الردود الغاضبة والعاتبة
بقلم د مصطفى محمود
الردود الغاضبة والعاتبة علي موضوع الشفاعة بالمئات.. وأنا لم أفهم سببا واحد لهذا الغضب فالله بكرمه وحلمه فتح لنا باب التوبة لنتوب عن ذنوبنا ونتطهر من أوزارنا وجعل هذه التوبة ممدودة إلي النفس الأخير فلا يغلق بابها الا ساعة الحشرجة.
ومن عجب أن الله جعل هذه التوبة تجب كل الذنوب حتي كبيرها بل حتي الشنيع منها واقرأوا معي سورة البروج وحديث رب العالمين عن الجبارين الذين أحرقوا المؤمنين وهم قعود علي النار الموقدة.. يقول ربنا في قرآنه:
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عيها قعود وهم علي ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله علي كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق
والمعني واضح إن هؤلاء الجبابرة لن يعاقب منهم علي تلك الشناعات التي ارتكبوها الا الذين لم يتوبوا.. وأن الله بحلمه وكرمه جعل توبة هؤلاء المجرمين مقبولة.. حتي هذا الصنف من عتاة المجرمين يقبل ربنا توبته.. ولم يشترط ربنا لقبول هذه التوبة وساطة.. وإنما سوف يقبلها قابل التوب, غافر الذنب بجوده وكرمه.. وقال في محكم كتابه.. قل لله الشفاعة جميعا
ماذا يراد من رب الجود والكرم أكثر من هذا
وهل يريد الغاضبون والعاتبون أن يفعلوا ما يشاءون من الذنوب والخطايا ويسترسلوا في ذنوبهم وآثامهم وشرورهم إلي آخر العمر ثم يموتوا دون توبه ويلفظوا أنفاسهم دون ندم ثم يريدوا ساعة البعث أن يستقدموا رسولهم ليشفع لهم.. فاذا قلنا لهم ضيعتم فرصتكم الوحيدة في التوبة في حياتكم.. ضجوا واحتجوا ورمونا بالجهل وجاءوا بعشرات الأحاديث لعشرات من الرواه يقولون هذا وذاك من عجيب القول
ولا سلطان عندنا في مثل هذه الأمور الغيبية الا لكلمة القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي تولي ربنا حفظه بنفسه وقالإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون هل أخطأنا؟!!
أم المخطئون هم.. وقد كانت أمامهم الفرصة في حياتهم ليتوبوا فلم يتوبوا وفتح الله لهم باب التوبة إلي ساعة الحشرجة فلم يعبأوا ومضوا في غيهم يعمهون
إني لا أري مكانا لاختلاف ولا موضوعا لاشتباك.. وإنما كل منا يعمل بايمانه وكل فريق يعمل علي شاكلته فالموضوع لا يصلح فيه الجدل فهو موضوع غيبي يتناول الآخره.. والآخره لله وحده يفعل فيها ما يريد فهي شأنه.. وعلينا أن نسمع ونؤمن..لمن الملك اليوم لله الواحد القهار لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.. هو وحده صاحب الكلمه في ذلك اليوم.. لم يتخذ له وكلاء ولا مساعدين وربنا تبارك وتعالي هو مالك يوم الدين كما نقرأ في فاتحة الكتاب في كل صلاة
أما هواة الجدل فعلي رسلهم.. فهم سيتكلمون إلي آخر الدهر دون جدوي وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.. ولسنا أقل منهم إجلالا وإكبارا لمقام سيدنا رسول الله فهو في أعيننا ولكن الله وضع الحدود لكل شيء في قرآنه..
ونعود فنسأل ولماذا لم يتب هذا المذنب وكانت فرصة التوبة ممتدة أمامه طوال عمره وأي عدالة الآن في أن يستقدم رسوله ليجد له مخرجا من إثمه وكان المخرج أمامه طول الوقت.. ورسولنا العظيم أول من يعلم بمقام الهيبة الالهية.. وبعظمة الجناب الإلهي.. هيهات.. إنما هي شعره يتمسك بأهدابها المذنبون والمجرمون وأحلام يتعلق بها كل من قعدت به همته عن الطاعة
ونحن لا نريد عذابا لأحد.. ونحن مثل غيرنا أهل ذنوب ونلتمس المخرج من أهوال هذا اليوم.. ولكن القرآن لا يفتح لنا بابا إلا ويسده.. فهو يقولولا تنفع الشفاعة عنده الالمن أذن له23 ــ سبأ وهو كلام عن الملائكة.. ولكن ماذا يقول القرآن بعد ذلك.. حتي إذا فزع عن قلوبهم( لهول الموقف) قالوا(أي قال الملائكة) ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير.. إذن لا معدي في هذا اليوم( يوم الفزع الأكبر) عن الحق.. ولا إذن الا بالحق وفي مكان آخر يقول عن الملائكة ولا يشفعون الا لمن ارتضي(28 ــ الأنبياء) وبذلك عاد فأغلق الباب وجعله مقصورا علي أهل الرضا أي المرضي عنهم.. وهو تحصيل حاصل.. فالمرضي عنهم ناجون بحكم ما فعلوا في حياتهم من خير.. والحسنات كما يقول القرآن يذهبن السيئات.. وما زلنا ندور في حلقة مفرغة تبدأ من الحق وتنتهي إلي الحق ولا معدي في هذا اليوم عن الحق.. والشفاعة المأذون أصحابها هي شفاعة مشروطة.. والله سوف يحكم بنجاة أصحابها لأن هذا حظهم في الكتاب.. وحظ الملائكة فيها هي تشريفهم.. وحظ كل من يقوم بهذه الشفاعة هي تشريفة فهو الذي سيقوم بالتهنئه ويضع النيشان علي صدر صاحب النصيب.. ولكن هذا النصيب هو لا شك واصل لصاحبه لإنه حقه.. وهذا يوم الحق الذي لا يتم فيه شيء إلا بالحق أما أحباب الله فلهم عنده في ذلك اليوم الحسني وزيادة.. وأنا أعجب من الرافضين والمستنكرين فأنا مثلهم من أهل الذنوب وأحتاج لقشة أتعلق بها في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان ولكني لا أستطيع أن أخدع نفسي ولا أستطيع أن أحرف معاني الآيات القرانية لأخرج منها بما يرتاح له قلبي ويشفي فزعي فان الحق أحق بأن يقال وأولي بأن يتبع وإن كان لا يصادف الهوي
وعلينا أن نواجه هذه الحقيقه المؤلمه.. يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تنفعها خله ولا شفاعة.. والله يربط هذا القانون بأسمه الالهي في سورة السجده فيقول
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون
مالكم من دونه من ولي ولا شفيع.. والنفي هنا قطعي لأي نوع من ولي أو شفيع
هذا القطع الذي يرتجف له القلب فزعا وهولا.. والذي لا نملك معه الا السجود مبتهلين أن يفتح لنا الله بكرمه وفضله بابا للتوبه.. ماذا نملك أمامه؟!! سوي الاستغفار وطلب العفو والصفح والعزم علي التطهر من كل إثم وعلي عدم العود إلي المخالفة أبدا
وهل خرج قادة الإسلام الأوائل وأبطاله إلا من هذه المشكاة.. مشكاة القرآن وما كان علي أيامهم كتب سيرة ولا رواة سيرة ولكنهم كانوا يشهدون السيره بأعينهم من معينها الحي من النبي نفسه الذي كان يخرج معهم في غزواتهم.. وكان كل واحد فيهم نموذجا ومثالا.. وكان كل واحد فيهم أمة في رجل
والآن وقد تراخي بنا الزمن وأصبحنا نقرأ عن وعن وعن إلي آخر العنعنات التي لا يعلم بها الا الله.. واختلف أهل هذه العنعنات.. والقرآن بين أيدينا لا اختلاف فيه وآياته المحكمه كالسيف تقطعنا عن أي شك
وما أحب أن يقول رسولنا لربه يوم القيامه.. يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا..
وما أحب أن نهجر المشكاة ونبع القوة التي خرج منها أوائل هذه الأمه فنقطع عن أنفسنا الإلهام والمدد.. والتاريخ يهتف بنا طول الوقت.. إن عدتم عدنا إن عدتم إلي إيمانكم عدنا إلي نصرتكم
فهلا جمعنا العزم علي أن نعود
وهلا جمعنا العزم علي أن نرجع إلي دستورنا وقرآننا ونتعاهد معا علي أن نتمسك به إلي آخر يوم في حياتنا
وأضعف الايمان أن نتدبر آيات القرآن الكريم ولا نغلق باب الاجتهاد في فهمها أبدا فكل كتاب يؤخذ منه ويرد الا هذا الكتاب فهو خزينة العلم كله وما أضر بالاسلام والمسلمين الاإغلاقهم لباب الاجتهاد في دينهم وتحويلهم لمرويات السيره والأحاديث إلي مسلمات ومقدسات ومحظورات لا تمس ولا تناقش كأنها مومياوات محنطه
وما حفزني علي الكتابه في موضوع الشفاعه الا حديث رسولنا العظيم الذي قال فيه.. من يترك العمل ويتكل علي الشفاعة يورد نفسه المهالك ويحرم من رحمة الله.. كان خوفي من هذه الاتكالية هو حافزي الأول والأخير ونحن أمة من المتواكلين وما كتبت ما كتبت الا اجتهادا ولا أدعي العصمه والله وحده أعلم بالصواب فإن أصبت فبهديه وإن أخطأت فمن نفسي.. هو وحده سبحانه أهل التقوي وأهل المغفره
ومن أفضل الردود التي جاءتني هو هذا الرد القيم من الدكتور عبد العظيم المطعني الاستاذ بجامعة الأزهر وهو يهدينا إلي مخرج مأمون من هذه القضية الخلافية الشائكة في موضوع الشفاعة..
ويؤمن الدكتور المطعني أن الشفاعة حقيقة قرآنية ثابتة لا شك فيها ولكنها مشروطة وليست مطلقة بدون ضوابط.. فهي لا تجوز لكافر ولا لمشرك.. فلا يصح لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يشفع في أبي جهل ولا موسي أن يشفع في السامري والآيات التي قالت عن بعض أهل النار
وما هم بخارجين من النار( البقرة ــ65 ــ67) تتحدث عن كفره لا تنفعهم شفاعة.. فهي لا تنفي الشفاعة وأنما تؤكد علي شروطها
وأول شروط الشفاعة.. الإذن الالهي
ما من شفيع إلا من بعد إذنه(3 ــ يونس)
من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه( البقرة ــ255)
يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضي له قولا( طه ــ109) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له( سبأ ــ23)
والاذن يكون للشافع وللمشفوع فيه ولموضوع الشفاعة
وبهذا لا يعود هناك تناقض بين شفاعة الشفعاء وبين المشيئة الإلهية ويتأكد اكثر معني الآية(ولله الشفاعة جميعا) فلن توجد إرادة في العفو سابقة علي إرادته وأيضا تنتفي عن هذه الشفاعة صفة الوساطات والتزكيات التي نعرفها في الدنيا في أنها لن تتخطي الحق ولن تتجاوز العدل لأنها لن تصدر الا بإذن من الحكيم العليم بالسر وأخفي.. لا ملائكة ولا رسل ولا شهداء ولا صديقين.. وانما إرادة الله وحده.. فهو إذا أذن بها كانت وإن لم يأذن بها لم تكن.. فهو وحده مالك أمور الشفاعة كلها.. وهو ليس في حاجة إلي مساعدين فهو خالق كل شيء من عدم وحده.. وانما أراد بالشفاعة أن تكون تشريفا للشافع ورحمة للمشفوع فيه.. وأولي الناس بهذا الشرف هو النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام لاجدال
أما الأحاديث النبوية ومرويات السيرة فلا ينكر الدكتور المطعني أن فيها الحديث الضعيف وفيها الدخيل والعليل والمكذوب وكل هذا مصنف ومعروض ومدروس ويخضع للنقد في كتب الحديث والسنه ولا يدعونا في مجمله إلي الاكتفاء بالقرآن باعتباره الأكثر مصداقية والمحفوظ من الله فالله يقول في قرآنه
وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم( النحل ــ44)
وتبيين الرسول هو أقوله وأفعاله وأخلاقه وسلوكه.. ورفض السنه يفتح الباب لفتن لا آخر لها.. ويهدم أصل الدين كله.. فهل عرفنا الصلاة وإقامتها والزكاة ومصارفها والحج وشعائره الا من السنه.. ولو اكتفينا بالقرآن لما عرفنا شيئا من هذا
والدكتور المطعني له حق في مخاوفه.. وهو كعادته يقدم فهما مقبولا وحلا للإشكالات التي تعترض قاريء القرآن حينما يري الآيات القرآنية تنفي الشفاعة في مكان وتثبتها في مكان آخر.. فالشفاعة لا تأتي في القرآن مطلقة بل تأتي مقيده بالإذن ولها ضوابط وشروط.. فإذا لم تتوفر الشروط ولا الضوابط فلا إذن.. والله وحده مصدر الإذن.. وهنا سر الإشكال
والقرآن ككل مضافا اليه السنه ككل ضروريان معالفهم الدين.. ولفهم هذه القضية بالذات.. وأضيف للإشكالية جانبا آخر.. هو أن موضوع الشفاعة غيبي ومكانها وزمانها يوم القيامة.. ولا أحد يستطيع أن يدعي الإحاطه بما سيجري في هذا اليوم.. ولا نملك بعد استعراض القرآن والسنه الا الاجتهاد في الفهم.. وإحتمال الخطأ وارد..
والإختلاف علي المقام المحمود يحسمه القرآن فقد قال القرآن اننا أمة وسطا وأننا شهداء علي الناس وأن الرسول شهيدا علينا وأنه هو الرسول الخاتم وأن الكتاب الذي جاءبه مهيمنا علي كل الكتب
ومن الطبيعي أن يكون صاحب كل هذا هو المأذون في الشفاعة وأن هذا هو مقامه الرفيع والمحمود وهذا لا يتناقض مع الآية المحكمة.. ولله الشفاعة جميعا.. لأن الله فوق الكل وصاحب الإذن.. وبدونه ما كانت لتكون هناك شفاعة علي الاطلاق.. وأنا ارتاح لهذا الفهم.. والخوض في الموضوع يورد المهالك
وقد اتسعت صدور القراء للكثير في موضوع علمنا فيه قليل.. وتبادل الإتهامات والتراشق بالجدل سوف يسلمنا إلي جهالات نحن في غني عنها
ولهذا نكتفي بما قلناه ونختم الموضوع مؤثرين الايمان علي الجدل والتفويض علي تبادل التهم.. فبحور العلم بلا شاطيء وأعماقها بلا أغوار والله وحده هو الهادي ونسأله المغفره
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عيها قعود وهم علي ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله علي كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق
والمعني واضح إن هؤلاء الجبابرة لن يعاقب منهم علي تلك الشناعات التي ارتكبوها الا الذين لم يتوبوا.. وأن الله بحلمه وكرمه جعل توبة هؤلاء المجرمين مقبولة.. حتي هذا الصنف من عتاة المجرمين يقبل ربنا توبته.. ولم يشترط ربنا لقبول هذه التوبة وساطة.. وإنما سوف يقبلها قابل التوب, غافر الذنب بجوده وكرمه.. وقال في محكم كتابه.. قل لله الشفاعة جميعا
ماذا يراد من رب الجود والكرم أكثر من هذا
وهل يريد الغاضبون والعاتبون أن يفعلوا ما يشاءون من الذنوب والخطايا ويسترسلوا في ذنوبهم وآثامهم وشرورهم إلي آخر العمر ثم يموتوا دون توبه ويلفظوا أنفاسهم دون ندم ثم يريدوا ساعة البعث أن يستقدموا رسولهم ليشفع لهم.. فاذا قلنا لهم ضيعتم فرصتكم الوحيدة في التوبة في حياتكم.. ضجوا واحتجوا ورمونا بالجهل وجاءوا بعشرات الأحاديث لعشرات من الرواه يقولون هذا وذاك من عجيب القول
ولا سلطان عندنا في مثل هذه الأمور الغيبية الا لكلمة القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي تولي ربنا حفظه بنفسه وقالإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون هل أخطأنا؟!!
أم المخطئون هم.. وقد كانت أمامهم الفرصة في حياتهم ليتوبوا فلم يتوبوا وفتح الله لهم باب التوبة إلي ساعة الحشرجة فلم يعبأوا ومضوا في غيهم يعمهون
إني لا أري مكانا لاختلاف ولا موضوعا لاشتباك.. وإنما كل منا يعمل بايمانه وكل فريق يعمل علي شاكلته فالموضوع لا يصلح فيه الجدل فهو موضوع غيبي يتناول الآخره.. والآخره لله وحده يفعل فيها ما يريد فهي شأنه.. وعلينا أن نسمع ونؤمن..لمن الملك اليوم لله الواحد القهار لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.. هو وحده صاحب الكلمه في ذلك اليوم.. لم يتخذ له وكلاء ولا مساعدين وربنا تبارك وتعالي هو مالك يوم الدين كما نقرأ في فاتحة الكتاب في كل صلاة
أما هواة الجدل فعلي رسلهم.. فهم سيتكلمون إلي آخر الدهر دون جدوي وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.. ولسنا أقل منهم إجلالا وإكبارا لمقام سيدنا رسول الله فهو في أعيننا ولكن الله وضع الحدود لكل شيء في قرآنه..
ونعود فنسأل ولماذا لم يتب هذا المذنب وكانت فرصة التوبة ممتدة أمامه طوال عمره وأي عدالة الآن في أن يستقدم رسوله ليجد له مخرجا من إثمه وكان المخرج أمامه طول الوقت.. ورسولنا العظيم أول من يعلم بمقام الهيبة الالهية.. وبعظمة الجناب الإلهي.. هيهات.. إنما هي شعره يتمسك بأهدابها المذنبون والمجرمون وأحلام يتعلق بها كل من قعدت به همته عن الطاعة
ونحن لا نريد عذابا لأحد.. ونحن مثل غيرنا أهل ذنوب ونلتمس المخرج من أهوال هذا اليوم.. ولكن القرآن لا يفتح لنا بابا إلا ويسده.. فهو يقولولا تنفع الشفاعة عنده الالمن أذن له23 ــ سبأ وهو كلام عن الملائكة.. ولكن ماذا يقول القرآن بعد ذلك.. حتي إذا فزع عن قلوبهم( لهول الموقف) قالوا(أي قال الملائكة) ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير.. إذن لا معدي في هذا اليوم( يوم الفزع الأكبر) عن الحق.. ولا إذن الا بالحق وفي مكان آخر يقول عن الملائكة ولا يشفعون الا لمن ارتضي(28 ــ الأنبياء) وبذلك عاد فأغلق الباب وجعله مقصورا علي أهل الرضا أي المرضي عنهم.. وهو تحصيل حاصل.. فالمرضي عنهم ناجون بحكم ما فعلوا في حياتهم من خير.. والحسنات كما يقول القرآن يذهبن السيئات.. وما زلنا ندور في حلقة مفرغة تبدأ من الحق وتنتهي إلي الحق ولا معدي في هذا اليوم عن الحق.. والشفاعة المأذون أصحابها هي شفاعة مشروطة.. والله سوف يحكم بنجاة أصحابها لأن هذا حظهم في الكتاب.. وحظ الملائكة فيها هي تشريفهم.. وحظ كل من يقوم بهذه الشفاعة هي تشريفة فهو الذي سيقوم بالتهنئه ويضع النيشان علي صدر صاحب النصيب.. ولكن هذا النصيب هو لا شك واصل لصاحبه لإنه حقه.. وهذا يوم الحق الذي لا يتم فيه شيء إلا بالحق أما أحباب الله فلهم عنده في ذلك اليوم الحسني وزيادة.. وأنا أعجب من الرافضين والمستنكرين فأنا مثلهم من أهل الذنوب وأحتاج لقشة أتعلق بها في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان ولكني لا أستطيع أن أخدع نفسي ولا أستطيع أن أحرف معاني الآيات القرانية لأخرج منها بما يرتاح له قلبي ويشفي فزعي فان الحق أحق بأن يقال وأولي بأن يتبع وإن كان لا يصادف الهوي
وعلينا أن نواجه هذه الحقيقه المؤلمه.. يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تنفعها خله ولا شفاعة.. والله يربط هذا القانون بأسمه الالهي في سورة السجده فيقول
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوي علي العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون
مالكم من دونه من ولي ولا شفيع.. والنفي هنا قطعي لأي نوع من ولي أو شفيع
هذا القطع الذي يرتجف له القلب فزعا وهولا.. والذي لا نملك معه الا السجود مبتهلين أن يفتح لنا الله بكرمه وفضله بابا للتوبه.. ماذا نملك أمامه؟!! سوي الاستغفار وطلب العفو والصفح والعزم علي التطهر من كل إثم وعلي عدم العود إلي المخالفة أبدا
وهل خرج قادة الإسلام الأوائل وأبطاله إلا من هذه المشكاة.. مشكاة القرآن وما كان علي أيامهم كتب سيرة ولا رواة سيرة ولكنهم كانوا يشهدون السيره بأعينهم من معينها الحي من النبي نفسه الذي كان يخرج معهم في غزواتهم.. وكان كل واحد فيهم نموذجا ومثالا.. وكان كل واحد فيهم أمة في رجل
والآن وقد تراخي بنا الزمن وأصبحنا نقرأ عن وعن وعن إلي آخر العنعنات التي لا يعلم بها الا الله.. واختلف أهل هذه العنعنات.. والقرآن بين أيدينا لا اختلاف فيه وآياته المحكمه كالسيف تقطعنا عن أي شك
وما أحب أن يقول رسولنا لربه يوم القيامه.. يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا..
وما أحب أن نهجر المشكاة ونبع القوة التي خرج منها أوائل هذه الأمه فنقطع عن أنفسنا الإلهام والمدد.. والتاريخ يهتف بنا طول الوقت.. إن عدتم عدنا إن عدتم إلي إيمانكم عدنا إلي نصرتكم
فهلا جمعنا العزم علي أن نعود
وهلا جمعنا العزم علي أن نرجع إلي دستورنا وقرآننا ونتعاهد معا علي أن نتمسك به إلي آخر يوم في حياتنا
وأضعف الايمان أن نتدبر آيات القرآن الكريم ولا نغلق باب الاجتهاد في فهمها أبدا فكل كتاب يؤخذ منه ويرد الا هذا الكتاب فهو خزينة العلم كله وما أضر بالاسلام والمسلمين الاإغلاقهم لباب الاجتهاد في دينهم وتحويلهم لمرويات السيره والأحاديث إلي مسلمات ومقدسات ومحظورات لا تمس ولا تناقش كأنها مومياوات محنطه
وما حفزني علي الكتابه في موضوع الشفاعه الا حديث رسولنا العظيم الذي قال فيه.. من يترك العمل ويتكل علي الشفاعة يورد نفسه المهالك ويحرم من رحمة الله.. كان خوفي من هذه الاتكالية هو حافزي الأول والأخير ونحن أمة من المتواكلين وما كتبت ما كتبت الا اجتهادا ولا أدعي العصمه والله وحده أعلم بالصواب فإن أصبت فبهديه وإن أخطأت فمن نفسي.. هو وحده سبحانه أهل التقوي وأهل المغفره
ومن أفضل الردود التي جاءتني هو هذا الرد القيم من الدكتور عبد العظيم المطعني الاستاذ بجامعة الأزهر وهو يهدينا إلي مخرج مأمون من هذه القضية الخلافية الشائكة في موضوع الشفاعة..
ويؤمن الدكتور المطعني أن الشفاعة حقيقة قرآنية ثابتة لا شك فيها ولكنها مشروطة وليست مطلقة بدون ضوابط.. فهي لا تجوز لكافر ولا لمشرك.. فلا يصح لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يشفع في أبي جهل ولا موسي أن يشفع في السامري والآيات التي قالت عن بعض أهل النار
وما هم بخارجين من النار( البقرة ــ65 ــ67) تتحدث عن كفره لا تنفعهم شفاعة.. فهي لا تنفي الشفاعة وأنما تؤكد علي شروطها
وأول شروط الشفاعة.. الإذن الالهي
ما من شفيع إلا من بعد إذنه(3 ــ يونس)
من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه( البقرة ــ255)
يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضي له قولا( طه ــ109) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له( سبأ ــ23)
والاذن يكون للشافع وللمشفوع فيه ولموضوع الشفاعة
وبهذا لا يعود هناك تناقض بين شفاعة الشفعاء وبين المشيئة الإلهية ويتأكد اكثر معني الآية(ولله الشفاعة جميعا) فلن توجد إرادة في العفو سابقة علي إرادته وأيضا تنتفي عن هذه الشفاعة صفة الوساطات والتزكيات التي نعرفها في الدنيا في أنها لن تتخطي الحق ولن تتجاوز العدل لأنها لن تصدر الا بإذن من الحكيم العليم بالسر وأخفي.. لا ملائكة ولا رسل ولا شهداء ولا صديقين.. وانما إرادة الله وحده.. فهو إذا أذن بها كانت وإن لم يأذن بها لم تكن.. فهو وحده مالك أمور الشفاعة كلها.. وهو ليس في حاجة إلي مساعدين فهو خالق كل شيء من عدم وحده.. وانما أراد بالشفاعة أن تكون تشريفا للشافع ورحمة للمشفوع فيه.. وأولي الناس بهذا الشرف هو النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام لاجدال
أما الأحاديث النبوية ومرويات السيرة فلا ينكر الدكتور المطعني أن فيها الحديث الضعيف وفيها الدخيل والعليل والمكذوب وكل هذا مصنف ومعروض ومدروس ويخضع للنقد في كتب الحديث والسنه ولا يدعونا في مجمله إلي الاكتفاء بالقرآن باعتباره الأكثر مصداقية والمحفوظ من الله فالله يقول في قرآنه
وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم( النحل ــ44)
وتبيين الرسول هو أقوله وأفعاله وأخلاقه وسلوكه.. ورفض السنه يفتح الباب لفتن لا آخر لها.. ويهدم أصل الدين كله.. فهل عرفنا الصلاة وإقامتها والزكاة ومصارفها والحج وشعائره الا من السنه.. ولو اكتفينا بالقرآن لما عرفنا شيئا من هذا
والدكتور المطعني له حق في مخاوفه.. وهو كعادته يقدم فهما مقبولا وحلا للإشكالات التي تعترض قاريء القرآن حينما يري الآيات القرآنية تنفي الشفاعة في مكان وتثبتها في مكان آخر.. فالشفاعة لا تأتي في القرآن مطلقة بل تأتي مقيده بالإذن ولها ضوابط وشروط.. فإذا لم تتوفر الشروط ولا الضوابط فلا إذن.. والله وحده مصدر الإذن.. وهنا سر الإشكال
والقرآن ككل مضافا اليه السنه ككل ضروريان معالفهم الدين.. ولفهم هذه القضية بالذات.. وأضيف للإشكالية جانبا آخر.. هو أن موضوع الشفاعة غيبي ومكانها وزمانها يوم القيامة.. ولا أحد يستطيع أن يدعي الإحاطه بما سيجري في هذا اليوم.. ولا نملك بعد استعراض القرآن والسنه الا الاجتهاد في الفهم.. وإحتمال الخطأ وارد..
والإختلاف علي المقام المحمود يحسمه القرآن فقد قال القرآن اننا أمة وسطا وأننا شهداء علي الناس وأن الرسول شهيدا علينا وأنه هو الرسول الخاتم وأن الكتاب الذي جاءبه مهيمنا علي كل الكتب
ومن الطبيعي أن يكون صاحب كل هذا هو المأذون في الشفاعة وأن هذا هو مقامه الرفيع والمحمود وهذا لا يتناقض مع الآية المحكمة.. ولله الشفاعة جميعا.. لأن الله فوق الكل وصاحب الإذن.. وبدونه ما كانت لتكون هناك شفاعة علي الاطلاق.. وأنا ارتاح لهذا الفهم.. والخوض في الموضوع يورد المهالك
وقد اتسعت صدور القراء للكثير في موضوع علمنا فيه قليل.. وتبادل الإتهامات والتراشق بالجدل سوف يسلمنا إلي جهالات نحن في غني عنها
ولهذا نكتفي بما قلناه ونختم الموضوع مؤثرين الايمان علي الجدل والتفويض علي تبادل التهم.. فبحور العلم بلا شاطيء وأعماقها بلا أغوار والله وحده هو الهادي ونسأله المغفره