما يلون قصة أو يشاهد فيلماً أو يقرأ فإنه يستمتع بذلك ويتسلى به، ولكنه يكتسب من تلك التسلية قيماً ومفاهيم إن صيغت بما نريد أفادت، وإن صاغها غيرنا قد تفيد ولكنها تضر أيضاً، فهي كالخمر والميسر حينما قال عنهما الله ـ تعالى ـ: {وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
أدب الأطفال
برز أدب الأطفال children's literature إلى الوجود، وفرض نفسه في السنوات الأخيرة.فقد زاد عدد الأولاد الذي كانوا يبحثون عن الكتاب مع انتشار التعليم، ففكر بعض الناشرين باقتباس الأساطير والحكايات الشعبية والدينية وتبسيطها اعتقاداً منهم أنها سوف تكون ملائمة للأطفال. وفي القرن التاسع عشر عرف مفهوم «أدب الأطفال». وازدهر في القرن العشرين، فبرزت مجلات الأطفال وانتشرت كتبهم، وراجت برامجهم في الإذاعة والشاشة الصغيرة. وبذلك استقل «أدب الأطفال» وبات ميداناً خاصاً يستمد أصوله من معرفة الطفل نفسه معرفة عميقة، ومن معرفة البيئة التي يعيش فيها هذا الطفل، ومن ماضي الطفل، ومن القدرة على التنبؤ، ومن الإيمان بمستقبل الأمة التي ينتمي إليها، ومن دراسة الطبيعة والإنسان والعلوم. والطفولة مرحلة من الحياة تمتد من الولادة إلى سن المراهقة. ولها خصائصها التي تنمو مع نموّ الطفل نفسه وهو النمو الذي يشمل النواحي الجسمية والنفسية والخلقية والانفعالية والاجتماعية والإبداعية. وقد ظلّت المعارف عن الطفولة ضعيفة قروناً عدة. وبقي الطفل، حتى القرن الثامن عشر تقريباً، «راشداً مصغّراً» في نظر الكبار. وقد شهد القرن الثامن عشر اللحظات التي اعتُرف فيها للأولاد بحقهم في التسلية وفي التعلم معاً. وعرفت خصائص الطفولة الفردية وأخذت قابليات الطفل واهتماماته بالحسبان. ولقي كتاب «إميل» الذي كتبه الفرنسي جان جاك روسو[ر]Rousseau عن تربية الطفل وطبيعته اهتماماً واسعاً. وجاءت بعده عدة كتب أخرى. ثم بدأ الكتّاب يؤلفون قصصاً خاصة بالأطفال والفتيان ذات أهداف محددة مثل اكتساب المعارف وتعلم شؤون الحياة والمعيشة وتبني السلوك الحسن. واعترف بحق الطفل بالمطالعة الترويحية.وبذلك أصبح الأدب تربوياً وتعليمياً خلقياً وتعليمياً مدنياً. واختلط الأدب بالمطالعة الموجّهة نحو اكتساب المعارف والمعلومات ونحو إعداد المواطن الصالح. وقد انعكس ذلك كله على موقف الراشد من الطفل. فولّدت المواقف الجديدة، في العالم كله، ازدهاراً في المؤلفات الموجهة للصغار يكشف عن وجود النية التربوية والبنائية. وخضع الكتّاب لقواعد الكتابة للصغار فتجنبوا الألفاظ الغريبة والأساليب المجازية، وجعلوا جملهم قصيرة، واختاروا العبارات التي تثير المعاني الحسية من غير مبالغة في الزركشة والتفصيل وبذلك أصبح القارئ الصغير يقوم برحلات ممتازة سعيدة في الأساطير والروايات والآراء التي لا تهدف إلى التسلية فقط بل تستجيب كذلك لحاجات الطفولة العميقة فتلبيها، وتساعدها على النموّ السعيد.ولقد استطاع أدب الأطفال أن يضع الخيالي بمقابل التعليمي، أي أن يجمّل حياة الصغار ويجعلها سعيدة. تطور أدب الأطفال طبع أول كتاب للصغار في عام 1484 على يد وليم كاكستون Caxton وكان ذلك الكتاب «خرافات إيسوب». ثم تلته كتيبات أخرى في الأغاني أو في وصف الألعاب التي تجري في الحفلات أو في «الألواح» التي تضمّ الأبجدية والأرقام والصلوات. ولكن ذلك كله لم يكن في نطاق أدب الأطفال: لا من حيث الغرض ولا من حيث البنية. ثم جاء أشهر الكتب المخصصة للأطفال، في أوربة في القرن السابع عشر، وهو أورتيس بيكتوس Ortis Pictus أو «العالم المصور» الذي وضعه جان آموس كومنيوس Jean Amos Comenius المربي التشيكوسلوفاكي الإنساني، في عام 1657. ولكن الكتاب كان تعليمياً.وظهرت في القرن السابع عشر نفسه بعض الكتب الموجّهة للصغار، إلا أنها كانت تلحّ على التربية الخلقية والدينية.أما بدء العصر الذهبي لأدب الأطفال فكان في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر حين دخل الميدان كبار المؤلفين في فرنسة وإنكلترة وألمانية وإيطالية والولايات المتحدة الأمريكية.وما إن حلّ القرن العشرون حتى كان في وسع الصغار أن يطوفوا العالم، ويجوبوا البحار، ويحلّقوا في الفضاء، بفضل وسائل الإعلام الحديثة وما تخصهم به. شواهد من العناية بأدب الأطفال المجتمعات التي اهتمت بأدب الأطفال كثيرة، وفيما يلي بعض الشواهد من مجتمعات اتسع فيها هذا الاهتمام. أدب الأطفال في إنكلترة: تكثر في أدب الأطفال الإنكليزي القصص التي تتصل بأولاد يضيعون في الغابة، أو أولاد منبوذين، أو الحسناوات التعيسات، أو القصص التي تتصل بالأهازيج والألعاب والشعر المبسّط الذي يظهر الكثير من الأقوال والأمثلة المتداولة. ويتصف أدب الطفولة الإنكليزي بأنه أدب مغلق يقتصر على عالم الطفولة وحده، ويختصر كل شيء ضمن أبعاد هذا العالم وأنه أدب ساكن في علاقته مع المكان والفراغ، وقد أدار ظهره للتقاليد الواسعة عن الحركة والانتقال، وظلّ في مكانه جامداّ قد يترك فيه أولاد القصص غرفهم ليبحثوا ويكشفوا، لكنهم يكتفون بالتنقيب في أماكن ترضيهم وحدهم، وفي نهاية المغامرة يعودون إلى غرفهم.ثم إنه أدب يجمع بين الواقع والوهم ويجري التفاعل فيه بين الطفل وشخصية خفية، ويجعل غير الموجود أكثر حقيقة من الموجود، مع شيء من البساطة تنساب من خلال سحر الرواية: المساكن الإنكليزية القديمة المأهولة بالأشباح، وكشف الماضي، والحوار مع مرافق خفي لا يُرى. تميل كتب الأطفال، في إنكلترا، إلى النزعة المثالية عند رديارد كبلنغ [ر] Rudyard Kipling أو النزعة الإصلاحية العاطفية عند فريدريك فارار Frederick William Farrar، أو أنها تؤيد الانفجار التحرري الذي يعدّ ردّ فعل على حياة القسوة التي كان يعاني منها الأطفال الصغار في إنكلترة. إن المؤلفين الذين يمكن أن يسمّوا «الكتاب الحقيقيين للأطفال» هم أولئك الدين يتقنون معرفة الأطفال، ويعرفون كيف يفاجئونهم في لعبهم، ويصغون إليهم، ويراقبونهم عن كثب، من غير تدخّل أو طرح أسئلة. ويأتي الكتّاب الإنكليز في المقدمة بين «الكتاب الحقيقيين». وقد زاد إقبال الصغار الإنكليز على المطالعة فاتسعت حركة الترجمة وحركة التأليف. فقد ترجمت من الفرنسية «ساندريلاّ، والجميلة النائمة» Sleeping Beauty و«ذو اللحية الزرقاء» Blue Beard، ومن العربية «ألف ليلة وليلة». ثم صدرت رواية «روبنسون كروزو» للكاتب دانييل ديفو [ر] (1719)، وتبعتها «رحلات غوليفر»TravelsGulliver,s للكاتب جوناثان سويفت [ر] (1726) كما ظهرت محاولات عدة لنشر مختارات من الحكايات الشعبية. ومنذ عام 1865 انفصل أدب الأطفال الإنكليزي عن الناحية التعليمية. وانتصر الخيال والإبداع والاهتمام بالموروث الشعبي وبالخرافة وبالحكايات الشرقية. أدب الأطفال في فرنسة: كان السادة وحدهم، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، في فرنسة يتغذون بقراءة النصوص التي تدور حول الإحسان والفروسية والتربية في قصورهم. أما الأوساط الفلاحية والشعبية فقد كانت تكتفي بالاستماع إلى الرواة الأصيلين في أكواخها، وتستمتع في سهراتها بحكاياتهم وقصصهم.
وكان لها تقاليدها في الأغاني والأهازيج والحكايات التي كانت تدور حول الترويح والتسلية. ثم ما لبثت هده الحكايات والأغاني والأهازيج أن جمعت، فألف ما يُعرف باسم «الأدب الجوال» [ر. الأدب الفرنسي] الذي كان ينقله الباعة الجوالون من مكان إلى آخر، وهو الذي ألّف، فيما بعد، نواة المكتبة الزرقاء للأطفال. ومن أهم الأسماء التي كان لها دورٌ بارزُ في نشر أدب الأطفال في فرنسة: لافونتين [ر] La Fontaine وفينيلون [ر] Fénelon وشارل بيرو [ر] Charles Perrault والكونتيسة صوفي دي سيغور Comtesse de Ségur وجول فيرن [ر] Jules Verne وسواهم.
أدب الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية
المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية كشفت في أواخر القرن الخامس عشر، لذا يمكن الزعم بأنها خالية من التقاليد الأدبية وليس لها تاريخ أدبي حافل كما هي الحال في الوطن العربي أو في أوروبا أو حتى في إفريقية.بل إنها كانت تستمد دائماً من الدول الأخرى التي سبقتها في هذا المضمار. وقد انتعش أدب الأطفال فيها، في السنوات الأخيرة، لأنه حصيلة آداب الأمم الأخرى، تضاف إليها الاستعانة بأحدث وسائل الاتصال. وقد برعت الولايات المتحدة الأمريكية في استغلال رؤوس الأموال وتطوير الوسائل السمعية البصرية، والاستعانة بأحدث منجزات التربية وعلم النفس والفن الصناعي، لذا يجد المرء فيها تقدماً جلياً في إنتاج الأشرطة المسموعة والمرئية التي تبث في داخل البلاد نفسها، وفي خارجها، وإخراجاً متقناً للمجموعات المصورة (الآلبومات) وللمسلسلات المرئية،واهتماماً كبيراً بالصورة (على حساب النص أحياناً) إلى درجة جعلت الصورة والحركية تسموان على النص وتسيطران عليه، مما يثير الفرح والدهشة عند الصغار، ويبرز لذة الكشف، ويروي الخيال.وبسبب وفرة رؤوس الأموال قامت حركة اقتباس واسعة من اللغات الأخرى وتوظيف الرسامين والفنانين والكتاب والفنيين. أراد الأمريكيون التركيز على المكتوب والشفهي على نطاق واسع في مجال أدب الأطفال وحاولوا الجمع بين نشاطهم في هذا المجال والحوافز التربوية، فأوجدوا ما يعرف باسم «ساعة القصة» أو «درس القصة»، بتحريض من الكاتبة القصصية المعروفة ساراكون بريانتSara Cone Bryant. وقد أصبحت «ساعة القصة» هذه جزءاً من العلم الرسمي في المدارس والمكتبات الخاصة بالأطفال، يتحلق الصغار فيها حول المعلمة ليستمعوا منها إلى حكاية ويناقشوها فيها. وقد تبيّن من ذلك أن متعة الاستماع لا تقل عن متعة القراءة.وظهرت عندهم فكرة «المكتبة الملونة» التي تضم تخصصات عدة في رسوم كتب الأطفال وخبراء في الإخراج والتنفيذ وصناعة الأغلفة. وعلى هذا لا يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتمتع بتقاليد عريقة في أدب الطفولة وفي إنتاج الكتب المخصصة للطفولة، وإن إنتاج هذا الأدب مال حديثاً إلى ما تم الحصول عليه من الحضارات الأخرى وأن ثمة تطوراً واسعاً نال عمليات الإخراج ثم عملية الإبداع ولحق بذلك تصدير الكثير من أدب الأطفال الذي تم إنتاجه وإخراجه ليكون في متناول دول أخرى. ومن الكتاب الأمريكيين المعروفين الذين اهتموا بأدب الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية لويزا ميّ ألكوت [ر] Louisa May Alcott وفرنك توم Frank L. Tom وايلنور بورتر Eleanor Porter ومارغريت وايزبراون Margaret Wise Brown وراندال جاريل Randall Jarrell وسواهم.
أدب الأطفال في السويد والنروج والدنمارك
اعتمدت البلدان الاسكندنافية على الترجمة والاقتباس من ألمانية على نحو أساسي. وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر وعي لدى الناس بأن جمهوراً واسعاً من صغار القراء كان ينتظر أدباً وطنياً موجهاً له. يضاف إلى ذلك أن قاعات المطالعة استمرت في التطور وأصبحت هذه البلدان الشمالية تمتلك شبكة جيدة من مكتبات الأطفال. ظل أدب الأطفال مغموراً في هذه البلدان حتى ظهر هانس كريستيان أندرسن [ر] Hans Christian Andersen في الدنمارك (1805- 1875).كان هذا الكاتب ابن إسكافي فقير، عاش طفولة سعيدة حتى وفاة والده وزواج أمه مرة ثانية. سحره المسرح فذهب إلى كوبنهاغن.وتمكن من الحصول على منحة دراسية ساعدته على الالتحاق بالمدرسة. وكان عمره آنذاك ستة عشر عاماً. وسرعان ما أصبح هذا الفتى معروفاً في الوسط الفني والاجتماعي في كوبنهاغن.وشرع يكتب قصائد وأشعاراً منثورة تحت عنوان «نزوات وخطوط». رحل أندرسن إلى فرنسة وإسبانية وإيطالية وكان له علاقات صداقة عدة مع فتيات صغيرات، من أهمها علاقته مع المغنية السويدية جيني ليند وقد تجلّت عبقريته في فن الحكايات، وظهر أول كتاب له «حكايات للأطفال» في عام 1835. ثم تبعه في كل عام تقريباً كتاب آخر كان يصدر في عيد الميلاد تماماً. وقد ألف بعض الروايات أيضاً وبعض الحكايات والرحلات والسيرة الذاتية (وهي حكاية حياتي 1850)، ومات في قمة مجده.نشرت قصصه كاملة تحت عنوان «حكايات» وترجمت إلى معظم لغات العالم.وفي حكاياته خصوبة الخيال وفيها كذلك نزعة حزن عميق. ويلاحظ أن معظم كتاب البلدان الاسكندينافية ينهلون من تراثهم الشعبي. حتى إن هانس كريستيان أندرسن نفسه كان مديناً للتراث الشعبي في الكثير مما كتب. كما كان يتقن فن سرد الحكايات. ويبدو لدى هؤلاء الكتاب أنهم يستمرون على ارتباطهم بماضيهم حتى وإن اتجهوا في قصصهم الخاصة بعيداً عن التراث الشعبي. أدب الأطفال في روسية: كان للكاتب المعروف مكسيم غوركي دور بارز في الحركة الأدبية في روسية، وفي توجيه الأدب، بصورة عامة، وأدب الأطفال، على وجه الخصوص. لقد كتب غوركي للأطفال، وعمل على تأسيس أكبر دار للنشر، تهتم بنشر أدب الأطفال وتوزيعه. وأجرى مسابقات أدبية وشعرية للأطفال وكان الفائزون فيها يكرّمون في بيت هذا الأديب الكبير يستمع إليهم وينصحهم ويوجّههم.يرى غوركي أن مسألة محتوى كتب الأطفال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخط الذي يجب أن يتبع في تربية الجيل الجديد تربية اجتماعية.والتربية الاجتماعية تعني عنده القيام بالعمل الثوري وتحرير دماغ الطفل من أساليب المحاكمة القديمة وتخليصه من الأوهام السابقة وإنقاذه من الأعراف والتقاليد التي كان يحددها الصراع بين الطبقات. وبكلمة أخرى فإن التربية الاجتماعية يجب أن تعمل على تحرير الطفل من النزعة الفردية ومن التركيز على الذات ومن ترسيخ الأنانية والتعصب. ويلح غوركي على تربية الأطفال تربية منظمة تساعد على جعلهم ينظرون إلى المستقبل لا إلى الماضي، وإن كان لا يحاول اقتلاعهم اقتلاعاً جذرياً من ماضي أمتهم، بل إنه يؤكد ضرورة شرح أحداث الماضي لهم شرحاً واضحاً صادقاً، ويبين أنه، لكي يبلغ الإنسان هذا الغرض، لايكفي أن يعرض على الأطفال الوقائع والآراء والنظريات الغابرة عرضاً جافاً بل لا بد من وصف تطور العمل وأثره في تحديد الوقائع والمفاهيم والآراء والنظريات. ويجب على الإنسان أن يفسر لهم، بلغة معقولة، أن حرية الفكر لا يمكن أن تنتعش إلا على أساس الحرية العامة للعمل الإنساني.ويذكِّر غوركي بأهمية الاعتماد على العلم والعمل في المجتمع الحديث وبأن المهمة تنحصر «في وضع العلم في خدمة خيال الطفل وفي تعويد الصغار التفكير في المستقبل» ويقول: «في وسعنا التحدث إلى الصغار عن الأمور الجدية بلغة جذابة ومقبولة وبعيدة عن الأسلوب التقريري التعليمي». ولا ينسى غوركي ضرورة استخدام الخبرة العملية الغنية التي يقدمها الناس العاديون الذين يجابهون الحياة عملياً في مختلف الميادين كالصيادين والبحارة والمهندسين والطيارين والفلكيين وعمال محطات الآليات والجرارات وغيرهم.ويركز غوركي على أهمية الحكايات الشعبية القديمة في نموّ الفكر والمخيلة وفي إدراك أهمية الإبداع في الفن وفي إغناء اللغة. ولم يكتف غوركي بذلك بل إنه التفت إلى الأطفال أنفسهم يسألهم رأيهم فيما يجب أن يُكتب. وكان أهم موضوع اقترح قد حدّد بكلمتين اثنتين: «كل شيء». لهذا نصح غوركي المسؤولين عن دار النشر الخاصة بأدب الأطفال أن يرضوا رغائب الصغار وأن يطبعوا سلسلة من الكتب الأدبية والعلمية والجغرافية والشعرية التي تساعدهم على التعلم في أوقات الفراغ وعلى نشر الفرح والسعادة حولهم. أدب الأطفال عند العرب: عرف العرب حكاية الحيوان في الجاهلية وفي العصور الإسلامية المتعاقبة، إذ كانت لهم حكايات كثيرة على لسان البهائم (بل النبات والجماد والأفلاك أيضاً). وكانت موجهة للراشدين الكبار بالدرجة الأولى. وفي الأمثال العربية مادة ثرّة لهذه الحكايات مأخوذة من الأمم الأخرى، وربما كان بعضها عربياً صميمياً. ومنها ما قيل نثراً، ومنها ما نظم شعراً، وكلها مما يسهل حفظه. وبين غايات العرب الأقدمين من تأليف تلك الحكايات وتداولها: معرفة العالم المحيط بهم، ومعرفة تراث السلف، والوقوف على ما كانعند الأجداد من حكم وأمثال، والتسلية والتمكن من اللغة، والموعظة والتعليم، والتربية الخلقية وأخذ العبرة. ومن الممكن أن يزعم المرء أن قصة الأطفال لم تكن من جوهر الأدب العربي، كالشعر أو الخطابة أو الرسائل، بل كانت ميدان الوعَّاظ وكتّاب السير والسُمَّار يوردونها شواهد قصيرة على وصاياهم وحكمهم ونصائحهم، أي إنها كانت موجهة للكبار في الأصل. وإذا انتقل المرء إلى بداية القرن العشرين وجد نهضة شاملة عمت الوطن العربي كله، ووجد الأدب ينمو نمواً ملحوظاً وتتعدّد فنونه ومدارسه. ولقد كان من حسن حظ الأطفال أن برز أدباء عرب اهتموا بالكتابة لهم كان من أبرزهم في مصر كامل الكيلاني (1897- 1959). ثم ظهر في المرحلة نفسها، عبد الفتاح شلبي، ومحمد قدري لطفي، وأحمد العجان، ويوسف الحمادي، ومحمد أحمد برانق، ومحمد شفيق عطا، ومحمد سعيد العريان،وأمين دويدار،ومحمود زهران، وعطية الأبراشي، أمّا في سورية فقد ظهر رضا صافي ونصرت سعيد، وعبد الكريم الحيدري. وبرز في الأقطار العربية الأخرى كتّاب آخرون كان معظمهم من المعلمين ورجال التربية، وقد استفاد هؤلاء الكتاب والشعراء من التراث العربي القديم ومن التراث الإنساني ومن الدراسات التربوية والنفسية التي كانت في بداياتها. تميزت بداية القرن العشرين بما وضع فيها من كتب مبسطة للأطفال ومن أقاصيص متنوعة استخدمت بهدف تربية الصغار وتسليتهم وحثّهم على المطالعة واكتساب اللغة. وقد سخّرت الحيوانات فيها، معظم الأحيان، لأن الحيوان مصدر للتفكّه عند الصغار. ولعل خير مثال يساق في هذا المضمار الشاعر أحمد شوقي [ر]. فقد كان شوقي من أبرز من تبنى هذا الاتجاه. فأساطيره مفعمة بالنقد والسخرية اللطيفة كان يوردها على لسان الحيوانات. وربما أشرك فيها الإنسان. كانت حكايات كتّاب الأطفال العرب تزيّن الاتحاد والتعاون وتقبّح الكسل والطيش والخيانة والخداع، وتدعو إلى حسن التربية، وتظهر مغبة تعجل الأمور وضعف النظر في العواقب والإهمال والغفلة، لكنها كانت تمجّد الفردية في بعض الأحيان ولا تنظر إلى المستقبل نظرتها إلى الماضي، وتكتفي بالنصح والإرشاد.
اختيار كتب الأطفال
ومهما يكن من أمر أدب الأطفال فإن الطفل أخذ يقرأ، في السنوات الأخيرة، قصصاً مترجمة وأخرى موضوعة، وإن كتب الأطفال بدأت تنتشر انتشاراً واسعاً في العالم. وهذه ظاهرة تلفت النظر، ولاسيما إذا أضيفت إلى كتب أدب الأطفال: المجلات الجميلة الخاصة بالصغار، والزوايا التي تخصصها لهم صحافة الكبار، وركن الأطفال في الإذاعة والشاشة الصغيرة والأفلام السينمائية الكثيرة التي توجّه إليهم، ومسرح الأطفال، ومسرح العرائس والدمى المتحركة، والألعاب الكثيرة التي تصنع لهم، والأغاني والأناشيد التي تنظم وتلحن لهم.وتبقى المشكلة محصورة في اختيار الأفضل.
ويمكن اغتنام هذه الفرصة لذكر بعض المعايير التي تصلح في انتقاء كتب الصغار، وفي مقدمة هذه المعايير ما يلي: ـ الكتاب السهل: وهذا يعني تقديم الكتب السهلة بشرط عدم احتقار الطفل، وإدراك أن كلمة «سهل» لا تعني التكليف المصطنع في التسهيل والتبسيط. ـ الكتاب المناسب: وهذا يتعلق باستجابة الطفل العفوية والمباشرة لدى لقائه الأول بالكتاب وإعجابه به أو عدم إعجابه، والالتفات إلى الخصائص الكامنة في السخرية والفكاهة والضحك والتلاعب بالكلمات.
ـ الكتب المستجيبة لمراكز الاهتمام وفق شرائح الأعمار: فالطفل يمرّ في :عمر التخيل الذي يتصوّر فيه الحيوانات أناساً تتحدث والأشياء ذوات أرواح تتحرك، وعمر التذوق الصريح للحكاية المعبّر عنه بالكلمات، وعمر تذوق المغامرة وهو العمر الذي يهتم فيه القارئ الصغير بالعالم الإنساني المعاصر ويطرح فيه على نفسه أسئلة أكثر حدّة تتصل بالراشدين والمجتمع ومعنى الحياة الإنسانية.ولكن يجب أن يكون الكتاب الجيد الذي يتحدث إلى الصغار هو في الوقت ذاته، كتاباً ليس له عمر وليست له حدود.
ـ الكتاب الذي يواجه الموضوع مواجهة تميل إلى الشمول: إذ قد يفتن الطفل بكتاب يناقش عدة موضوعات وفيها معضلاته ومراكز اهتمامه الشخصي ككرة القدم، والدراجة النارية، وغير ذلك. وقد يميل إلى قراءة الكتب التي تتجاوز قدراته وتكون بعيدة عن الراشدين. ـ الكتاب الذي ينطوي على العقدة والشخصيات الساحرة، والبطل المرموق والتغيرات اللاهثة. ـ والكتابة نفسها في الكتاب هي معيار أساسي: والمقصود هنا الكتابة التي تخلق عند الطفل القارئ الرغبة بقلب الصفحة والاستمرار بالقراءة والجري لاهثاً حتى النهاية بدلاً من التثاؤب والنعاس. والكتابة يجب أن تكون كتابة هذا الزمن وبلغته، مع احترام لغة الطفل. ثم إن الكتاب الجيد هو الذي يستطيع الراشد أن يأخذ منه المتعة كالطفل تماماً. وللراشد أن يختار الكتب للأطفال على أن يستعين بآراء نقاد أدب الأطفال وأن ينتقي الكتب التي تسمو بالإنسان وترفع من خلقه، وتزيد معلوماته، وتجعله يفكر بالآخرين قبل أن يفكر بنفسه. القصة والشعر والمسرحية في أدب الأطفال.
القصة: تبدو القصة، في نظر الطفل، لوناً من ألوان اللّهو لا يملّ تكرارها. إنها تبعث في نفسه الهدوء والسكينة، وتصبح متنفساً لطاقاته المتفتحة أو تدريباً لخياله وذهنه وعواطفه وانفعالاته. وهي تدربه على تكوين بعض الصلات الاجتماعية، فتكون جسراً بينه وبين الآخرين. يضاف إلى ذلك أن القصة تلقّن الطفل كثيراً من الكلمات والعبارات تلقيناً سهلاً غير مباشر، مما قد لا يتاح له في حياته العملية.
وينبغي تذكّر أن الكبار يُدخلون للصغار، فيما يسردونه عليهم من قصص وأساطير وخرافات، بعض العظات والنصائح الأخلاقية بأسلوب مباشر وغير مباشر،لكي يُغروهم بالسلوك الذي يريدون أن يتبناه الأطفال.
والمعروف أن للقصة فكرة ومغزى وأسلوباً وخيالاً ولغة. وأن لكل هذه العوامل أثراً في تكوين الطفل. ومن هنا نشأت ضرورة الاستفادة من القصة في البيت وفي المدرسة، وضرورة انتقاء الصالح منها ومعرفة كيفية عرضه على الطفل. ولما كان الطفل، في السنوات الأولى من عمره وفي روضة الأطفال، غير قادر بعد على القراءة، فإن من واجب الأم والمربية - المعلمة سردها عليه. ففي سرد القصة جمال آخر هو جمال التعبير الذي يسمو بها ويزيد من قيمتها الفنية، ويبعث فيها حياة جديدة، ويشد إليها الطفل. كذلك يمكن طبع بعض الصور على ورق من المقوى الثخين، تمثل الحيوانات والمشاهد المألوفة المسلسلة التي يعبث بها الطفل ويقلّبها، وعن طريق اللعب والسؤال يتعلم منها المفردات والجمل المفيدة.
ويرى علماء النفس والتربية أن لكل عمر قصصاً تلائمه، وأن لكل نوع من هذه القصص سماته الميزة. وقد جعل هؤلاء حياة الطفل والمراهق في أطوار ومراحل ولاحظوا أن كل طور يهتم بنوع من القصص: فهناك الطور الواقعي المحدود بالبيئة وفيه أشكال من النماذج المألوفة من الحيوان والنبات والأشخاص، وهو بين الثالثة والخامسة. وهناك طور الخيال الحرّ ما بين الخامسة والثامنة (أو التاسعة) حتى الثانية عشرة، وطور العاطفة والغرام، من الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة، وطور المثل العليا يأتي بعد الثامنة عشرة أو السادسة عشرة. والأطوار هذه متداخلة والأعمار المذكورة ليست إٍلا أعماراً تقريبية ولكنها تعبر عن التمايز. لهذا كله كان من الضروري جداً أن تتصف قصص الأطفال ببعض السمات النوعية. فيجب أن تروق للأذن وللعين (وللحواس الأخرى إن أمكن)، ويجب أن تؤثر في العاطفة، فتسحر نفوس الصغار، لكي تكون فائدتها أكيدة ويكفي أن تلاحظ الصغار وهم يلاحقون لاهثين قصة ناجحة حتى ندرك تأثيرها القوي.
إنهم يتابعون مشاهد القصة بعيونهم وبآذانهم وبأنفاسهم، ويشاركون أشخاصها وجدانياً، بل إنهم كثيراً ما يشاركون الأبطال في تمثيل الحوادث. ولا شك في أن قارئ القصة أو سامعها لا يملك أن يقف موقفاً سلبياً من شخوصها وأحداثها. بل إنه يغرق نفسه في مسرح الأحداث ويتفحص ما يجري ويتخيل إنه كان في هذا الموقف أو ذاك، ويوازن بين نفسه وبين أبطال القصة فيوافق أو يستنكر أو يعجب.
ويُستحسن أن تكون شخصيات القصة قابلة للتصديق مألوفة لدى الصغار. وهذه السمة تشمل كل أنواع القصة: التاريخية والواقعية والتمثيلية وكل قصة أخرى تعرض نموذجاً لحال بشرية يمكن أن تقع في الحياة المحيطة. لكن هذا لا يمنع من سرد قصص الجن والعفاريت التي تحتوي قيماً ومثلاً رفيعة لأنها تسهم في تنمية الخيال ومعرفة القيم النبيلة ومحاربة الشر والفساد. ويجب أن تراعي القصة الدقة، ومعنى ذلك أن يتقيد كاتب الصغار بالصدق، وألا يناقض نفسه أو يخالف قوانين العلم واللغة. كما يجب أن تنطوي على الصلة بما هو إنساني وأن تتصف بالأصالة ويعني ذلك أن تستمد القصص من التراث القومي والإنساني وأن تتقيد بالقيم الإنسانية والقومية وأن تحترم التقاليد والأعراف السائدة النافعة، وأن تنهل من الماضي لكي تبني المستقبل. وهذا لا يمنع أن تهتم هذه القصص بالبساطة واللغة الحية الواضحة التي تختلف عن لغة الكتب المدرسية ولغة الشارع. الشعر: يبعث الشعر المتعة في نفوس الأطفال، لكن كبار الشعراء العرب لم يهتموا بالنظم للصغار. وفي الأدب الغربي قصائد كثيرة في «الترقيص» والهدهدة والتنويم ورثاء الأبناء.لكن المرء نادراً ما يرى قصائد موجّهة للأطفال.وكان عليه أن ينتظر بداية القرن العشرين حتى يرى بعض القصائد توضع في الكتب المدرسية.وكان هدف تلك القصائد تعليمياً وتربوياً وخلقياً. وعندما ظهر أحمد شوقي نظم عدداً كبيراً من القصائد القصيرة الجميلة الموجهة للأطفال. وكان في ذلك متأثراً بالشعراء الفرنسيين ولاسيما لافونتين. ومنذ ذلك الحين زاد عدد الشعراء الذين ينظمون للصغار، ولكن ليس بينهم واحد اختص بشعر الأطفال وحده. وفي صفوف الحضانة ورياض الأطفال والصفوف الأولى من المدرسة الابتدائية يحتاج الصغار إلى المعلمة تقرأ لهم وتختار النصوص، وتعرضها، وتكررها، وتنوعها حتى تساعدهم على تنمية الذوق والإبداع. ويمكن أن تستعين ببعض التسجيلات لقصائد بسيطة وقصيرة وجميلة يلقيها ممثلون محترفون. وتستطيع استخدام تسجيلات ترافقها الموسيقى أو أن تغنى هذه القصائد من قبل مغنين أو مغنيات لأن الطفل يحب الغناء كثيراً. وثمة أساليب عديدة تستطيع المعلمة اللجوء إليها لتجعل الشعر محبباً للأطفال ولإظهار موهبتهم الشعرية.
وعندما يعرف الأطفال القراءة تصبح المعضلة أكثر تعقيداً وتبرز القيمة الحقيقية للشعر، إذ يكون على المعلمين أن يجعلوا الأطفال يُصغون إلى النصوص مع حثّهم على التعبير عما يجول في نفوسهم إزاء الموضوع المطروح. ويشترط أن تكون النصوص بسيطة خفيفة ذات جرس موسيقي راقص. ومن المستحسن ربط الشعر بفعاليات فنية أخرى كالرسم والرقص والخط والتمثيل. المسرحية: للمسرح في العصر الحاضر، دور تتعاظم أهميته في تربية الصغار وتثقيفهم. فقد تساعد بعض المسرحيات الجيدة للطفل على تبني أحسن العادات في المدرسة والبيت والشارع. وإن المسرحيات العلمية نافعة في توجيه الطفل نحو اختيار المهنة في المستقبل. وللمسرح المناسب المثمر في حياة الطفل شروطه: فيشترط فيه البساطة والدقة والمرح وإمتاع العين والأذن والعاطفة، وهي الشروط اللازمة في الفنون الأدبية الأخرى، وبين هذه الشروط كذلك أن يتناسب مع عمر الطفل ونمو ذكائه. ولكن المسرحية تتطلب انتباهاً عميقاً ومستمراً، مما يجعل العلاقات مع المسرح أكثر تعقيداً من العلاقات مع السينما أو الشاشة الصغيرة. ويجب لذلك أن تراعي مسرحيات الأطفال هذا الجانب مراعاة خاصة. ثم إن ارتياد المسرح يتطلب أمسية كاملة، لذا يجب أن يكون هذا الارتياد حدثاً مهماً في حياة الطفل، وعلى الآباء أن يجعلوا هذا الحدث مفيداً وأن يوظف التوظيف المجدي في تربية الطفل. ومن المناسب في هذا التوظيف أن تلي المسرحية مناقشات وتبادل في الآراء في داخل الأسرة بين الكبار والصغار.
وثمة ملاحظات لا بد من ذكرها في نهاية هذا الحديث عن أدب الأطفال. فقد كان يتجه في الماضي إلى الذكور أكثر من اتجاهه إلى الإناث، وكان يتجه إلى أبناء الطبقات الثرية أكثر من اتجاهه إلى أبناء الطبقات الفقيرة. ومع انتشار التعليم، وتطور الدراسات في علم النفس والتربية، وانتشار الديمقراطية، اتجهت الفروق بين الذكور والإناث نحو الزوال، وتقلصت الفروق الاجتماعية، وأصبح أدب الصغار يخاطب الجنسين على حد سواء من أبناء الشعب كافة، وإن كانت بعض الرواسب القديمة لا تزال تؤثر في الكتّاب وفي الآباء. ولكن هذه الحقيقة أمر يجب الانتباه إليه لدى دراسة أدب الأطفال أو التأليف فيه. ومما يجب الانتباه إليه في التأليف، على وجه الخصوص،عدد من الأمور إضافة إلى رسالة أدب الأطفال، وفي مقدمة هذه الأمور: درجة وعي المجتمع بهوية الطفل، والتقدم في ميدان الكتابة للصغار، والاستفادة من كتابات القدماء مع مراعاة ظروف العصر، وإبداع أشكال وأنواع وأساليب جديدة لكي يتقبلها الجيل الناشئ،والاعتماد على الترجمة عن الآداب العالمية الأخرى لأن أدب الأطفال إنساني.
من أبرز كتابه في الوطن العربي
- أحمد شفيق بهجت
- أحمد نجيب
- كامل كيلاني.
- محمود مفلح في ديوانه غرد يا شبل الإسلام.
- يعقوب الشاروني
- یحیی علوی فرد
- محمد سعيد العريان
- أحمد عبد السلام البقالي
- أحمد شوقي في ديوانه للأطفال
- عادل الخطيب