المقالة الأدبية
المقالة نوع من الأدب، هي قطعة إنشائية، ذات طول معتدل تُكتب نثراً، وتُهتمُّ بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلةٍ سريعة، ولا تعنى إلا بالناحية التي تمسُّ الكاتب عن قرب. رأى النور في عصر النهضة الأوروبية، واتخذ مفهومه من محاولات التي أطلق عليها اسم و"الفصل" (صيد الخاطر) كما عرفه العرب أقدم رائد للمقالة في الآداب العالمية، ذلك أن الفصل في الأدب العربي قد ظهر قبل ظهور مقالات مونتاني إمام هذا الفن غير مدافع بين الأوروبيين، فقد ظهر فن المقالة لأول مرة في فرنسا سنة 1571م، ثم ظهر بعد ذلك ببضع عشرة سنة في كتابات فرانسيس بيكون، ثم أصبحت المقالة منذ ذلك الحين فناً إنكليزياً شائعاً بين قراء الإنكليزية مع سبق الفرنسيين إليه.
مفهوم المقالة
يقول مونتاني في مقدمة كتابه (محاولات أو تجارب) : «إن هذا الكتاب حسن الطوية فهو ينبهك منذ البداية إني لا أستهدف من ورائه مقصداً إلا ما ينفع العام والخاص، ولم أرد به خدمتك أو إعلاء ذكرى فإن مواهبي تعجز عن تحقيق مثل هذه الغاية... لقد خصصته لمنفعة الخاصة من أهلي وأصدقائي حتى إذا ما افتقدوني استطاعوا أن يجدوا فيه صورة لطباعي وميولي، فيسترجعوا ذكراي التي خلفتها لهم حيّة كاملة ولو كان هدفي أن أظفر بإعجاب العالم لعملت على إطراء نفسي وإظهارها بطريقة منمّقة ولكني أريد أن أعرف في أبسط صوري الطبيعية العادية دون تكلف ولا تصنع لأني أنا الذي أصوّر نفسي لهذا تبرز مساوئي واضحة وسجيتي على طبيعتها ما سمح لي العرف بذلك...»
يتضح في مقدمة كتاب ابن الجوزي صيد الخاطر إنما كتب هذه الفصول ليسجّل فيها خواطره التي أثارتها تجاربه وعلاقاته مع الأشياء. وهذه الخواطر ليست وليدة البحث والدرس العميق وإنما هي خواطر آنية تولد وتزول سريعاً إنْ لم تُدوّن لهذا سعى إلى تدوينها في هذا الكتاب وسمّاه (صيد الخاطر) كما سمّى فيما بعد أحمد أمين أشهر كتاب في المقالة الأدبية في الأدب العربي الحديث (فيض الخاطر) وهذا يعني أنَّ مفهوم ابن الجوزي لفصول كتابه قريب من مفهوم مونتاني لفصوله فهو جسّد فيها خواطره معلّقاً على هذا القول أو ذاك ومصوراً تجارب نفسه وعيوبها وما توصل إليه من أفكار تتعلق بالدين والحياة والمجتمع.
يقول ابن الجوزي في مقدمة (صيد الخاطر): «. لَمّا كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها، ثم تعرض عنها فتذهب، كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكي لا ينسى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "قيِّدوا العلم بالكتابة". وكم خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب، فأتأسف عليه ورأيت في نفسي إنني كلما فتحت بصر التفكر، سنح له من عجائب الغيب ما لم يكن في حساب فانثال عليه من كثيب التفهيم ما لا يجوز التفريط فيه فجعلت هذا الكتاب قيداً –لصيد الخاطر- والله وليّ النفع، إنه قريب مجيب»
تاريخ المقالة
تجمع مراجع التاريخ الأدبي على أن الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين، هو رائد المقالة الحديثة في الآداب الأوروبية، ولهذايقسم مؤرخو الأدب تاريخ المقالة على طورين متباينين، يقف مونتين حداً فاصلاً بينهما. والطور الأول هو الذي ظهرت فيه المحاولات المقالية في صورتها البدائية الفجة، حين كان تجار بمضطربة لا يحكمها ضابط ولا يحدها قانون، وذلك قبل أن تتطور إلى صورتها الحديثة حين أخذت طريقها نحو النضج والتكامل، واتخذت لها قالباً أضحى مقرراً معروفاً فغدت فناً من فنون الأدب المعرف بها، كالملحمة والقصيدة الغنائية والمسرحية والقصة والسيرة وما إلى ذلك.
الكاتب الفرنسي مونتين هو أول من كتب المقالة في العالم، في كتابه محاولات الصادر في عام 1585، لكن العالم والأديب البغدادي أبن الجوزي سبق مونتين في كتابة المقالة بعدة قرون في كتابه صيد الخاطر الذي يتضمن قطعاً نثرية قصيرة تدور حول شؤون الحياة والمجتمع والدين وهموم النفس. غير أن مقالات ابن الجوزي لم تترك أثراً يذكر في الكتاب الذين أتوا من بعده، ولم يشتهر كتابه كثيراً، وعندما ظهرت المقالة في الأدب العربي في منتصف القرن التاسع عشر، كان ظهورها بتأثير المقالة الغربية ولما كان أحتكاك مصر ولبنان بالحضارة الغربية قبل أحتكاك غيرها من البلدان العربية، صارت الاسبقية للمقالة في أدبيهما ومن ثم النضج من هنا برز في مصر ولبنان كتاب كبار بمقالة أمثال الشيخ محمد عبده وطه حسين والعقاد والمازني واحمد أمين ومصطفى لطفي المنفلوطي والرافعي وزكي نجيب محمود وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه..الخ.
أنواع المقالة
المقالة نوعان: المقالة الأدبية أو الذاتية التي تعنى بإبراز شخصية كاتبها وتعتمد الأسلوب الأدبي الذي يشع بالعاطفة ويستند إلى الصور الفنية، والمقالة الموضوعية أو العلمية التي تعنى بتجلية موضوعها بسيطاً وواضحاً وتحرص على التقيد بما يتطلبه الموضوع من منطق في العرض وتقديم المقدمات واستخراج النتائج، لكن كلتيهما تنبع من منبع واحد هو رغبة الكاتب في التعبير عن شيء ما وقد يكون هذا الشيء تأملاته الشخصية في الحياة والناس فيكتب مقالة ذاتية وقد يكون موضوعاً من الموضوعات فيعمد إلى المقالة الموضوعية
ومن أهم ألوان المقالة الأدبية :
مقالة الصورة الشخصية .
مقالا النقد الاجتماعية
المقالةالوصفية.
مقالةالسيرة .
المقالةالتأملية .
المقالة القصصية .
مقالةالصورةالشخصية .
وهي تعتمد على تجارب المقالي الخاصة خلال رحلة حياته , ويجتر فيها المقالي مخزون ذكرياته , الذي حصله عبر السنين , وهي تتسع لعرض آمال المقالي وآلامه , وثرثرا ته ومسامراته , ويلفها عادة جو من الكياسة أو الفكاهة , حتى تؤثر في القارئ وتشده إليها .
ونجد هذه المقالة بين مقالات إبراهيم عبد القادر المازني , وعباس محمود العقاد وأحمدأمين .
مقالةالنقدالإجتماعي:
وهي تنقد عادات المجتمعات التي أصبحت ضارة , أو تنقد البدع الطارئة التي لا تغني ولا تفيد . كانصراف الناس إلى ما يضرهم , ومن أهم مجالاتها قضايا الصراع بين القديم والحديث , ويجب أن تتحلّى بدقة الوصف وإجادة التحليل حتى تصل إلى التأثير المنشود ومن كتابها في أدبنا أحمد أمين , وإبراهيم المازني وعباس محمود العقاد وأمين الرافعي وطه حسين .
المقالةالوصفية
وهي تعني بوصف الحياة حول المقالي , خاصة عندما يرحل من مكان إلى مكان جديد عليه , فتصوير البيئة المكانية أحد اهتماماتها , وهي تبرز انفعال المقالي حينا وحبا للمكان الذي رحل منه , أو تعاطفا مع المكان الذي حل فيه , أي أن تعاطف المقالي وارتباطه الوجداني بالحياة حوله جلي فيها , وهي سمة تفرق بين كتابة أديب رحالة , وكتابة جغرافي رحالة , هذه أوصاف لا روح فيها , وتلك تجربة حية مر بها مقالي فنان , تزيد قدراتنا على فهم الحياة ,
ومن كتابها ميخائيل نعيمة , وعباس محمود العقاد
مقالةالسيرة:
وهي تعنى بتقديم صورة حية لإنسان حي , وذلك في إطار علاقة مباشرة ما , تجمع المقالي بشخصية بطل المقالة , وهي أقل من السيرة حيث تكتفي بتصوير شريحة واحدة , أو شرائح قليلة في موقف من مواقف المتحدث عنه . بكلمات سريعة موحية .
ومن كتابها عبد العزيز البشري وأحمد أمين وطه حسين ومحمود تيمور .
مقالةتأملية:
وهي تعتمد التأمل المقالي لمشكلات الحياة , وتتبعه " لمجريات " حوادثها , وهي تنهي هذا التأمل بالوصول إلى نتائج مبنية على تحليل المقالي لهذه المشكلات , وتتعرض هذه المقالات عادة لموضوعات الحياة والموت والوجود والعدم , كما تقوم بعرض مأساة أخلاقيات البشر ، وضراوة صراعهم من أجل الحياة .
ومن كتابها ميخائيل نعيمة وأحمد أمين وإبراهيم عبد القادر المازني .
مقالةقصصية:
وهي قريبة من الأقصوصة إلى حد بعيد , إذ تقدم حكاية أو جزءا من حكاية , وهي تختلف عن الأقصوصة في أنها لا تحفل بالأساليب الفنية لكتابة الأقصوصة .
وهي كثيرة في نتاج كتاب المقالة , ونجدها في أهم كتب إبراهيم عبد القادر المازني كحصاد الهشيم وخيوط العنكبوت وصندوق الدنيا وفي الطريق وقبض الريح ومن النافذة