الاثنين، 3 مارس 2014

قسم المقالات : الأكراد بقلم دكتور مصطفى محمود


الأكراد
   
بقلم د مصطفى محمود

الأكراد مسلمون هائمون مشردون بلا وطن وبلا أرض‏..‏ ثلاثون مليونا يتوزعون بين العراق ولبنان وسوريا وإيران وتركيا وينتشرون في أوروبا وآسيا والكثير من دول العالم شراذم وجماعات‏..‏ يطالبون بالهوية وبأرض تجمعهم ودولة تمثلهم وراية تضمهم ويقاتلون قتال حياة وموت منذ‏14‏ سنة من أجل هذا الوطن المفقود‏..‏
بلغ قتلاهم أكثر من‏29‏ ألف قتيل‏..‏ وقد تكاتفت اسرائيل وتركيا وأمريكا علي ضربهم وتشتيتهم وقتل زعاماتهم والايقاع بين قياداتهم والكيد لهم بكل سبيل‏..‏ ربما لثأر قديم من البطل الكردي صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الحملات الصليبية في الماضي واستأصل الأمل الذي كان يراود أوروبا في احتلال القدس ولانتزاع راية الفتوحات الاسلامية من المسلمين ورد الغزو الاسلامي الي خندق الجزيرة العربية ولإطفاء شعلة التوحيد الي الأبد‏.‏
ولا تفسير لهذا الغل الاسرائيلي سوي كراهية اليهود وحقدهم علي كل ما هو اسلامي‏,‏ فعالم الأكراد هو التيه الاسلامي والشتات الاسلامي في مقابل الشتات اليهودي‏..‏ ومذابح الأكراد هي التي يبرد بها اليهود نار الهولوكوست اليهودي‏..‏ ولهذا يجر اليهود أمريكا جرا إلي هذه المعركة‏..‏ وحكام تركيا من اليهود الدونمة يفعلون نفس الشيء‏..‏ والأكراد بين طرفي مطرقة وسندان‏.‏
ولأن الأكراد شعب صلب مقاتل وروح متأججة لا تنطفيء فإن الصراع يزداد احتداما
ولن يدع الأكراد السلاح
ولن تكف اسرائيل وأمريكا عن الكيد
وعقدة الخوف من انبعاث روح إسلامية مقاتلة جديدة وراء كل هذا‏..‏
ومحاولة تشويه هذه الروح القتالية ودمغها بالارهاب وتصنيفها مع الإجرام هو المكر القديم والإفك الإعلامي الذي تلجأ اليه أمريكا ويلجأ اليه الغرب في التعامل مع هذه البطولة الكردية‏.‏


وحزب العمال الكردستاني حزب معلن ومشروع وليس جماعة ارهابية وهو الآن لا يطلب أرضا بل يطلب حكما ذاتيا للشعب الكردي فقط‏..‏ ولكن كل هذا لم يشفع للأكراد‏..‏ ورأينا صدام حسين يعلن حربا كيمائية لإبادتهم‏..‏ ووقفت أكثر الدول العربية موقف الحذر والخوف منهم‏.‏
وانشقت القيادة الكردية في العراق بين الطالباني والبرزاني‏..‏ واختلف الاثنان وتقاتلا‏..‏ وكان وراء هذه الفتنة مكر وأموال الحكومات القائمة‏..‏ ولو اتحدت القيادتان لاختلف المصير‏..‏ لكن محاولات التفتيت لا تنتهي‏.‏
والأكراد شعب في محنة تتجدد فصولا منذ سنين‏.‏
ولم يشفع لعبدالله أوجلان إعلانه انه ماركسي‏..‏ ولم تكسب له ماركسيته أرضا جديدة‏..‏ وما لبثت الماركسية أن انهزمت في روسيا ذاتها‏..‏ وأصبح حزب العمال الكردستاني في العراء بلا هوية مذهبية‏..‏ وأصبحت الأزمة الكردية أزمة انتماء وليست أزمة هوية فقط‏..‏ وأصبح لأمريكا مبررات اضافية ودوافع اضافية لمطاردة الأكراد‏..‏ وفقد الشعب الكردي البوصلة الواحدة وفقد الاتجاه في العواصف السياسية التي يغالبها وتغالبه‏..‏ والله وحده يعلم متي تتوحد هذه الإرادة الكردية في رجل ومتي تنطلق كالقذيفة لتصنع المعجزة من جديد تحت راية التوحيد‏.‏
ويظن قاريء التاريخ ان الإرادة البطولية تكفي وأن الشجاعة البطولية تكفي وان السلاح هو الذي يصنع النصر‏..‏ وينسي تماما أن الله هو الذي يصنع التاريخ وهو الذي يكتب الماضي والحاضر والمستقبل بمشيئته‏..‏ وأن من أسمائه أنه المقدم والمؤخر‏..‏ والمعني انه وحده الذي يحدد المواقيت لكل شيء‏..‏ ويقدم ويؤخر الأحداث كما يشاء‏..‏ وان لا شيء يسبق ارادة الله ولا شيء سيبق حكمه‏.‏
وإحساسي يقول إن الله يخبيء لهذا الشعب المقهور رسالة كبري سوف يؤديها‏..‏ ولكنه وحده الذي سوف يحدد وقتها ورجالها وظروفها‏..‏
ولم يأت الميقات بعد
ولا أمل في أن تأخذ تركيا وجهة سياسية مختلفة‏..‏ فتركيا واسرائيل وأمريكا ثالوث واحد وخط سياسي واحد ضد الإسلام وضد كل ما هو إسلامي‏.‏
ورغم أن الحكم في تركيا ورث الخلافة الإسلامية العثمانية إلا أنه انقلب عليها وفرغها من محتواها الديني واللغوي والاجتماعي والسياسي واتجه بكليته نحو أوروبا‏..‏ ورغم أنه مازال مرفوضا من الاتحاد الأوروبي فإنه مازال واقفا ببابه متمسحا بأهدابه‏.‏
وأوروبا ترفض النظام التركي لأنه غير ديمقراطي ولأنه ديكتاتوري ولأنه لا يرعي حقوق الانسان وسوف تحاول تركيا أن تقدم نموذجا من المحاكمة لأوجلان ترضي عنه أوروبا لتقدمه عربون خطوبة للعروس الأوروبية‏.‏
وأمريكا التي انفردت بالسيطرة علي العالم تريد أن تقول انه لا حياة لشعب ولا لأمة ولا لجماعة إلا اذا قصقصت آمالها وشذبت سلوكها وأعادت كتابة دستورها علي وفاق مع الشكل الديمقراطي الأمريكي وانه لم تعد هناك رخصة لأي ثورة إلا اذا كانت ثورة تطلبها أمريكا ويقتضيها النظام العالمي الجديد‏..‏ والسلاح ممنوع والانقلابات محظورة إلا اذا كانت انقلابات في صالح الحرية بالمفهوم الأمريكي وفي صالح بقاء اسرائيل الي الأبد‏..‏ وهي تضرب الشعب العراقي في فظاظة وغلظة بالطائرات كل يوم وتدمر حياته ضد قرارات الأمم المتحدة لتحول العراق الي أرض خراب من أجل أن تأمن اسرائيل مستقبلها في عالم عربي ضعيف وممزق‏.‏
ومن الواضح أن عبدالله أوجلان لم يفطن الي التغيرات التي حدثت في العالم وان تنازع العملاقين الروسي والأمريكي علي السيادة قد حسم لصالح الملاكم الأمريكي بالضربة القاضية من زمن وانه لم يتبق من الماركسية الا ذكريات وسير وحكايات‏.‏
وحينما رفضت روسيا طلب الاقامة الذي تقدم به لم يفطن الي الاشارة‏..‏
إن المناضل الطيب كان يعيش في أوهام الماضي مثل الرفيق كاسترو في كوبا ومثل القيادات الماركسية في بلادنا العربية‏.‏
ولكن لتصحيح الأمر وحتي لا يشطح خيال القاريء‏..‏ نقول ان المبارزة بين المعسكرين لم تنته بعد‏..‏ وان اليسار الماركسي سقط ولكن اليسار بمعناه الأوسع مازال موجودا بكامل لياقاته في الحلبة‏..‏ وأن أمريكا تحكم بالفعل ولكنها لا تملك‏..‏ لا تملك الحقيقة‏.‏ ولا تملك المستقبل وانها لا تقل ضلالا عن الإمبراطورية الرومانية التي سبقتها والتي ملكت نواصي الأمر بالقوة الغاشمة حقبة من الزمان‏..‏ وأمريكا لا تختلف عنها في وسائل القوة الغاشمة التي تلوح بها‏..‏ من قنابل نووية الي ترسانات كيماوية‏..‏ الي طائرات شبحية‏..‏ الي صواريخ فضائية‏..‏ الخ‏..‏ الخ‏.‏
إنها الأقوي بلا شك‏..‏ والأكثر شراسة وإجراما
ولكن من قال ان القوة تدوم لأصحابها
ان سوس الفساد والانحلال يضرب في البنية الأمريكية حتي النخاع
وسوف تموت أمريكا العملاقة كما تموت الأشجار الباسقة العظيمة ذات يوم وهي واقفة وفي حجرها الحبيبة إسرائيل
وأي شيء في هذه الدنيا يستمر؟‏!!‏
وأي شيء لا يموت؟‏!!‏
يقول ربنا‏:‏
ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون‏(34‏ ـ الأعراف‏)‏
إن آجال الأمم مكتوبة عند الله بالساعة مثل آجال الأفراد‏..‏ وقانون الموت شامل لا استثناء فيه‏..‏ يموت الكبار كما يموت الصغار كما تموت الدواب كما تموت الأمم‏..‏ ولا شماتة وانما عبرة وعظة‏.‏
وسوف يحضر جيلنا موتها وموت اسرائيل ويقدم واجب التعزية للاثنين بالملابس الرسمية‏..‏
إن خبر اليوم‏..‏ أن أوجلان سجين مقيد اليدين‏..‏ وهو السجين الوحيد في جزيرة مرمرة‏..‏ وسوف يحكم عليه بالسجن مدي الحياة‏..‏ وربما بالإعدام‏..‏ ولكن الحكم الأخطر قد أصدرته تركيا بمجرد اعتقاله‏..‏ وهو إعدام شعب‏..‏ والقضاء علي آمال ثلاثين مليون مسلم وحرمانهم من الأرض والوطن والهوية‏.‏
هل يمكن أن يصدر مثل هذا الحكم في القرن العشرين‏..‏ في عصر التنوير‏..‏ وفي قرن الحرية وحقوق الانسان ودعاوي العدل والتقدم
لا أحسب ان في مقدور بشر ولا في مقدور دولة ان تصادر علي المستقبل ولو كانت تظاهرها البوارج الأمريكية والقنابل النووية والصواريخ الفضائية‏.‏
لا أحد يعلم لمن يكون المستقبل ولا ما سوف تبوح به خزائن الغيب
اطمئنوا أيها الإخوة الأكراد فالله لم يجعل له في الحكم شريكا وهو وحده الذي يملك مصائرنا وأمريكا علي قوتها وجبروتها لا تعلم ماذا سيكون من أمر مستقبلها ولا ما يخبئه لها الغد ولا ما بعد الغد‏..‏ إنها هي وطاغوطها رهن كلمة كن من القادر الذي خلقها
إمضوا في كفاحكم والله يرعاكم
وعلي الظالمين سوف تدور الدوائر