السبت، 24 ديسمبر 2011

فى عيد الثورة .. تحية لرجل أيقظ أمة

تحية لرجل أيقظ أمة
فى عيد ثورة 23 يوليو من كل عام نتذكر رجلا عاش ومات لأمته ، رجلا تنطبق عليه كل معانى الرجولة ، حرية ، مبادئ مؤمن بها ويدافع عنها
يوم الثورة إنه يوم محفور فى تاريخ البشرية لأنه غير مجرى الحياة على البسيطة لأنه وبلا مبالغة أعاد الحياة لأمة صنعت وما زالت تصنع حضارة للبشرية
لا ابالغ إذا قلت وأنشدت أشعارا ليوم ثورة يوليو
كما قلت فى مقال سابق ضمن مقالاتى الفكرية إن ثورة يوليو غيرت موازين القوى واعادت الحياة لحضارات كادت أن تندثر ليس فقط على أمة العرب والإسلام ولكن لكل حضارات العالم الثالث
لن أخوض اليوم فى تقييم الثورة أو فى شرعيتها كمسمى أو حتى فى شرعيتها كنظام حكم
كل ذلك سأفرد سلسلة مقالات ضمن مقالاتى الفكرية للرد عليه
لكن دعونا اليوم نتعرف أكثر على شخصية الرئيس جمال عبد الناصر من خلال أناس عاشوا بجواره وتعايشوا معه
يقول اللواء طيار أركان حرب أحمد شوقى حسين ياقوت ( رئيس هيئة الإمدادات والتموين للقوات الجوية سابقا ) (سبقت جمال عبد الناصر فى الالتحاق بالكلية الحربية بثلاث شهور ... ولو قارنا ظهور شخصيته الحقيقية والشعبية التى حصل عليها بعد الثورة وما عرفناه بعد الثورة من أنه وهو طالب ثانوى كان بيشترك فى المظاهرات السياسية والإضرابات والحركات الوطنية ويتصل بالاحزاب ولو قارنا ذلك بشكل تصرفاته فى الفترة التى تزامنا فيها فى الكلية الحربية لاكتشفنا أنه أيام الكلية الحربية كان ينطوى على نفسه متعمدا حتى لا يظهر شخصيته الثورية الحقيقية ، الأغرب من هذا كله أنه عاش معانا فى الكلية 16 شهر ورا بعض كانو كافيين ان كل واحد منا يعرف أدق أسرار وخصوصيات زملائه ، ومع ذلك ظل جمال عبد الناصر صامتا كتوما فلم نعرف شخصيته الثورية الا بعد الثورة) هكذ اذا تظهر ملامح شخصيته السياسية كما يرويها لنا اللواء طياراحمد شوقى ياقوت
click to zoom
أما اللواء أنور هاشم قائد المنطقة العسكرية الجنوبية سابقا فيؤكد أن سيارة جمال عبد الناصر الأوستن السوداء هى السبب التى عرفته أن شيئا ما سيحدث فى الجيش بيقول : حين قامت الثورة وقيل ان محمد نجيب رئيسها عرفت على الفور أن جمال عبد الناصر وراء كل ذلك ووراء محمد نجيب ، المهم أننى كنت ألاحظ أن سيارة عبد الناصر الاوستن السوداء القديمة تقف أمام بيت حمدى عاشور طوال الليل فكنت حين التقى بـ حمدى واسأله فيجيبنى أبدا .. مجرد زيارات عائلية ودردشة
وعن شخصية عبد الناصر يقول زميله فى الكلية الحربية اللواء أركان حرب عبد المجيد على أبو العلا : كان جمال عبد الناصر وهو طال معانا وزينا فى الكلية الحربية له هيبة وقوة شخصية لدرجة أن ما حدش مننا كان يقدر يهزر معاه هزار كده ولا كده وكان دايما لوحده منعزلا متأملا متفكرا مبتعدا عن المجون وهزار ونزوات الشباب اللى فى سننا لا يدخن ولا يشرب المنكر ولا يهرج وليس له سهرات من إياها زينا .. لكن مع ذلك كان مبتسما دائما إبتسامته الهادئة الواثقة اللى الناس شافتها وعرفتها واتعودتها بعد كدة لما قامت الثورة ، ولما وقع الإختيار على جمال عبد الناصر أيام حرب فلسطين برضه علشان يكون واحدا من الضباط المصريين فى لجان الهدنة مع إسرائيل ، أذكر ان الصحف الإسرائيلية نشرت فى ذلك الوقت نقلا عن أعضاء لجان الهدنة من الضباط الإسرائيلين أن الضباط المصريين فيهم ضابط اسمه جمال عبد الناصر عمره 30 سنة بس لكنه سيكون له مستقبل عسكرى قيادى عظيم فى يوم من الايام
وحين نتكلم عن الدهاء السياسى الذى لا يخرج المرء عن مبادئه ومثله نجد ذلك متجسدا فى شخصية عبد الناصر
لذا تعالو نسمع ماذا قال اللواء أركان حرب محمد السيد عبد الرحمن مدير عام إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة سابقا
يقول : حين قامت الثورة وكنت وقتها فى العريش وسمعت البيان الأول للثورة عرفت على الفور صوت أنور السادات ولم أدهش لذلك فقد كنت أتوقعه نتيجة استنتاجات سابقة لى ونتيجة معرفتى بـ أنور السادات كمجاهد وكثورى ولأننا تكلمنا كثيرا فى هذه الموضوعات .. لكن الشئ الذى لم يكن يخطر على بالى لحظة أن يكون اسم جمال عبد الناصر بين الضباط الذين قاموا بالثورة .. وحين سمعت اسمه لأول مرة يذاع كأول اسم فى أعضاء مجلس الثورة شعرت على الفور بالارتياح والسعادة واطمأنيت على الثورة ووضحت لى اتجاهاتها وطريقها .. فقد عرفت أن المسألة ليست مجرد انقلاب عسكرى واستيلاء على السلطة ، وإنما هى مسألة أهداف ومبادئ وعقيدة
ويكمل اللواء محمد السيد عبد الرحمن حديثه لبين لنا ملمحا أخر لشخصيته الورعة المتدينة
فلنسمع ماذا يقول اللواء محمد السيد عبد الرحمن يقول : فى عام 1954 ذهب جمال ومعه مجموعة من الضباط اختارها بنفسه الى الحجاز لأداء فريضة الحج .. وكنت أنا واحدا من هؤلاء الضباط .. وفى زيارتنا للحرم النبوى وتكريما له كرئيس جمهورية فتحت مقصورة مقبرة النبى عليه الصلاة والسلام لـ جمال عبد الناصر وسمح لعدد قليل من رفاقه بالدخول معه ، فدخل أنور السادات وحسين الشافعى ومحمد أحمد وأنا ، ولم نبق بداخل المقصورة إلا دقائق قليلة جدا ، وفى لمحة وأنا انظر إلى ناحية جمال عبد الناصر كانت عيناه مليئتين بدموع الرهبة والخشوع والإيمان .. رأيته ولاحظته ، ورآنى هو ولاحظ ما ظهر على وجهى حين رأيت الدموع فى عينيه ، فنظر إلي نظرة ترجمتها بالضبط أنه يريد ألا يخرج ذلك إلى الناس ولا يعرفه أحد غيرى أنا وهو ، وأن أحتفظ بهذا السر.. فقد تكون الدموع أمام قبر الرسول شيئا عاديا من شخص عادى ، لكنه لم يشأ أن ينشر على الناس أنه بكى أمام قبر الرسول فيظن البعض أن ذلك من باب الدعاية والفبركة الصحفية وأنه استغل الفرصة ليبدو أمام الناس مؤمنا ، أحيانا أجلس وحدى وأفكر لو أن جمال عبد الناصر عاش 20 سنة أخرى لكنا كلنا نمنا ، لانه كان يحمل عبـء البلد كلها على أكتافه ، وكان ربنا بيلهمه ويسدد خطاه ويفتح له الطريق .. وفى إيمانى أنه كان إنسانا هيأه الله ليؤدى رسالة خاصة ، فأداها ، ثم عاد الله فأخذه أو استرده منا فجأة لكى نعتمد بعد ذلك على أنفسنا
كانت مصر والعروبة دوما فى عقل وقلب عبد الناصر ، إيمانه بذلك جعله فى تفكير مستمر عن حرية واستقلال كلمة مصر والوطن العربى ، لكنه كان مؤمنا أن توحيد العرب لن يكون بغير مصر لذا كانت بدايته تحرير مصر أولا
يقول العقيد أركان حرب عبد الرحيم قدرى الأستاذ بمعهد الضباط العظام سابقا : كانت مصر هى الشغل الشاغل الذى كان يحتل تفكير جمال عبد الناصر وذهنه وخياله بشكل دائم وفى كل الأوقات .. أذكر مرة أنه قبل الثورة بنحو 4 شهور مر عليّ فى بيتى داخل مبنى المدرسة العسكرية الثانوية التى كانت فى ذلك الوقت أركان حرب لها ، مر علىّ يوم بعد الظهر دون موعد بسيارته الأوستن السوداء وفيها أبناؤه هدى ومنى وخالد ، وقال لى ما تيجى تنزل معانا نتفسح شوية .. فأخذت ابنتى ليلى التى كانت فى ذلك الوقت فى مثل عمر أبنائه ، وذهبنا كلنا لنجلس فى حديقة ( البارون إمبان ) فى شارع العروبة .. وانطلق الأولاد يلعبون بينما هو يفتح موضوعا للكلام قطعا لم يكن هو الموضوع المثالى لناس خرجوا فى فسحة صغيرة للترويح عن أنفسهم ومحاولة نسيان العمل وكل ما يتعلق بالعمل .. كان الموضوع الذى تحدث فيه جمال هو مصر والأوضاع السياسية المنهارة فى البلد والانجليز الذين يحتلون منطقة القناة فى بلدنا وكيف يمكن أن نخرجهم بالقوة بعد أن فشلت معهم كل المحاولات السياسية والدبلوماسية ، وأنه من المؤكد أنه توجد طريقة أخرى جديدة لإرغامهم على الخروج .. يعنى أن مصر كانت تشغله طول الوقت وبإستمرار حتى وهو بيتفسح ويفسح أولاده وهو يلتقى باصدقائه
يقول الفريق محمد نبيه حشاد رئيس مجلس إدارة شركة الطيران العربية والهيئة المصرية للطيران ( مصانع الطيران ) سابقا ورئيس نادى الطيران المصرى يقول : لما عرفت أسماء مجلس قيادة الثورة بعد قيامها لم أندهش لوجود اسم جمال عبد الناصر بينهم لمعرفتى بدوره فى حركة انتخابات نادى الضباط التى كان يتزعمها ، لكننى لم أتصور للحظة واحدة أن يكون هو قائد الثورة ورئيس جماعة الضباط الأحرار ، وبالرغم من أنه كانت لدىّ خلفية عن التحركات داخل الجيش إلا أننى صدقت ( ودخل علىّ ) أن محمد نجيب هو قائد الثورة فعلا
حفلات العدس والثورة
يقول اللواء أحمد إسماعيل على رئيس أركان حرب القوات المسلحة والذى خلف الفريق أول عبد المنعم رياض بعد استشهاده يقول اللواء أحمد إسماعيل : من حفلات العدس الساهرة التى كنا نقيمها نحن الضباط الصغار فى منقباد - وهى بلدة بأسيوط بصعيد مصر - بدأ التفكير الجدى فى حالة البلاد وحالة الجيش ، وبدأ التفكير فى الثورة يدور فى قلوب وفى عقول مجموعة الضباط الشبان الملازمين ثوانى والملازمين الأوائل .. كان جمال عبد الناصر هادئ الطبع كثير القراءة والاطلاع بشكل ملحوظ ، خصوصا الكتب التاريخية والأدبية والوطنية .. ورغم طبعه الهادئ إلا أنه كان شديد الحرص على كرامته جدا حتى بين أصدقائه المقربين ، فلم يتماد فى الهزار إلى حد يمتهن فيه كرامة أحد أو يترك أحدا يمتهن كرامته .. يؤدى الواجبات المطلوبة منه بأمانة وإخلاص ودقة وبدون أى رقابة
ويكمل اللواء أحمد إسماعيل حديثه قائلا : فى مساء 22 يوليو عام 1952 ليلة 23 يوليو ، كنا مجموعة من مدرسى كلية ( أركان حرب ) نسهر فى مبنى هيئة التدريب بكوبرى القبة لتصحيح أوراق إجابات طلبة الكلية الجدد ، هو وأنا ومحسن إدريس ومحمود ونس والسيد فهمى وآخرون .. وكلنا نرتدى الملابس المدنية القمصان والبنطلونات ، فقد كانت ليلة صيف حارة .. وفى حوالى الساعة العاشرة ليـلا وجدنا جمال عبد الناصر يقوم فجأة من مكانه ويستأذن فى الانصراف لأنه يشعر بمغص كلوى وتعبان منه ولن يستطيع أن يستمر الليلة فى التصحيح .. وانصرف جمال وبعده استأذن عدد آخر من زملائه المدرسين كل واحد منهم بعذر مختلف .. وقاموا بثورتهم فى تلك الليلة التى كانوا سهرانين معنا فيها حتى الساعة العاشرة ليـلا دون أن نعرف أو يعرف رؤساؤنا ما يدبرون
فتحية إلى البطل جمال عبد الناصر
تحية إلى الرجل جمال عبد الناصر
تحية إلى الشجاع جمال عبد الناصر
تحية إلى صاحب المبدأ جمال عبد الناصر
تحية إليه يوم ثورته
تحية إليه فى اليوم الذى استيقظت فيه أمة من سبات عميق
تحية إلية يوم أن أعاد الأمل لأمة كانت يوما منبرا للحق والعدل والعلم والنور
تحية إلى رجل علم أن الأمة هذه لابد أن تعود إلى مجدها يوما
تحية إليك يا جمال ، أنت وكل من حلم وآمن بقيمة هذه الأمة
وللحديث بقية
بقلم /  د أحمد كلحى
نشر هذا المقال فى 23 يوليو 2010