الاثنين، 3 مارس 2014

قسم المقالات : الظلام المخيف بقلم دكتور مصطفى محمود


الظلام المخيف
   
بقلم د مصطفى محمود




هل خطر علي بالك وأنت تتأمل السماء في ليلة صافية أنك لا تري من هذه السماء إلا‏5%‏ وربما أقل من محتوياتها مهما استخدمت من مناظير ومجسات وأدوات استشعار‏..‏ وأن‏95%‏ من محتويات هذه السماء وربما أكثر تظل محجوبة عنك‏..‏ لأنها كتل سوداء مظلمة لا يخرج منها ضوء وسحب من العوالق والأتربة ممتدة مترامية بلا حدود‏.‏
ويقول رجال الفلك أن هذه المادة السوداء المظلمة هي مجموع الغبار الكوني وسحب الغاز البارد وفقاعات كونية سابحة في الفضاء وكتل مادية جوفاء وثقوب سوداء ونيازك وبقايا نجوم ميتة‏..‏ وجسيمات دقيقة وفتافيت ذرات هائمة في تجمعات سحابية مثل البروتونات والنيوترونات والباريونات والكواركات وجسيمات النيوترينو التي تخترق الأرض وتخرج من الناحية الأخري في سرعات مذهلة مثل السهام الخفية‏..‏ هذا عدا الأجسام الكبري العملاقة كالنجوم والشموس والمجرات والكواكب والتوابع والأقمار التي تدور في أفلاكها‏.‏
وافتراض وجود هذه المادة السوداء الخفية كان سببه أن النجوم والشموس والكواكب والكتل المجرية العملاقة لا تكفي بمجموع كتلاتها للاحتفاظ بتماسك مجموع الكون ككل‏..‏ وتاثيرها الجذبي لا يكفي لجمع شمل العناقيد الكونية الهائلة من مجرات وتوابع لتسبح في أسرة متحاضنة كما نراها‏..‏ وكان لابد أن تنفرط لولا وجود هذه المادة المفترضة
والمعضلة معضلة حسابية وإحصائية‏,‏ فحاصل جمع الكتل الموجودة والمرئية بمناظيرنا وكاميراتنا الفضائية ومجساتنا لأشعة أكس وأشعة جاما والأشعة تحت الحمراء ومنظار هابل تقول إن مجموع المادة الموجودة أقل بكثير من المقدار الذي يفسر هذا التماسك الجذبي القائم
ولو أن مانري هو كل المادة الموجودة لكان لابد أن ينفرط هذا الكون بددا ويتناثر في الفضاء ويضيع ويبرد وينطفيء ولا يجتمع له شمل‏..‏ فهناك حد أدني من الكتلة لتكون هناك قبضة تمسك البنيان الكوني‏..‏ وكان لابد من الافتراض أن أكثر من تسعين في المائة من مادة الكون خافية وغير منظورة ولا يخرج منها أي ضوء يدل عليها‏..‏ وأنها لابد أن تكون موجودة قطعا رغم أننا لا نراها لتكون هناك تلك القبضة الملحوظة التي تمسك بالكون المرئي
وعلماء الجاذبية يؤكدن أن هناك حدا أدني من الكتلة لتتماسك هذه الأسرة الهائلة من المجرات والنجوم والشموس والكواكب والأقمار ولترحل كما نراها وهي متحاضنة في هذا الفضاء اللانهائي‏.‏
فاذا كانت الكتلة أكبر فإن المجموعة تنهار علي بعضها وتنكمش وتتكدس وتتضاغط وتنصهر ويجري عليها أقصي درجة من الهرس الجذبي وترتفع درجة حرارتها وتتحول الي عجينة نارية‏.‏
ثم تنضغط الي حد أقصي من الإنضغاط والي حد أقصي من الصغر‏..‏ ثم تعود فتنفجر وتتمدد وتتناثر في الفضاء لتعيد قصة الإنفجار الأول الذي بدأ به الكون‏..‏ ثم تنتشر في السماوات السبع وتتشكل علي صورة نجوم وشموس ومجرات سابحة مرتحلة‏..‏ كما هي في عالمنا المشهود الآن‏.‏
وتظل تتمدد وتتباعد بفعل قوة الإنفجار حتي تخمد هذه القوة‏..‏ فينشأ مايسمي بالكون المتعادل بين قوتين‏..‏ القوة الجاذبة المركزية‏..‏ والقوة الطاردة المركزية ويستمر هذا الكون عدة مليارات أخري من السنين
فإذا استمر التباعد وتغلبت القوة الطاردة المركزية علي القوة الجاذبة المركزية بسبب صغر الكتلة فإن القبضة تظل تضعف وتضعف ثم يتناثر الكون بددا في الفضاء‏..‏ وذلك هو الكون المفتوح في لغة علماء الفلك‏..‏ فهو في تمدد أبدا وفي تناثر دائما لا يجتمع له شمل
واذا حدث العكس بسبب ضخامة الكتلة المادية فان الكون ينهار علي بعضه بسبب ثقله ثم ينكمش ويتضاغط إلي نقطة الانفجار الأول‏..‏ وذلك هو نموذج الكون المغلق في لغة الفلكيين

يقول ربنا عن الساعة في القرآن‏.‏
ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم الا بغته‏.‏


فيربط سبحانه وتعالي بين الثقل والانهيار الكوني في كلمة ثقلت‏..‏ وهي إشارة علمية بليغة تفوت الكثيرين‏..‏ وسبحان الذي وسع كل شيء رحمة وعلما‏..‏ فكلمة تثاقل‏..‏ هي الترجمة الحرفية لكلمة الجاذبية وهذه معجزة البيان القرآني الدقيق الذي لا تنتهي عجائبه‏.‏
والمعني المستفاد من كل هذا أن الكتلة المادية لمجموع الكون هي التي سوف تحدد سلوكه وسوف تحدد نهايته‏..‏ ولأننا لا نري مجموع هذه المادة ولا نشهد منها إلا الجزء الذي يشع ضوءا‏..‏ ويخفي علينا تماما جانب المادة السوداء المظلمة ولا ندركها إلا تخمينا واستنتاجا من حساباتنا‏..‏ فاننا لن نعلم متي ستأتي لحظة الانهياز الجذبي ومتي تقوم الساعة رغم أننا نعلم أشراطها وعلاماتها
وتلك لفتة أخري لدقة البيان القرآني
لا تأتيكم إلا بغتة
أي أننا سوف نفاجأبها ولن تدركها حساباتنا رغم توقعنا لحدوثها‏..‏ فهناك عنصر ناقص في هذه الحسابات لن ندركه بوسائلنا‏..‏ هو المادة السوداء المظلمة ومداها وكتلتها بالضبط
وهذه هي س في المعادلة التي لا سبيل الي تحديدها كميا وهذا هو التحدي الذي يواجه العلماء‏.‏
أي أننا لن نعلم بالضبط مقدار هذه المادة السوداء المظلمة وبالتالي لن نستطيع أن نحدد ساعة الانهيار وهناك جنون فلكي الآن حول هذه المادة السوداء‏..‏ وهناك سباق محموم بين كل المراصد ومراكز الأبحاث الفلكية للوصول الي الماهية الحقيقية لهذه المادة السوداء وكميتها وكتلتها
والخلاف علي أشده بين كل مراكز البحث
ولكن كلهم متفقون علي أنها حقيقة وأنها تملأ السموات‏..‏ ولكنهم مختلفون غاية الاختلاف في مقدارها‏..‏ وفي ماهيتها‏.‏
ولفتة أخري للدقة القرآنية في خطاب ا لله لموسي عن الساعة‏..‏ يقول ربنا لموسي إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي‏(15‏ ـ طه‏)‏ يقول ربنا أكاد أخفيها ولا يقول أخفيها‏..‏ أي أننا سنعلم أنها آتية‏.‏
والكلمة غاية في الدقة‏..‏ فالفلكيون الآن يعلمون أنها آتية لا شك وأنها مرتبطة بالزيادة التراكمية للكتلة‏..‏ ولكنهم لا يعلمون مقدار هذه الكتلة الكلية‏..‏ بسبب المادة المظلمة التي لا يخرج منها ضوء ولا تدركها المناظير‏..‏ وبالتالي لا يستطيعون حساب موعد الانهيار بالضبط لأن الرقم الكلي مجهول
وآيات مثل‏..‏ اقتربت الساعة وانشق القمر‏(1‏ ـ القمر‏)‏
وما يدريك لعل الساعة قريب‏(17‏ ـ الشوري‏)‏
يسأل أيان يوم القيامة‏6‏ ـ القيامة‏..‏ كلها‏..‏ إشارات إلي استحالة التحديد فاذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر‏(7‏ ـ‏8‏ـ‏9‏ـ القيامة‏)‏
ولا يجمع الشمس والقمر الا في الانهيار الجذبي الذي ينهار فيه الاثنان بجاذبية المركز ويتحول الكون كله الي عجينة واحدة تهرسها الجاذبية هرسا‏..‏
ولا شك أنها ستكون حالة مشهدية خارقة تخطف البصر لغرابتها‏..‏ هذا إذا ظل المشاهد قادرا علي المشاهدة وإذا لم يتحول إلي بودرة أو مسحوق‏.‏
والأمر لا يمكن وصفه فهو كارثة كبري بكل المقاييس يتضاءل أمامها كل مانري من سيول وأعاصير وزلازل وبراكين وصواعق وإنهيارات جليدية‏.‏
إنها النهاية التي لا يعلم إلا الله ماذا بعدها
ولا يملك عالم الفلك الذي يرصد ويقيس ويسجل ويحسب إلا أن يصاب بالرجفة والذعر‏..‏ فالأرقام التي تجتمع لديه من الحاسبات الكومبيوترية الضخمة تنبيء باحتمال مؤكد‏..‏ أن هناك مادة مظلمة خفية تملأ جنبات الفضاء والكون وأن هذه المادة الخفية تشكل أكثر من‏95‏ من الكون وأن ما نراه بأعيننا من هذا الكون أقل من‏5%‏ من محتواه الكلي‏..‏ وأن المجرات غارقة في هالات خفية من هذه المادة كما تغرق حبات الفستق في المربي‏..‏ وأن هناك عفريتا ماردا له ملايين الأذرع يضغط علي مادة هذا الكون شيئا فشيئا دون أن ندري‏..‏ وأننا نقترب شيئا فشيئا من اللحظة الحرجة التي سوف ينهار فيها كل شيء كمعمار هائل من القش متي‏..‏؟‏!!‏ لا نستطيع أن نحدد‏.‏
والكومبيوترات الضخمة لا تسعف
والأرقام لم تظهر بعد‏.‏
ولا نملك الا التخمين‏.‏
ولكن كل الأرصاد تقول إن هذا الكون العظيم يسير حثيثا الي نهايته‏.‏
وصدق رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام حينما أجاب السائل الذي سأله

ـ متي الساعة يارسول الله‏.‏
فقال الرسول العظيم في كلمات جمعت الحكمة كلها‏.‏

ـ لا تسألني‏..‏ بل اسأل نفسك‏..‏ ماذا أعددت لها صدقت يا رسول الله‏.‏