السبت، 25 فبراير 2012

موسوعة الأدب العربى : الأدب الملتزم

الأدب الملتزم

الأدب الملتزم يقف على مرتكزات ومنهجية واعية، الغاية منها هي حقيقة الرؤية الإسلامية ونظرتها إلى الإنسان، وتقويمه نحو الكمال، ومداعبة الأحاسيس الصادقة بالكلمة المؤثرة التي تسترجع الإنسان المسلم إلى التراث والتمسك به.
لقد تمكن الأديب الملتزم ان يجعل نصه ذات مضامين هادفة يعالج من خلاله مشاكل الأمة ويرسم مسارها الواضح، بعيدا عن الضبابية والغموض والإبهام في الرؤى، وطالما دأبت بعض الأقلام الملتزمة إلى تكوين رؤية أدبية تقوم على أساس الإبداع والحداثة والإلتزام، وصياغة أدب عربي ملتزم يضاهي أو يماثل الآداب الأخرى للأمم والشعوب العالمية.
إن مدى حضارة الأمة تقاس بثقافة أدبائها وعلمائها وكتابها فالأمة المثقفة والواعية تنجب خيرة الأدباء والشعراء، والشعر بالنسبة للثقافة العربية هو ديوانها ورائدها الأول في منظومتها الأدبية، وقد دخلت في الآونة الأخيرة علينا مدارس أدبية مستوردة تحت غطاء الحداثة الشعرية، والتي تفتقر إلى الموسيقى الشعرية، وسعت هذه المدرسة إلى إبراز قصيدة النثر والترويج لها في الصحف والمجلدات الأدبية بشكل مفرط، وأغلب هذه الإصدارات الشعرية يشوبها الرمزية واللغة المبهمة التي قد لا يفهمها الجميع
ماهية الإلتزام:
   الالتزام ، هو مشاركة الشاعر أو الأديب الناس همومهم الاجتماعية والسياسية ومواقفهم الوطنية ، والوقوف بحزم لمواجهة ما يتطلّبه ذلك ، إلى حدّ إنكار الذات في سبيل ما التزم به الشاعر أو الأديب :"ويقوم الإلتزام في الدرجة الأولى على الموقف الذي يتّخذه المفكّر أو الأديب أو الفنان فيها .وهذا الموقف يقتضي صراحة ووضوحا وإخلاصا وصدقا واستعدادا من المفكّر لأن يحافظ على التزامه دائما ويتحمّل كامل التبعة التي يترتّب على هذا الالتزام "[1]
 وفي تعريفنا اللغوي لكلمة الالتزام نجد:

" لزم الشيء يلزمه لزما ولزوما ، ولازمه ملازمة ولزاما ، والتزامه ، وألزمه إيّاه فالتزمه ، ورجل لًُزمة يلزم الشيء فلا يفارقه. واللّزام : الملازمة للشيء والدوام عليه ، والالتزام الاعتناق."[2]

و" لزم الشيء :ثبت ودام ، لزم بيته: لم يفارقه ، لزم بالشيء : تعلّق به ولم يفارقه ، التزمه: اعتنقه ، التزم الشيء : لزمه من غير أن يفارقه ، التزم العمل والمال : أوجبه على نفسه"[3]

والالتزام كما ورد في معجم مصطلحات الأدب : " هو اعتبار الكاتب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معيّنة عن الانسان ، لا لمجرّد تسلية غرضها الوحيد المتعة والجمال"[4]

وقد جاء في الآية الكريمة : " وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها"[5]

أمّا سارتر[6] فقد عرّف الأدب الملتزم فقال: " مما لاريب فيه أنّ الأثر المكتوب واقعة اجتماعيّة، ولا بدّ أن يكون الكاتب مقتنعا به  عميق اقتناع ، حتى قبل أن يتناول القلم . إنّ عليه بالفعل ، أن يشعر بمدى مسؤوليته ، وهو مسؤول عن كلّ شيء ، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة ، عن التمرّد والقمع . إنّه متواطئ مع المضطهدين إذا لم يكن الحليف الطبيعي للمضطّهدين "[7]

ويشير سارتر إلى الدّور الكبير الذي يلعبه الأدب في مصير المجتمعات ، فالأدب مسؤول عن الحرية ، وعن الاستعمار ، وعن التطوّر ، وكذلك عن التخلّف.

فالأديب ابن بيئته ، والناطق باسمها ، وكلمته سلاحه ، فعليه تحديد الهدف جيدا ، وتصويبها عليه بدقّة ، فـ " الكاتب بماهيته وسيط والتزامه هو التوسّط "[8]

وهنا يبرز هدف الالتزام في جدّة الكشف عن الواقع ، ومحاولة تغييره ، بما يتطابق مع الخير والحقّ والعدل عن طريق الكلمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم على نحو ما تفعل الخميرة في العجين[9] على ألا يقف الالتزام عند القول والتنظير ، فالفكر الملتزم في أساس حركة العالم الذي يدور حوله على قاعدة المشاركة العملية لا النظرية  إذ: ليس الالتزام مجرّد تأييد نظري للفكرة ، وإنّما هو سعي لتحقيقها ، فليست الغاية أن نطلق الكلمات بغاية إطلاقها .

ويرى رئيف خوري أنّ الكاتب مطالب بمسؤوليّة مجرّد أن يكتب وينشر لمجتمعه ، فهو يجب أن يعبّر عن آلامها وآمالها ونضالها .
" ليس كفعل القلم اجتماعي وتاريخي بكل ما تنطوي عليه كلمة اجتماعي من شؤون الأمّة، والشعب ، والقوم ، والوطن ، والانسانيّة ...وعلى القلم المسؤول أن ينفي عنه أوّل شيء اعتبار عامل الكسب . فذلك هو الشرط المبدئي لصحّة الرأي ونزاهته "[10]

وظروفنا الاجتماعيّة الحالية ، الحافلة بالقلق ، والمليئة بالمشكلات ، تدعو  وبشدّة إلى الأدب الملتزم .

ووضع بلادنا العربية وما آلت إليه من تشرذم ومن تآمر الأعداء وتكالبهم عليها ، تدعو الكلّ إلى تجنيد الجهود للعمل على تحرير البلاد ورفع مستواها السياسي والاجتماعي والفكري .

وحتى يكون الأدب صادقا ، لا بدّ وأن يتكلّم عن الواقع الذي يعيشه الأديب ، والظروف التي تحيط به ، وتؤثر على نفسيته وعلى يراعه ، فتخرج حينئذ الكلمات نابضة بالصدق ، وتأخذ طريقها مباشرة إلى فكر القارئ ووجدانه.

أمّا معنى الالتزام فعريق في الادب ، قديم مثل كلّ أدب أصيل ، وكلّ تفكير صميم ، ذلك أنّ الالتزام في الأدب لا يعدو في معناه الصحيح أن يكون الأدب ملتزما الجوهري من الشؤون ، منصرفا عن الزخرف اللفظي وعن الزينة الصورية التي هي لغو ووهم وخداع ، والالتزام هو أن يكون الأدب مرآة جماع قصّة الانسان وخلاصة مغامراته وتجربته للكيان ، وزبدة ما يستنبطه من عمق أعماقه وألطف أحشائه من أجوبة عن حيرته وتساؤلاته ، وهو أن يكون الأدب رسالة يستوحيها من الجانب الإلهي من فكره وروحه ، ومن هذا الوجدان أو الحدس الإلهي ، الذي هو الفكر وما فوق الفكر ، والعقل وما فوق العقل ، والخيال مع العلم والمعرفة ، مع الانطلاق مجربا في كليته وشموليته.[11]

فالأدب الملتزم هو سابق على محاولات المحدثين ، وقد وجدنا قديما الأدب يتجسّد في مشاركة الأديب الناس ، همومهم الإجتماعيّة والسياسيّة ، ومواقفهم الوطنيّة ، والوقوف بحزم ، لمواجهة ما يتطلّبه ذلك ، إلى حدّ إنكار النّفس في سبيل ما يلتزم به الأديب  شاعرا أم ناثرا . واطلاعنا على أدبنا القديم وشعرائه ، يعرّفنا أنهم كانوا في العهود والأعصر العربية ، في الجاهلية والإسلام كافة ، كانوا أصوات جماعاتهم . كذلك قبل كلّ واحد منهم أن يعاني من أجل جماعته التي ينطق باسمها ، إلى حدّ أنّك إذا سمعت صوت أحدهم وهو يرتفع باسم جماعته أو قومه ، لا يمكنك إلا أن تحسّ هذا الالتزام ينساب عبر الكلمات ، يصوّر هذا الإيمان وتلك العقيدة دون أن يساوره أدنى شكّ أو حيرة أو تردّد في تحديده للمشكلات التي يواجهه، والتي تتعلّق بمصيره ومصير سواه من أبناء قومه في القبيلة أو الحزب أو الدين ، يدفعه إيمان راسخ بضرورة حلّ إشكالية القضايا التي كان يواجهها في حينه .[12]
 

-----------------------------
[1] أبو حاقة ، أحمد ، الالتزام في الشعر العربي ، دار العلم للملايين ، بيروت ،1979 ، ص 14.
[2] ابن منظور ، لسان العرب ، 15 مجلّد ، دار صادر ، بيروت / ط5 ن 1956، ج12 ، ص:541- 542.
[3] الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، 4 أجزاء ، دار المأمون ، ط4، 1938، ج4، باب الميم ص: 175.
[4]  وهبه، مجدي  ، معجم مصطلحات الادب ، مطبعة دار القلم ، بيروت ، ط1 ، 1974، ص:79.
[5] سورة الفتح ، آية 26.
[6] مصدر سبق ذكره.
[7] سارتر، جان بول  ، الأدب الملتزم ، ترجمة جورج طرابيشي ، منشورات دار الآداب ، بيروت ، ط2 ، 1967 ، ص: 44- 45.
[8] المصدر نفسه  ، ص:46.
[9] أبو حاقة ، أحمد ، الالتزام في الشعر العربي ،ص 14
[10] رئيف خوري ، الادب المسؤول ، دار الآداب ن بيروت ، ط1 ن 1968 ، ص: 48- 49.
[11] تيمور ، محمود : مجلة القصة ، العدد الخامس ، السنة الخامسة 1965، القاهرة.
[12] فقيه، يونس ، ملامح الالتزام القومي في شعر نزارقباني ،دار بركات للطباعة والنشر ، لبنان ، الطبعة الاولى 1998،ص21.