الاثنين، 3 مارس 2014

قسم المقالات : كلمة هادئة بقلم دكتور مصطفى محمود


كلمة هادئة
   
بقلم د مصطفى محمود


في صحيح البخاري وصحيح مسلم في باب التوحيد عن أبي سعيد الخدري نقرأ هذا الحديث العجيب عن يوم القيامة‏..‏ يقول الجبار قبل إقفال باب الحساب‏..‏ بقيت شفاعتي‏..‏ ويقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا‏(‏ أي تفحموا‏)‏ فيضعهم في نهر في الجنة اسمه الريان فتنمو أجسادهم كما تنمو الحبة في حميل السيل‏,‏ ويوضع في رقابهم الخواتيم‏..‏ ويقال‏..‏ هؤلاء عتقاء الرحمن‏..‏ دخلوا الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه‏.‏
وهو كلام يخالف صريح القرآن‏,‏ بل يناقض القرآن في‏35‏ موقعا يؤكد فيها القرآن أنه لا دخول للجنة إلا بعمل صالح‏.‏
‏[‏ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون‏](‏ الأعراف‏-13)‏
‏[‏ أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون‏](‏ الأحقاف‏-14)‏
‏[‏ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون‏](‏ النحل‏-32)‏
ويتكرر نفس المعني‏35‏ مرة‏..‏ في العنكبوت الآية‏58‏ ولقمان الآية‏8‏ والسجدة الآية‏19,‏ والزمر الآية‏74‏ وغافر الآية‏40‏ والشوري الآية‏22‏ والزخرف الآية‏72‏ والبقرة الآيتان‏82,25‏ وآل عمران الآية‏195‏ والنساء الآيات‏124,122,57‏ ويونس الآية‏9‏ وهود الآية‏23‏ وابراهيم الآية‏23‏ والكهف الآية‏107‏ ومريم الآية‏60‏ والحج الآيات‏14-23-56‏ والتغابن الآية‏9‏ والطلاق الآية‏11‏ والبروج الآية‏11.‏
وعلي الرغم من هذا التكرار القرآني الذي يؤكد المعني بلا لبس وبلا إيهام وبلا إستثناء يفاجئنا رواة الأحاديث بهذا الحديث العجيب عن هؤلاء الأقوام الذين يخرجهم ربنا من النار وقد تفحموا‏,‏ ويدخلهم الجنة بلا عمل عملوه وبلا خير قدموه‏.‏
فاذا رفضنا هذا الحديث اتهمونا بانكار السنة وانكار الشفاعة‏,‏ وقال عني الشيخ القرضاوي إني رجل مكابر‏..‏ سامح الله الشيخ القرضاوي‏..‏ فأنا علي كثرة عيوبي قد عافاني الله من داء الكبر‏..‏ ولا أزكي نفسي‏,‏ فهذه منة امتن بها ربي علي‏.‏
وأخون أمانة القرآن في عنقي إن لم أنكر هذا الحديث الذي تقولوا به زورا وبهتانا علي سيدنا رسول الله‏..‏ وحاشا لرسول الله الذي جاءنا بالقرآن أن يقول هذا الكلام الذي ينقض به القرآن في معني أكده القرآن‏35‏ مرة في‏35‏ موقعا‏..‏ إن الجنة جزاء علي خير العمل‏..‏ حتي ليكاد يكون هو قانون القرآن الأول ودستوره الثابت وروح العدالة المبثوثة في ثناياه‏.‏
ولا غرابة فهواة الدس والتحريف حينما عجزوا عن المساس بآيات القرآن ولم يجدوا وسيلة الي تحريفها‏(‏ فقد حفظ الله قرآنه بجمعية أسمائه كلها وقال عز من قائل‏..[‏ إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏]..‏ فاستداروا الي الأحاديث يحرفونها ويختلقونها اختلاقا‏..‏ وقد اعترف رواة الأحاديث أنفسهم بأن فيها الضعيف والموضوع والمدسوس والمحرف‏..‏ وللإسلام اعداء من كل الملل والنحل بطول التاريخ يتآمرون عليه‏..‏ والي الآن وحتي يومنا هذا‏..‏ الإسلام متهم من كل العالم والحرب معلنة عليه من دول الغرب كله بتهمة ظالمة أنه يأوي الإرهاب ويحض علي الإرهاب ويدعو الي الإرهاب‏..‏ فهل هذا صحيح؟‏!!‏
ومن بحق الله هم الارهابيون‏.‏؟ الشيشان الذين يدافعون عن أنفسهم في الكهوف والخنادق أم الروس الذين يمطرونهم بالصواريخ والقنابل والمتفجرات من الأرض والسماء بتمويل أمريكي وسكوت أوروبي‏.‏
ثم إن الحديث موضوع كلامنا‏..‏ هو نفسه متناقض‏..‏ فاذا كان هؤلاء عتقاء الرحمن بالفعل فلم يتركهم في النار حتي يتفحموا‏..‏ ولم يدخلهم النار أصلا؟‏..‏ علما بأنه في الآخرة لا يتفحم أهل النار في النار‏..‏ وانما يتحادثون ويتلاعنون‏..‏ كلما دخلت أمة لعنت أختها‏..‏ فالأجسام بعد البعث لا تكون ترابية قابلة للتلف والتفحم والتلاشي دخانا في الهواء‏..‏ وانما تكون من طبيعة مختلفة تتحمل النار والاحتراق وتصمد لما يجري عليها بطول الأبد في نار وقودها الناس والحجارة‏.‏
إن القيامة التي أقاموها علينا باسم إنكار السنة وإنكار الشفاعة قيامة ظالمة نحن أبرياء منها‏,‏ فما أنكرنا إلا المنكر في الأحاديث‏..‏ وكل ما قلته في كتابي الشفاعة كان محاولة لفهم الشفاعة لا أكثر‏,‏ ولم يكن هناك ما يدعو لكل هذه المشانق التي نصبوها والمحارق التي أشعلوها فما أردنا إلا تنقية السنة من تحريفهم‏.‏
إنما كنا نحاول أن نفهم وأن نعقل كلام الله المعجز‏.‏
ونحن نعظم كتاب الله ونعظم رسوله أكثر مما يعظمونه‏.‏
وماذا يعني كلامهم‏..‏ ماذا يعني أن تدخل الجنة أقوام بغير عمل عملوه أو خير قدموه؟‏!!‏ إلا فوضي المحسوبية التي صنعوها في الدنيا وصورت لهم أهواؤهم أن تتكرر في الآخرة لمصلحتهم‏.‏
ألا تعني هذه الكلمات غواية وإغراء لكل نفس ضعيفة بألا تعمل وبألا تجتهد‏..‏ ألا تعني دعوة صريحة الي اللامبالاة والإغراق في اللهو والعبث والفساد والإفساد‏..‏ ففي الآخرة مصيرهم أن يكونوا عتقاء يمرحون في الجنة بلا عمل عملوه وبلا خير قدموه‏..‏ وهل يكون هذا كلام عدو أو صديق لديننا‏,‏ وكيف يصدر مثل هذا الكلام عن سيدنا رسول الله‏..‏ حاشا لله أن يقوله‏.‏
اني عاتب علي الذين أثاروا علينا هذه الحملة الشعواء وأنا خصيمهم يوم القيامة‏..‏ يقضي بيننا الله بما يراه‏..‏ هو وحده العليم بالسر وأخفي وليس بعد عدالته عدالة وليس بعد حقه حق‏.‏
وحينما يكون روح الدين وجوهره هو موضوع الخلاف‏..‏ فما أهون المشقة وما أهون التضحيات في سبيل أن نفهم ونتعلم حتي من خصمائنا‏.‏
ونحن أمة آفتها التواكل والكسل الذهني‏.‏
وفتور الهمة يصيبنا في الصميم بل هو سبب تخلفنا كله‏.‏
وأفكر دائما في الأمر الالهي للنبي عليه الصلاة والسلام في ختام سورة العلق‏.‏
‏[‏كلا لا تطعه واسجد واقترب‏]‏
وأفكر دائما كيف أسجد كيف أسجد وكيف أقترب؟
إن الاسلام كله في هاتين الكلمتين‏..[‏ اسجد واقترب‏]..‏
وكلام القرآن يقال فيه نفس الشيء‏.‏
ولنفهمه لابد أن نسجد ونقترب‏.‏
أما كثرة النقاش والجدل والملاحاة فلن توصل الي شيء‏.‏
وانما الخشوع وسجود القلب هما الوسيلة‏..‏ والتقوي هي الباب‏..‏ ولهذا آثرت الصمت في هذه الفتنة الهوجاء‏..‏ وعاودت التفكير والتأمل في هدوء‏..‏ ولم أحاول الرد الي أن هدأت العواصف‏.‏
وقد اختلف العارفون في معني الشفاعة فقال العارف بالله محمد أمين شيخو‏:‏ هي أن تكون مع الرسول عليه الصلاة والسلام‏..‏ هو دليلك وسراجك المنير والهادي وهو الذي يشفع وجودك ويدخل بك الي الحضرة الإلهية فتبلغ الكمالات وتنال العفو والرضي والجنة‏,‏ فمحمد عليه الصلاة والسلام هو الوسيلة‏.‏
والفقهاء الملتزمون شرطوها بالإذن الإلهي والتزموا بالنص القرآني‏:‏
‏[‏ما من شفيع إلا من بعد إذنه‏](3‏ يونس‏).‏
‏[‏ولا يشفعون إلا لمن ارتضي‏](28-‏ الأنبياء‏).‏
‏[‏ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له‏](23-‏ سبأ‏).‏
‏[‏يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا‏](109-‏ طه‏).‏
‏[‏وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏](26-‏ النجم‏).‏
‏[‏ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع‏](18-‏ غافر‏).‏
‏(‏قل لله الشفاعة جميعا‏)(44-‏ الزمر‏)‏
وأكثر آيات القرآن تنفي الشفاعة بمعني الوساطات والمحسوبيات التي نعرفها في الدنيا‏..‏ وتسندها لله وحده‏..‏ العليم بالسر وأخفي‏..‏ العفو عفوه والإذن إذنه‏..‏ هو الباب واليه المآب‏..‏ وعنده حسن المآب‏..‏
واختر ما ترتاح اليه من هذه المفاهيم‏.‏
وفي جميع الحالات شفيعك عملك‏..‏ ولكن الله من قبل ذلك‏..‏ والله من بعد ذلك‏..‏ فهو الذي خلقك‏..‏ وهو الذي سيمكنك من عملك النافع والخير أو لا يمكنك‏..‏ وهو الذي سيعفو عن سيئاتك أو لا يعفو عنها‏..‏ وهو الذي سيمكنك من التوبة أو لا يمكنك‏..‏ وهو قابل التوب وغافر الذنب‏..‏ وليس من الله بد‏..‏ وليس قبله ولا بعده شيء‏.‏
والمعني أن الله في الأولي والله في الآخرة‏..‏ والله من قبل ذلك‏..‏ في التعارف الأول في الأزل قبل النزول الي عالم الدنيا‏..[‏ يوم أشهدهم علي أنفسهم‏]..‏ كما جاء في سورة الأعراف‏.‏
‏[‏وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون‏](‏ الأعراف‏-171-174).‏
لا مهرب من الله‏..‏ فهو الأول والآخر والظاهر والباطن‏..‏ وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء‏.‏
‏[‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏)(115-‏ البقرة‏).‏
وأصدق الصادقين من قال‏[‏ لله الشفاعة جميعا‏].‏
فقد أحاطت هذه العبارة بالأولي وبالآخرة‏..‏ وما قبل ذلك وما بعده ان كان هناك قبل أو بعد‏..‏
والله هو الذي خلق محمدا عليه الصلاة والسلام‏..‏ وهو الذي أرسله وهو الذي جعله نذيرا وبشيرا وداعيا الي الله باذنه وسراجا منيرا‏..‏ وهو صاحب المقام المحمود الذي تحمده كل الخلائق‏.‏
وانت مع الله تكون مع جامع الخيرات كلها‏..‏ ومع أرحم الراحمين الذي لا يساويه أحد في رحمته ولا في قدرته‏.‏
وهذا مفهومي إن شئت أخذته وإن شئت اخترت البديل الذي ترتاح له نفسك وقلبك‏..‏ دون خصومة ودون لدد‏..‏ فدنيا الله كلها حب‏..‏ ولا خصومة فيها ولا خلاف‏..‏ وانما الحق والحق وحده‏.‏
‏[‏الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون‏](‏ النحل‏-32)‏
ويتكرر نفس المعني‏35‏ مرة‏..‏ في العنكبوت الآية‏58‏ ولقمان الآية‏8‏ والسجدة الآية‏19,‏ والزمر الآية‏74‏ وغافر الآية‏40‏ والشوري الآية‏22‏ والزخرف الآية‏72‏ والبقرة الآيتان‏82,25‏ وآل عمران الآية‏195‏ والنساء الآيات‏124,122,57‏ ويونس الآية‏9‏ وهود الآية‏23‏ وابراهيم الآية‏23‏ والكهف الآية‏107‏ ومريم الآية‏60‏ والحج الآيات‏14-23-56‏ والتغابن الآية‏9‏ والطلاق الآية‏11‏ والبروج الآية‏11.‏


وعلي الرغم من هذا التكرار القرآني الذي يؤكد المعني بلا لبس وبلا إيهام وبلا إستثناء يفاجئنا رواة الأحاديث بهذا الحديث العجيب عن هؤلاء الأقوام الذين يخرجهم ربنا من النار وقد تفحموا‏,‏ ويدخلهم الجنة بلا عمل عملوه وبلا خير قدموه‏.‏
فاذا رفضنا هذا الحديث اتهمونا بانكار السنة وانكار الشفاعة‏,‏ وقال عني الشيخ القرضاوي إني رجل مكابر‏..‏ سامح الله الشيخ القرضاوي‏..‏ فأنا علي كثرة عيوبي قد عافاني الله من داء الكبر‏..‏ ولا أزكي نفسي‏,‏ فهذه منة امتن بها ربي علي‏.‏
وأخون أمانة القرآن في عنقي إن لم أنكر هذا الحديث الذي تقولوا به زورا وبهتانا علي سيدنا رسول الله‏..‏ وحاشا لرسول الله الذي جاءنا بالقرآن أن يقول هذا الكلام الذي ينقض به القرآن في معني أكده القرآن‏35‏ مرة في‏35‏ موقعا‏..‏ إن الجنة جزاء علي خير العمل‏..‏ حتي ليكاد يكون هو قانون القرآن الأول ودستوره الثابت وروح العدالة المبثوثة في ثناياه‏.‏
ولا غرابة فهواة الدس والتحريف حينما عجزوا عن المساس بآيات القرآن ولم يجدوا وسيلة الي تحريفها‏(‏ فقد حفظ الله قرآنه بجمعية أسمائه كلها وقال عز من قائل‏..[‏ إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏]..‏ فاستداروا الي الأحاديث يحرفونها ويختلقونها اختلاقا‏..‏ وقد اعترف رواة الأحاديث أنفسهم بأن فيها الضعيف والموضوع والمدسوس والمحرف‏..‏ وللإسلام اعداء من كل الملل والنحل بطول التاريخ يتآمرون عليه‏..‏ والي الآن وحتي يومنا هذا‏..‏ الإسلام متهم من كل العالم والحرب معلنة عليه من دول الغرب كله بتهمة ظالمة أنه يأوي الإرهاب ويحض علي الإرهاب ويدعو الي الإرهاب‏..‏ فهل هذا صحيح؟‏!!‏
ومن بحق الله هم الارهابيون‏.‏؟ الشيشان الذين يدافعون عن أنفسهم في الكهوف والخنادق أم الروس الذين يمطرونهم بالصواريخ والقنابل والمتفجرات من الأرض والسماء بتمويل أمريكي وسكوت أوروبي‏.‏
ثم إن الحديث موضوع كلامنا‏..‏ هو نفسه متناقض‏..‏ فاذا كان هؤلاء عتقاء الرحمن بالفعل فلم يتركهم في النار حتي يتفحموا‏..‏ ولم يدخلهم النار أصلا؟‏..‏ علما بأنه في الآخرة لا يتفحم أهل النار في النار‏..‏ وانما يتحادثون ويتلاعنون‏..‏ كلما دخلت أمة لعنت أختها‏..‏ فالأجسام بعد البعث لا تكون ترابية قابلة للتلف والتفحم والتلاشي دخانا في الهواء‏..‏ وانما تكون من طبيعة مختلفة تتحمل النار والاحتراق وتصمد لما يجري عليها بطول الأبد في نار وقودها الناس والحجارة‏.‏
إن القيامة التي أقاموها علينا باسم إنكار السنة وإنكار الشفاعة قيامة ظالمة نحن أبرياء منها‏,‏ فما أنكرنا إلا المنكر في الأحاديث‏..‏ وكل ما قلته في كتابي الشفاعة كان محاولة لفهم الشفاعة لا أكثر‏,‏ ولم يكن هناك ما يدعو لكل هذه المشانق التي نصبوها والمحارق التي أشعلوها فما أردنا إلا تنقية السنة من تحريفهم‏.‏
إنما كنا نحاول أن نفهم وأن نعقل كلام الله المعجز‏.‏
ونحن نعظم كتاب الله ونعظم رسوله أكثر مما يعظمونه‏.‏
وماذا يعني كلامهم‏..‏ ماذا يعني أن تدخل الجنة أقوام بغير عمل عملوه أو خير قدموه؟‏!!‏ إلا فوضي المحسوبية التي صنعوها في الدنيا وصورت لهم أهواؤهم أن تتكرر في الآخرة لمصلحتهم‏.‏
ألا تعني هذه الكلمات غواية وإغراء لكل نفس ضعيفة بألا تعمل وبألا تجتهد‏..‏ ألا تعني دعوة صريحة الي اللامبالاة والإغراق في اللهو والعبث والفساد والإفساد‏..‏ ففي الآخرة مصيرهم أن يكونوا عتقاء يمرحون في الجنة بلا عمل عملوه وبلا خير قدموه‏..‏ وهل يكون هذا كلام عدو أو صديق لديننا‏,‏ وكيف يصدر مثل هذا الكلام عن سيدنا رسول الله‏..‏ حاشا لله أن يقوله‏.‏
اني عاتب علي الذين أثاروا علينا هذه الحملة الشعواء وأنا خصيمهم يوم القيامة‏..‏ يقضي بيننا الله بما يراه‏..‏ هو وحده العليم بالسر وأخفي وليس بعد عدالته عدالة وليس بعد حقه حق‏.‏
وحينما يكون روح الدين وجوهره هو موضوع الخلاف‏..‏ فما أهون المشقة وما أهون التضحيات في سبيل أن نفهم ونتعلم حتي من خصمائنا‏.‏
ونحن أمة آفتها التواكل والكسل الذهني‏.‏
وفتور الهمة يصيبنا في الصميم بل هو سبب تخلفنا كله‏.‏
وأفكر دائما في الأمر الالهي للنبي عليه الصلاة والسلام في ختام سورة العلق‏.‏
‏[‏كلا لا تطعه واسجد واقترب‏]‏
وأفكر دائما كيف أسجد كيف أسجد وكيف أقترب؟
إن الاسلام كله في هاتين الكلمتين‏..[‏ اسجد واقترب‏]..‏
وكلام القرآن يقال فيه نفس الشيء‏.‏
ولنفهمه لابد أن نسجد ونقترب‏.‏
أما كثرة النقاش والجدل والملاحاة فلن توصل الي شيء‏.‏
وانما الخشوع وسجود القلب هما الوسيلة‏..‏ والتقوي هي الباب‏..‏ ولهذا آثرت الصمت في هذه الفتنة الهوجاء‏..‏ وعاودت التفكير والتأمل في هدوء‏..‏ ولم أحاول الرد الي أن هدأت العواصف‏.‏
وقد اختلف العارفون في معني الشفاعة فقال العارف بالله محمد أمين شيخو‏:‏ هي أن تكون مع الرسول عليه الصلاة والسلام‏..‏ هو دليلك وسراجك المنير والهادي وهو الذي يشفع وجودك ويدخل بك الي الحضرة الإلهية فتبلغ الكمالات وتنال العفو والرضي والجنة‏,‏ فمحمد عليه الصلاة والسلام هو الوسيلة‏.‏
والفقهاء الملتزمون شرطوها بالإذن الإلهي والتزموا بالنص القرآني‏:‏
‏[‏ما من شفيع إلا من بعد إذنه‏](3‏ يونس‏).‏
‏[‏ولا يشفعون إلا لمن ارتضي‏](28-‏ الأنبياء‏).‏
‏[‏ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له‏](23-‏ سبأ‏).‏
‏[‏يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا‏](109-‏ طه‏).‏
‏[‏وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏](26-‏ النجم‏).‏
‏[‏ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع‏](18-‏ غافر‏).‏
‏(‏قل لله الشفاعة جميعا‏)(44-‏ الزمر‏)‏
وأكثر آيات القرآن تنفي الشفاعة بمعني الوساطات والمحسوبيات التي نعرفها في الدنيا‏..‏ وتسندها لله وحده‏..‏ العليم بالسر وأخفي‏..‏ العفو عفوه والإذن إذنه‏..‏ هو الباب واليه المآب‏..‏ وعنده حسن المآب‏..‏
واختر ما ترتاح اليه من هذه المفاهيم‏.‏
وفي جميع الحالات شفيعك عملك‏..‏ ولكن الله من قبل ذلك‏..‏ والله من بعد ذلك‏..‏ فهو الذي خلقك‏..‏ وهو الذي سيمكنك من عملك النافع والخير أو لا يمكنك‏..‏ وهو الذي سيعفو عن سيئاتك أو لا يعفو عنها‏..‏ وهو الذي سيمكنك من التوبة أو لا يمكنك‏..‏ وهو قابل التوب وغافر الذنب‏..‏ وليس من الله بد‏..‏ وليس قبله ولا بعده شيء‏.‏
والمعني أن الله في الأولي والله في الآخرة‏..‏ والله من قبل ذلك‏..‏ في التعارف الأول في الأزل قبل النزول الي عالم الدنيا‏..[‏ يوم أشهدهم علي أنفسهم‏]..‏ كما جاء في سورة الأعراف‏.‏
‏[‏وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون‏](‏ الأعراف‏-171-174).‏
لا مهرب من الله‏..‏ فهو الأول والآخر والظاهر والباطن‏..‏ وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء‏.‏
‏[‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏)(115-‏ البقرة‏).‏
وأصدق الصادقين من قال‏[‏ لله الشفاعة جميعا‏].‏
فقد أحاطت هذه العبارة بالأولي وبالآخرة‏..‏ وما قبل ذلك وما بعده ان كان هناك قبل أو بعد‏..‏
والله هو الذي خلق محمدا عليه الصلاة والسلام‏..‏ وهو الذي أرسله وهو الذي جعله نذيرا وبشيرا وداعيا الي الله باذنه وسراجا منيرا‏..‏ وهو صاحب المقام المحمود الذي تحمده كل الخلائق‏.‏
وانت مع الله تكون مع جامع الخيرات كلها‏..‏ ومع أرحم الراحمين الذي لا يساويه أحد في رحمته ولا في قدرته‏.‏
وهذا مفهومي إن شئت أخذته وإن شئت اخترت البديل الذي ترتاح له نفسك وقلبك‏..‏ دون خصومة ودون لدد‏..‏ فدنيا الله كلها حب‏..‏ ولا خصومة فيها ولا خلاف‏..‏ وانما الحق والحق وحده‏