نقل المقريزى عن كعب الأحبار قوله للخليفة عمر بن الخطاب : ان الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شئ شيئا ، فقال الشقاء أنا لاحق بالبادية ، وقالت الصحة وأنا معك ، وقالت الشجاعة أنا لاحقة بالشام ، فقالت الفتنة وأنا معك ، وقال الخصب أنا لاحق بمصر ، فقال الذل وأنا معك
هذه قد تكون نظرية أو تفسير لمعنى الطغيان فى مصر
أما أقدم نظرية تفسر حكم الطاغية فى الشرق واستسلام المواطنين فهى نظرية أرسطو الذى نقل هيراركية الوجود من ميتافيزيقاه الى مجال السياسة والاجتماع ، فذهب الى أن شعوب العالم ليست على صنف واحد ، وانما تنقسم ثلاثة أقسام ، حيث أشار أرسطو الى أن شعوب الشرق بطبيعتهم عبيد وعلاقة السيد بالعبد هى علاقة الطاغية
ولقد ظلت نظرية أرسطو عن الطغيان الشرقى سائدة فى الفكر السياسى مع تعديلات قليلة
وذهب مونتسكيو 1689 - 1755 الى ان الاستبداد نظام طبيعى بالنسبة للشرق
أما هيجل فهو يعتقد أن الطغيان فى الشرق يرجع الى أن الشرقيين لم يتوصلوا الى معرفة أن الروح أو الانسان حر ونظرا الى أنهم لم يعرفوا ذلك فانهم لم يكونو أحرارا وكل ما عرفوه أن شخصا معينا حر ، أى أن هيجل يرجع عبودية الشرق الى انعدام الوعى الذاتى
أما المفكر الأمريكى الجنسية ، الألمانى الأصل ( كارل فيتفوجل ) فقد أصدر كتابا ضخما فى مجلدين ، بعنوان الاستبداد الشرقى : دراسة مقارنة للسلطة المطلقة ، دامجا بين الاقتصاد والطغيان
هذه قطرة من بحر فى الوضع السياسى فى الشرق بعيون فكرية وفلسفية
وفى 25 يناير استطاع الشعب المصرى وشبابه الواعى أن يغير ليس فقط الفكر السائد ، بل ليغير تاريخ الفكر البشرى عن العقلية الشرقية وخاصة المصرية
ان ما حدث ليس حدثا عاديا يمر مرور الكرام ، والقضية ليست فى أشخاص
القضية ليست فى شخص الرئيس مبارك ، أو فى البرادعى أو هذا الحزب أو ذاك ، انما القضية قضية وجود شعب يفرض نفسه ويغير مجريات التاريخ وأحداثه المستقبلية وماضى الفكر الانسانى
نعم لقد شاب الحدث الكثير من التجاوزات التى لا تليق بدولة بحجم مصر ، ولكن سيظل ما حدث فى 25 يناير حدثا فريدا من نوعه
واستطيع أن أقول ان العالم - وليست مصر فحسب - قبل 25 يناير سيختلف عن العالم بعد 25 يناير
فى نهاية حديثى اتمنى أن نخرج من قاموس لغتنا كلمة الخيانة سواء للشعب الذى خرج مناديا بحقوقه أو للرئيس مبارك
فلا الشعب خائنا أو عميلا كما يصوره البعض
ولا الرئيس مبارك نقبل أن يصفه أحد بالخيانة فالرجل له انجازات على أرض مصر ، وان كانت لا تليق بحجم مصر ولا تكفى لتطلعات شباب واعى كشباب مصر
وعامة فالمسألة كما قلت هى فى الأساس مسألة تغيير للفكر ليس المصرى فحسب ولكن الانسانى بوجه عام
اتمنى أن يتكاتف الجميع من أجل مصر
اتمنى أن ننحى خلافاتنا جانبا
اتمنى أن نضع مصر أمام أعيننا دوما ، فمصر عزيزة غالية على كل وطنى غيور حر
حفظ الله مصر وشعبها ، لتظل مصر دوما شامخة أبية حارسة للامتين العربية والاسلامية ولكل مجتمع حر
ادعوا معى وقولوا آمين
نشر هذا المقال فى 6 فبراير 2011